(الشيعة).. و الإبداع في الحضارة الإسلامية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يقول إمام المتقين (علي إبن أبي طالب) كرم الله وجهه الكريم)ما ناظرني جاهل إلا وهزمني)!، و كان قمة الجهل و التخريف ما ورد من رد سقيم كتبه أحدهم ضد مقال أخير لي حاول بشكل أخرق خلط الأوراق و إعتبار صولاغ أو غيره من سياسيي هذا الزمان في العراق بمثابة الناطق بلسان الشيعة أو المعبر عن حقيقتهم الفكرية!! و في ذلك تجني كبير على المذهب الفقهي و الفكري التحرري الكبير الأثر في الحضارة الإسلامية و خلط غير واع للأوراق و تعكير الحقيقة بأجواء الخلافات السياسية و الشخصية!، فقد زعم ذلك الشخص ضمن إطار هجمته الغريبة على مذهب التشيع و الذي هو في البداية و النهاية أحد المذاهب الإسلامية الكبرى من أن: (المذهب الشيعي خالي من أي إبداع فكري)!! و في ذلك تجني على الحقيقة و تزوير فظ للتاريخ، و تلاعب أخرق في الحقائق و المسلمات، و رغم كوني لست مختصا في علم اللاهوت أو في مقارنة الأديان و المذاهب إلا أن لي من المعرفة التاريخية ما يجعلني أصف ذلك الرأي بالتهافت و التعصب بل و العدوانية السلفية المفرطة في توحشها، فتاريخنا العربي الإسلامي ينطق بل يصرخ بغير ذلك الرأي الزاعق و المعبر عن روح مريضة حاقدة أعماها التعصب و الإنغلاق و الحقد الذي لا علاقة له بأي دين أو مذهب، فظهور و نشوء المذهب الشيعي في فجر الإسلام و بعد وفاة رسول الله (ص) كان تعبيرا طبيعيا عن الإختلاف في وجهات النظر بين المسلمين الأوائل كما كان تعبيرا واضحا عن إتجاهات و توجهات سياسية و إجتماعية كانت المحفز الأول لظهور المذهب منذ سقيفة بني ساعدة التي رسمت خطا سلطويا متصاعدا عرف في التاريخ بالخلافة الراشدة على المنهج النبوي و أستمر ذلك الخلاف ينمو بشكل متصاعد مع فترة النزاع و التغيير الإجتماعي العنيفة التي أعقبت عصر الفتوحات الإسلامية الكبرى و تدفق الثروة و سعي جماعات القبلية الإرستقراطية العربية القديمة للهيمنة على السلطة كما فعل (بنو أمية) منذ مصرع الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) رض و طبعا ليس المجال كتابة بحث في التاريخ الإسلامي، فليس ذلك هدفي و لكن الهدف المركزي هو الرد على الإفتراءات الجاهلة التي تصم المذهب الشيعي بما ليس فيه و تحاول التغطية على حقائق معروفة و بديهية لكل ذي بصيرة أو متجرد من أمراض التعصب الطائفي الخطيرة و المتوحشة.
فمن المعلوم تاريخيا أن مواقف بعض المتطرفين من أهل السنة من العلوم الفلسفية و الحضارات السابقة للإسلام كانت مواقف سلبية للغاية و خاصة (الحنابلة) الذين رموا بالكفر و الزندقة كل المشتغلين بالعلوم الطبيعية و الفلسفية لأنها في نظرهم : علوم غير شرعية و هي رديئة!! وفقا لكتاب (طبقات الحنابلة) لإبن رجب الحنبلي!!، أما علم المنطق فقد لاقى معارضة شديدة من أهل السنة حتى قيل: (من تمنطق تزندق)!! وقد زعم إخوان الصفا : إن المتكلمين وهم يقصدون المعتزلة يقولون: أنه لا فائدة من علم الطب و إن علم الهندسة عاجز عن معرفة حقائق الأشياء! و إن علم المنطق و الطبيعيات كفر و زندقة و أن أهلها ملحدون!!!!!. أما فتوى إبن الصلاح الشهرزوري المتوفى سنة 643 هجرية/ 1245 م فتقول : (إن الفلسفة أس السفه و الإنحلال و ملاذا للحيرة و الضلال، و مثار الزيغ و الزندقة)!!.
و من هذا المنطلق فإن الجماعات السنية الإسلامية كانت تقف حائرة بل رافضة للعلوم التي تدفقت على العرب و المسلمين بعد الفتوحات الكبرى؟ فماذا كان موقف الشيعة!!؟ لقد كان موقفا تاريخيا إتسم بالمساهمة الفاعلة في المشاركة الحضارية و ساهم الشيعة بكل فرقهم المختلفة أبدع مساهمة في الحياة الفكرية الجديدة و تركوا رموزا و علامات تاريخية كبرى في تاريخ العلوم عند العرب و المسلمين وهي مساهمات لن تستطيع زمرة من الجهلة و القتلة و المتطرفين المتوحشين محوها من إرشيف التاريخ الإنساني، و الشيعة وهم يقاومون الظلم و التقتيل و التشريد كانوا ينبوعا لا يتوقف عن التدفق من العطاء الحضاري فهذا هو العالم الشيعي المعروف (أبو بكر الخوارزمي يقول في رسالته لأهل نيسابور ما يلي:
(نحن عصابة لم يرض الله لنا الدنيا فذخرنا للدار الآخرى، و قسمنا قسمين، قسما مات شهيدا، و قسما عاش شريدا، فالحي يحسد الميت على ما صار إليه).
و لعل أكبر مساهمة فكرية للشيعة في التاريخ هو تلك المدارس العلمية التي شيدت في بغداد و خراسان و القاهرة (أليس الأزهر شيعي التكوين و البناء)؟، و لعل العديد من المهتمين يعلمون تماما دور جماعة و رسائل (إخوان الصفاء و خلان الوفاء) الذين ظهروا في البصرة في القرن الرابع الهجري (334 هجري) و منها إنطلقوا نحو العالم الإسلامي وهم جماعة من علماء الكلام و الطبيعيات و الشريعة الشيعة الذين عرفوا أنفسهم بكونهم (عصابة تآلفت بالعشرة، و تصافت بالصداقة، و إجتمعوا على القدس و الطهارة، وهم أهل العدل و أبناء الحمد) و كان إخوان الصفا برسائلهم العلمية و التثقيفية التي بلغت 51 رسالة أصحاب مدرسة فكرية راقية و متميزة و تركوا أثرهم الكبير على مجمل الفكر الإنساني في العصور الوسطى، و لن أذهب بعيدا لأغوص في غياهب التاريخ و أوراقه المنسية بل أختصر الجهد و الوقت و المساحة لتسهيل المهمة أمام القاريء الكريم لأقول أن الدولة الحمدانية التي قاومت الروم في ثغور الشام الشمالية كانت دولة شيعية المذهب و إن ديوان سيف الدولة الحمداني كان يضم النخبة المنتقاة من علماء البشرية بدءا بالمعلم الثاني (الشيعي) أبو نصر الفارابي و ليس إنتهاءا بشاعر العرب الأعظم أبو الطيب المتنبي!، كما أن الدولة الفاطمية في مصر و المغرب رغم شطحات حكامها قدموا للفكر الإنساني إبداعات رهيبة، أما إبداع الشيعة في العصر الحديث فهذا أمر أتركه للإخوة من الشيعة أنفسهم لكي يخوضوا فيه، فلا أريد في هذه العجالة سوى فتح نافذة في كوة التعصب الطائفي الأحمق، و كلمة أخيرة أقولها لبعض المرضى النفسيين من التكفيريين و الجهلة من أنه لولا المدارس الشيعية في العراق (الحوزات) لأندثرت اللغة العربية في بلاد الرافدين و لتحولنا جميعا لترك أو ديلم أو صقالبة... فأتقوا الله في شيعة العراق الذين هم مادة العرب و قاعدة الدفاع الكبرى عن الإسلام.