كتَّاب إيلاف

لماذا السلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان فقط؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سؤال يبدو من وجهة النظر الميدانية منطقيا للغاية، فمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتجمعاتهم البشرية منذ نكبة عام 1948 موجودة في الأردن وسورية ولبنان والعراق ومصر، ولم يسمع أحد بمسألة السلاح الفلسطيني قبل عام 1968، عندما بدأت المقاومة الفلسطينية عملياتها العسكرية عبر الحدود الأردنية، وبعدها حاولت الفصائل الفلسطينية أن تكون دولة داخل الدولة الأردنية، عبر شعارات المزايدة الثورية التي ملأت شوارع المدن الأردنية مثل (السلطة كل السلطة للمقاومة) و (فلتعلن مجالس السوفييت في كل مكان) و (الطريق إلى فلسطين يمرّ من عمّان)،بالإضافة إلى كافة أنواع التعديات ضد الجيش الأردني وسرقة سياراته عندما تحتاج أية قاعدة لما سمّي (الفدائيين) لسيارة نقل أو شحن، إلى أن بلغ السيل الزبى وأصبح كيان الدولة الأردنية مهددا بالفوضى والزعران واللصوص متلفحين بغطاء القضية الفلسطينية المقدسة وهم بعيدون عن أية قداسة، إلى أن كان قرار المرحوم الملك حسين الشجاع بالتصدي لهذا الفلتان والفوضى، فكانت صدامات أيلول عام 1970، خاصة بعد خطف الطائرات الأجنبية وتفجيرها فيما أطلق عليه مطار الثورة في المفرق، تلك العملية التي شوهت نضال الشعب الفلسطيني، وانتهت صدامات أيلول إلى طرد نهائي لكل المسلحين باسم الفدائيين وطردهم إلى سورية التي حاول نظامها آنذاك التدخل عسكريا لنصرتهم ليس لأن أعمالهم ستؤدي لتحرير فلسطين، ولكن كي لا يؤدي طردهم لدخولهم الأراضي السورية، وهذا ما تمّ بعد هزيمتهم وفرارهم فرار الشجعان، وكانت تلك النتيجة لصالح التجمعات الفلسطينية في الأردن، لأن أولئك الثوار لو بقوا في الأردن لزرعوا فيها الفوضى ونشروا السلاح اللاثوري واللاوطني واللامقدس كما فعلوا في لبنان، إذ كانت غالبية عملياتهم قذف بعض الصواريخ عبر الحدود ثم يهربون مختفين. وما إن وصلوا إلى دمشق حتى تمّ شحنهم بالجملة إلى لبنان حيث بدأوا بإقامة (جمهورية الفاكهاني اللاديمقراطية)، ومنها انتشروا في المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان تحديدا لتصبح تلك المخيمات (جيتوات مغلقة مسلحة) لا تخضع لسيادة الدولة اللبنانية، ويحكمها أمراء العصابات باسم (تنظيمات غالبا في اسمها كلمتي " تحرير فلسطين ")، وكان كل مخيم وما يزال مقسما من الداخل بين أولئك الزعماء لا يستطيع أي زعيم دخول حارة زعيم آخر، وكانت الصدامات المسلحة بين أولئك الأمراء أكثر من الهم الذي جلبوه لقلوب اللاجئين الفلسطينيين . أما الذين بقوا في دمشق فقد كانت تعليمات (الضابطة الفدائية) صريحة وصارمة، بعدم حمل السلاح وعدم إطلاق رصاصة واحدة من الحدود السورية، وتم تطبيق هذه التعليمات بدقة والتزام ثوري صادق، فلم تشهد المخيمات الفلسطينية في سورية أي وجود للسلاح ولا أية صدامات مسلحة بين (الفسائل) الفلسطينية، ولا أية رصاصة من الحدود السورية باتجاه (إسرائيل) منذ عام 1970 وحتى كتابة هذه المقالة، لأن المخابرات السورية لا ترحم ف (الداخل لسجونها مفقود والخارج منها مولود).
ومن يعتقد جهلا أن هذا السلاح الفلسطيني في المخيمات اللبنانية كان مقدسا وثوريا لتحرير فلسطين، نذكّره بأهم الحروب الفلسطينية - الفلسطينية التي كان أبشعها وأكثرها إجراما تطويق مخيمات طرابلس في شمال لبنان عام 1983 من قبل عصابات جماعتي أحمد جبريل وأبو خالد العملة وأبو موسى وقصفها بالمدفعية الثقيلة لعدة أيام مدعومة من الجيش والمخابرات السورية لإخراج ياسر عرفات و مقاتليه، بقرار من حافظ الأسد الذي كان قد سبق أن طرده من دمشق مع خليل الوزير، وكانت عودة ياسر عرفات لشمال لبنان عن طريق البحر تحديا لحافظ الأسد الذي أصدر الأوامر لعملائه بحصاره وقتله، فكان حصار المخيمات في طرابلس وقصفها بالمدفعية لعدة أيام موقعة مئات القتلى والجرحى، وما كان ممكنا بقاء عرفات ومن معه أحياءَ لولا تدخل الحكومة الفرنسية وإجلائهم بالبوارج الحربية الفرنسية.
ومن من الفلسطينيين في لبنان وكافة المنافي والمهاجر يمكنه أن ينسى حربي المخيمات الفلسطينية في لبنان أيضا عامي 1985 و 1987 التي أيضا أشعلتها عصابتي أحمد جبريل و أبو خالد العملة ضد عناصر فتح عرفات في مخيمات بيروت، وقد سقط في تلك الحربين ما لا يقل عن ألفين من اللاجئين الفلسطينيين وعناصر فتح عرفات، وتمّ تجميع ألاف منهم وشحنهم إلى مخيمات جنوب لبنان، وبالتالي أصبحت مخيمات الجنوب كعين الحلوة والرشيدية جيتوات لجماعة عرفات ومخيمات بيروت و شمال لبنان جيتوات لعملاء سورية، لا يستطيع أي عنصر من الطرفين دخول جيتوات الطرف الآخر. وهذه الجرائم لا تقل وحشية عن مجزرة صبرا و شاتيلا التي ارتكبتها قوات الكتائب عام 1982 بإشراف ودعم مباشر من المجرم شارون، أو حصار مخيمات بيروت الشهير بين عامي 1985 و 1987 من قبل عصابات حركة أمل التي كان سماحة السيد حسن نصر الله ومريديه مشاركين فيها بقوة وشجاعة منقطعة النظير قبل أن ينشقوا عن الحركة ويؤسسوا حزب الله، وظلّ السيد ساكتا سكوت علامة الرضى على كل التجاوزات بحق الفلسطينيين بما فيها منعهم حسب القانون اللبناني من ممارسة سبعين مهنة، حيث لم يبق لهم سوى جمع الزبالة ومسح الأحذية. ذلك الحصار وثقّه الدكتور عبد الله الغريب في كتابه المشهور (أمل وحرب المخيمات) حيث اثبت فيه بالوثائق وشهادات الناجين من ذلك الحصار أن عدد القتلى كان لا يقل عن ثلاثة ألاف لاجىء فلسطيني، ويكفي التذكير بأنه في ذلك الحصار والقتل أصدر شيوخ دين لبنانيين وفلسطينيين فتاوي أباحوا فيها لسكان المخيمات بأكل لحوم الكلاب والقطط لتعذر دخول المواد التموينية للمخيمات بعد نفاذها تماما. ومن المشاهد الإجرامية التي لا يمكن نسيانها أن محاصري المخيم من حركة أمل كانوا بعض الأيام يسمحون مساءا للنساء بالخروج لجلب الماء والمواد التموينية، وبعد أن يصلن أبواب المخيم حاملات ما تيسر يقومون برميهن بالرصاص فيخسرن حياتهن والنقود التي اشترين بها المواد التموينية.
وكذلك في مصر الناصرية رغم وجود تجمعات فلسطينية تضم عشرات ألاف اللاجئين الفلسطينيين ونشأة ودراسة ياسر عرفات وغيره من أمراء الفسائل الفلسطينية في القاهرة، إلا أنهم لم يفكروا مجرد تفكير في حمل السلاح والقيام بعمليات ضد إسرائيل من الحدود المصرية، رغم أنها الأسهل لوجيستيا وتدريبا، بحكم شبه الحدود المفتوحة بين رفح فلسطين الفلسطينية ورفح سيناء المصرية، ووجود مئات من الفدائيين الفلسطينيين المدربين تدريبا جيدا منذ بداية الخمسينات الذين تدربوا في قطاع غزة قبل عام 1956 تحت إشراف الضابط المصري الشجاع البطل مصطفى حافظ الذي أزعج إسرائيل بالعديد من العمليات الفدائية المدمرّة، فظلت تلاحقه حتى قتلته بواسطة رسالة مفخخة من خلال عميل فلسطيني مزدوج. وأيضا في عراق البعث الصدامي لم تفكر التجمعات الفلسطينية في أي مكان من العراق بحمل السلاح أو تهريبه للفسائل الفلسطينية في أي قطر عربي آخر.

إذن لماذا سلاح هذه الجماعات في لبنان فقط؟
بداية لا بد من التأكيد بصراحة وشجاعة أن قتلى الفلسطينيين في لبنان من جراء السلاح الفلسطيني مئات أضعاف قتلاهم من السلاح الإسرائيلي، و الغريب المحزن أن الفلسطينيين يتذكرون ويبكون ويندبون عبر عشرات السنوات مئات قتلاهم على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنهم لا يتذكرون ولا يبكون ولا يلطمون على ألاف قتلاهم الذين سقطوا في حربي المخيمات اللبنانية عامي 1985 و 1987 التي شنّتها عصابات المدعو أحمد جبريل وأبو موسى وشريكه أبو خالد العملة وعصابات حركة أمل، تلك الحروب التي سقط فيها من القتلى والجرحى والمشردين أضعاف من سقطوا من جراء جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
إزاء هذه المعلومات الموثقة التي ما زال غالبية من عاشوها أحياء، يكون السؤال المنطقي: لماذا السلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان فقط؟. سيجيب البعض: إنه ضروري لحماية سكان المخيمات، وهذا الجواب يتهاوى تماما في مواجهة المعلومات السابقة، فقد استعمل هذا السلاح لقتل الفلسطينيين أكثر مما استعمل لحمايتهم، وأيضا لا بد من التذكير أنه قبل وصول السلاح الفلسطيني إلى المخيمات بعد عام 1970، لم يحدث أي اعتداء على المخيمات الفلسطينية في لبنان لا من الجيش اللبناني أو أية قوات محلية غير نظامية، لأنه أساسا لم يشهد لبنان المليشيات الحزبية المسلحة إلا بعد وصول السلاح الفلسطيني، وقبل ذلك كانت كل المخيمات الفلسطينية تحت سيادة الدولة والأمن اللبناني رغم القوانين العنصرية بحقهم التي أشرت إليها.
لذلك وكنتيجة منطقية فإن ظاهرة عصابة ومجرمي (فتح الإسلام) لا بد أن يتم تصفيتها ونزع سلاحها وكل السلاح الفلسطيني بطريقة لا توقع الخسائر والأضرار التي شاهدناها في الأيام الأخيرة في مخيم نهر البارد بسبب إجرام تلك العصابة وتمركزها بين مدنيين أبرياء، سمعنا الكثيرون منهم على شاشات الفضائيات يلعنون تلك العصابة ويتبرءون منها ومن أفعالها . إن نزع السلاح الفلسطيني من كافة المخيمات اللبنانية مسألة تضع الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني أمام مسؤولياتهم لبسط سيطرتهم على كافة الأراضي اللبنانية ليصبح أمن المخيمات مسؤولية لبنانية . إن سلاحا لا يستعمل من أجل تحرير فلسطين ورد جيش الاحتلال لا يمكن السكوت على بقائه مثيرا للاحتقان والكراهية للفلسطينيين في لبنان، ويستعمله فقط أمراء تلك العصابات لاستمرار نفوذهم وتصفية خصومهم، واقتسام كل مخيم جيتوات منفصلة لكل منهم. لماذا لا يوجد سلاح فلسطيني في مخيمات الأردن وسورية وتجمعاتهم في العراق ومصر؟ لماذا الاستقواء على الحكومة والشعب اللبناني فقط؟
والمعروف أن زعيم عصابة ما يسمى (فتح الإسلام) المجرم (شاكر العبسي) كان مسجونا في سورية، ورفض النظام السوري طلبا لتسليمه للأردن حيث كان مطلوبا لارتكابه جرائم في الأراضي الأردنية، وفجأة أطلقته المخابرات السورية وأرسلته إلى لبنان ليبدأ ظاهرة عصابة (فتح الإسلام) الإجرامية. وقد دخل هذا المجرم منذ يومين سوق أشرطة الفيديو معلنا أنه يعمل لنصرة أهل السنّة في لبنان، ويلاحظ أنه بعد أن تمّ استهلاك شماعة القضية الفلسطينية، بدأت تجارة مناصرة أهل السنّة، وهناك عصابات لمناصرة أهل البيت الشيعة، وهكذا تتفتت الأمة بين هؤلاء الجهلة واللصوص، وفي السياق لا يمكن نسيان دور المخابرات السورية التي حذّر معلمها (وليد المعلم) من عرقنة لبنان أي تحويله لعراق آخر.

لذلك فمن مصلحة الشعب الفلسطيني في لبنان نزع السلاح الفلسطيني كاملا بتوافق فلسطيني لبناني كي لا نجد أنفسنا أمام حصار وقصف جديد لمخيمات أخرى. سلاح لا علاقة له بفلسطين وتحريرها، لا بد من نزعه لتصبح المخيمات الفلسطينية في لبنان كغيرها من المخيمات الفلسطينية في سورية والأردن، والمهم هو مبادرة السلطة الفلسطينية لبحث هذا الموضوع مع الحكومة اللبنانية لوضع ألآليات السلمية لنزعه، رغم أنني متأكد أن لا أحد سيسمع كلام السلطة الفلسطينية بهذا الشأن، فمن لا يستطيع نزع السلاح الفالت في القطاع والضفة، لا يمكنه أن يحقق ذلك في مخيمات لبنان، وبالتالي وإن انتهت مشكلة مجرمي فتح الإسلام اليوم أو غدا، فسوف تفتح نفس الملفات والجرائم في مخيمات أخرى في أزمنة قادمة حسب مصالح أمراء تلك العصابات ومصالح إقليمية أيضا...وبالتالي سيظل الشعب الفلسطيني في المخيمات اللبنانية يتجرع الموت والقتلى والجرحى والمشردين!!
ahmad64@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف