كتَّاب إيلاف

روسيا وعقدة الانفتاح على الغرب من بطرس الاول الى بوتين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الخلافات بين روسيا والغرب ليست وليدة اليوم، فجذورها تمتد الى بداية ظهور الدولة الروسية، واللافت ان روسيا تبنت المذهب الارثذوكسي في المسيحية كي تميز نفسها عن الغرب الكاثوليكي او غيرها من المذاهب . وحاول القيصر بطرس الاول ان يفتح نافذه على اوروبا لتصفية التخلف الروسي حينذاك ، ولكن خلفاؤه اوصدوا النافذة. روسيا تقترب في لحظات تاريخية، من اوربا الغربية ولكنها تنسحب عند الوصول للنقطة الحمراء خشية فقدان خصوصيتها. وعلى هذه الارضية انقسم رجال الفكر والسياسة في روسيا ولحد اليوم بين
" اصحاب الاصولية الروسية" واصحاب " الميول الغربية ". الذهنية الروسية تختلف في جوهرها عن الذهنية الاوروبية الغربية، وهذا يتجلى في كافة مجالات ادارة الدولة وتنظيم الاقتصاد والرؤية الفلسفية ومهام الادب والفن.... ولهذا ظهر في روسيا بوشكين وجوجول ودسيتويفسكي ومايكوفسكي وبلوك وايزنشتين وتشايكوفسكي وموسرسكي ولينين وتروتسكي وستالين، وتطلع تسلوفسكي الى الفضاء الكوني لتشير رحلات فضائية... والنافدة الروسية لاوربا مرة تفتح وثانية تغلق. وكان الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف واول رئيس لروسيا بوريس يلتسين قد قاما بمحاولة جديدة للانفتاح على الغرب وفتح الابواب على مصراعيها امام الرياح القادمة من هناك، ولكن الباب اخذ ينغلق بالتدريج في السنوات الاخيرة، ليدور الحديث من جديد عن خصوصية روسيا، ككيان ليس اوروبي ولا اسيوي انه الجسر الذي هضم وتمثل الحضارات المحيطة فصار نتاجها الذي يتمتع بكينونته الخاصة. وبات الحديث ايضا يدور عن ديمقراطية روسيا الخاصة. واعلنت روسيا انها تقترب الان اكثر فاكثر من ذاتها، وتعزز هذا الشعور مع الاعلان عن توحيد شطري الكنيسية الروسية ( المركز الداخلي والخارجي)، ليصبحوا امة واحدة فرقتها الثورات والحروب، والتدخلات الاجنبية. ومن بين قضايا اخرى فان روسيا تطرح نفسها بجد لتكون الوسيط للحوار بين الغرب والعالم الاسلامي، انطلاقا من خصوصتها التاريخية.
وضمن هذه القاعدة يمكن اليوم فهم او الاقتراب من فهم الخلافات السياسية والاقتصادية والامنية ومن كيفية اقامة نظام دولي لما الحرب الباردة، القائمة بين الاتحاد الاوروبي( الغرب عموما) وروسيا. وتتجلى الخلافات بعدم تفاهم حول قضايا عيانية ولكن ثمة ذهنية ورؤية حضارية وطموح امة تقف وراءها. الحلول قد تاتي لكنها ستكون مؤقتة، فروسيا ستكون دائما كيانا غريبا في المحيط الغربي. والغرب الساعي لاحتوءها غير قادر على هضمهما وامتثالها انها غريبة جدا عليه.
ومثلما كان متوقعا اختتم مؤتمر قمة روسيا ـ الناتو اعماله في مدينة سامارا الروسية دون ان يسفر عن تائج تذكر. وبدل مناقشة مواد الاتفاقية الجديدة والتعاون الاستراتيجي، انشغل الطرفان بتوجيه التهم لبعضهما الاخر بانتهاك حقوق الانسان، وعرض كل طرف رؤيته عن الديمقراطية الحقة.وكشفت القمة ايضا وجود خلافات جوهرية حول القضايا المدرجة على جدول اعمال العلاقات بين الطرفين. ورغم اتفاق الطرفين على ان العلاقات بينهما تنطوي لكل منهما على اهمية استراتيجية، الان ما يعرقلها هو تقاطع المصالح ورغبة كل طرف ان يلعب الاخر وفق قواعده.
وتشمل الخلافات بن روسيا والاتحاد الاوروبي على لائحة طويلة من القضايا المعقدة. في مقدمتها اتخاذ روسيا روسيا اجراءات قاسية ضد عدد من دول الاتحاد الاوربي، لاسيما بحق استونيا لنقلها نصب تذكاري يعود لجنود الجيش الاحمر شاركوا بالحرب العالمية الثانية وبولندا التي حظرت موسكو استيراد اللحوم منها.اضافة الى مخاوف الغرب من استثمار الكرملين تبعية اوروبا في حاجاته للطاقة لروسيا لتحقي اهداف سياسية.
وتنظر روسيا بعدم رضا لموافقة الاتحاد الاوروبي على خطط نشر الولايات المتحدة الامريكية اجزاء النظام الدفاعي باوروبا. ولم تقتنع روسيا لا بالبراهين الامريكية ولا الاوروبية بان تلك الصواريخ لاتستهدف امنها وانها منصوبة للتصدي لصواريخ قد تنطلق من ايران او كوريا الشمالية. وتتفق القيادات العسكريو والسياسية الروسية، على ان الصواريخ تلك تستهدف امن روسيا، وخاصة ان من مكوناتها رادارات تنصب في تشيكيا تضع مساحة واسعة من روسيا في متناول عيون الناتو. ولم تنجح امريكا باغراء الروس بمقترحاتها، بجعل الخطط شفافة والتعاون معها في مجال تبادل المعلومات. ويلوح ان موسكو تطالب باكثر من ذلك، انها تريد ان تكون مشارك رئيسي في الخطط، وليس مراقب عليها وحسب. واعربت روسيا ايضا عن تجميد التزاماتها في اطار معاهدة الحد من القوات المسلحة التقليدية في اوروبا، نظرا لان الجانب الغربي لم يصادق حتى الان على الصغية المعدلة للمعاهدة. واتاح العمل بالصيغة غير المعدلة للناتو نشر المزيد من قواته في الدول الاوربية المتاخمة لروسيا، بذريعة انها غير منظمة للمعاهدة.
وعبر "نيكولاي بوردوجا" الأمين العام لمنظمة الأمن الجماعي، وهي منظمة التعاون الأمني للبلدان الكائنة في الساحة السوفيتية سابقا وتضم الآن روسيا وأرمينيا وبيلوروسيا وكازاخستان وقيرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان، عن القلق مما وصفه بتحرشات حلف شمال الأطلسي (الناتو)بالبلدان أعضاء منظمة الأمن الجماعي موضحا أن حلف الناتو اتجه إلى إنشاء البنية التحتية العسكرية على مقربة مباشرة من روسيا وغيرها من أعضاء منظمة الأمن الجماعي. وتندرج في هذا الإطار خطط بجر دول الاتحاد الاوربي لها. ونقلت وكالة الانباء الروسية عن بوردوجا قوله أن وجود ما هو مهيأ لإطلاق الصواريخ المجهزة بالرؤوس المدمرة في دول الاتحاد الاوربي يشكل خطرا حتى وإن كانت موجهة إلى الآخرين. ولهذا فإنه يرى وجوب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوجيه الرد على تحركات من هذا القبيل مؤكدا أن وجود 10 أو 16 من الصواريخ المجهزة بالرؤوس المدمرة على مقربة مباشرة من روسيا أو بيلوروسيا "أمر في غاية الخطورة.
وثمة هوة واسعة في موقف روسيا والاتحاد الاوروبي من قضية اقليم كوسوفو. فموسكو ترفض مشروع القرار الغربي المقدم لمجلس الامن الدولي القائم على خطة ممثل الامين العام لمنظمة الامم المتحد الرئيس النلندي السابق مارتي اهتيساري الذي يدعو الى منح كوسوفو الاستقلال بوصاية دولية، ودمج الاقليم وصربيا مستقبلا بصربيا. وتشترط موسكو ان تنال اية تسوية موافقة بلغراد عليها.وقال وزير الخارجية لافروف ان موقفنا من كوسوفو لايتطابق مع موقف الشرق الغربيين. ويتوجب مواصلة الحوار الذي من المفترض ان يسفر عن تسوية تقبل بها كافة الاطراف المعنية.
وتتصدر قضايا النفط والغاز اليوم اولويات العلاقات بين روسيا والاتحاد الاوروبي. وتتخوف اوروبا من ان تستخدم روسيا النفط والغاز كوسيلة لتحقيق اهدافها الاستراتيجية، مثلما استخدمته ضد اوكراينا. وتسعى اوروبا للحصول من روسيا على ضمانات اكيدة باستقرار الصادرات لها، وعدم تاثرها بالمواقف السياسية. ولذلك فانها تطالب موسكو بالتوقيع على ميثاق الطاقة القاضي من بين قضايا اخرى بالسماح للمؤسسات والشركات الاروبية استخدام شبكات انابيب النفط والمشاركة باستثمار حقول النفط والغاز. وتقول روسيا انها مستعدة لذلك فقط وفق شروط معينية، من بينها السماح لها باستيراد التكنولوجيات المتطورة. وعززت روسيا موقفها امام الاتحاد الاوروبي مؤخرا في قضية الطاقة، بعد ان اتفقت مع كازاخستان وتركمانيا على انشاء انبوب لتصدير الغاز الى اوروبا عبر الاراضي الروسية. وغدت موسكو بذلك تتحكم باغلبية صادرات الطاقة لاوروبا.
ان قضية الطاقة في المرحلة القادمة ستظل للفترة القادمة جوهر العلاقات بين روسيا والاتحاد الاوروبي. وسوف تواصل روسيا استثمار تبعية اوروبا لروسيا في مجال الطاقة لتحقيق مصالحها الخاصة.وستعتمد كافة القضايا الخلافية على اتفاق الطرفين بشان توريدات الطاقة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف