شركة مكافحة الغربان!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تناقلت بعض المصادر خبر توقيع أمانة مدينة جدّة - بضمّ الجيم - اتّفاقيّة مع إحدى الشّركات المتخصّصة في مكافحة "الأغربة" للقضاء على هذا المسكين!
والحقيقة أنّ البشر بطبعهم يميلون إلى "الجحود"، ولقد قالوا "اتّق شرّ من أحسنت إليه"، فهذا الغراب الذي تُدفع الملايين لمكافحته هو الذي بعثه الله ليعلّمنا كيف نواري سوءة موتانا، كما ذكر ذلك القرآن الكريم بشكل مفصّل! ويا للحسرة حين يكون هذا جزاء علمائنا الذين أضحت لحموهم غير مسمومة، وإن كان لأحد طلبة العلم رأي يحرّم فيه قتل الغراب!!
وليست هذه المرّة الأولى التي نُسئ فيها لهذا "الطّائر الأسود"، فقد سبقنا في ذلك الشّعراء والأدباء، فالغراب في أدبيّاتهم حادي الشّؤم، ومُورد الجيف والمستقذرات، فها هو الإمام الشّافعي يقول:
إذا كانَ الغرابُ دليلَ قَوْمٍ
يمرّ بِهم على "جِيَفِ الكِلابِ"
ولقد شعر العربي بهذه الإساءة، فحاول تعويض "الغراب" بدفع "بدل تشويه سمعة" له، فعمد إلى تشبيه شباب المرء المنبثق من سواد شعره بالغراب، لذا يلوذ العربي عندما يشتعل رأسه شيبًا وبياضًا بالمثل القائل: "طار غرابي"، أي ذهب شبابي! وفيما عدا ذلك فالقاموس العربي والعامي على حدٍّ سواء يطفحان بسبّ هذا الطّائر الجدير بالاحترام والدّراسة، والذي يعتب صديقًا للبيئة في الدّول المتقدّمة!
ومن محاسن الغراب أنّه ذكيّ جدًّا، دقيق الملاحظة، يميّز بين الأماكن الآمنة وتلك التي يترصّده فيها "رجال المكافحة"، وقد سمعت من أحد هؤلاء الرّجال القول بأنّ الغربان الآن تبني أعشاشها وتتكاثر فوق الأماكن التي لا يصل إليها رجال المكافحة، وأعطى محدثي القنصليّة الأمريكيّة" و"قصر السّلام" مثلاً على تلك الأماكن التي لاذ إليها الغراب طلبًا للأمن، عندها عجبت لذكاء الغراب وكيف أدرك أن دخوله فيهما يعني دخوله في حدود الأمان، فأشاع بين رفاقه في المنافي أنّ من دخل القنصليّة الأمريكيّة" و"قصر السّلام" فهو آمن! وهذا يدل على الاستقرار الأمني الذي تتمتع به البلاد! والمتجوّل حول هذين المكانين قبل الغروب يشاهد بأمّ عينه أسراب الغربان التي تحلّق في سمائهما.
ومن يُطالب العرب بتحسين صورة الغراب فعليه باختراع مَثَلٍ جديد يردّ للغراب بعض حقوقه، فلماذا لا يكون المثل: "آمن من غراب قصر السّلام"!
ومن أعجب القصص التي سمعتها من رجال المكافحة، أنّ هؤلاء الرّجال يحاولون التّذاكي على "الغربان"، بحيث يدسّون لها "السّمّ في دسم طعامها"، فمتى ما أكله أيّ غراب مات من فوره، ولكنّ الغراب يعرف "الزّناوة" و"اللّف والدّوران"، لذا باتت الغربان تأتي على شكل مجموعة كبيرة، ثمّ يتقدّم، أكبرها سنًّا - الذي انتهت صلاحيته - متذوّقًا الطّعام بروح التّضحية والفداء، فإن نفق ومات تجنّبت البقيّة الأكل، وإذا ما عاش تقاسموا الطّعام بينهم!
ويواصل محدّثي بأنّ الغربان كشفت هذه الحيلة، الأمر الذي جعلنا نضع طعامًا سامًّا لا يقتل إلا بعد عدّة ساعات، فما كان من الغربان إلا أن فطنت لهذا الحبل البشري الذي يلف حول أعناقها!
وقد حدثني آخر من رجال المكافحة أنّ العلماء قالوا إنّ الأكل المفضّل لدى الغراب هو الفأر، فاستوردوا آلاف القطط لتأكلها، بما يجفّف مصادر غذائها، فتهلك جوعًا أو تهاجر، ولكنّ الغراب فاجأهم بأن تفاعل مع الأحداث وبدأ يأكل القطط!
ولا زالت أتذكّر ما حدث في حراج الطّيور ببريدة عندما ذهبت إليه وأنا بعدُ صغير السنّ، وكان "المحرّج" أرعنًا، حيث كان "يحرّج" على غراب قائلاً بأعلى صوته: (هيا من يشتري "حمام سوداني")، وكان أحد الإخوة "السَّوادنة" يسمع هذا النّداء فما كان منه إلا أن لفت نظر المحرّج إلى أنّ هذا ليس حمامًا سودانيًّا بل "غراب"! لكنّ "المحرّج" أخذته العزّة بالإثم، وأصرّ على التّسمية الأولى، الأمر الذي جعل السُّوداني يغضب - واتّق شرّ الحليم إذا غضب - فما كان من الحاضرين إلا أن قاموا بالتّسوية حيث أقنعوا المحرّج أنّ هذا الطّائر كان اسمه "غرابًا"، ولكنّ اسمه تغّير بعد أن ترك وطنه السُّودان وجاء للعمل في بريدة، وكان السُّوداني قد استوطن بريدة منذ عشرات السّنين، "وبذلك قُضي الأمر الذي فيه يتصارعان"!
إنّه الغراب وكفى. سيرة طائرة ظُلم في الحياة وفي الممات، وهو المخلوق الذي تدين له البشريّة بفضل "إكرام" موتاها! فعذرًا منك أيّها الغراب ممّا يُفعل بك أيّها الشّيخ المُعلِّم!