محنة الطفولة تهديد خطير لحاضر ومستقبل العراق الجديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الطفولة العراقية ضحية الحرب والإحتلال والعنف الطائفي والفساد وعجز الحكومة! (1- 5)
من أجل الأطفال اليتامى والمرضى والمقعدين!
من أجل مستقبل المجتمع العراقي المهدد بعلل وظواهر مرضية خطيرة مستديمة!
للسنة الخامسة على التوالي، لم يقدم نظام العهد الجديد، الذي نشأ على أنقاض نظام البعث الفاشي البائد، ما يفرح الطفولة العراقية ويسعدها لتشارك أطفال العالم في عيد الطفل العالمي- الأول من حزيران/ يونيو.. تلكم هي حقيقة صارخة ومرة، يؤكدها الواقع الراهن وحقائق وأدلة كثيرة، ومنها هذا الملف، الذي إرتأينا إعداده، في هذه المناسبة العزيزة على أطفال العالم، ليستعرض أحداث وحقائق كثيرة، معروفة وغير معروفة للجميع، متوخياً تسليط الضوء على محنة الطفولة العراقية، بوصفها ضحية الحرب، والإحتلال، والإرهاب، والعنف الطائفي، والفساد، وعجز الحكومة، معززاً بإحصائيات وأرقام، مركزاً على تداعيات المحنة، الراهنة والمستقبلية، وهي متعددة وخطيرة، وتشكل تهديداً لحاضر ومستقبل المجتمع العراقي، وتدين، وبشدة، كل من تسبب بها، وسعى لتفاقمها، وكذلك من تجاهلها ويتجاهلها..
ونطرح، في ختام الملف، تساؤلات ساخنة، نجد من الضروري طرحها - كتنبيه وتحذير- لجميع العراقيين الشرفاء والحريصين، كي يحددوا موقفاً واضحاً وصريحاً مما يجري على أرض العراق الطيبة، ومن المسؤول عنه، لإنتشال الأطفال اليتامى والمرضى والمقعدين، ومن أجل مستقبل المجتمع العراقي المهدد بعلل وظواهر مرضية خطيرة مستديمة، ستشوه اصالته، وستتوارثها الأجيال، اَملين التحرك العاجل، وإبداء الرأي وتقديم المقترحات بشأن ما ينبغي القيام به من قبل أبناء وبنات العراق، في الداخل والخارج، تضامناً مع الطفولة العراقية المستباحة!
لماذا الطفولة ؟
تعتبر الطفولة ثمرة للعملية الإنجابية، وحصيلة لعملية إعادة إنتاج المجتمع. وبذا تمثل الطفولة عملياً صيرورة، وعماد ديمومة المجتمع وتطوره راهناً ومستقبلاً.
من هنا فان الإهتمام بالطفولة، ورعايتها، وحمايتها، يعد عملياً إهتماماً ورعاية وحماية لحاضر الشعب ولمستقبله. وبقدر ما تتوفر الرعاية والحماية للطفولة، وبقدر ما تكون الرعاية متكاملة، وبمستوى متطور، تضمن الدولة الراعية مستقبلاً زاهراً لمجتمعها.
من هذا المنطلق تولي الدول والمجتمعات المتحضرة، التي يهمها حاضر ومستقبل مجتمعها، أهمية كبيرة لصحة وحياة الأمومة والطفولة، إهتماماً منها بصحة وحياة مجتمعها ونواته الأساسية الأسرة.لضيق المجال، ولكون المناسبة مكرسة ليوم الطفل العالمي، سنركز هنا على واقع حال الطفولة العراقية.
نظرة سريعة الى بنود إعلان حقوق الطفل والإتفاقية الدولية لحقوق الطفل تكشف لنا إدراك المجتمع، ممثلاً بمنظمة الأمم المتحدة، لأهمية رعاية الطفولة وتوفير الشروط اللازمة لحياتها وتطورها، بما فيها الحقوق المدنية والصحية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والسياسية، الضامنة لحق الحياة والبقاء والنمو والتطور والحماية والأمان والرفاهية والإزدهار لجميع الاطفال دون استثناء بغض النظر عن: العرق، الدين، الاصل، الجنس، القومية، اللغة والبلد. وقد أدركت غالبية الدول الموقعة على الوثيقتين المذكورتين بأنه كلما سعت الدولة ووفرت لطفولتها الظروف المطلوبة لولادة طبيعية، ونمو سليم، ونشئة صالحة، ضمنت السلامة والعافية لطفولتها. وكلما تمتعت طفولتها بالسلامة والصحة والرفاهية، إنعكست إيجاباً على حاضر ومستقبل مجتمعها. والعكس بالعكس. واليوم فان المجتمعات المتمدنة تتنافس، مفتخرة، بتبيان ما ينعم به أطفالها من حياة زاهرة ومستوى صحي ونفسي وتربوي وثقافي، وبما هم عليه من تطور بدني وذهني، وبما يتمتعون به من تأمينات إجتماعية وتشريعية ضامنة لمستقبل أفضل.
فاين موقع العراق من حقوق الطفل ؟
ورثت الطفولة العراقية، شأنها شأن بقية شرائح المجتمع العراقي الضعيفة، تركة ثقيلة ورهيبة من نظام البعث الفاشي المقبور.. ومع أن التاسع من نيسان 2003 شهد مرحلة خلاص العراق من أعتى نظام للرعب والتعذيب والقتل والمقابر الجماعية، بيد أن عملية غزو العراق، والآلة الحربية الأمريكية الرهيبة المصنعة من النفايات النووية- المشعة والسامة كيمياوياً، التي إستخدمتها القوات الأمريكية والبريطانية خلاله، وتميزت بدمارها الهائل، وفتكها الرهيب، وما أعقب الغزو من إحتلال، وأعمال إرهابية، وجرائم قتل جماعي بشعة، وما تركته من مشاهد وذكريات واَثار مأساوية لا تنسى، وردود أفعال نفسية وعصبية مدمرة، الخ، كل ذلك ضاعف من مستويات المعضلة النفسية والعقلية، التي كانت سائدة، سنأتي عليها، فضلاً عما سببته الأسلحة المستخدمة من كارثة بيئية وتلوث إشعاعي خطير، ينتشر حتى اليوم في أرجاء العراق، وإصاب مئات الآلاف من الأطفال بالسرطان، والتشوهات الولادية، وغيرها من الأمراض غير القابلة للإصلاح، وحصدت أرواح الاَلاف منهم.. سنتوقف لاحقاً عند تفاصيلها.
ولكن، ما هو واقع حال الطفولة العراقية اليوم ؟
لقد شهد العراق الجديد ولادة دستور دائم، كفل للاطفال حقوقاً لا بأس بها- راجع نصوصه. والحق، إن ما ورد في الدستور الدائم هو جيد، بل وجيد جداً، من حيث نصوص..
ولكن.. أين هذه النصوص من الواقع ؟!
الجواب وبصراحة: الواقع السائد بعيد كل البعد عن كل تلك النصوص! ولدينا ما يدلل بألف دليل ودليل بأنها ما تزال مجرد حبر على ورق..
ليس من الصعب ان يلمس المرء تفاقم الوضع المأساوي لأطفال العراق خلال السنوات الأربع الأخيرة، في ظل الإنفلات الأمني، وتصاعد العمليات الإرهابية، والقتل العشوائي، ومشاهد الدم وتناثر الأشلاء، اليومية، مقرونة بتخبط مشين للقوات المحتلة، وتواطئها، وعجز صارخ لقوات حفظ الأمن العراقية عن النجاح في خططها الأمنية، وبالتالي عن ردع المجرمين، مما غذى تكالب القوى الظلامية والإرهابية، وشجع تمادي المجرمين في غيهم، في العبث بحياة المواطنين، وأمنهم وممتلكاتهم. وها هي تتصاعد يوماً بعد اَخر جرائم القتل الجماعي، عبر القصف، والتفجيرات، والعمليات الإنتحارية، التي تستهدف المدنيين الأبرياء. بينما الحكومة والقوات المحتلة تواصل الكذب، زاعمة "إنخفاض" نسبة القتل!!. وكأنها تريد ان تدلل بأن"الكذب و العنف دليل ضعف السياسيين لإداء واجباتهم بإتجاه الوطن والشعب.. ويفتقر مثل هؤلاء السياسيين الى الضمير والوجدان، وبالنتيجة عدم كفاءتهم لإدارة دفة الحكم"- كما يرى ديار الهرمزي[1].
ومن هنا، نتفق أيضاً مع وجهة نظر الأستاذ عبد المنعم الأعسم القائلة: لا الحكومة، ولا القوات الاجنبية، ولا الطبقة السياسية، ولا الاحزاب المتنفذة، بعيدة عن مسؤولية ما يحدث من مذابح بحق المدنيين العراقيين الابرياء، ويستطيع المراقب ان يرى، من دون حاجة للكثير من الذكاء، بان الجميع هنا فشلوا في حماية الشعب إزاء عاصفة الغبار التي تهب على البلاد.. اقول فشلوا، واحسب ان للفشل ابناء ابرياء، واخرون يتخفون في عباءة البراءة [2].
إنتهاكات لا تعد ولا تحصى
إن الحق في الحياة هو اكبر الحقوق المنتهكة في العراق. والأطفال من بين ضحاياه أيضاً. والطامة الكبرى أنهم لا يجدون من يحمي لهم حقهم المشروع هذا من قبل الجهات المعنية والمسؤولة- لا من قبل مجلس النواب ولا الحكومة العراقية. وحق الحياة هذا ينتهكه ليس فقط الإرهابيين والقتلة، إنما أيضاً من تعمد أن يُعاني أطفالنا من سوء التغذية والأمراض، ومن سعى أن تنهار الخدمات الطبية، وسبب شحة الأدوية في المستشفيات الحكومية، وإغتال الأطباء الأخصائيين، وإضطر الآلاف منهم للهجرة للخارج، الخ. الأمر الذي ساهم في إرتفاع معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة.
الواقع الراهن يؤكد بما لايقبل الشك بإن اطفالنا في العراق هم أكثر أطفال العالم تعرضاً للظلم والإنتهاكات الجائرة المتنوعة، رازحين تحت وطأة الحروب والنزاعات الطائفية من جهة، والسياسية من جهة اخرى، ما يعرضهم الى القتل العشوائي، والاصابات بالاعاقة الجسدية، فضلا عن الاضطرابات النفسية، بسبب الخوف والرعب الذي يعيشونه يوميا[3]. وكل هذا يجعل حقوق الطفل العراقي منتهكة منذ أول يوم لولادته- كما تؤكد د. شروق الجنابي- الأستاذة في جامعة بغداد، موضحة بأن إنهيار أنظمة الخدمات (مياه الشرب، والصرف الصحي، والكهرباء)، والتلوث المتعاظم للبيئة، والكثافة السكانية المتصاعدة، وانهيار الوضع الاقتصادي لمئات الألوف من العوائل العراقية الباحثة عن البقاء فحسب، وفقدان الضمانات الاجتماعية، وتهميش التشريعات الكافلة لحق العمل والسكن، كل ذلك يجعلنا أمام حقيقة بسيطة: إن الطفل العراقي مظلوم ومحروم سلفاً قبل ولادته![4]..
ومن بين الإنتهاكات الأخرى، وضحيتها الأطفال أيضاً، تعرضهم للإبادة، مع أمهاتهم واَبائهم وذويهم، من الأكراد الفيلية، والمسيحيين، والصابئة المندائيين، والأيزيديين، على أيدي الظلاميين والتكفيريين وبقية حثالة البرابرة الجدد. فقد شهد الجميع ما تعرض له المواطنون الفيليون من عمليات قتل جماعي في مناطق سكناهم لعدة مرات في العام الجاري وحده، وكأنه لم يكفيهم إعتقال وقتل وتهجير مئات الآلاف منهم على أيدي عصابات النظام المقبور. ويتعرض الصابئة المندائيون الى عمليات تصفية جسدية للقضاء على البقية الباقية في بلدهم العراق. وبات المجتمع المسيحي العراقي على وشك الإندثار، حيث أجبر الآلاف على الفرار من أحيائهم التقليدية. وحصلت موجة نزوح جماعي لهم بعد أن أصدرت جماعات إسلامية متطرفة تهديداً لهم بإعتناق الإسلام أو القتل. ويقدر قساوسة العراق أن نصف تعداد سكان بغداد من المسيحيين، الذي كان يقدر بمئات الآلاف، إما فروا أو قتلوا[5]. حيال هذا، كررت الكنائس العراقية مناشدتها للمسؤولين العراقيين بحماية حياة المواطنين المسيحيين.
