هل نحن الشرقيين ارهابييون؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من المسؤول عن تشويه سمعة الشرقيين؟
ما ان نهبط من الطائرات ونقطع المسافة بين ممراتها وسيطرة الجوازات في المطارات الغربية، حتى تحدق فينا الأنظار، أنظار الموظفين الغربيين في المطارات، في ما يشبه ماسورة القناص نحو الصيد. ويُنادى الواحد منا (الشرقي) الى طاولات خاصة للتفتيش الخاص أمام أنظار الناس. وأحيانا كثيرة يواجه الشرقي اهانات متنوعة ليس داخل المطارات فحسب بل على شوارع مدن الغرب ايضا!
يختلج شعور مريب في داخل الانسان كونه من الشرق ازاء مواقف كهذه يصادفها يوميا في الغرب. والحال ان حسابات افتراضية تجري في المخيّلة متسربة من قناة الهلع: ربما احمل شيئا ممنوعا، ربما أحد ما وضع شيئا في امتعتي، ربما انا مشتبه به، ربما انتمي الى منظمة ارهابية وانا لا اعلم بذلك، ربما يشبهونني بـــ (اسامه بن لادن).
في العالم الغربي ومن ضمنه استراليا والامريكيتين، اصبح تعريف الانسان الشرقي هو الارهابي الكامن (Potential Terrorist) اي ربما يكون ارهابيا ويُحتمل ان يقوم بعمل ارهابي في اي لحظة. وفي هذا المضمار يستوي لدى الغربيين كل من ينتمي الى الشرق ويحمل ملامحه. اذن الشرقيين سواسية في الجدول الغربي كاسنان المشط لا فضل لعربي على افغاني ولا كردي على تركي ولا لبناني على ايراني.
جدير بالتامل ان صفة الارهابي يختلف تفسيرها في ذهنية الغرب عما نعتقده نحن اهل المشرق. ففي المنطق الغربي، الارهابي هو الجبان الخائف المريض، المحب للشرّ والفساد. ويقوم باعمال جبانة كقتل الاطفال والنساء وخطف المدنيين والطائرات وتفجير الاماكن العامة.
واليوم فان صفة الارهابي ماركة شرقية بتسجيل غربي!
حيث تقول انك من الشرق حتى يتبادر الى اذهان الآخرين انك (ارهابي كامن!) او على الاقل تذكّرهم بالارهاب لمجرد ان ملامحك ترسم صورة الشرق.
على مدار الساعة وحيثما كان الخبر حول الشرق، تعرض قنوات التلفزة الغربية صورتين متطابقتين مكررتين دوماً عن الانسان الشرقي وعن الشرق.
فالنموذج الذي يتمتع بالحضور الدائم على شاشات التلفزة الغربية هو الرجل الذي يلبس عمامة كبيرة على رأسه وتتدلى لحيته العريضة اسفل صدره لابساً الرداء الفضفاض ـــ الذي يلبسه عادة اخوتنا الافغان ــــ وهو يطلق الرشاش اليدوي او القذيفة الصاروخية بطريقة عشوائية، وليس على طريقة ابطال الافلام الامريكية، اي الرومانسي الوسيم المحب للخير الذي لا يستعمل سلاحه الّا للدفاع عن المظلومين. بل وحتى يذرف البطل الغربي الدموع على المجرمين الذين يقتلهم كاحساس انسان عميق! هكذا يعرّف الغرب انسانه وهكذا يفكر الغربي عن نفسه.
المكان المعروض دوما في الاعلام الغربي كصورة مستقرة في ذهن الغرب عن الشرق، هو تلك الخرائب الخاوية في كابل وقندهار وفلوجة، والأحياء الفقيرة التي تئنّ تحت وطأة الجوع والانهيار المعيشي.
الشرقي الأشهر عالمياً هو اسامة بن لادن، أيمن الظواهري، ملا محمد امير طالبان و آية الله خميني.
وباختصار فان صورة الشرق هي كما يلي: اولاد يلعبون في المستنقع يتضورون جوعاً واناس أكل منهم الدهر وشرب، غارقون الحزن والكآبة وبجانبهم رجال غليظين، عريضي المناكب يطلقون النيران. وفي الجانب أشقر غربي أو شقراء يوزعان الطعام على (جياعنا وعراتنا). هذه هي صورة الشرق والانسان الشرقي في أذهان الغربيين بشكل عام.
ولكن الغرب (لا نقصد الدوائر السياسية، فنحن نتحدث عن الشارع الغربي) لا يعرف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والدكتور محمد يونس البنغلاديشي، والشهيد رفيق الحريري ومئات من العلماء والمفكرين الذين يرق عندهم اقسى قلوب البشر واكثرها عنفاً.
الاعلام الغربي لا يريد ان يعرفنا عن طريق هؤلاء الصفوة الخيرة. دبي حاضرة العرب والمسلمين، أندلس قرننا، والتي تخجل منها عواصم الدنيا امامها، ليست حاضرة في أذهان الغربيين، وليست صورة مستقرة عن الشرق في العالم الغربي.
لا بأس، ليس علينا لوم الغرب كثيراً، فأهله في صراع دائم مع الشرق منذ ثلاثة وعشرين قرناً، هاجم فيها الغرب على الشرق سبعة عشر قرناً.
ولكن ماذا عن اعلامنا الشرقي؟ أ أمسى اعلامنا العربي والاسلامي عبداً آبقاً للاعلام الغربي؟!
لِمَ تهرع قنوات تلفزتنا الى تكرار عرض انفجار قنبلة أو عراك ديكين، ومن ثم تفضي الى اقامة برامج وتحاليل وحكايات مملة عن هذه الاحداث التي أمست شبه يومية في مناطق قليلة من عالمنا الشرقي والاسلامي؟
هناك بضعة اماكن تعيش الحرب والقلاقل وهي افغانستان، فلسطين، العراق،كُردستان والى حد ما لبنان والسودان. هذه الاماكن أسس لها الغرب أولاً الفتن والحروب والكوارث. افغانستان احتله الروس ولاحقاً الامريكان. فلسطين شُرد اهله وأعطي كهدية لليهود. العراق احتله الامريكان. كُردستان قسّمه الانكليز والفرنجة.
ولكن حقاً أهذه هي الصورة الحقيقية لكل شرقنا؟ لِمَ لا تتحدث قنوات تلفزتنا عن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كقدوة اسلامي وعربي وكصورة دائمة لجيلنا الناشئ نحو الأمل والعطاء في مسيرة مباركة أسس لها هذا الرجل مع الآخرين من قيادة الامارات العربية المتحدة، وهي مسيرة تدحض كل يأس واستسلام قائمين كوهم شلّ من قدرة الانسان الشرقي ودفعه الى اليقين بانّ الشرق لن يقوم أبدا؟! الشيخ محمد بن راشد يقف شامخاً ويتحدى العالم كلّه في بناء حضاري مجيد.
لماذا لا تتحدث قنوات تلفزتنا عن الدكتور محمد يونس الذي انقذ الملايين من البنغلاديشيين من الجوع والعبودية للآغوات المستغلين في تلك البلاد، وحوّلهم الى منتجين يرفدون طاقات أولادهم نحو مسيرة متمدنة ومنتجة.الدكتور محمد يونس سخّر بنكه الخيري في خدمة شعبه وجعلهم بشراً ذوي حرية وكرامة وعطاء.
لماذا لا تطيل قنوات تلفزتنا في الحديث عن هتين الظاهرتين وظاهرة رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الراحل الذي بنى لبنان مرة أخرى على أنقاض الحروب والفتن التي فتكت بهذا البلد لعقدين من الزمن. هذا الرجل الذي أعاد شريان الحياة الى مدن لبنان وأعاد النبض الى قلبها بيروت؟ هل الشرقييون يعرفون ماذا انجز الحريري للبنان؟ أم انهم لا يعلمون سوى كونه رئيس وزراء أسبق قضى نحبه بالانفجار الذي شاهدناه للمرة الألف على قنواتنا المهوسة بالعنف؟!
لماذا لا يجعل الاعلام الشرقي امثال هؤلاء الخيرين نماذج دائمة الحضور عن الشرقيين و كقادة ناجحين، لبث الأمل في نفوس ابنائنا؟
الشرق بخير لطالما كان لدينا رجال من أمثال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والدكتور محمد يونس والرئيس رفيق الحريري.
نحن أمة عظيمة وخيرة. وستعود العافية الى الاماكن التي تعيش الحروب والفتن، والشرق سيزدهر(فاما الزبد فيذهب جفاءً واما ماينفع الناس فيمكث في الأرض). هذا هو الدرس الاول للجيل الناشئ.