عن اوجلان واكراده..!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في خلسة من الإعلام العالمي، وبتواطئ ضمني من بعضه، تشن المؤسسة العسكرية التركية هذه الأيام عمليات عسكرية ضخمة، ضد مواقع قوات حماية الشعب( الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) في طول وعرض اقليم كردستان الشمالية( جنوب شرق تركيا، بالصيغة الدولية المعترف بها). وتشير التقارير اليومية الواردة من ولايات ديابكر، ديرسيم، شرناخ، بتليس، وسيرت إلى وقوع مواجهات عنيفة بين مجموعات المقاتلين الكرد ووحدات الجيش التركي، تسفر غالباً عن وقوع ضحايا و"شحن العشرات من توابيت الجنود والضباط الشباب الأتراك، إلى مناطق الداخل التركي" على حد تعبير أحد الصحفيين الأتراك. ويحدث ذلك كله رغم إعلان حزب العمال الكردستاني عن وقف ٍ لإطلاق النار منذ شهر تشرين الأول الماضي، بعد دعوات وجهها مئات المثقفين والكتاب الأكراد والأتراك داخل البلاد، على امل إيجاد حل سلمي للقضية الكردية وإنهاء الحرب في "مناطق جنوب شرق البلاد". وكان الروائي الكردي الشهير يشار كمال في طليعة أولئك الكتاب الداعين للحوار والتفاوض كأساس لأنهاء هذه القضية.
الحرب التركية الداخلية ضد العمال الكردستاني، في موازة الأزمة السياسية الحالية، مستمرة وهي تشتد حالياً بهدف ضرب المجموعات الكردية المقاتلة في الجبال بعد فترة ذوبان الثلوج. هذا في الحين الذي تشدد السلطات التركية من حالة العزلة التي تفرضها على الزعيم الكردي الأسير عبدالله اوجلان. حيث نقل محامو اوجلان عن تعرض موكلهم لحالة عزلة مشددة داخل العزلة المفروضة عليه مدة 20 يوماً، وان السلطات "صادرت كتبه وجهاز مذياعه والزمته عدم مغادرة حجرته الإنفرادية، في سجن جزيرة إيمرالي المعزولة وسط بحر مرمرة، حيث يحتجز هناك منذ اكثر من 8 اعوام". ويأتي هذا الإجراء بعد حادثة التسميم الأخيرة التي تعرض لها اوجلان في السجن، وكشفها محاموه للرأي العام الدولي في مؤتمر صحفي عقدوه بداية شهر آذار الماضي في العاصمة الإيطالية روما.
الزعيم الكردي حذرتركيا مرة أخرى من ان "سياسة القمع والإجتثاث الحالية قد تؤدي إلى بروز حرب اهلية طاحنة بين الشعبين الكردي والتركي"، وانه "في حال الإصرار على الحرب والحملات العسكرية فإن حزب العمال الكردستاني سوف يرد بكل قوة لحماية نفسه والشعب الكردي"، وإنه كذلك "لن يكون في مقدوره فعل اي شيء، حيث ان القرار سيكون في يد القادة الميدانيين، الذين سيقررون ما هو مناسب". كما ذكرّ أوجلان بتصريحات الرئيس التركي الأسبق ومهندس الإنقلاب العسكري عام 1980 كنعان ايفرين والذيّ طالب بحل القضية الكردية على اساس فيدرالي، تقسم البلاد بموجبه ل9 ولايات ذات حكم ذاتي موسع. كما نبه أوجلان حكومة (العدالة والتنمية) لخطر الجيش و(حزب الشعب الجمهوري) المعارض الذي وصفه بأنه "بؤرة تضم تشكيلات متجانسة من شوفينيين ودعاة حروب"، كما طالب اوجلان اردوغان بالعمل الحثيث لإصلاح الحالة السياسية والبدء بالقضية الكردية، التي قال بانها السبب الرئيس في ظهور الأزمة السياسية الحالية في البلاد.
والحال، فإن الجيش الممسك حقاً بزمام الأمور في البلاد مصر على المضي قدماً في طريق الحرب وإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني. وكانت هيئة الأركان التركية قد قالت بأن هذا الأخير قد عاد لقوته التي كان يمتلكها بداية التسعينيات. ونقل عن الجنرال يشار بويوكانيت، قائد الجيش التركي والرجل الأقوى في البلاد، بان العمال الكردستاني رتب صفوفه في الداخل والخارج وهو يسيطر على الأمور في جنوب شرق البلاد، ويدير مئات المؤسسات ومنها "صحيفة تصدر بشكل رسمي وتنظّر له بشكل علاني" في إشارة لصحيفة (اوزغور كوندم) التي تصدر بالتركية في اسطنبول.
بويوكانيت ولكي يتهرب من "استحقاقات السلام" و"محاولات دمقرطة البلاد" و"الإصلاحات المفروضة من الأتحاد الأوروبي" و"الكف عن التدخل في الحياة السياسية" وما إلى ذلك، يجتهد لتحويل انظار الشعب التركي إلى الكرد بوصفهم "الخطر الأكبر الذي يهدد وحدة البلاد"، ويجب تأجيل( بل وإلغاء، اذا أمكن) كل العملية السياسية بغية التفرغ لمجابهة "الخطر الكردي" وسحقه. وكترجمة لذلك الهدف، اعتاد الرجل ومنذ تعيينه قائداً عاماً للجيش، على المشاركة في مراسيم تشييع جنازات الضباط والجنود الأتراك، قتلى المواجهات مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وذرف دموع التماسيح عليهم.
والحق ان حكومة (العدالة والتنمية) تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الأزمة الحالية وإطلاق يد بويوكانيت في السياسة لكي يتدخل على مزاجه في رفض هذا المرشح لكرسي الرئاسة وإقتراح ذاك. وكانت الحكومة قد افلتت من يدها تلك الفرصة الذهبية في محاكمة هذا الضابط الذي لايفهم سوى لغة التهديد والوعيد ووضعه خلف القضبان، وذلك اثناء ثبوت تورطه في هجوم فاشل شنه ضابطان بأمر منه على مكتبة تعود لأحد انصار العمال الكردستاني في بلدة شمزينان الكردية في 9/11/2005 حيث القت الجماهير القبض على المنفذين متلبسين وفي حوزتهما لائحة تتضمن اسماء العشرات من النشطاء السياسيين الكرد من الذين ينبغي قتلهم وتصفيتهم. وكان النائب العام التركي في مدينة وان (فرهاد ساراكايا) قد وجه التهمة لبويوكانيت بالوقوف "وراء الجريمة وتشكيل فرق اغتيالات خاصة مهمتها قتل السياسيين ونشطاء المجتمع المدني في عدة مناطق من جنوب شرق البلاد"، لكن تدخل الجنرال حلمي اوزكوك، رئيس اركان الجيش السابق، وجبن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان اخرجا بويوكانيت من دائرة المساءلة والعقوبة، كما افضى التهديد والجبن عينه إلى إقالة المحقق النزيه ساراكايا من منصبه.
الأوضاع تتجه للتأزم الآن، وحزب العمال الكردستاني لن يستمر على الأرجح في التقيد بعملية وقف إطلاق النار التي اعلنها من جانب واحد لمدة اطول. ثمّة كذلك تخوف كبير في اوساط الحزب من وجود نية مبيتة لدى الجيش في تصفية زعيمه أوجلان في السجن بشكل أو بآخر، وهو الذي يشكل رمزاً سياسياً كبيراً للشعب الكردي في كردستان الشمالية. وكان القائد الكردي قد ذكر اكثر من مرة، وأشار إلى إحتمال إقدام السلطات التركية على قتله، في ظل حادثة تسميمه ورفض السلطات التركية ارسال لجنة طبية مستقلة لجزيرة ايمرالي للتوقف على صحته. هذا في الحين الذي طالب فيه 44 نائباً أوروبياً تتقدمهم النائبة الكردية فلك ناز أوجا في عريضة رسمية أنقرة بالموافقة على استقبال لجنة طبية اوروبية والسماح لها بالكشف على صحة اوجلان والتحقق في أمر تعرضه للتسميم في السجن.
العمال الكردستاني يقول ان المواجهة القادمة ستكون شاملة وقد تفلت من تحت السيطرة فيما لم يتم إيجاد حل عادل للقضية الكردية والإفراج عن أوجلان وجميع سجناء الحزب في السجون التركية وعددهم 10 آلاف شخص كبادرة للحل وإعلان المصالحة الوطنية. وكذلك ايقاف حملات التضييق والملاحقة بحق (حزب المجتمع الديمقراطي) الذي يسيطر على 56 بلدية كبرى في اقليم كردستان الشمالية. وهو الأمر الذي لانستبعد وقوعه في حال استمرار تخبط الدولة واصرار الجيش على الحل العسكري وتخاذل حكومة أردوغان وبقية الأحزاب السياسية في الدعوة والمجاهرة بضرورة حل القضية الكردية ووضع حد للعمليات العسكرية التي يشنها عشرات الالوف من الجنود.
ويبقى الرأي الفصل النهائي، أثناء البحث في عموم المشهد التركي وعلاقة الجيش بالحكومة وكليهما بالقضية الكردية (وبالعمال الكردستاني وأوجلان تالياً...)، هو كينونة خطط و"وجهات نظر" أصحاب الأمر والنهي في البيت الأبيض الأميركي، وهو الأمر الذي يحاول أردوغان جاهداً معرفته والكشف عنه في هذه الأيام!!.