كتَّاب إيلاف

قصة كوجيكي... الجنس... والتجربة اليابانية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

صدر في عام 1715 كتاب لكاهن"ديانة" الشنتو اليابانية، ماسوهو زانكو، بعنوان المراة المتكاملة لعملية الجنس. يقول الكاتب، "التفاعل الجنسي بين المرأة والرجل هو جزء من تناغم الأنوثة والذكورة، وهو طاقة الكون الأساسية الدائمة. فالرجل والمرأة يشكلان قطعتين متطابقتين، لا يفرق بينهما الدرجات." ويؤكد هذا الكتاب بأن الجنس مقدس في ديانة الشنتو. وعملية الجنس في، الأسطورة اليابانية، هي تمثيل لبداية الخليقة بتزاوج آلهة اليابان ازنامي وازناجي. وعملية التزاوج الجنسي هي نوع من الاحتفال ببداية أصل اليابان المقدسة.
وليسمح لي القارئ العزيز بأعطاءه فكرة عن قصة الكوجيكي. فيعتبر هذا الكتاب من احد أقدم الكتب التاريخية اليابانية الموجودة اليوم، ويعطي صورة مفصلة عن بداء تاريخ اليابان. ويجمع التاريخ مع الاسطورة ويسجل صورة لبلاد اليابان القديمة ومعتقداته منذ عام 660 ماقبل الميلاد. وقد كتبه السيد ياسومارو على لسان الرجل ذو الذاكرة الفذه السيد هيدا نوار، وقدم للديوان الامبراطوري عام 712. ويحترم الشعب الياباني هذه القصص والأساطير. كما أن آلهة هذه الأساطير لها معابد يزورها الشعب الياباني بأنتظام للتبرك والدعاء. فهناك ثمانين ألف معبد للشنتو. ومثلا معبد آلهة الشمس يزوره حوالي ستة مليون مواطن ياباني سنويا.
وتصف قصة الكوجيكي بأن الخليقة بدأت بأنشطار كتلة جرمية فصلت السموات والارض وخلقت بينهما أوائل آلهة اليابان. ويبداء الكتاب بوصف أسطورة ولادة ثلاثة من آلهة السموات العليا وهم: آلهة السماوات، والمخلف لآلهة الإعجاز، والمولد لآلهة الاعجاز. ومن الجدير بالذكر بأن الأسطورة اليابانية لم تحدد جنس هذه الآلهة. وبعدها برزت من الارض نبتة صغيرة تشكلت منها آلهة أمير الأرض والزرع وآلهة الجنة والخلود. ويعتقد شعب اليابان، من خلال عقيدة الشنتو، بأن روح الأنسان لا تموت، وتبقى أبدية، تحوم حولنا في البيوت والجبال والأنهار والمعابد. كما أن بعض هذه الأرواح تتحول الى آلهة الكامي كإمبراطور عهد الميجي الذي حول البلاد الى قوة أقتصادية مصنعة.
كما يصف الكتاب أسطورة ولادة سبعة من الآلهة المختصين بالأرض وهم: آلهة الأرض الخالدة، والخصبة وطين الارض، والسيدات والنطفة، والحياة، وسيدة المكان العظيم، والتكامل الخارجي، وسيدة الرعب. وتلتها ولادة آلهة الذكر المضيف ازاناجي ، والأخت الصغيرة آلهة الأنثى المضيف ازانامي. وتبين الأسطورة في فصلها الثالث كيف أجتمع آلهة السموات وأمروا الآلهة ازناجي وأزنامي يزاوجهما لولادة ارض اليابان. وقد قدمت لهم الآلهة السهم السماوي المليء بالمجوهرات، فقاما بدفع السهم وتدويره في ماء مالح، وهم يطفون على الجسر السماوي، مما ادى لتبلور الملح تدريجيا وترسبة وتحوله الى جزر اليابان.
وتستمر أزنامي بتكملة ولادة باقي آلهة الطبيعة مثل آلهة الجبال والأنهار والغابات والأمواج.ويصف الكتاب كيف احترقت الاجهزة التناسلية للآلهة أزنامي بعد ان ولدت آلهة النار، فمرضت واستلقت لتستريح، وحينها يبداء مرضها المزمن. ويبداء الكتاب في وصف كل عرض ويربطة بولادة احد آلهة. فمثلا حينما تتقيئ يولد من قيئها الهه امير وأميرة معادن الجبال. وبعد فترة من مرضها اقترب ازناجي من ازنامي، وبداء يبكي وتحولت الدموع الى آلهة أنثى الدموع الباكية. وقد اشتد مرضها فماتت فدفنها على قمة جبل هيبا. ونلاحظ بأن الأسطورة اليابانية حاولت أن تؤكد أهمية كل ظواهر الطبيعة ومنتجاتها، حتى المرض وأعراضة وأفرزاته مهمة ومؤثرة في البيئة والطبيعة. كما أن لكل شيئ أهمية متضادة فالنار مهمة للحياة ولكن قد تكون مدمرة، والشمس أساس الحياة ولكن قد تكون سببا لجفاف وحرق الغابات. وتلاحظ مثلا في معبد الهة الشمس بأن هناك معبد صغير مقابل لمعبد الشمس ويمثل ذلك المعبد غضب الهة الشمس. وتعتبر المعابد المكان الذي تتردد فيه الآلهة، ومن الضروري أن تقدم للالهة الأكل ثلاث مرات في اليوم. ويشترط أن يجهز الأكل بأستعمال نار ناتجة من أحتكاك قطعتين من الخشب. كما توجد بالمعابد مسرح تعزف بها الموسيقى وتمثل فيها بعض مسرحيات فن النوهه القديم، وذلك لأرضاء الالهة ومنع غضبهم. فغضب الالهة يترافق بالزلازل والفيضانات والرياح الشديدة والامواج القوية وحرق الغابات.
وتستمر القصة بوصف قيام ازناجي بقطع رأس طفلة آلهة النار. وقد ولد من الدم الذي لوث سيفه ووسخ كتل الصخور مجموعة من الآلهة المفلقة للصخور. كما ولد من الدم الذي لوث الجزء العلوي من السيف آلهة القبح. وقد ولد من الرأس المقطوع آلهة المالكة لمعابر الجبال الحقيقي، ومن الصدر آلهة المالكة لمنحدر الجبال، ومن البطن آلهة المالكة للجزء الداخلي من الجبال، ومن اجزاءه التناسلية آلهة المالكة للجبال القاتمة، ومن اليد اليسرى آلهة الجبال المليئتان بالأخشاب أو الغابات، ومن اليد اليمنى آلهة المالكة للجبال، ومن القدم اليسرى آلهة المالكة للجزء الخارجي من الجبال. وتستمر القصة بوصف أسطورة عالم الموتى. فقد زار ازناجي أخته المتوفية ازنامي. فتخرج من القصر وتتساءل بسبب مجيئه. فرد عليها بأنه أشتاق لها ويريد أن يأخدها معه. ويرجع ازناجي خائبا وحيدا من عالم الأموات. وتستمر الأسطورة بوصف ولادة بقية الهة اليابان والتي تقدر بأكثر من ستة مليون. ومن أهم بنات الألهين أزنامي وازناجي هي آلهة الشمس، وتعتبر أهم وأعلى الآلهة مرتبة وكان أحد أحفادها ألامبراطور جيمو أول أباطرة اليابان قبل الفين وستمائة وسبعة وستين سنة. وتستمر االقصة بوصف بدء ولادة العائلة الامبراطورية اليابانية ووصف تاريخ حياتهم حتى القرن الخامس.
تلاحظ عزيزي القارئ بأن مفهوم الجنس مقدس في عقيدة الشنتو، وهناك تشبيهات مقدسة لموضوع الجنس والأنجاب. فمثلا تعتبر الأرض كالأنثى وزرع الأرض كعملية جنسية يبذر في الأرض نطفة البذور. وكان الفلاح الياباني يحتفل في مواعيد زرع الأرض بأحتفال تواصل جنسي مع زوجته. كما يغتسل لتطهيرالنفس في البحر، ويختار عادة نقطة التقاء النهر بالبحر. ويمثل البحر المرأة والنهر الرجل، فيتم التقاء التواصل الجنسي بين الرجل والمرأة، فيصب نطفة النهر في رحم البحر.
كما أن موضوع الجنس له مفهوم روحاني كبير في القيم والتقاليد اليابانية. والتصق هذا المفهوم بالسلوك الذهني الياباني على مر العصور. وقد تعاملت التجربة اليابانية بحرية مع موضوع الجنس وأعتبرته أحد الأحتاجات الطبيعية للانسان، مع مراعات قيود مجتمعية تقليدية ملزمة للجميع. ويتعرض الشباب لمفهوم الجنس في وقت مبكر. ومع ذلك من النادر جدا أن تجد أمرأة حامل وغير متزوجة. فالشعب الياباني محافظ على مفهوم االعيب والحياء، ويتعامل مع موضوع الجنس بمسؤلية مجتمعية منضبطة. كما أعطى المجتمع الياباني المرأة الحرية الكاملة في قرارها في موضوع الزواج والانجاب. فالكثير من اليابانيات تفضلن العمل على الزواج، واذا قررت الزواج تتأكد بأن لا يتضارب مسؤلياتها الزوجية مع العمل. ويفضل الكثير من النساء ترك العمل في مرحلة الانجاب. والمجتمع الياباني ينظر للمرأة المتزوجة والغير متزوجة والمنجبة والغير المنجبة للأطفال بشكل متساوي وطبيعي جدا.

سفير مملكة البحرين في اليابان


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف