يوم 16 ايار سيتولى ساركوزي منصبه رئيسا لفرنسا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مع الانتخابات الفرنسية (2/2)
بقلم عزيز الحاج
ما هي التوقعات الأخرى، عدا التقارب من واشنطن، في السياسة الخارجية الفرنسية القادمة؟
1 - في السياسة العربية:
كان العديد من المقالات العربية التي نشرت خلال الحملة الانتخابية الفرنسية تبدي المخاوف من تغيير سياسة شيراك العربية. معلوم أنه بقدر ما يخص لبنان، فلن تتغير هذه السياسة، التي هي أيضا سياسة الاتحاد الأوروبي، ونعني شجب التدخل الإيراني - السوري، والإصرار على المحكمة الدولية، ولم يبد سركوزي خلال حملته الانتخابية أي تصريح أو تلميح بتغيير هذا الموقف.
أما القضية العراقية، فربما سيكون الرئيس الجديد أكثر تفهما للسياسة الأمريكية، وهادئا جدا في التعامل مع الولايات المتحدة بوجه عام، ولكن ليس متوقعا تغيير السياسة المعتمدة لحد الآن حول العراق. ففرنسا ستكون في رأينا أكثر حذرا حول تدخلها العسكري في بلدان أخرى، بل وهي تستعد اليوم لسحب قواتها من أفغانستان مقابل إطلاق سراح الطالبان لمختطف فرنسي هناك، وهذا ما يؤيده سركوزي حسب تصريحاته الانتخابية. وهنا نتوقف لانتقاد مواقف دول غربية كإيطاليا وفرنسا بالرضوخ لمطالب إرهابيي طالبان، مما سيعزز قوتهم ويغريهم باختطاف المزيد من المدنيين الغربيين الموجودين في أفغانستان. وكانت إيطاليا قد ضغطت على حميد كرزاي لإطلاق سراح إرهابيين طالبانيين خطرين مقابل إطلاق سراح صحفية إيطالية عند طالبان.
تبقى القضية الفلسطينية، حيث أن الأسس العامة للسياسة الفرنسية في القضية متفق عليها في حزب الرئيس الجديد. ربما الجديد إن حدث فهو المزيد من الضغط على حماس للاعتراف بإسرائيل والالتزام بما يبق الاتفاق عليه من قرارات واتفاقيات.
2 - وعن تركيا، فلسركوزي موقف صارم جدا برفض انضمامها الاتحاد الأوروبي رغم أن المبدأ متفق عليه في الاتحاد الأوروبي. حجة الرئيس الفرنسي هي أن تركيا، برغم أهميتها وتاريخها، دولة من دول حوض البحر المتوسط، والأحرى أن تجد مكانها في إطار تكتل لدول الحوض. وهذا في رأيه لا يعني عدم دخول الاتحاد الأوروبي مع تركيا في اتفاقيات للأفضلية الاقتصادية وتعزيز
التعاون معها في مختلف المجالات. أما المرشحة الاشتراكية، فهي على العكس تقبل مبدأ الانضمام وتدعو لمفاوضات جديدة بين الطرفين. وخلال مناظرة المرشحين أضاف سركوزي مخاوفه من زحف الإسلاميين الأتراك على أوروبا، قاصدا سلطة حزب الرفاه الإسلامي، الذي تجري في تركيا اليوم مظاهرات حاشدة متتالية ضد ترشيح الحزب وزير الخارجية لمنصب رئيس الجمهورية. ومهما يكن، فإن سركوزي سيكون بين أمرين: إما مجاراة موقف الاتحاد الأوروبي أو طرح القضية لاستفتاء عام، حيث يبدو أن هناك أكثرية فرنسية تتعاطف مع موقفه.
3 - المظاهرات المعادية:
تؤكد الصحافة الفرنسية ليوم الأربعاء [ 10 منه ] أن الأنشط في المظاهرات المعادية لانتخاب سركوزي، كانت عناصر من أقصى اليسار الفوضوي، الذين كان لهم في السبعينات تنظيم يمارس الاغتيالات. عنصر أقصى اليسار بين الطلبة قامت منذ الأربعاء بالتحضير لإقامة متاريس حول الجامعات لمنع أكثرية الطلبة من الدراسة. هكذا كانت فرق اليسار بمخلف انتماءاتها ترد بضغط الشارع على قرارات لا تعجبها يتخذها البرلمان، واليوم، فإن هواة العنف من الفوضويين وأقصى اليسار يحتجون بالعنف على نتائج انتخابات عامة صوتت فيها أكثرية لشعب للرئيس الجديد. إن هذه العناصر اندمجت مساء إعلان النتائج بزعران العنف [ أو "الحثالة" على حد وصف سركوزي]،
في الضواحي الفرنسية ومدن أخرى، لتقوم بعمليات اعتداء على البوليس، ونهب المخازن، وحرق السيارات، التي زاد عددها في ليلة واحدة عن ألف سيارة تعود لمواطنات ومواطنين مسالمين. إن مشاركة هذه الأقلية من شبان الهجرة في اضطرابات العنف مرة أخرى ستقود لا محالة للمزيد من تشويه سمعة العرب والمسلمين والأفارقة، وتزيد من التفاف الشعب الفرنسي حول السياسة الأمنية الصارمة للرئيس الفرنسي. وما دامت المفارقات تتالى، فإن حزب لولين اليميني المتطرف ينوي من جانبه القيام بمظاهرات! هكذا يلتقي حملة الأيديولوجيات المتطرفة! أما سكرتير الحزب الاشتراكي فقد وجه نداء للتهدئة، علما بأن 250 من المتشددين في حزبه شاركوا في اضطرابات باريس.
4 - نقطة نور:
يبقى أن نيدي رأينا في مفهوم اليسار واليمين في فرنسا. فاليمين هنا يعني المحافظة وإهمال القضايا الاجتماعية لصالح الرأسماليين. أما مفهوم اليسار في فرنسا فهو التركيز على ما تم إحرازه من تدابير اجتماعية واقتصادية، كتحديد ساعات العمل ب 35 ساعة، ورفض مطلب خدمات الحد الأدنى في وسائل النقل العامة خلال الإضرابات المتتالية، التي تمارس خلالها النقابات ضغوطا على العمال غير المضربين وتلجأ للتهديد أحيانا.
لقد أشرنا في بعض المقالات السابقة إلى أن أحزاب "اليسار" الفرنسية هي المتهمة بالمحافظة ورفض التغيير والتجديد اللذين تتطلبهما الأوضاع في هذه المرحلة أو تلك، وبعكس كثير من أحزاب اليسار الأوروبي، لا تزال متكلسة على القوالب القديمة. أما مرشح "اليمين"، فهو على العكس داعية للتغيير والتجديد، وخصوصا نحو المزيد من الإنتاجية وزيادة وتيرة التنمية، كما ورد في مقالنا السابق. وكنا بمناسبة رحيل المفكر الفرنسي الراحل جان فرنسوا ريفيل، قد توقفنا عند تفسيره لما يعنيه اليسار له. كان هناك من يتهمه بالنزعة اليمينية المحافظة بسبب لبراليته، وهو يرد بأنه يساري لكونه يدعو للتجديد والإصلاح والتقدم، وأن اللبرالية لا تتناقض مع اليسار الحقيقي. [ انظر سلسلة مقالاتنا عن الملف الفرنسي حول اللبرالية المنشورة مؤخرا..]
***
فاز سيفوز نيكولا ساركوزي اليميني وماذا بعد؟
بقلم مصطفة محمد غريب
في الحقيقة لقد كتبت هذا المقال في 5/5/2007 ولم أرسله بسبب وجود مقال آخر لي منشور ما يزال يحتفظ بأهميته وكان العنوان ( سيفوز نيكولا ساركوزي اليميني وليشرب الاشتراكي الديمقراطي ماء البحر؟) اضطررت بعد فوزه أن أعيد صياغة العنوان كما ترونه في مقدمة المقال وألغيت ليشرب ماء البحر كي لا يقال أنني متشفي بالخسارة وأجريت بعض التعديلات غير الجوهرية.
أنا لا يعنيني فوز احدهما لما صادفته وجربته من وعودهم السابقة ولا أرى أي تغير جذري في ما يخص السياسة الفرنسية الرسمية إلا تلك التي تهدف إلى الاستهلاك والتمييز في العموميات ولكسب أصوات الناخبين.. لكنني أستنتج أن خليفة شيراك اليميني نيكولا ساركوزي سيفوز على الاشتراكية الديمقراطية سيغولين رويال لعدة أسباب من بينها متابعتي التاريخية لسياسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وبعد كذبة المناظرة التلفزيونية التي عقدت بعد الجولة الأولى التي أظهرت سيغولين أكثر عمومية ولم تستطع مجارات النقاط الملتهبة وتشخيص عللها، وهناك أسباب قد نتناولها في المستقبل.. أتمنى.. نعم أتمنى من كل قلبي أن تفوز سيغواين رويال لأنها امرأة فقط وليس شيء آخر ولكن التمني راس مال المفلسين.
أقول : بالقدر الذي قد يجعلني أقارن بين هذا الخلف وأصوله المجرية وسيرة والده وسيرته وتحقيق برنامجه وبين سلفه شيراك من العجينة نفسها مثلما فعلت في الكثير من الأحيان وهمي أن اصل لقناعة عندي مترسخة بسبب واقع الحال أن الوعي الاجتماعي مازال لم يستوعب تماماً ويكتشف ما حوله كي يحث على تطور المجتمع وهو اقل من المستوى المطلوب عند الأكثرية إن كانوا في الغرب فرنسا أو غير فرنسا أو الشرق مع اختلاف التوجه وأشكال الرضوخ للأمر الواقع والاستمرار على التقليد والآمال الفارغة، وهي ليست مسبة أو إساءة بمقدار الاعتراف بالحقيقة وفهم ما اعني بالوعي الاجتماعي العلمي لدى الناخبين وصلته بإرادة الشعوب وتفهمها وإصرارها على حماية حقوقها بكل الطرق إذا كان وعيها الاجتماعي بالمستوى المطلوب، وقد تقع مسؤولية تعميق هذا الوعي على الادواة السياسية وآلياتها والأيديولوجيات ومدى مصلحتها في قيام وعي اجتماعي علمي حقيقي وغير مشبع بالغيبيات.. قد يعجب من قولي هذا الكثيرون وبخاصة من يتصورون بان حكم الاشتراكيين الديمقراطيين اليساري حسب تصورهم وما يدعون وانتخاب سيغولين رويال رئيسا لفرنسا سوف ينقذها من ألازمة أو من أزماتها التي تعيشها منذ عهد الرئيس ميتران وما قبله هذه ألازمة أو الأزمات التي تخفت تارة وتتصاعد مرة ثانية وثالثة ارتباطاً بأسلوب الاقتصاد الرأسمالي وعلى امتداد تاريخ الجمهورية بعد الحرب العالمية الثانية.. التغيرات والتطورات في مجالات الصناعة والاقتصاد وغيرهما التي حدثت في فرنسا لا يمكن وصفها بأنها أعجوبة تعود لجهة سياسية يمينية أو اشتراكية ديمقراطية فهي تحصيل حاصل على العملية التاريخية لتطور الرأسمالية وتفاعلها مع التطورات العالمية في هذا المضمار.. وما دام اليمين وبكل قناعة يقول انه ممثل لهذه الطبقة الرأسمالية فان الاشتراكيين الديمقراطية الفرنسيين ضائعين لا يعرفون من يمثلون بشكل جذري ولن يغيروا هذا الواقع لا بل كانوا في بعض الحالات أسوء من اليمين في خدمة الرأسمالية الفرنسية، ومن يتصور أن مرشحة الاشتراكي الديمقراطي سيغولين رويال وحزبها إذا فازت!! ستنقل فرنسا وأزماتها إلى خارج حدود أللأزمات الخيالية وتجعل من فرنسا جنّة عدن فعليه قبل كل شيء أن يعيد حسباته لأنها سوف لن تفعل أي شيء ما عدا وصولها لكرسي الرئاسة واحتفال أنصارها مثلما أتذكر احتفالهم بعد فوز ميتران، وتأجيل اتخاذ قرارات ثانوية بخصوص الأجانب التي ستكون دائماً ورقة يلعب عليها اليمين كي يأخذ السلطة مرة ثانية وهكذا.
هذا الواقع سرى على الوضع في ألمانيا بعد فوز امرأة من الحزب المسيحي الديمقراطي بدلاً عن الديمقراطي الاشتراكي الألماني.. عفواً تنازل الاشتراكي بعد الاتفاق بين الطرفين بضرورة الحفاظ على مصالح الاشتراكي الديمقراطي أي اتفاق توفيقي على حساب الناخبين المخدوعين من كلا الطرفين، فماذا تغيّر على صعيد ألمانيا داخلياً أو خارجيا، لا قولوا لي ماذا غيّر الاشتراكي الديمقراطي الذي حكم ألمانيا سنين طويلة وكان سليل ذلك التاريخ الذي حقق أمنية مجيء حزب هتلر النازي قبل الحرب العالمية إلى الحكم بسبب مواقفه التوفقيه وهروبه وعدم تحمل المسؤولية حيث سلم ألمانيا على طبق من ذهب إلى الحكم النازي مصراً على رفض التحالف مع الحزب الشيوعي الألماني حيث كانا يشكلان أقوى كتلة برلمانية في الرايشتاغ ( البرلمان ) ويمنع تكليف هتلر وحزبه بالمستشارية وقيادة ألمانيا. والكل يعرف الثمن الباهض الذي دفعه الشعب الألماني ودفعته البشرية في ذلك الوقت.. وكل من لا يعرف عليه أن يعرف أن هذا الحزب كرر موقفه السابق في الوقت الراهن و كان سيبقى على رأس السلطة بدون الاتفاق ألتوفيقي مع المسيحي الديمقراطي لو تحالف مع حزب خَلَفَ" الحزب الاشتراكي الألماني الموحد في شرق ألمانيا" والذي يملك كمية جيدة في البرلمان الألماني للسبب نفسه!. لماذا نسى الشعب الألماني وقائع وشواهد التاريخ ولم يستفد من مآسي الحزب النازي والحرب؟ ولماذا لا يتذكر خيانة الاشتراكين الديمقراطيين لأبسط قواعد العلاقة بين قوى اليسار ودرء مخاطر الحكم النازي الدكتاتوري والحرب التي أشعلها بعدما احتل العديد من بلدان أوربا وغيرها؟ وكيف يمكن نسيان عشرات الملايين من الضحايا والمعوقين وخراب المدن؟ الجواب معروف..
ربما يشير البعض على مقدار التطور والتقدم في ألمانيا في مجالات كثيرة مع العلم أن ألمانيا بلد صناعي منذ القدم فهذه هي الأخرى خاضعة للحتمية التي يجب الخضوع لها وهي التطورات التاريخية على الرأسمالية الألمانية وعلاقاتها الداخلية والخارجية التي تضمن لها هذا التطور وفي مقدمتها كانت خطة " مارشال الأمريكية ".بعد الحرب العالمية الثانية وتقسيم ألمانيا ثم الحرب الباردة المستعرة حينذاك بين الاتحاد السوفيتي وبين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب..
أو كما هو الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية والكذبة الكبرى حول الاختلافات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالضد من مصالح الرأسمالية الأمريكية الثابتة ( تابعوا المسرحية الهزلية في الكونكرس الأمريكي حول انسحاب القوات الأمريكية.. ولا انسحاب من العراق، تخصيص الميزانية للجيش الأمريكي بشروط جدولة الانسحاب والفيتو الذي يهدد به بوش..الخ) فلا كان الديمقراطيون يوماً قد حولوا الولايات المتحدة الأمريكية إلى جنة على الأرض وتركوا الشعوب تقرر مصيرها بنفسها ووفق إرادتها ومصالحها الوطنية ولا الجمهوريين فعلوا الشيء نفسه وها هم أكثر من ( 35 ) أمريكي مليون عاطل وشبه عاطل حسب إحصائيات منظمة العمل الدولية ومنظمات أمريكية تعني بشؤون العاطلين، ولا نتحدث عن الأمريكيين الذين يعيشون في المجاري المشهورة حسب مصادر الجمعيات الأمريكية أيضاً، وكل من يتابع، تابع الجيوش الأمريكية ومهماتها وماذا فعلت وتفعل في السابق وفي الوقت الحاضر..وكلنا نعرف سياسات الجمهوريين تجاه الدول الأخرى وسياسات الديمقراطيين التي لا تختلف إلا ببعض الشكليات أيضا.
إذن.. لا قبل ميتران الاشتراكي الديمقراطي ولا متيران الاشتراكي الديمقراطي ولا قبل شيراك اليميني أو شيراك اليميني حلت ألازمة بل خففت لبعض الوقت وكان التوافق دائماً حصيلة ونتيجة للسياسات التي تتبعها هذه الأحزاب في مضمار الصعود لكرسي الرئاسة وقيادة البلاد ولتقديم الخدمات الأولى للرأسماليين والحفاظ على مصالحهم الثابتة ومن الفتات الضئيلة جداً تقدم للآخرين وهذا التقديم مشروط بتأمين اليد العاملة المتعلمة تكنيكياً وثقافياً لزيادة الأرباح.. وهنا يصح القول أنها كانت ومازالت قضية الاختلافات عبارة عن شكليات دون المساس بجوهر الأمور وفي الواقع عبارة عن خداع للناخبين الفرنسيين وهذه هي علة الشعب الفرنسي، ولو عدنا إلى الماضي القريب ونسأل
ــ هل يتذكر الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى والثانية لكلا الحزبين يوم 9 / أيار من كل عام ذكرى يوم الانتصار على الفاشية ؟ ــ من كان على راس المقاومة الوطنية أثناء احتلال ألمانيا لفرنسا وقدم عشرات الضحايا وساهم في تحرير فرنسا من الاحتلال؟ ولماذا لا يتذكر الشعب الفرنسي هذا التاريخ وتلك التضحيات فيركض خلف نيكولا ساركوزي ويرقص له أو الاشتراكي الديمقراطي؟.
يقول البعض وبانفعال متهماً: أن الشعوب العربية أو الشرقية حسب الدارج جاهلة ومتخلفة وبدون وعي اجتماعي متطور ولهذا قبلت وتقبل بالحكام السابقين والحاليين ولم ترفضهم أو تثور عليهم وقد تنتخب أناس لا يصلحون أو دكتاتوريين فاسدين أو ظلاميين إسلاميين وطائفيين متخلفين يريدون إرجاع الناس إلى القرون الظلامية،،ويشيرون إلى شعوب أوربا وأمريكا وغيرها بأنها شعوب تدرك أين مصالحها ومتحضرة ولن تخدعها السياسات المخادعة أو الذين يكذبون عليها ولن تنتخبهم بالقوة مثلما يفعل في تلك البلدان.. أليس هذا مضحكاً؟ لأن هذه السياسات المخادعة وهي اخطر من حتى القنابل النووية باعتبارها تضلل الملايين وتضحك على ذقونهم من اجل مصالحها الأنانية استطاعت وتستطيع بدلاً من القوة والإرهاب والضغط أن تخدعهم بالوعود والكلمات والأعلام المرائي وتخدع وعيهم في العديد من المرات بالتضليل وبمختلف الأساليب وهذا ما هو دارج عليه.
أنا لا اعرف كيف يستطيع الناخب الذكي ألدارك والواعي علمياً، الفرنسي أو البريطاني أو الأمريكي أو أي دولة أوربية تتبنى الديمقراطية أن يعيد انتخاب ممثل حزب ما جاء إلى السلطة عديد من المرات وهو لم يوف إلا القليل والقليل جداً من التزاماته وعهوده، فيعود وينتخب المضاد الشكلي من الجانب الثاني وتبقى القضية نفسها قائمة وتدور في حلقة بيزنطينية فلا الأول ولا الثاني الذي انتخب نفذ تعهداته والتزاماته ووعوده لناخبيه كي يبقى عليه، ثم يعود وينتخب الذي رفضه وهكذا دواليك.. أليس هذا التصرف في منتهى الغباء والبلادة؟ لماذا لا يتحرر الناخب الأمريكي والأوربي من هذه التبعية ويرتفع بوعيه إلى الأعلى ويبحث عن من يمثله أو على الأقل من ينفذ 50% من برنامجه الانتخابي؟ ولماذا لا يرفض الانتخابات إذا وجد أن الكتلتين تكذبان عليه باستمرار ولم تفعلا إلا النزر القليل ؟ وقد نجد أن هناك نسباً غير قليلة لا تحضر إلى الانتخابات ولا تشارك فيه لعدم ثقتها بالأسماء أو القوائم الانتخابية، ثم انظروا بريطانيا لديها حزب المحافظين وحزب العمال.. سقط المحافظ جاء حزب العمال سقط حزب العمال جاء حزب المحافظ، الولايات المتحدة الأمريكية حزب الجمهوري والحزب الديمقراطي فرنسا حزب اليمين الذي تعددت الأسماء إلى أن أصبح ( الاتحاد من اجل حركة شعبية ) والحزب الاشتراكي الديمقراطي وألمانيا العلة نفسها وووو،وهكذا حزب ينجح بالوعود وآخر يفشل بالوعود وتتغير المعادلة في انتخابات قادمة، ومثلما وعدنا ميتران ولم ينفذ وعوده وعدنا شيراك وباقى يراوح في مكانه وها هو نكولا ساركوزي يوعد بجعل فرنسا جنة للفرنسيين وسوف يوفي بوعده في إصدار قانون جديد من اجل تشديد دخول الأجانب إلى فرنسا وإقامتهم فيها ويتناسى أن أبوه المجري الهارب من المجر عام 1944 والمرتزق في الجيش الفرنسي للخدمة في الجزائر من أجل الجنسية من أصول غير فرنسية وكالعادة الولد على سر أبيه!.. فما هو الفرق بين هذه الشعوب في تفهمها لمصالحها ووعيها وإدراكها عن الشعوب الأخرى التي تقبل بالدكتاتورين واللاديمقراطين والفاسدين والسراق ؟ ( للعلم: طبعاً أنا هنا لا أدافع ولا اتفق مع موقف " القبول والرضوخ " وإنما أورد المقارنة فقط لا أكثر ولا أقل في مستوى الوع الاجتماعي ) سيقول من يقول " هناك شر وهناك شر أهون منه ومجيء حزب يدعي اليسارية أو الاشتراكية ( مثل حزب البعثصدامي الاشتراكي!! ) أفضل من حزب يدعي علناً اليمينية أو تنظيم طائفي ظلامي " وأجيب " شر البلية ما يضحك " فما هو الأهون في السياسة التي اتبعها البعثصدامي الاشتراكي في العراق أو أحزاب وتنظيمات سياسية تدعي الليبرالية والعلمانية في دول أخرى، وما هو الجديد في سياسة الاشتراكيين الديمقراطيين الفرنسيين منذ عهد استعمار فرنسا للمغرب العربي والدول الأخرى ومشاكل الجزائريين والمغاربة والأفارقة والصينيين والباكستانيين وغيرهم من المهاجرين الذين أصبحوا مثل السيد نكولا ساركوزي أباً عن جد فرنسيين حسب القوانين الفرنسية بامتلاكهم الجنسية حيث نرى مشاكلهم وواقعهم المزري والبطالة المنتشرة والتعليم المتردي والضمانات الصحية المتدنية وسياسة التمييز التي بقت قائمة في جميع العهود، ما هو الفرق ما بين عهد ميتران الاشتراكي وبين شيراك اليميني؟ وماذا ستفعل سيغولين رويال أكثر مما فعل ميتران أو ماذا سيفعل نيكولا ساركوزي اليميني أكثر من شيراك اليميني لأنه سيفوز حتماً! الاحتقان الاجتماعي، البطالة، المخدرات والدعارة والاضطرابات الكبيرة والهيجان الشعبي الذي شاهدناه قبل شهور في فرنسا ومدنها هل كان وليد المصادفة؟ هل هو نتيجة لسياسة اليمين فحسب أم يتحمل الاشتراكي الديمقراطي مسؤوليته أيضا، صحيح أن اليمين يريد تحديد الهجرة والتخلص من الإرث الاستعماري الذي هو أوجده باحتلاله ليلدان الغير وجلب أيادي عاملة رخيصة لكنها الآن مسؤولية أكثرية القوى السياسية وفي مقدمتها الحزبين. هل نتحدث عن الاضرابات العمالية وغير العمالية التي تعد بالمئات من اجل تحسين ظروف العمل وزيادة الأجور والحقوق الأخرى ربما قائل يقول أنها الديمقراطية ففي بلداننا من يضرب عن العمل يطلق عليه الرصاص أو يعدم أو يسجن وهذا صحيح جداً ولكن لنبحث عن جوهر الإضراب وأسبابه فهو ليس نزهة يقوم بها العمال وغيرهم إنما هناك حقوق مهضومة واستغلال غير إنساني وأرباح غير معقولة وليس بالقليل ما جابهه العمال وغيرهم من الوحشية والاعتداء والملاحقات القانونية والقضائية في أمريكا وأوربا في السابق حتى إطلاق الرصاص والإعدام والسجن والاعتقال.
بامكاننا أن نقدم الكثير من النماذج في بلدان أوريا ولكن لنأخذ أحسن البلدان وهي البلدان الاسكندنافية، الدنمارك حكمها الاشتراكين الديمقراطيين مدداً طويلة وبقى الحال على نفسه عندما جاء اليمين التبعي للسياسة الأمريكية وها هو اليمين وقد انتخب من قبل الشعب ماذا فعل؟ هل حلت المشاكل التي تركها الاشتراكيين الديمقراطيين؟ السويد كذلك والنرويج ماذا حصل عندما جاء اليمين إلى السويد سابقاً إلى أن أزيح ثم جاء الاشتراكي الديمقراطي ثم أزيح هو الآخر قبل فترة وجاء اليمين الآن؟ هل ألغت المساعدات الاجتماعية ؟ أو قلصت الرواتب والأجور؟ هل تم القضاء على البطالة ؟ أليس الانتشار الكبير المتفاقم والمتصاعد للمدمنين على المخدرات آفة تنخبر في جسم الشعب وكذلك الدعارة؟ صحيح أن اليمين يريد أن يوقف اللجوء غير الشرعي ويحاول الضغط باتجاه ترحيل الذين ليس لديهم أقامات لكنه مجرد حديث للاستهلاك وخداع للناخب سرعان ما يتراجع عنه وتفتح الأبواب على مصارعيها للجوء كما تفعل السويد الآن أمام أقطاب وأعضاء ومؤيدين النظام العراقي السابق أو الذين هربوا من الأوضاع الأمنية الرهيبة، النرويج الحزب المسيحي وبالتحالف مع اليمين وإثناء توليهما السلطة رفعوا أجور المتقاعدين " 1000 " ألف كرونة ( 150 دولار تقريباً ) وجاء الآن حزب العمل وهو اشتراكي ديمقراطي حسب برنامجه المعروف بالتحالف مع حزب اليسار الاشتراكي بقت الأمور كما هي وكلما قيل في برامج الانتخابات الأخيرة أصبح بالونات هوائية تتفجر الواحدة تلو الأخرى وارتفاع الأسعار والبطالة وانتشار الإدمان على المخدرات مستمر لا بل وباعترافهم الرسمي وجود الفقر والدعارة، بلد مثل النرويج يعتبر من البلدان المتقدمة لاستخراج البترول والغاز ( 3 ) ملايين برميل يومياً واللتر من البنزين يباع ما بين 10 إلى 12 كرونة " ما يقارب الدولار والنصف والنرويج ذو الأربعة ملايين نسمة هو عضو في حلف الناتو وبقيت في الحلف إن جاء الاشتراكين الديمقراطيين أو اليسار الاشتراكي أو اليمين... ربما يأتي احدهم و يريد المقارنة لإحراجنا مع بلداننا العربية أو الإسلامية واعتقد هذه المقارنة لا تصح وليس بالامكان المقارنة بسبب الأوضاع التي اجتازتها أوربا وتخلصت من ارثها والتطور الطبيعي للرأسمالية وتخلصها من جميع العلاقات وأساليب الإنتاج القديمة والتحولات والتطورات على مجرى الأوضاع وهذه العملية لم تكن بين ليلة وضحاها فقد استغرقت عشرات السنين، بينما بلداننا مازالت تمر بالأوضاع نفسها التي مرت بها أكثرية الدول الأوربية منذ أكثر من ( 200 سنة ) ومع هذا فنقول لا يمكن المقارنة في هذه الحالة والفروقات شاسعة وكبيرة والسبب الأساسي نضوج الطبقة الرأسمالية كطبقة بحد ذاتها بالقضاء على الإقطاعية وأساليب الإنتاج المتخلفة أمام أسلوبها الرأسمالي بينما الكثير من بلداننا لم تستكمل هذه القاعدة أسسها الصحيحة وبقت على هجين من العلاقات الإنتاجية المتناقضة حيث مازالت الرأسمالية أما ضعيفة أو طفيلية لم تأخذ مكانها التاريخي بعد! بينما مازالت العلاقات شبه الإقطاعية والعشائرية وحتى الأبوية متواجدة في هذه البلدان.
إن الحقيقة مرة في كثير من الأحيان ومن يقولها قد يتهم في البداية تهماً جاهزة، لكنها الحقيقة وهي شوكة في عيون من لا يحبون سماعها فقضية الانتخابات الفرنسية الاحتفالية المسرحية وما يجري حولها من تضخيم واستنتاجات وانشغال ليس الفرنسيين فحسب بل الكثير من المتابعين هي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة وسوف تتأكدون مستقبلاً من نتائجها وسوف تتتابعون الاحتفالية المسرحية الأخرى في الانتخابات الأمريكية القادمة وستجدونها لا تختلف عن السابق وستفغرون أفواهكم لبذخ ملاين من الدولاران التي صرفت عليها وتقولون في سركم لو صرفت على العاطلين وشبه العاطلين على العمل أو للقضاء على الأمراض وفي مقدمتها الأمراض الخبيثة أو على الشعوب الأشد فقراً وعلى الجوع والفاقة لكانت أحسن وأفضل.. وإذا كنا أحياء سنتذكر النتائج ونقارن عند ذلك سيكون الحساب التالي " شر أهون من شر " لكنه شر يريد البعض منا أن نقبله على أساس انه الأحسن لكنه شر مكروه وليس له اسم آخر.. أما تهديد نيكولا ساركوزي حول إصدار قانون جديد لتشديد شروط دخول الأجانب فذلك سيكون على حساب مصالح ولفائدة مصالح أخرى وقد ينجح في بعض المجالات لكن لا يوجد مطلق في السياسة بل توجد مصالح ثابتة لن يخترق حدودها نيكولا لان مصيره عند ذلك سيكون على حافة هاوية وعند ذلك سيجدون التخريجة لوعودهم المخادعة بالطريقة المخادعة نفسها ولكن بشكل جديد..