صناعة الخصومات ووصايا الشفافية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من أجل اخلاقيات رفيعة في الكتابة العراقية رابعا
صناعة الخصومات ووصايا الشفافية؟
" وجرح السيف تدمله فيبرا ويبقي الدهر ما جرح اللسان "
صناعة الخصومات
الخصومة ليست امرا سهلا في مجتمعات متحضرة، والتفاهم من اصعب الوان الحياة في مجتمعات متخلفة.. ان المسألة برمتها لا تتعلق بالشأن العام بقدر ما تتعلق بحالة التوتر، وحالة الغضب، وحالة النقمة، وحالة الغيرة، وحالة الحسد والايغال في الكراهية من دون سبب حقيقي او تهمة مؤكدة.. انها تعابير مجردة من كل الاخلاقيات الرفيعة وهي مجرد شحنات من التعبئات ضد الاخرين ولأسباب سايكلوجية شخصية لا غير.. ثمة مشكلات اجتماعية وسايكلوجية لا يمكن لها ان تتبدد ما لم يكشفها المختصون ويعالجونها، ويسمع لها الجميع من دون اي تبريرات ولا اي تسويغات..
ان السايكولوجية العراقية تبدو وقد فضحت نفسها اليوم وقد مهرت باطلاق كل ما تحتويه من مفاسد ومن دون التفكير ولو مرة واحدة بالتآلف والروح الاخوية والصداقة العميقة والحوار الحقيقي. ان ما نشهده اليوم من احقاد وكراهية بين العراقيين لا يمكن لأحد ان يتخيلها ابدا.. ولابد ان نعترف بها، ولا نتجاوزها او نتخطاها ابدا!! وهي منتجة لكّل هذا " الزبد " وكل منتجات الاعماق وبتعابير غاية في البذاءة وقلة الادب.. ان ما يعلنه البعض من شتائم وسباب لا يمكن لأي مجتمع عاقل ان يتجاوزها من اجل مستقبل واحد يجمعهم في سلة واحدة ومصير محتوم!! ان هذه الثورة الهمجية من البذاءات وما يتفوه به البعض لا يمكنه ان يسجل اي نوع من اللقاء.. الا ان كانت الاوجه والنفوس قد وصلت الى حدود دنيا من الصفاقة وانعدام الاخلاق!! وأسأل : لماذا كل هذه الغيرة الشخصية؟ وهذا الغل؟؟ لماذا تراكم كل الاحقاد؟ لماذا يحسد هذا ذاك فيشن عليه مهرجانا من الغضب الرخيص؟ ولعّل المزايدات الوطنية هي عناوين شرف يحتلها هذا دون ذاك.. وكأن المباريات في المعتقدات محتكرة من قبل اناس دون آخرين!! وكأن استعراض الرجولة لا يتم الا من خلال جعل الاخرين اطفالا مغررا بهم!!
هل الشفافية بعيدة عن العراقيين؟
ماذا لو يتم اعتراف كل مثقف عراقي باخطائه هو الشخصية قبل ان يجعل من نفسه وصّيا على الاخرين؟ لماذا لا يتراجع العراقيون عن اخطائهم؟ لقد وصل بنا الحد ان ادخلنا بلدنا في الجحيم ولم نتراجع عن الاخطاء؟ لماذا لم يعترف كل الخطائين عن ذنوبهم التي اقترفوها بحق البلاد والعباد؟ ماذا لو عولجت اخطر المسائل والقضايا بمنتهى الصراحة والشفافية موضوعيا من دون كيل الاتهامات ونفض كل جراب الاهانات؟ ماذا لو تعّلم العراقيون اسلوب المخاطبة الصريحة والحوار الشفاف بعيدا عن سحق كل الابواب والمنافذ والسقوف والقواعد وهجمان البيوت؟ ماذا لو فكّر العراقيون وهم في قمة ثورة الغضب ان يكبتوا عواطفهم المتأججة وما يغلي عندهم في الصدور ليفكروّا قليلا بما ستنتجه كتاباتهم من الاساءات لهم قبل غيرهم؟ ماذا لو سألوا انفسهم : ما الذي سيجنوه من هكذا ثقافة همجية الطابع سيؤولها الناس بشتى التأويلات؟ ما الذي سيغيرونه بمثل هذه الوسائل المهينة؟ وما فعل الاهانات الشخصية في سوق اعلامي تهريجي يستسهل بعضهم ان يشتم دون ان يعلن عن اسمه؟ لماذا كل المطلقات لتعابير مهينة للجميع من دون استثناء وكأن الاخضر يذهب بسعر الغالي؟ انني لا انكر ان لكل عراقي اسلوبه وطبيعته وعلاقاته وسماته وثقافته.. فلماذا يخلط الجميع ويعاملون معاملة واحدة؟ لكل مثقف عراقي الحق في ان يكتب عن نفسه ما شاء من اعترافات وان يشتم نفسه وذاته ان اراد.. ولكن ليس من حقه البتة شتم الاخرين وتسفيه آرائهم وافكارهم من دون حجج ووثائق وشهادات!
الوصايا العشر :
وعليه، فانني اسجل في ادناه بعض معالجات لمؤثرات هذه الثقافة المتدنية التي تحمل سمات مجتمع وخصال افراد وطبيعة جماعات :
اولا : ان من يحمل هذه " الثقافة " سواء يعّبر عنها تحريرا ام شفويا فهو يخفي في دواخله الما واحتراقا يريد بذلك ان يتخلص منه ولا يعرف الا ان يطلق الاهانات وبشاعة الكلمات.
ثانيا : يشير بعض العلماء بعض مقترحات في تجزئة الافتراضات غير المعلنة من دون تمثيل دور الضحية.. فالسر يكمن في تفحّص ما قيل وكتب وقياس مدى التورط العاطفي والنفسي في صناعة رد الفعل بكل سماجة.
ثالثا : ينبغي التحدي لمثل هذه ( الظاهرة ) التحقيرية للذات والامر ليس سهلا.. ولكن على الطرف المقابل ان لا يسكت لجعل خصمه يشعر بالانتصار والنشوة، بل ان يصارحه امام الملأ في قضية شخصية محددة او ان يهمل خصمه ان كانت تشهيراته واهاناته بلا حجة ولا سند.
رابعا : من المخجل حقا ان يخرج الانسان عن اطواره ليقدح في الاخرين.. ومن المخجل اكثر لو اعلن بالمستمسكات ان فلانا ضبط متلبسا! اما ان يجلس المرء ليسب ويشتم بكل ما يختزنه من المقذعات، فذلك تجريح ينبغي ان يعاقب عليه من خلال القانون.
خامسا : في ثقافات اخرى تستخدم اساليب متنوعة في اختلاف الرأي والفكرة والمشروع.. منها الكاريكاتيرات والفكاهات والادب الساخر والمسرح المرح والنكتة المعّبرة والاشارات الترميزية.. وكلها تعّبر عن مواقف يدركها المرء ويدرك مغازيها.. وربما استخدمت البذاءات ولكن في مسائل شخصية ولمنافع ذاتية.
سادسا : لا يمكن ان تكون ملحاحا في امر ما، والا تفتقد رصيدك من الناس. ان من الذكاء ان تفصح عن كل من موجبات خصمك ومثالب موضوعاته.. والا تكون قد اهنت نفسك. ويقول فرويد بأن الملاحظة الناقدة تستمد قوتها من موقفكم أنتم. فاذا تقبلتموها بارتياح شللتم حركتها.
سابعا : اذا اردتم ان تكسبوا الناس فتجاهلوا من يشتمكم ويسبكم.. كونوا اصحاب قدرة على الغفران، فهي احدى مهارات البقاء التي يمكن تنميتها وتطويرها لاسكات اقوى انواع البذاءات الهمجية. ان عدم الاكتراث للخصم اسلوب يسحقه ويجعله يضجر حتى من نفسه وذاته. ان اعز ما لدى اي خصم هو ذاته بحاول ان تتلاعب بعواطفه بأسلوب عدم الاكتراث.
ثامنا : حاولوا تحمّل الاساءات ومقابلتها بالاحسان، اي ان تمسحوا جلودكم ايها العراقيون.. ولكن عليكم ان تتحملوا النقد وتتعاملون معه موضوعيا لا ذاتيا.. وان يحاول المرء ان ينقل المعركة من شتائم لاسماء الى نقد الموضوعات.
تاسعا : أن أتخاذكم دائماً موقف الدفاع, و حاجتكم الى إثبات أنكم محقون و مالكون زمام أموركم, يكلفانكم غالياً. لذا تسلّحوا بالغفران تحصدوا أكثر من عشرة في المئة. ولكن لا تردوا بهجوم مقابل ان لم تعترفوا باخطائكم، فربما كان منتقدوكم على صواب.
عاشرا: يحفل العالم بأناس لهم عقدهم التربوية وامراضهم النفسية ، وهم يحاولون رفع مقامهم بالحط من قدر الآخرين. وهم دائمو الاستعداد لأطلاق اهاناتهم في وجه أي كان. أرفضوا قبول اساءتهم وإن غلفوها بالمحبة, ففي تجاهلها خفض للتوتر و فرح وطمأنينة لكم و فرص لتمتين علاقاتكم بالمجتمع وكل الناس ان كنتم فعلا ابرياء من التهم وان كنتم اصحاب تواريخ نظيفة وتمتلكون سيرا ذاتية لا تشوبها شائبة.
واخيرا، اتمنى ان يعالج العراقيون انفسهم، وان يعيدوا التفكير باساليبهم وخصوصا في ردود افعالهم ازاء الاخرين.. وان يتخلصوا من الوازع الذاتي الذي يكرسونه على حساب الموضوعي وان يفتحوا صفحة تاريخهم جديدة في حياتهم الثقافية والسياسية. اتمنى ذلك من صميم القلب.