كتَّاب إيلاف

من أجل ألآّ يكون الأردن تحت رحمة أحد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله: من البتراء، ألى عمان، ألى البحر الميت، من يزور الأردن هذه الأيّام يكتشف أن هناك رؤيا على تماس مع المستقبل من دون تجاهل للواقع، خصوصاً للتعقيدات الأقليمية التي تجعل المملكة تعيش في أستمرار بين العواصف وعلى خطوط الأزمات وحدودها. يعيش الأردن على وقع الصراع القائم بين الفلسطينيين واسرائيل. لكن ذلك لا يمنعه من الرهان على السلام وعلى جعل الفلسطينيين ينتصرون على الفكر المتخلف الذي يريد أعادتهم سنوات ألى خلف.

لهذا السبب وليس لغيره، يراهن الأردن على أن الفلسطينيين سيدركون في النهاية مصلحتهم وسيتخلون عن الشعارات التي لا تخدم سوى أسرائيل. يقف الأردن في خط الدفاع الأوّل عن أقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي يجد فيها مصلحة مشتركة وقاسماً مشتركاً بينه وبين الفلسطينيين. ولهذا السبب المرتبط بمصلحة الأردن في قيام دولة فلسطينية مستقلّة ، وضع الملك الحسين، رحمه الله، حجر الأساس للدولة الفلسطينية عندما عندما أتخذ صيف العام 1988 من القرن الماضي القرار القاضي بفك الأرتباط بين الأردن والضفة الغربية. وهو قرار لا عودة عنه كونه في مصلحة الأردنيين والفلسطينيين في آن. لم تمض أشهر على قرار فك الأرتباط، ألاّ واعلن الفلسطينيون من الجزائر خلال أنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في تشرين الثاني - نوفمبر 1988 قيام الدولة الفلسطينية المستقلة أستناداً ألى القرار الرقم 242 الذي في أساسه مبدأ الأرض في مقابل السلام.

لا عودة عن قرار فك الأرتباط. ولكن لا عودة أيضاً عن السير في أتجاه تطوير الأردن وتحويله ألى دولة حديثة قادرة على أن تكون مستقلة فعلاً أقتصادياً وسياسياً وتنموياً بغض النظرعن أرتفاع أسعار النفط أو هبوطها. للأردن ما يقدمه ألى شعبه، تحقق السلام في المنطقة أم لم يتحقق، لديه ما هو أهمّ بكثير من الثروة النفطية. لديه ثروة الأنسان ولديه قبل أي شيء آخر القدرة على التعاطي مع العالم المتحضر ومع التطور بفضل ملك شاب لا عقد لديه أسمه عبالله الثاني.

من البتراء، ألى عمّان، ألى البحر الميّت، يكتشف المرء أن ثمة محاولة أردنية جدّية لتجاوز الماضي، أو على الأصحّ للأستفادة من دروسه، والتطلع ألى المستقبل وألى ما يدور فعلاً في العالم والى الأرتباط بالتطور وليس بالتخلف. وهذا يعني بطبيعة الحال أن الأردن بفضل ما يمتلكه من ثروات، وما لا يمتلكه منها، ليس مضطراً ألى أن يكون تحت رحمة أحد. يمتلك الآخرون الكثير، لكن ألأردن يمتلك الطبيعة والأنسان والأرادة والرؤيا. يمتلك مواقع طبيعية لا يمتلكها كثيرون، من البتراء، ألى العقبة، ألى البحر الميت، ألى جرش وعجلون وعمان نفسها، فضلاً عن مواقع أخرى قابلة للتطوير متى وجد الأنسان القابل للتطور ومتى وجدت الرؤيا. والأنسان الأردني قابل لذلك. أنه أكبر ثروة يمتلكها ألأردن.

ومن هذا المنطلق، في أستطاعته التفوق على الآخرين، بل يستطيع توفير حماية لآخرين يفتقدون الأنسان ويتفوقون عليه بالثروة. من ينظر ألى النجاحات التي حققتها دول في جنوب شرقي آسيا من ماليزيا وسنغافورة ألى كوريا الجنوبية لا يعود يستغرب شيئاً لدى الحديث عن ثروة أسمها الأنسان أوّلاً.

في البتراء، التقى ما يزيد على ثلاثين من حملة جائزة نوبل للبحث في المشاكل التي تواجه المنطقة بدل الهرب منها ، من التعليم ومستواه ألى البيئة، ألى الأرهاب والبحث عن جذوره وكيفية معالجته أنطلاقا من الجذور... وألى دور المرأة . أستفاد الأردن في حضور الملك عبدالله والملكة رانيا مما لدى الحائزين على جائزة نوبل في شتى المجالات. ووفّر لقاء البتراء أيضاً مناسبة لفهم ما يدور في رأس رئيس الوزراء الأسرائيلي أيهود أولمرت. في ندوة مفتوحة مع أيلي فيزيل حامل جائزة نوبل في الآداب، بدا أولمرت أقلّ عجرفة مقارنة مع ما كان عليه قبل ذلك بعام، ولكن بدا أيضاً أنّه لم يتعلّم الكثير عن المنطقة وعن كيفية تجاوز الأزمات وأيجاد حلول وتسويات مع الفلسطينيين أوّلاً، على الرغم من كل التجارب التي مرّ فيها، بما في ذلك حرب لبنان.

ولذلك، كان على العاهل الأردني تذكيره بالبديهيات في اللقاء الذي عقد بينهما في العقبة وذلك على هامش ما كان يدور في البتراء. وكان اللقاء بين رئيس الوزراء الأسرائيلي والعاهل الأردني بعد الندوة مباشرة، ولا شك أن العقبة وفّرت المناخ المناسب ليقول كل طرف ما لديه قوله، خصوصاً ما لدى الأردن من ملاحظات وأعتراضات صريحة على السياسات الأسرائيلية التي لا تخدم سوى أعداء السلام.

وفي البحر الميّت، أستمرت الحملة ألاردنية من أجل السلام، على الرغم من الأجواء المكفهرة التي توحي بأنفجار ما في المنطقة. لم يتردد العاهل الأردني في التشديد على تفاؤله بأن السلام ممكن وذلك في الخطاب الذي ألقاه في أفتتاح "المنتدى الأقتصادي العالمي"، أي دافوس الشرق الأوسط. ولم يتردد أيضاً، على هامش دافوس البحر الميّت، في رعاية مؤتمر"جي- 11" للدول الساعية جدياً ألى تجاوز عتبة الفقر والأنتماء ألى نادي الدول الصاعدة عالمياً بفضل الأصلاحات السياسية والأقتصادية.

وضع عبدالله الثاني الدول الصناعية الكبرى التي تجتمع تحت تسمية "جي- 8" أمام مسؤولياتها في التعاطي الجدّي مع دول مثل الأردن والمغرب وكرواتيا وسلفادور وجورجيا وأكوادور وهندوراس وأندونيسيا وباكستان وسيريلانكا وباراغواي، بغية "أقامة شراكة" تخدم الأستقرار والرفاه على الصعيد الأقليمي بما يظهر ما يمكن للأصلاحات الأقتصادية والسياسية من تحقيقه. الهدف واضح كل الوضوح ويمكن أختصاره بأن العالم تغيّر وأن لا مفر من التعاطي مع التغييرات من النواحي السياسية أو الأقتصادية.

من يتأقلم مع التغييرات، يجد لنفسه مكاناً في العالم الجديد، ومن لا يفعل ذلك سيلفظه هذا العالم. لم يجد عبدالله الثاني عيباً في الأجتماع بشباب من دول المنطقة ليتحدث أليهم ويطلع على وجهات نظرهم. كان هناك شبّان من الأردن ومصر وأسرائيل، كذلك من السعودية والكويت والمغرب ولبنان. كان مفيداً معرفة كيف يفكر هؤلاء وكيف ينظرون ألى المستقبل وألى مشاكل المنطقة. وكان مهماً أن يدركوا أن هناك من يريد الأستماع أليهم والأستفادة من أفكارهم، أيا تكن هذه الأفكار...

تكمن أهمية ما يشهده الأردن حالياً في أن هناك رؤيا وتفكيراً جدياً في كيفية تجاوز الوضع الذي كان قائماً في الماضي والذي يتلخص بأن الأردن في حاجة مستمرة ألى من يدعمه. الرهان هو على أن الأردن قادر على أن الأكتفاء الذاتي، بفضل الأنسان ألأردني أولاً وبفضل ما يمتلكه البلد من ثروات ثانياً، ولن يكون تالياً تحت رحمة أرتفاع أسعار النفط أو أنخفاضها أو المساعدات الخارجية. الأردن لن يكون تحت رحمة حلّ القضية الفلسطينية أو عدم حلّها، علماً بأنّه المستفيد الأوَل من حلها ومن أقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ألأردن لن يكون تحت رحمة ما سيشهده العراق من تطورات بغض النظر عن الأنعكاسات السلبية لهذه التطورات على العراقيين أنفسهم أوّلاً، الأردن لن يكون تحت رحمة الأرهاب والأرهابيين يبتزونه كما الحال في لبنان مثلاً.

ما تظهره رحلة من البتراء ألى البحر الميّت مروراً بعمان أن هناك رؤيا جديدة متماسكة ليس للدور الأردني في المنطقة بل للأردن نفسه. رؤية تستند ألى كيفية العبور ألى الأردن القادر على أستغلال ثرواته عبر أصلاحات سياسية واقتصادية وأجتماعية جريئة وأقامة دولة مؤسسات لا أكثر ولا أقل. الأردن أوّلاً. هذا الشعار الذي رفع قبل سنوات، لم يعد شعاراً بمقدار ما أنّه وجد أرضاً خصبة يمكن أن يطبق فيها!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف