كتَّاب إيلاف

غابت العدالة العربية فحضرت الدولية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

-1-
ماذا كان ينتظر العرب من العالم والشرعية الدولية أن تفعل تجاه ما يُرتكب من جرائم وآثام في هذا الشرق؟
هل كان العرب ينتظروا من الضمير العالمي والشرعية الدولية أن تقف مكتوفة الأيدي على ما يجري في هذا الشرق، من انتهاك لحقوق الانسان، ومن تحوّل بعض أنظمة الحكم العربية الديكتاتورية الى حاضنات للإرهاب، وماكنات تفريخ لعناصر الارهاب، يتم تصديرها كأي فيروس مرضي فتاك آخر وقاتل الى أية جهة أو دولة تعادي نظام الحكم في دول الحاضنات وماكنات تفريخ عناصر الارهاب هذه؟
وهل كان العرب ينتظروا أن يسكت الضمير العالمي والشرعية الدولية على ما يجري في دارفور، وفي العراق، وفي لبنان، وفي فلسطين، وفي نواحٍ مختلفة من العالم العربي من انتهاكات لحقوق الانسان، واغتيالات، وتهديد للسلم الاجتماعي الإقليمي والدولي؟
هل أدرك العرب في هذا الشرق، بأنهم لم يعودوا أحراراً بتصرفاتهم، اخترقوا الأرض أو حلقوا في السماء، قتلوا، أو ذبحوا، سرقوا، أو نهبوا، أو ظلموا، فهم أحرار فيما يصنعون بأهلهم وأوطانهم، وليس لاحد سلطة عليهم، ولا لأحد الحق في محاسبتهم وردعهم عما يفعلون، سيما وأن لا عدالة في هذا الشرق، ولا من أحد قادر على الاقتصاص من المجرمين (العتاولة) الذين ينشرون الفساد في الأرض، ويحيلون الأوطان الى ساحات لمجازر، دون حسيب أو رقيب؟

-2-
لقد تمادى العرب كثيراً في جرائمهم. وتمادى العرب كثيراً في تحديهم للشرعية الدولية، وظنوا أنهم يسكنون في كوكب آخر غير كوكب الأرض، وأن لا رقيب عليهم ولا حسيب لهم غير الله عز وجل، يوم القيامة، ويوم يبعثون. ونسوا أن هناك حساباً أرضياً، وأن هناك عدالة أرضية، قبل حساب السماء، وعدالة السماء.

-3-
جاء قرار المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري، وقتلة من هم قبله ومن هم بعده. ولكن واقع الأمر أن هذه المحكمة ليست لمحاكمة هؤلاء فقط، ولكنها لمحاكمة كافة المجرمين في الوطن العربي الذي قتلوا دون وجه حق عشرات السياسيين والناشطين المعارضين في كل مجال.
فكل من اعترض على قيام هذه المحكمة، فهو متهم في مقتل شخصية ما أو القاء متفجرة ما في مكان ما، دون شك والمثل المصري يقول بكل بساطة (اللي على راسه بطحه بيحسس عليها). فلا يخاف هذه المحكمة ولا يعارضها إلا المجرمون المتورطون في جرائم قتل في لبنان.
ومن اعتبر هذه المحكمة مساساً بالسيادة الوطنية، هو أول من ارتكب أكبر الجرائم في حق السيادة الوطنية، إن كان هناك سيادة وطنية في العالم العربي. ولا أدرى والله ما معنى السيادة الوطنية في الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية التوتاليتارية. كما لا أدري كيف لا تبرز الغيرة والحميّة على السيادة الوطنية عندما تنتهك حقوق المواطنين، ويسجن المعارضون سنوات طويلة، ربما تمتد حتى يأتيهم أجلهم وهم في غياهب السجون، دون محاكمات عادلة.
فمتى يقام للوطن العربي بالذات، محكمة دولية عامة ودائمة تتولى تحقيق العدالة للمعارضين السياسيين والناشطين الحقوقين، الذين يقضون أحكاماً جائرة بالموت في سجون الديكتاتورية العربية.
وتلك هي مهمة المثقفين العرب الآن.

-4-
الحمد لله.
الحمد لله أن هناك شرعية دولية تستطيع في بعض الأحيان أن تعيد للعدالة نصابها، وللحق الضائع طريقه، ولضحايا الارهاب الانتقام من المجرمين، وإلا أصبح العالم العربي عبارة عن غابة وحوش كاسرة تأكل بعضها، دون ضمير أو وازع أو قيم أو أخلاق.
تصوروا أيها السادة أن لا أمم متحدة ولا مجلس أمن ولا منظمات حقوق انسان في هذا العالم، فما حال العالم العربي في هذا الغياب للشرعية؟
تصوروا وضع النظام السوري أو وضع النظام الإيراني حيال لبنان أو العراق، ماذا كان يمكن أن يتم؟
سوف يتم افتراس هذين البلدين وهذين الشعبين بالكامل، ومسح الذقون بدماء الضحايا، دون أن يرف جفن لأي حاكم من حكام هذين البلدين اللذين يقومان بدور قراصنة البحار في العصور المظلمة الوسطى.

-5-
نعم، غابت العدالة العربية فحضرت الدولية.
وليت هذه الدولية تظل حاضرة الى الأبد، ونظل نحتمي بها من قهر الأنظمة الديكتاتورية.
ليت هذه الدولية يجري تعميمها على كافة أنحاء العالم العربي، لكي نتأدب قليلاً، ونحترم حرية الرأي الآخر قليلاً، ونكف على أن نواجه الرأي بالسيف والمتفجرة والأحزمة الناسفة وتلغيم السيارات بالمتفجرات وليس بالرأي الآخر، ونتوقف عن هذه المجازر اليومية التي تقيمها الأنظمة الديكتاتورية العاتية.
فهل نحن أمام فجر جديد، وعهد جديد، يتم فيه القصاص هذه المرة من نظام ديكتاتوري بالعدالة والقانون الدولي، بعد أن تم القصاص من نظام ديكتاتوري في العراق بالصواريخ وحاملات الطائرات والأسلحة الاليكترونية الحديثة.
إن العالم يحاول معنا كل الطرق وكل الوسائل للخلاص من هذه التركة السياسية الديكتاتورية الثقيلة والصعبة التي جاءتنا بعد عهد الاستقلال.
وليت هذا الاستقلال لم يأتِ، وبقينا مستعمَرين، لكانت سلطات الاستعمار أرحم بنا من هذه الأنظمة التي اقترفت من الجرائم العظام، ما لم يقترفه الاستعمار الذي بدأنا نترحم عليه كثيراً، ونذكر خيراته كثيراً للأسف الشديد.
السلام عليكم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف