كتَّاب إيلاف

الهوس الديني والفتن الطائفية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

على مدار القرن العشرين، نجحت الأصوليات الدينية في منطقة الشرق الأوسط في تحويل "أنصاف الاعتقادات" عند العامة إلى "اعتقادات تامة "، وعرضت جميع المفاهيم الدينية لخطر التيبس والتحول إلى مجرد مظاهر خارجية. وأصبح الميل إلى تطبيق التصورات الدينية، في جميع الأوقات وعلي كل الأشياء، مظهراً عميقاً لحياة التدين والقداسة.
على أن هذا الميل نفسه، بصفته ظاهرة ثقافية، أنطوي على أخطار لا حصر لها، نظراً لان الدين ينفذ في داخل كل ما في الحياة من علاقات، ما يعني مزجا متواصلا لمضماري المقدس والمدنس، بحيث أن الأشياء المقدسة أصبحت أكثر انتشاراً من أن تدرك وتحس بعمق.
ويدل التنامي الذي لا حد له للمحرمات والتابوهات وانتشار الفتاوى والتفسيرات الدينية على زيادة في "الكم" علي حساب "الكيف" نفسه، وهو ما جعل الدين مثقلاً أكثر مما ينبغي، بينما تراجعت القيم الأخلاقية - بشهادة الجميع - إلي أدني مستوي لها.
وسط هذا المناخ المشبع بالحساسية الدينية أو قل الهوس الديني، ينعدم التمييز بين التقوى الحقة والمظاهر الدينية التزيدية.
والغريب في الأمر أن أغلب الأنظمة السياسية في المنطقة، سواء بوعي أو دون وعي، سرا أو علانية، قد تسامحت إزاء تزيدات دينية كثيرة، وهو ما حرك في نفوس البسطاء النزوع إلي الخرافات. وكان الانفعال المفرط لا يعد عندها مصدر خطر طالما بدد نفسه في الآخر المختلف دينيا وطائفيا، أو في الخيالات المقترنة بالغلو او النشوات.
على أن هذه التزيدات الدينية نفسها سرعان ما أصبحت خطيرة، بمجرد أن أراد أصحابها تطبيق مبادئهم على الحياة السياسية والاجتماعية، وهنا فقط اضطرت الأنظمة إلي المواجهة تارة والمناورة تارة أخري والمساومة تارة ثالثة.
وفي كل الأحوال أصبحت الحياة في هذه البقعة الساخنة من العالم، مشبعة بالدين إلى درجة جعلت معظم الناس في خطر دائم ، بسبب انعدام القدرة على التمييز بين الأشياء الروحية والأشياء الزمنية، فإن أمكن رفع جميع تفاصيل الحياة اليومية "العادية" إلى مستوى "مقدس"، فإن كل ما هو "مقدس" وبالقدر نفسه يغوص منحدراً الى مستوى الأشياء العادية، بحكم اختلاطه بالحياة اليومية. وكأن الخط الفاصل بين الأشياء الروحية والزمنية يكاد أن ينعدم، فتختلط شهوة الاستشهاد والشهادة بشهوة سفك الدماء والإرهاب .
الأخطر من هذا أن بسطاء الناس أصبحت لديهم قابلية شديدة للثوران فجأة، إلى درجة لا مثيل لها من الانفعال الديني، تلبية لكلمة متحمسة تصدر عن واعظ هنا، أو إشاعة مغرضة من خطيب هناك، وهو ما حدث ويحدث بالفعل مع كل فتنة طائفية في المنطقة، في العراق والبحرين واليمن ولبنان وفلسطين ومصر والسودان والمغرب وما بينها.

أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس
dressamabdalla@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف