كاسك يا غوار الطوشة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مَن من جمهور الشاشة الصغيرة، عربياً، لا يعرف دريد لحام أو "غوار الطوشة"، الشخصية الخصوصية جداً، التي كانها في زمان الأبيض والأسود، وإلى زمان قريبٍ مضى؟
هو الدمشقي المولود سنة1933، الذي درس العلوم الفيزيائية والكيميائية(ر ف ك) في جامعة دمشق. ثم انتقل إلى التمثيل المسرحي فالتلفزيوني، ليصبح ثمتئذٍ من أكبر الممثلين الكوميديين السوريين.
له العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية، والإذاعية، والسينمائية، منها: كاسك ياوطن، صانع المطر، ضيعة تشرين، غربة، وادي المسك، أحلام أبو الهنا، الدغري، صح النوم، مقالب غوار، الحدود، كفرون، الرجل المناسب، التقرير، الآباء الصغار وغيرها.
اشتهر وذاع صيته بين الجمهور العربي بشخصيته الشعبية، الكوميدية، الخفيفة الظل، والبسيطة، التي سماها ب" الشخصية الخاصة" غوار الطوشة.
يحمل عدداً من الأوسمة والجوائز وشهادات التقدير المحلية والعربية والدولية. واختير سنة 1997 كسفير لمنظمة اليونيسيف الدولية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هو بإختصار فنان سوري كبير، غني عن التعريف
بمناسبة "العرس الوطني الكبير" الذي سيجري فيه "الإستفتاء"(لا بل الإستتباع) على ولاية دستورية جديدة(مضمونة 100%) للسيد الرئيس بشار الاسد، تابعت مساء الأربعاء(16.05.07)، أحوال هذا "الكبير" الكوميدي الدمشقي، بطل "كاسك يا وطن"، بحلوله ضيفاً "مطبلاً ومزمراً"، على شاشة الفضائية السورية، في برنامج خاص مع زميله الفنان الحلبي الكبير صباح فخري.
البرنامج، كما بدا من عبارة "منحبك"(يا ريس طبعاً)، التي كانت عنواناً كبيراً "للسهرة الفنية" العريضة، ب"نعماتها" الجاهزة المجهزة تجهيزاً أكيداً، وكما ظهر من صور الرئيس الشاب الضرورة و"القائد والمقاوم" الدكتور بشار الأسد ، المقبل على الولاية الدستورية الجديدة، الموزعة بعنف مبالغ فيه وقسوة شديدة، على طول وعرض وجنبات الإستوديو، كان برنامجاً تعبوياً، تصفيقياً، مفذلكاً، وثقيل الظل في كثيره "النعمي"(من نعم)، ككل البرامج البعثية الممجوجة، المعروفة النتائج سلفاً، فضلاً عن أنه كان استخفافاً فصيحاً، على الهواء مباشرةً بعقول الناس، وضحكاً متلفزاً، بامتياز، على ذقون الجمهور الغلبان، الذي لا حول له ولا قوة.
كلا الضيفين المطبليَن المزمّرَين(على شأنهما الكبيرين)، تحولاّ على طول البرنامج وعرضه، إلى مديحٍ رخيص، وإطراء رخيص، وحب رخيص، ودعاية رخيصة، و"نعم" أرخص، لتأييد تمديد خلافة الرئيس "المناضل والمقاوم"، لولاية دستورية جديدة، مفصلة على مقاسه، تفصيلاً بعثياً مبيناً.
فالمعروف للقاصي والداني، وللبعيد قبل القريب، هو أنّ الأسد الإبن الخليفة قد عدّل المادة 80 من الدستور، إبان خلافته، في 10 يونيو 2000 وفصّلها على مقاسه، تفصيلاً كيفياً أكيداً(ليصبح السن القانوني للمرشح لمنصب رئيس الجمهورية 35 عاماً، وهو عمر الرئيس بشار الأسد عند التعديل، بدلاً من 40 عاماً، الذي كان الدستور ناصّاً عليه)، تماماً مثلما فصل والده "الأب القائد"، من قبل، الدستور عينه ، لذات الغايات في ذات الخلافة، سنة 1973.
والصلاحيات الممنوحة للرئيس الواحد الأحد في المواد (84ـ114)، هي الشاهد على "حق" الرئيس الأكثر من الكامل، والغير مشروط، في أن يعطل مجلسه المسمى ب"مجلس الشعب" الذي لاشعب فيه أصلاً، متى وكيفما وأين يشاء.
دريد لحام (وهو الكبير) "تفلسف" في البرنامج البروباكاندا، بالكلام الضرورة، حول مقولة "مالك وما عليك"، قائلاً: "قبل أن نسأل سوريا ماذا أعطيتينا، علينا أن نسأل أنفسنا، ماذا أعطينا نحن لسوريا الوطن"؟
"كبيرنا" على مدى أجيالٍ، تفلسف في مفهوم ومقولة "الوطن"، و في "ما للوطن وعلى الوطن"، وفي "ما تحت الوطن وفوق الوطن"، وفي "متن الوطن وهوامشه"، وكأن الوطن الذي اختزله في قامة رئيسه الشاب، الذي بات أكبر من الوطن، و"المقاوم والصامد، والساهر على أمن الوطن والمواطنين، والذي لا ينام، ويأكل مع أبناء الشهداء وأبناء السبيل،وووووو" كما وصفه "كبيرنا"، كأن هذا الوطن "المملوك" أصلاً، في "تمامه وكماله"، أرضاً وشعباً وبرلماناً وحكومةً، لسيادة رئيسه الشاب وآل بيته وصحبه، ليس ذات الوطن الذي شرب نخبه و"شرّبنا" أياه، يوماً، في تراجيكوميدياه "كاسك ياوطن".
أوليس هذا الوطن الممسوخ، ياحضرة الفنان الكبير، الذي تصوت فيه اليوم، وعلى الهواء وعبر الأثير مباشرةً، لرئيسه "الخليفة الأبدي" الشاب، ب"نعم فنية" طويلة، وكبيرة، وشاسعة، وعقائدية مؤمنة، ومناضلة، ومقاومة، وباسلة، ووو...، هو ذات الوطن الذي شربته مع كأسك، يوماً، لأنه كان وطناً "للمواطن الطز والحقوق الطز والعدالة الطز والقانون الطز والكرامة الطز"؟
أليس هذا الوطن الذي في "القائد المعطاء"، هو ذات "الوطن الذي كان في الكاس"، و"الوطن النظام الذي تدعسه سيارة مسؤول"، و"الوطن القانون الذي هو شوية إضبارة وتختفي"، و"الوطن المخابرات الكثيرة والتحقيق الكثير"، و"الوطن التهم الجاهزة والمتوفرة والسريعة"؟
ماذا يختلف هذا "الوطن الرئيس" عن ذاك "الوطن الكاس"؟
ألم تتحول "سوريا الأسد"، من وطن ال"مكانك راوح" إلى وطن "للوراء درّ"، لا سيما وأنّ "التاريخ يشهّي الواحد يرجع يعيش فيه"، على حد قولك أيام زمان؟
عن أيّ "وطنٍ معطاء" تتحدث إلينا، والوطن في الوصفة البعثية، بقيادة الرئيس "الساهر على اختزال الوطن والمواطنين في ذاته"، ليس إلا مشروعاً لتكريس المزيد من الديكتاتورية(ديكتاتورية آل البيت) والمزيد من المصادرة: مصادرة الوطن والمواطن؟
كم قدم وطن "الرئيس المعطاء" هذا، لمواطنك الصديق، وكاتب سيناريوهات أشهر أعمالك، الكبير محمد الماغوط(1934ـ2006) مثلاً، الذي "أعطى صدره لدمشق أربعين عاماً، دون أن يجرأ أن يعطيها ظهره ثانية واحدة" كما قال ذات مرة؟(صحيفة الخليج الإماراتية، 26 فبراير 2006/ حوار يوسف كركوتي)
هذا الكبير الذي غنى خارج السرب، كعادة حبره، ألم "يبدأ وحيداً مثلما انتهى وحيداً" كما بكى ذات بوحٍ؟
أليس هذا "الوطن الرئيس" هو ذاك "الوطن الكاس"، حيث "زوجات وزرائه لا يزلن ينجبن أمناء عامين" معينين سلفاً، في أجهزة الحزب والدولة؟
وأنت توقع على "البياض المعطاء"، وعلى "الهواء المباشر المعطاء"، للتعبير عن "تأييدك المعطاء"، لتمديد خلافة الرئيس لولاية دستورية "معطاءة" جديدة، وربما أخرى قادمة وما بعد قادمة، هل فكرت يا حضرة الفنان الكبير، ب"وطن الريس اللي بتموت فيه"، كيف تحول إلى سجن كبير لمواطنيه، الذين أُفرِغوا من كل الحريات، وكل الحقوق، وكل الكرامة، وكل المواطنة؟
ماذا فعل البرفسور عارف دليلة، والمحامي والناشط السياسي أنور البني، و الكاتب والناشط السياسي ميشيل كيلو، ورفاقهم د. كمال اللبواني ومحمود عيسى وسليمان الشمر وخليل حسين، وأكثر من 200 سجين سياسي كردي، والآلاف من معتقلي الرأي والضمير، الذين يرزحون الآن تحت "جزم" القوانين الإستثنائية ومحاكمها العسكرية الطارئة، ماذا فعل كل هؤلاء ب"الوطن"، كي يحصدهم كل هذا السجن، وكل هذا التعذيب، في معتقلات "جمهورية الخوف الثانية"؟
ماذا قال هؤلاء أكثر من "شوية وطن"، و"شوية حق"، و"شوية دستور"، و"شوية خبز"، و"شوية اقتصاد"، و"شوية سوق"، و"شوية حرية"، وشوية كرامة"، التي طالما افتقدها مواطنك في الوطن الماضي/"الوطن الكاس"، كما في الوطن الحاضر/"الوطن الرئيس"؟
سبحان مغير الأوطان: في وطن "أيام زمان"؛ زمان "الوطن الكاس"، كنت تُقدم، يا حضرة الفنان الكبير، على "هوائه"، في "راديو عرب كارلو"(RAC)، ك"كابتن فريق المحطة وقلب الهجوم"، والآن في وطن هذا الزمان، وطن زمان "الرئيس المعطاء"، نراك تُقلد ب"إستحقاق الوطن الحرير" وتُقدم على "هوائه المباشر المعطاء"، ك"كابتن لجوقة الرئيس وقلب الدفاع".
كاسك يا غوار الطوشة!
كاسك يا قلب الدفاع!