كتَّاب إيلاف

الجزيرة والفئة الباغية!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

احتج بعض الكتاب والمعلقين العرب على انحياز قناة "الجزيرة" القطرية اثناء تغطيتها للمواجهات بين قوات الجيش اللبناني وارهابيي جماعة "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد. البعض قال ان "الجزيرة" اقتحمت مخيم نهر البارد بحجة "نقل" معاناة الفلسطينيين هناك. وان الأمر كان في حقيقته اعطاء فرصة لمسلحي شاكر العبسي لنقل وجهات نظرهم واظهار انفسهم وكأنهم "ضحايا" في مقابل هجمة الجيش تلك. وقد استغل هؤلاء وجود طاقم "الجزيرة" الميداني كضيوف عندهم، وتعاملوا مع شاشتها ك"صديق"، ليظهروا الجيش ك"معتدٍ" وانفسهم ك"مقاتلين شرفاء" و"اصحاب قضايا"، وليس "مجموعة تكفيرية تمتهن الذبح والقتل العشوائي وتفجير النفس".

ودور "الجزيرة" في المشهد اللبناني هنا يذكرنا بدورها اثناء دخول القوات الأميركية بغداد واللحظات السينمائية المشهورة تلك عند سقوط صنم الديكتاتور صدام حسين تحت بساطير العراقيين في 9/4/2003. الكل وقتها يتذكر كيف خفتت اصوات مراسلي القناة وغالبوا الدموع اثناء تعليقهم على المشهد، وهم على الهواء مباشرة.

كان ذلك بداية مشوار "الجزيرة" مع "الحالة العراقية" والتغطية اليومية المنحازة ضد الحكومة والأغلبية لصالح القديم الصدامي/البعثي ومجموعات التفخيخ والتكفير المعتمدة اساساً على مجرمين وقتلة دوليين، تمررهم بعض دول الجوار لنحر المدنيين العراقيين جهاراً نهاراً. فشاهدنا منذ ذلك الحين شرائط تلكم المجموعات الإرهابية وهي تبث عبر "الجزيرة"، واصوات مسؤوليها وهي تلعلع من على منبرها. بينما كانت تهم "العمالة" و"التخوين" من نصيب رجالات العراق ومسؤوليه. حتى في البرامج التي تبثها القناة على اساس شعارها المعروف "الرأي والرأي الآخر" فإنها تكون "محسوبة بالليبرة"، حيث يأتي المعد بضيف يمثل "المقاومة" يكون قد اتفق معه مسبقاً، ليستعين به على هزيمة الطرف الآخر وفضحه و"مسح الأرض به" عن طريق السباب والشتائم والصراخ الغوغائي. ومثال ذلك عشرات حلقات برامج "الجزيرة" الحوارية، وعلى رأسها برنامج (الأتجاه المعاكس) الذي يعده ويقدمه الإعلامي السوري فيصل القاسم. فهذا البرنامج وضع العراق في رأسه منذ البداية، معتمداً على عدة اسماء يقول انهم "كتاب" و"مفكرون"، يحضرهم ليوسعوا المسؤولين العراقيين وقادة الأحزاب وكل من يناوئ اعمال "المقاومة" الإجرامية شتماً وقذفاً. وهنا لا انزه المسؤولين العراقيين ولا ادعو لعدم التعرض لهم بالنقد والمساءلة. بالتأكيد فيهم الكثير من الفاسدين المرتشين، كما فيهم الشرفاء المناضلين.

وآخر "مسطرة" من عينة برامج "الحزيرة" تلك كانت يوم الثلاثاء الماضي، حينما جلب القاسم المدعو فاضل الربيعي ليوسع القادة والمسؤولين العراقيين شتماً واهانة. ودخل القاسم، كعادته حينما يتعلق الموضوع بالشأن العراقي، طرفاً في القضية ليستعين بالربيعي على الكاتب الكردي فوزي اتروشي. والمراد كان كيل المزيد من الشتائم والكلام البذيء والتركيز على الكرد وقادتهم في العراق وتعريفهم ك"خونة" و"انفصاليين" و"سراق" لثروات العراق. وكان واضحاً الحقد الدفين على الكرد وتخصيص كل من القائدين الكرديين مسعود البارزاني وجلال الطالباني بالشتائم والإهانات المكررة.

ولا اعرف هنا لماذا يرضى الكثير من المثقفين الكرد والعرب العراقيين بالمشاركة في برامج "الجزيرة" المطبوخة هذه، والتموقع امام ضيوف من شاكلة الربيعي ونوري المرادي وسمير عبيد وغبرهم من الغوغائيين الجدد.

وفي الحين الذي كان ضيف القاسم الربيعي يوسع القادة الكرد شتماً ويتهمهم بسرقة العراق ونهبه، ويعلن دعمه الواضح لأعمال الإرهاب التي يسميها بالمقاومة، ويدعو العراقيين لسحل مسؤولي الحكومة في الشوارع، كانت الفضائية العراقية الرسمية تبث حلقة خاصة مع الشيخ علي حاتم العلي سليمان أمير عشائر الدليم في العراق. وكان الرجل يتحدث عن تحالف عشائر الأنباء والمنطقة الغربية ضد تنظيم "القاعدة" الإرهابي، ويدعو الحكومة لإستخدام مزيد من الحزم مع المجرمين، قتلة الشعب العراقي.

قناة "الجزيرة" تتهم الحكومة العراقية بالمسؤولية عما يحدث في البلاد، وهي تصف قادة الأحزاب العراقية( الشيعية والكردية دائماً) بانهم هم من جاؤوا بالأميركان ليسقطوا نظام صدام حسين ويدخلوا العراق بالتالي في هذه الحالة. ويكرر مقدموا برامج "الجزيرة" معلومات عن "سقوط مئات الآلاف من القتلى المدنيين" منذ تحرير العراق من صدام وطغمته، وان هناك "اكثر من 5 مليون امراءة ثكلى وملايين الأيتام والمعاقين والمشردين"، والمسؤولية كلها تقع على "عاتق الجيش والشرطة والحكومة العراقية". لكنهم لاينطقون بالصواب وهو ان هؤلاء انما قتلوا وثكلوا وشردوا على يد المجموعات الإرهابية الظلامية التي تتقاطر من البلدان العربية وتتسرب من حدود جيران العراق بغية الإلتحاق بمجاميع القتلة في بغداد والوسط لقتل العراقيين الأبرياء. كل شخص يموت بمفخخة يقودها احد البهائم الإنتحاريين تلقي "الجزيرة" بالمسؤولية على عاتق الحكومة. كل طفل صغير أوامراءة معدمة تتقطع في إنفجار سوق شعبي، تقول "الجزيرة" ان الحكومة والمسؤولين العراقيين وقادة الأحزاب هم وراء ذلك في الأساس، لأنهم أتوا بالأميركان واسقطوا نظام صدام وكانوا السبب في دخول "القاعدة" البلاد واعمالها القتل والتفخيخ في نحور العراقيين( والتي هي هنا مقاومة مشروعة شرعاً وديناً!).

وموقف قناة "الجزيرة" هذا يشبه لحد كبير موقف معاوية بن ابي سفيان من حادثة مقتل الصحابي عمار بن ياسر في معركة صفين. فقد روي عن الاِمام الصادق أنّه قال : لمّا قتل عمّار بن ياسر ارتعدت فرائص خلق كثير ، وقالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عمّار تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو بن العاص على معاوية وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا ، قال : لماذا ؟ قال : قتل عمّار ، فماذا ؟ قال: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تقتله الفئة الباغية ؟ فقال له معاوية : دحضت في قولك ، أنحن قتلناه ؟ إنّما قتله عليّ بن أبي طالب لمّا ألقاه بين رماحنا ، فاتصل ذلك بعليّ بن أبي طالب(ع) فقال : فإذاً رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزة لمّا ألقاه بين رماح المشركين. (راجع : الاحتجاج للطبرسي : ج 1 ص 181 ـ 182).

ويجهل المرء حقيقة موقف هذه القناة وهو يعلم بان الدولة التي تحتويها وتنفق عليها تحتضن اكبر قاعدة للجيش الأميركي في المنطقة. ولايسع المرء سوى ان يعيد ذلك إلى سياسة التحالف في السر والجعجعة في العلن، كما تفعل معظم الأنظمة العربية التوتاليتارية منذ عشرات السنين لسوق الدهماء والضحك عليهم. لكن الثابت هنا، والحال هذه، أن سياسة التحريض والتعبئة وشحن الدهماء هذه تفعل فعلاً قوياً وتتسبب في خسائر عظيمة للشعوب المتطلعة للحرية والديمقراطية، كما تقوّي الأنظمة الديكتاتورية وتعمل على تصدير خطاب الجماعات الإسلامية الإرهابية الناهضة والمنتعشة في العام العربي. وكذلك الخطاب عينه يساهم في زيادة معاناة العراقيين وتعثر المشروع التغييري في العراق وغيره، ومزيداً من البروباغندا وصب المياة في طاحونة الإرهابيين، وتصوير جرائمهم وكأنها "مقاومة" نيابة عن الأمة كلها في وجه "المشروع الأميركي الصليبي الحاقد"!.

tariqhemo@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف