... الا صحة العقيد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
علي الرز
"معا" وكالة أنباء فلسطينية إخبارية مستقلة مقرها الرئيس في مدينة بيت لحم. عرفت عن نفسها بانها "مشروع إعلامي ضخم تموّله الحكومتان الهولندية والدنماركية لمدة ثلاث سنوات".
هذا المشروع الاعلامي "الضخم" ركز كل عمله على الموضوع الفلسطيني بمساعدة من دولتين اوروبيتين "من أجل النهوض بخطاب إعلامي مستقل ومحترف يضمن شفافية الخبر ومصداقية النبأ"، املا في تطوير اللغة الاعلامية الفلسطينية مستقبلا من لغة الاعلام الثوري الى لغة الاعلام المحترف مواكبة لقيام الدولة بمؤسساتها ومجتمعها المدني، وانسجاما مع الصورة التي ترغب التسوية الدولية لفلسطين المقبلة تحقيقها، اي دولة التعايش والديموقراطية والسلام وتداول السلطة والانتخابات والحريات العامة والتنمية.
"بروفة" مصغرة بدعم دولي في قطاع محدد هو الاعلام... لا بأس من التجربة ولا ضير من خوضها. لكن هذه الوكالة المغمورة صارت الخبر نفسه قبل ايام، وانتقلت من وسيلة تنقل اخبار العالم الى الداخل الفلسطيني الى مصدر نقل عنه العالم خبر اصابة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بعارض صحي خطير، وكررت وكالات اخبار الوكالة واتصل القادة بطرابلس مستفسرين... ثم ظهر العقيد مستقبلا شخصيات افريقية فصاعدا على السلالم بروح شبابية وخلفه كاميرا التلفزيون واعلن ردا على سؤال عن الاشاعة بأن سببها "العرب واسيادهم".
انتهت الاشاعة سريعا واعتذرت الوكالة الفلسطينية عن عدم دقتها في نقل الخبر الغريب حقا، لكن القصة لم تنته في وسائل الاعلام الليبية التي استندت على مؤامرة "العرب واسيادهم" من اجل شن هجوم متعدد الالوان والاحجام على الذين يتربصون شرا بليبيا.
وبعيدا من الخطأ غير المبرر الذي وقعت فيه وكالة "معا"، وبعيدا ايضا من نظرية المؤامرة التي اعطاها العقيد عنوان "العرب واسيادهم"، يمكن للعرب وشعوبهم ومواطنيهم التساؤل عن سر رفض القادة العرب لفرضية التوعك الصحي او المرض الشديد، وعن الربط لدائم بين خبر المرض من جهة والدسائس التي تحاك ضد هذا الزعيم او ذاك من جهة اخرى.
الواضح تماما ان هذا الاستياء العارم من اخبار المرض يحصل في الدول التي يختزل القائد فيها كل المؤسسات بشخصه، ويحكم فيها من خلال قبضة الاجهزة الامنية الموزعة بطبيعة الحال على افرع متنوعة ومناطق متعددة يرتبط رؤساؤها بالقائد مباشرة خوفا من توحدها في القرار وتجنبا لمركزية مريبة.
ويكثر ربط المرض بالدسيسة في الدول التي لا تملك نظاما واضحا لتداول السلطة، وتلك التي لا دستور فيها او فيها دساتير صورية تنتج مجالس تشريعية وتنفيذية من رحم السلطة الامنية فتعدل وتجمد وتفصل القوانين على قياس "رغبات القائد". في هذا الاطار، يتشارك المواطن العادي في الربط لسبب بسيط هو خوفه من المستقبل وخضوعه لمعادلة "النظام على علله افضل من الفراغ والفوضى والاصولية والقاعدة والنموذج العراقي...الخ"، فخلو سدة الرئاسة في هذه الانظمة لا يعني ان البرلمان سيجتمع لتنفيذ آليات تعيين الرئيس الجديد، بل يعني ان البرلمان الصوري سيجتمع لتنفيذ ما تريده المؤسسة الامنية الحاكمة ورموزها القوية التي تشكل العصب الحقيقي لها سواء كان العصب عائليا او قبائليا او حزبيا او جهويا، أو يعني ان الاجهزة الامنية المتفرقة قد تستنفر سلاحها ضد بعضها في الصراع على ملء الفراغ، او يعني فوضى تسمح بخلخلة قواعد الدولة التي عاشت عقودا بلا مؤسسات سوى مؤسسة "الحاكم".
لو كتبت صحبفة بريطانية ان رئيس الوزراء توني بلير مصصاب بمرض خطير لاقتصر رد الفعل على بيان من "10 داوننغ ستريت" الى الصحيفة نفسها ينفي أو يؤكد، لكنه لن يتضمن كلاما عن مؤامرة "قام بها الاوروبيون واسيادهم"، وعندما دار لغط حول اعتلال قلب نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني سمح للصحافيين بتغطية عملية تركيب دعامات للشرايين من دون ان يضع الاميركيون اياديهم على قلوبهم خوفا من تحرك "لواء وايومينغ" مسقط رأس تشيني ضد "لواء تكساس" مسقط رأس الرئيس جورج بوش.
"معا" الوكالة ارتكبت خطأ. ومعا (حكاما ومحكومين) نرتكب كل يوم خطأ الخوف من فراغ السلطة بوكالة القمع التي تمولها حكوماتنا لا الحكومات الاجنبية وبأموالنا وثرواتنا لا باموال الغرب المستعمر، ومع ذلك اتهم العقيد "العرب واسيادهم" ببث اشاعة المرض التي اتضح بالصوت والصورة انها اشاعة ... فصحة ليبيا، عبر اللجان الثورية، صارت من صحة قائدها.