وعدا هذا، ثمة الكثير من الإنتهاكات اليومية الأخرى، وتشكل ظواهر في الواقع الراهن، الذي يعيشه أطفال العراق. سنتناولها تدريجياً.
كم من الأطفال الأبرياء قُتِلوا ؟
يبدو ان حصيلة جرائم إنتهاكات حق الحياة في ظل نظام البعث الفاشي، التي إطلع عليها القاصي والداني، لم تشف غليل أيتامهُ وأذنابهُ، ولذا يواصلون إقتراف الجرائم، حاصدين أرواح اَلاف العراقيين! ومع تصاعد عمليات ذبح العراقيين اليومية، لانجد، كالعادة، إحصائيات دقيقة. ويبدو أنه لا أحد من المسؤولين في العراق الجديد يهمه العدد الحقيقي للضحايا، ولذا لم يهتم أحد منهم بتوثيق الإحصائيات، رغم ما حصل وتكرر من مهازل في تصريحات المسؤولين. وبذلك أثبت مسؤولو اليوم، شاءوا أم ابوا، أنهم لا يختلفون عن مسؤولي النظام المقبور في هذا المضمار. ولا أدل على ذلك من إتهام الأمم المتحدة لوزارة الصحة والقائمين على المشارح في عراق اليوم بإخفاء العدد الحقيقي للقتلى، مزودين إياها، عن قصد، بمعلومات ناقصة.
ليس هذا فقط ، بل تحرك الضمير النائم للمسؤولين، وثارت ثائرتهم، توافقاً مع قيادة القوات المحتلة، عندما نشرت مجلة The Lancet الطبية المعروفة عالمياً، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2006، نتائج دراسة واسعة، شارك فيها باحثون عراقيون وأجانب، وأكدت بان أكثر من 650 ألف عراقي قتلوا جراء غزو العراق عام 2003، ونتيجة للعمليات الإرهابية والعنف الطائفي. فإتهموا المجلة بأنها "بالغت في عدد القتلى كثيراً"، وإنها "تريد" أن تقول بأن عراق اليوم " أسوأ من عراق صدام حسين"، الخ. ولم يكن هدف الدراسة هذا إطلاقاً، وإنما هدفها الرئيس تسليط الضوء على ما يقترف من قتل بحق المدنيين في العراق. والمؤسف ان عدداً من المثقفين العراقيين إنجر وراء ذلك الطرح، وراح يفلسف القضية بعيداً عن جوهرها، مركزاً على العدد، زاد أم قل، وليس على القتلى الأبرياء الذين يسقطون كل يوم، والقوات المحتلة، والعراقية، عاجزة عن حمايتهم.
وسيراً على هذا النهج طبل المطبلون للخطة الأمنية الأخيرة، المسماة " خطة فرض القانون"، وما أنفكوا يزمرون لـ " نجاحها"!!، بينما يرى العالم تزايد سقوط الضحايا بين قتيل وجريح كل يوم. وحتى الجيش الأمريكي إعترف بأن عدد ضحاياه في شهر اَيار/ مايو2007 تجاوز (لغاية 29 منه) الـ 114، وهو أكبر عدد يفقده في شهر واحد لحد الآن. وبالنسبة للضحايا العراقيين، فاَخر الإحصائيات، نشرتها وكالة " "فرانس برس" في 1/5/2007، عن مصادر أمنية عراقية، تقول ان حصيلة القتلى الذين قضوا في أعمال عنف خلال شهر اَذار/مارس الماضي وحده بلغت 2087 شخصاً، منهم 1869 شخصاً مدنياً، وفي شهر نيسان/أبريل المنصرم بلغت 1689، منهم 1498 مدنياً[6]. وبالنسبة لشهر اَيار الجاري فإن العدد أكبر بكثير. وحتى عدد الجثث المجهولة لم ينخفض إلا قليلاً، حيث عثر في اَذار/مارس على 673 جثة، إنخفض في نيسان/أبريل الى 585 جثة، وإرتفع في اَيار/ مايو الى أكثر من 641 جثة. وبين الضحايا المدنيين عشرات الأطفال.. وكل هذه الأرقام أكبر بكثير من أشهر ما قبل الخطة..
فأين هو هذا " النجاح" المزعوم، وقد بلغ الفشل حد ان يصل الإرهابيون الى داخل مجلس النواب، وقبل ذلك الى كبار المسؤولين، مثل عادل عبد المهدي، والزوبعي، وغيرهما؟!! وحتى كردستان، التي كانت اَمنة نسبياً، طالتها قبل أيام العمليات الإنتحارية الإجرامية، ضاربة وزارة الداخلية في عقر دارها..
ما بين الحكام والمواطنين
في ظل مشاهد الموت الجماعي اليومي، الذي يطال المواطنين العراقيين الأبرياء، يرى الجميع كيف يتمتع المسؤولون الجدد، خاصة ذوي المناصب الكبيرة، والمحسوبين والمنسوبين، بالحماية الكاملة، تاركين المواطن العادي، الذي أوصلهم الى كرسي الحكم، يواجه مصيره لوحده، وكأن العراق ما يزال في ظل النظام البعثي المقبور.. وكأن تغييراً جوهرياً لم يحصل!!.
فلم يعد سراً ما ينعم به حكام العراق الجدد، من قصور، وعقارات، في الداخل والخارج، وسيارات فارهة، وتحميهم حمايات مأجورة، ويستلمون رواتب ضخمة، تسمح لهم بإستيراد كل ما لذ وطاب، وشراء أحدث الكشائد، والعمائم، وصرف المكافاَت المجزية للأتباع، مع أحدث الأسلحة الشخصية الخفيفة، ويقال حتى القامات، وزناجيل اللطم، وما الى ذلك..
كي لا نتهم بالعموميات واختلاق الإتهامات، نشير هنا الى واقعتين فقط:الأولى- تأكيد نائب رئيس مجلس محافظة البصرة نصيف جاسم العبادي بأن المجلس اشترى مؤخراً ما لا يقل عن 30 سيارة نوع "جي أم سي" لأعضائه[7]. والثانية-تصريح عادل برباري عضو لجنة الأمن والدفاع عن التحالف الكردستاني في مجلس النواب، للصحفيين، بأن مجلس النواب يسعى لإبرام عقد مع شركات أجنبية بينها شركات أمريكية لتولي عملية حماية مقره بقيمة 3 ملايين دولار كل 6 أشهر، وان العقد سيبرم قريباً[8]..
بالمقابل، نجد أن المسؤولين الأشاوس أهملوا وتجاهلوا محنة اَلاف العوائل العراقية، التي تركت بيوتها قسراً، وسكنت في خيام بالية، فأُضيفت الى ملايين العراقيين الفقراء، الذين يسكنون مع أطفالهم المساكين في خرائب وبيوت مشيدة من الطين او من صفائح 'الجينكو'، وجذوع الاشجار، وفي أحياء منسية، تسمى "أحياء التنك". وحتى المباني الحكومية، التي تحولت بعد سقوط النظام السابق الى دور سكنية، تؤوي اَلاف العوائل المعدمة، قام المسؤولون المتنفذون بطردهم ورميهم في العراء ليستولوا عليها هم وحاشيتهم!.
أما أطفال هذه العوائل المسكينة فان غالبيتهم تمتهن مهنة الدوارة ـ جمع العلب والقناني الفارغة من القمامة وغيرها، كي يساعدوا أُسرهم في تأمين لقمة العيش.. ولكم أن تتصوروا أحوالهم من داخل تلك الخرائب كم هي بائسة ومزرية، وسط الروائح النتنة، وبرك مياه المجاري، والنفايات والأوساخ..
علماً بأن احدث الاحصائيات الرسمية تؤكد بان اكثر من 20 في المائة من الشعب العراقي يعيشون ' دون خط الفقر'. وبما ان هذا الخط المشؤوم يعني خط الكفاف بين تلبية الحد 'الارحم' من انسنة البشر من عدمها. فمعنى ذلك ان من يعش تحت جحيمه فهو ميت من دون شك. وبالتالي فثمة اكثر من 5 ملايين عراقي ميتون ويعيشون بين اوساط الشعب بصفة موتى![9]
ولأطفال هذه العوائل ماَسيهم!.. وهو ما دفع الدكتورة ساجدة الطباطبائي-الامين العام لمؤسسة الجامعة الطبية-النجف الاشرف، أن توجه نداء الى كل الخيرين في العالم، جاء فيه: من اجلهم مد يدك الينا.. براعم وزهور العراق تتلوى ألماً.. وثمة من يغمض عيونه عن رؤية هذه الاَلام، و بات اطفال العراق منسيين وسط تداعيات الارهاب والانهيار الامني في مدن العراق.. امهات واَباء يحملون أطفالهم.. اكبادهم.. يبحثون عن امل بالشفاء وهم لا يملكون المال الوفير لمن يطلبه من اجل علاجهم!..
محنة اليتامى
تعد مشكلة اليتامى في العراق مشكلة إجتماعية كبيرة وخطيرة، يتحمل مسؤوليتها النظام المقبور، وأيتامه، وعصابات الجريمة المنظمة، والإرهابيين، وكذلك تواطئ القوات المحتلة، والمافيات السياسية، والفساد المالي والإداري، وعجز الحكومات العراقية لحد الآن عن وضع حد للمجرمين القتلة. في تقارير لها عن شهري نيسان/أبريل و اَيار/مايو 2007، حذرت 5 منظمات دولية من المشاكل التي تعاني منها الطفولة في العراق خلال الأعوام الأربعة الماضية جراء العنف والاحتلال، والمتمثلة بارتفاع نسب الوفيات، وسوء التغذية، وانتشار الفقر والحرمان، وتفشي الأمراض النفسية، والشذوذ الاجتماعي، وفقدان الوالدين، حتى بات من المرجح أن يتحول العراق إلى أكبر دولة للأيتام[10].
طبعاً، لليوم لا توجد إحصائيات رسمية بعدد اليتامى العراقيين. مع ان التقارير تؤكد بأن عددهم بالملايين. أحدى الدراسات التي اجرتها منظمة اليونيسيف، ونشرت نتائجها عام 2006، بينت بان عدد الاطفال الايتام في العراق يقدر بـ 4- 5 ملايين طفل، وانهم في تزايد نتيجة الاعمال المسلحة والوضع الامني غير المستقر[11].
وقبل هذا، بينت متابعتنا الشخصية لأطفال العراق اليتامى بأنه كان يوجد لغاية شباط 2002 أكثر من 5 ملايين و 200 ألف طفلاً يتيماً. وخلال الأعوام الأربعة المنصرمة أضيف إليهم أكثر من مليون ونصف مليون طفلاً يتيماً، بأقل تقدير، نتيجة لإغتيال اَبائهم، أو أنهم قُتلوا في حوادث التفجيرات، والمداهمات المسلحة، وسقوط القذائف، والقتل الطائفي.
واليوم، فان عدد اليتامى في العراق يُقدر بما لا يقل عن 7 ملايين. وهؤلاء يعيشون في كنف أرامل وثكالى، ومعظمهم يعاني من سوء التغذية، والأمراض المزمنة، والإنتقالية، وقسم كبير منهم من ذوي الإحتياجات الخاصة/ مقعدين وعجزة. وتضم دور اليتامى عدداً قليلاً، بيد أن قسماً كبيراً منهم يعيش بلا مأوى، في الشوارع، حفاة، عراة. وقسم غير قليل منهم جرفه اصحاب الرذيلة، وأرباب الجريمة، وشوهوا نقاء طفولته وبراءته. وقد إعترفت مصادر وزارة الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العام الماضي بان الاف من هؤلاء الاطفال اصبحوا مشردين في خرائب المدن وساحاتها وشوارعها. فيما إتهمت جمعيات مهتمة بحماية الطفل وحقوقه الوزارات المعنية بالتقصير في ايجاد حلول سريعة للاطفال المشردين واليتامى.
وكشفت أحدث دراسة اجتماعية عراقية أرقاما مخيفة عن تدهور الوضع الاجتماعي في العراق، حيث أكدت بأن اكثر من 100 ارملة و 400 يتيم يضافون يوميا الى المجتمع في بغداد بسبب العنف الدائر. وكشفت الدراسة التي أعدها الباحث الاجتماعي الدكتور عدنان ياسين مصطفى- استاذ الدراسات الاجتماعية، ان حالة العراق في ظل الاحتلال ، ليست سوى مسلسل من عمليات القتل العشوائي التي تحصد العشرات كل يوم ، وفقدان الشعور بالأمن، وتفكك الأسرة العراقية، وازدياد حالات الطلاق ، بالاضافة الى انتشار جرائم الفساد الإداري، والاعتداء على الملكية العامة، وارتفاع جرائم السرقة، والسطو المسلح، والاختطاف، والاغتصاب، وجنوح الأحداث. ويؤكد مصطفى ان اسرة جديدة واحدة تبنى على انقاض 4 عوائل. ومع أن أعداد الأرامل قد إزدادت، إلا أن وزارة الشؤون الاجتماعية لم تتمكن من تسجيل العدد كاملا حتى الان..
واَخر المعلومات، كشفت عنها النائبة صفية السهيل، قبل أيام، بان عدد الارامل في العراق يصل الى أكثر من 3 ملايين امرأة طبقا لدراسات متفرقة أجرتها الامم المتحدة ومراكز ابحاث. وأضافت: يمكن ان نتصور اعداد الاطفال من خلال اعداد الارامل( لو إفترضنا بأن أقل معدل لأطفال الأسرة الواحدة هو 3 أطفال، فهذا يعني وجود 9 ملايين طفلآ يتيماً- ك. م). وأكدت السهيل: إن الطفل العراقي لا يتمتع باي حقوق حتى في ممارسة طفولته بسبب الارهاب. وهو يعيش هجرة قسرية وتغييرات اجتماعية بسبب العنف الطائفي وعدم الاستقرار واستخدام الاطفال في عمليات ارهابية[12].
من جهة أخرى، أكد تقرير للأمم المتحدة بان معدلات الطلاق ارتفعت خلال أعوام 2003- 2006 بنسبة 200%، في حين تراجعت نسبة الزواج لنفس الفترة الى 50% - بحسب احصاءات وزارة العدل العراقية. وتسجل التقارير بان التضخم المتزايد في الاقتصاد العراقي يخلق ضغوطا مستمرة ومتزايدة على الأسرة ، وأدى الحرمان الى زيادة أعداد أطفال الشوارع، وتنتشر جيوب الفقر في المدن والقرى على السواء[13].
رغم جسامة المشكلة، لم تقم الحكومة، كالعادة، بأي إجراء جوهري لصالح اليتامى والأرامل. ولكن.. للأمانة، نشير الى أن مجلس الرئاسة " تكرم" مؤخراً وصادق على قرار يقضي بمنح الموظفات الارامل اجازة عدّة ضمن التعديلات والاضافات التي الحقت بقانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل، وتمت اضافة الفقرة (7) الى المادة الثالثة والاربعين من القانون اعلاه التي تقضي بمنح الموظفة التي توفي زوجها فترة العدّة اجازة لمدة(130) يوماً اعتبارا من تاريخ وفاته، مع صرف مستحقاتها وراتبها بشكل كامل دون استقطاع[14]..
وقام المسؤولون بإجراء"هام" آخر ، أوضحه صحفي عراقي وناشط في المجال الانساني والاغاثي في العراق، عبر تعليق أرسله الى جريدة "الصباح"، لم تنشره، وجاء فيه: يثير الأسى والحزن أكثر مما يثير الاستغراب، ذلك التصريح الذي أطلقته الدكتورة زينب الغربان- رئيسة لجنة المرأة والطفولة في مجلس محافظة بغداد، والذي نشر يوم الاثنين 16/4/ 2007، وأعلنت فيه عن وجود أكثر من (900) ألف تلميذ يتيم في مدارس بغداد، وان مجلس المحافظة قد خصص مبلغ (20) مليون دينار لمساعدتهم ( نكرر: 20 مليون دينار). وبعملية حسابية بسيطة، لهذا المبلغ المتواضع، الذي تم تخصيصه للأيتام مقارنة بعددهم الكبير، يظهر ان حصة اليتيم الواحد، من المبلغ المخصص هو 22 ديناراً وفلسين(بربكم:هل يكفي لشراء مصاصة، مثلاً؟!!-ك. م).. وبما ان الهدف من المشروع الجديد- كما ذكرت السيدة الغربان- هو "إدخال البسمة والسرور في قلوب هؤلاء الأطفال، ليشعروا ان هناك من يهتم بأمرهم، مما يؤثر ايجابيا على نفسيتهم وشخصيتهم".. فالسؤال الذي طرحه كاتب التوضيح: هل ان الذل والهوان وصل باليتيم البغدادي، بل والعراقي لدرجة انه يفرح، وتعتريه حالة من الانشراح، وان نفسيته سوف تتغير وتصل الى أعلى مستوياتها، ويتولد لديه شعور جديد بان هناك من يهتم بأمره، مقابل تخصيص هذا المبلغ البائس له؟..
أترك لكم التعليق!
الهوامش:
1- ديار الهرمزي، الكذب و العنف دليل ضعف السادة السياسيين لإداء واجباتهم بإتجاه الوطن والشعب، "الحوار المتمدن"، العدد: 1911، 10/5/2007
2 - عبد المنعم الأعسم، اي مشروع سياسي وراء مذابح المدنيين؟ ، "الإتحاد" العراقية، 2/5/2007
3 - اطفال العراق.. ضحايا صراعات طائفية وسياسية ، "الجيران" - بغداد"فرانس برس"، 21/05/2007:
4 - د. شروق كاظم الجنابي، أفكار إلى واضعي دستورنا الدائم : الطفولة وحقـوق السكـن والمـأوى، " المدى"، 31/5/2005
5 - "الديلي تليغراف": المسيحيون العراقيون على شفا الإندثار ، لندن- "بي. بي. سي". ، 8/5/2007
6 - انخفاض عدد القتلى في العراق بنسبة 19 % في أبريل، بغداد ـ "ا. ف. ب"، 1/5/2007:
7 - محافظة البصرة توضح ملابسات شراء سيارات فارهة لأعضاء المجلس، راديو سوا، 19/5/2007
8 - برلماني: انتهاء 90% من نتائج التحقيق في تفجير مجلس النواب ، بغداد- من هادي الهادي-(اصوات العراق)، 21 /05 /2007
9 - ما مر عام والعراق ليس فيه جوع :في بلد النفط: عراقيون يعيشون بصفة (موتى)، تحقيق عبدالكريم محمد- بغداد، "القبس" الكويتية، 3/4/2007
10 - طفل من بين كل 8 يموت قبل الخامسة في العراق، منظمات دولية: أكدت أن نسبة سوء التغذية بينهم مساوية لمعدلاتها في الدول الأفريقية الفقيرة، جاسم داخل، "الشرق الأوسط"، 21/5/2007
11 - اطفال العراق.. ضحايا صراعات طائفية وسياسية ، "الجيران" - بغداد"فرانس برس"، 21/05/2007:
12 - برلمانية عراقية: حقوق المرأة في العراق في تراجع.. ونعيش كارثة إنسانية:صفية السهيل: هناك 3 ملايين أرملة بسبب الحروب والقمع والإرهاب، بغداد: نعمان الهيمص، "الشرق الأوسط"، 20/5/2006
13 - أكثر من مائة أرملة و400 يتيم يضافون إلى مجتمع بغداد يومياً، "الحوار المتمدن"، عن:هاني العمري- بغداد، "أمان"، 19/5/2007
14 - منح الموظفات الأرامل فترة العدّة إجازة براتب تام ، بغداد ـ آلاء الطائي، "الصباح"، 7/5/2007