كتَّاب إيلاف

ساركوزي... مارجريت تشر... التجربة اليابانية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

من الواضح بأن فرنسا تمر بنفس التجربة التي مرت بها بريطانيا في السبعينيات في بطئ النمو الاقتصادي وأرتفاع نسبة البطالة. وحينما نجحت السيدة مارجريت تشر في الانتخابات في نهاية السبعينيات، عملت بكل قوة وصرامة لإصلاح الترهل الاقتصادي وخصخصة المشاريع الحكومية الفاشلة. فهل يعيد التاريخ نفسه اليوم في فرنسا؟
كتب البروفيسور روبرت شيلر ،أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة ييل الأمريكية، في جريدة اليابان تايمز بتاريخ 24 أبريل عام 2007 وبعنوان ترويض رأسمالية المضاربات المالية، يقول " لقد هاجم نيكولاس ساركوزي رأسمالية المضاربات المالية، وأكد في خطته الاقتصادية بأنه يريد أن يهذب الدائرة المالية لليورو أخلاقيا. .....وقد سمى التجارة الحرة بأنه نظام ساذج، وبأنه يريد أن يتخذ خطوات لمجابهة العولمة الاقتصادية. .....فمع أنه لا يريد أن تكون سوق العمالة الفرنسية متصلبة أكثر، ولكن سيمنع شراء الأجانب للشركات الفرنسية وسيمنع فقدان عمال شركة الأيربص لصناعة الطائرات لوظائفهم." ويؤكد البروفسور بأنه يستثمر الرأسماليون أموالهم في الاستثمارات التي يتوقعون ارتفاع أسعارها. فيشترون شركات ويدمجونها أو يفصلونها لشركات صغيرة. كما يسرحون عددا من موظفيها ويوظفون آخرين، ويسمون ذلك بالهدم البناء. ويعتبر المستثمر لا أخلاقيا في النظام الرأسمالي حينما يخالف القوانين أو ينقض بالعقود، ولكن لا تعتبر المضاربة التجارية لا أخلاقية. فقد أستثمر في الصفقة لأنه يتوقع زيادة سعرها...وقد ترك علم الاقتصاد توقعات تغير الأسعار لمضاربة السوق، لأنه لم يفلح في هذه المهمة. وهناك فائدة الحصول على الربحية أن صدق التوقع، وعقاب الخسارة في حالة الخطأ.
كما سهل التطور في تكنولوجيا الاتصالات استبدال القوى العاملة الوطنية، بقوى عاملة خارجية بعيدة بالآلف الأميال. ويؤكد ساركوزي ضرورة تعليم وتدريب القوى العاملة الوطنية للوظائف "الشخصية" التي تحتاج لتواجد الشخص في مكان العمل ولا يمكن القيام بها من خلال الانترنت كالوظائف "اللاشخصية" التي من السهل تحويلها للخارج. وطبعا هذا توجه جديد للتعامل مع واقع العولمة الجديد في الاتصالات، ويحتاج لان تغطي الدولة مصاريف تدريب وتوظيف هؤلا الموظفين الجدد.
ويستمر البروفسور بالدفاع عن النظام الرأسمالي، بأنه يوفر أنظمة الحماية من المخاطر كالتأمين وتنويع الاستثمار. ويقترح على الحكومات ديمقرطة هذه الهيئات لتحمي الناس من المخاطر التي تقلقهم. وهنا يمكن تطوير هيئات التأمين الصحي والتأمين على البطالة، والديون المرتبطة بالدخل، والضمانات المتعلقة بالديون الاسكانية. بالاضافة لامكانية الدولة إن توفر الضمان الاجتماعي. كما يمكن أن تطور الحكومة القاعدة المعلوماتية لنستطيع تقيم المخاطر الاقتصادية بشكل قريب من الصحة. وينصح البروفسور في نهاية المقال ساركوزي، بالا يهاجم الرأسمالية بل بالعكس يجب أن يتساءل كيف يمكن أن نطور الرأسمالية بمؤسسات مالية وتأمينية جديدة لتتعامل مع التحديات التي طرحها في جولته الانتخابية.
فتلاحظ عزيزي القارئ بأن الشعب الفرنسي ينتظر من رأيسه الجديد أن يوقظ الأقتصاد الفرنسي من سباته، ويقلل نسب البطالة، ويحافظ على الخدمات الأجتماعية الحكومية، ويرجع الأمن والأمان للبلاد. وطبعا هذه معادلة صعبة. وقد يمكن أن نتدارس كيف تعاملت النظم الرأسمالية مع هذه التحديات من خلال التجربة الأمريكية واليابانية والبريطانية. فالنظام الرأسمالي الأمريكي يؤكد على أهمية حرية التجارة وبدون قيود ضمن القوانين المعترف بها. وهذه الحرية ستسمح للمنافسة لتطوير أختراع منتجات جديدة، تكون على درجة عالية من الجودة ومنافسة في السعر. ويشجع هذا النظام على العمل والابداع. كما أن تسجيل براعة الأختراع يمكن المبدعين من جمع المال لتنفيذ مشاريع تتعلق بأختراعاتهم من خلال أنشاء الشركات المساهمه. ولكن مشكلة هذا النظام هو من يتخلف على أمكانية المنافسة، سيكون فقيرا أو معدما. فبعض الدول الرأسمالية أنتاجها المحلي الأجمالي مرتفع جدا، ولكن ليس هناك عدالة في االتوزيع. فتجد الملايين بدون تأمين على البطالة أو الصحة أو التقاعد. وقد شاهدنا مناظر الفقراء الذين يبحثون عن الأكل في القمامة وينامون في الحدائق العامة. وبالعكس هناك بعض الدول كالسويد واليابان تهتم بحرية التجارة ورأس المال ولكن ملتزمه بخدمات الشؤون الأجتماعية ، فالتأمين الصحي والتقاعد والبطالة متوفر للجميع.
ومن الواضح بان نيكولاس ساركوزي قلق من منافسة العولمه الرأسمالية ويحاول أن يخلق أنظمة دفاعية لحماية العمال بالمحافظة على وظائفهم. وكما نعرف بأن شركة الأييربص الأوربية عانت الكثير من تدخل الحكومة، وتأثرت منافستها أمام شركة بوينغ الأمريكية. ويعاني النظام الفرنسي من الترهل في الصرف الحكومي وقلة الأنتاجية نسبيا في القطاعات المختلفة. ولنراجع التجربة البريطانية، ففي السبعينات كان الاقتصاد البريطاني في تردي مستمر كما أستمرت نقابات العمال البريطانية في الأضرابات المتكررة. وكانت تصرف الحكومة البريطانية على مشاريع وخدمات فاشلة مليارات الجنيهات. وحينما نجحت السيدة مرغريت ثتشر في الأنتخابات وقفت بصلابة أمام نقابات العمال، وخصخصت الكثير من المشاريع الحكومية الفاشلة. فرد الأقتصاد البريطاني عافيته، ولكنها انتقدت على تأثر الخدمات الاجتماعية من خطتها. وقد كان من كبار وزرائها ومفكريها الاقتصادين السيد ديفيد هاول. وقد علق في كتابه، أسئلة جديد للديمقراطية في عالم الاتصالات يقول، "لقد درست علم الاقتصاد في جامعة كمبريج في الخمسينيات، وقد تعلمت الكثير من الافكار والنظريات لطريقة التي يتفاعل الاقتصاد مع المجتمع، وكيف من الممكن أن نحسن شراكة هذا التفاعل. وقد أمضيت منذ ذلك الوقت تسع سنوات كوزير، وواحد ثلاثين سنة كعضو في البرلمان البريطاني، وعشر سنوات كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم، واثنى عشر عاما مستشارا أو موظفا في البنوك والتجارة. وقد أستنتجت بأن جميع الافكار التي تعلمتها والخبرات التي اكتسبتها لم تكن مفيدة لتوقع الاحداث او القرارات التي رافقتها.rdquo; فقد خسرت الشيوعية مواقعها وفشلت الاشتراكية حل المعضلات الاقتصادية الاجتماعية، وتعاني الرأسمالية من المفارقة بين من يملك الكثير والذي لا يملك.
لقد كانت الحرب الباردة في القرن الماضي بين الشيوعية والرأسممالية. وسيكون الحوار في الألفية الثالثة عن العولمة والنمو الاقتصادي والاصلاح في الخدمات الاجتماعية فيما يخص الصحة والتعليم والتأمين على التقاعد والبطالة. وستكرر هذه الأسئلة: هل من الضروري عولمة السوق التجارة الحرة؟ هل يجب أن نقلل التدخل الحكومي في الأقتصاد الحر؟ هل من الضروري أن ترفع الحكومات يدها عن تقديم الخدمات الأجتماعية، بل وتوفر التأمينات الاجتماعية للصحة والتعليم والبطالة والتقاعد؟ هل من الممكن أن يطور القطاع الخاص الخدمات الصحية والتعليمية؟ وكيف ستنظم الدولة قطاع الخدمات وتنفذ قوانينها؟
كتب أدمون فيلبس، الحائز على جائزة النوبل في العلوم الاقتصادية، في مجلة النويوزويك بتاريخ 30 أبريل 2007 يقول، "القيم وأخلاقيات السلوك هي جزء من الأقتصاد كالمؤسسات الاقتصادية وقوانينها. ولها تأثير على الأداء الاقتصادي بقياس نسبة البطالة والانتاجية والنمو الاقتصادي. فقد وجدنا في دراسات الأستبيان بأن اخلاقيات السلوك في تحمل المسؤلية وعمل الفريق الواحد ومجابهة المخاطر، تكون مهمة في تفسير أختلاف الأداء بين الدول المختلفة، بل أكثر أهمية من أنظمة الحماية من البطالة وزيادات اعانات البطالة. وقد بينت الدراسات الاستبيانية بأن القلة من الفرنسيين والايطاليين والألمان، نسبة للأمريكيين والبريطانيين، يهتمون بالتحدي الذهني وحل المعضلات وروح المبادرة او المسؤلية في طبيعة عملهم. ونتائج الدراسات تؤكد بأن الفئة الاولى لا تهتم بالمنافسة والتغير والافكار الجديدة في ادائهم للعمل. كل صفات الجودة هذه مرتبطة مباشرة بالنشاط الاقتصادي والاختراعات المبدعة. والمشكلة الرئيسية في فرنسا وايطاليا والمانيا ليس بأن المتقاعدين يحصلون على مبالغ هائلة، بل السبب هو أنعدام الدينامية الاقتصادية والابداع."
وهل الخدمات الأجتماعية الواسعة والكبيرة تؤثر على النشاط والنمو الاقتصادي؟ لا، أكد البروفسور فيلبس " من الممكن أن توفر الدولة خدمات أجتماعية كبيرة وفي نفس الوقت تطور أقتصاد قوي نشط. بشرط أن تقدر مؤسساتها الاقتصادية الابداع والثقافة الاقتصادية القائمة على التحديات والمنافسة. البطالة مرتفعة، والمشاركة العمالية والرضاء عن العمل منخفض في كثير من الدول الاروبية، ومع ذلك يفضلون المساواة في العمل، وحياة بعيدة عن التركيز على العمل."
لقد طورت اليابان سوق اقتصادية حرة ومنافسة بأستمتاع شعبها بأداء الواجب من خلال أخلاقيات العمل المتقنة والمبدعة. فتعتبر ثاني اقتصاد عالمي وإنتاجها المحلي ألإجمالي ضعف الصين، ومؤشر جني لقلة المساواة في توزيع الثروة نصف نسبة المسجلة للولايات المتحدة، كما أن حوالي 80% من الشعب الياباني هم من الطبقة المتوسطة. وتصرف اليابان من الطاقة ثلث ما تصرفه الولايات المتحدة لإنتاج وحدة واحدة من الأنتاج المحلي الإجمالي. كما أن نسبة جرائم القتل في اليابان أقل بحوالي مائة وعشرين مرة من الولايات المتحدة. وجميع أفراد الشعب الياباني متمتع بتأمين صحي وتأمين للتقاعد وضد البطالة، كما أن التعليم أجباري ومجاني حتى الثانوية المتوسطة. كما أن حوالي 98% من الطلبة يكملوا دراستهم الثانوية ويدخلون المعاهد التكنولوجية أو الجامعات. وهناك تحديات تواجهها اليابان هي المحافظة على النمو الاقتصادي وابقاء مؤشر جني منخفض، والاستمرار في توفير تأمين للخدمات الأجتماعية المتميزة،والاستمرار في تطوير التعليم للتعامل مع تحديات العولمة الجديدة. فهل ممكن أن يستفيد ساركوزي من هذه التجربة الغنية؟

سفير مملكة البحرين باليابان


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف