كتَّاب إيلاف

7 متغيرات في سنوات بشار السبع

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كانت سوريا تسير في العقود الماضية على سيارة (سوزوكي) أو (بيك آب) بثلاث عجلات تقود بسرعة، أما اليوم فهي تسير علي سيارة حديثة بأربع عجلات ولكن ببطئ وحذر شديد منطلقة من سياسة "لا يمكن عبور الجسر قبل الوصول إليه".

شهدت السنوات السبع للرئيس السوري بشار الأسد في الحكم (2000 -2007 ) 7 متغيرات مهمة في البنية السياسية والاجتماعية لسوريا، وهي -كما أزعم- بالغة الأهمية. وبطبيعة الحال سوف يعارض كثيرون ما سوف أذهب إليه في هذا المقال، وهذا حقهم، ولكن أرى أنه لا بد من الحديث عنها بصيغة موضوعية مستقلة بعيدا عن الصياغة الرسمية أو المعارضة، وإن كان لابد من الإشارة إلى أن المناوئين للنظام أو المعارضين له حاولوا تجاهل هذه المتغيرات أو التقليل من أهميتها.

في خطاب القسم الدستوري للرئيس الأسد أمام مجلس الشعب عام 2000 ، قال " ليس لدي عصا سحرية". وهو إذ قال ذلك لم يقله لأنه لا يريد الإصلاح أو ليس لديه رغبة، بل لأنه يدرك، ويدرك إلى حد بعيد، أن ما ورثه من أوضاع معقدة وتعقيدات داخلية وإقليمية بحاجة إلى عصا سحرية لا يمكلها وبحاجة للسحر حتى تنفك وتنحل.
كان حال الرئيس بشار آنذاك كحال الشخص الذي يسمك بقربة مياه مليئة بالثقوب وكلما حاول أن يسد ثقبا انفتح له ثقب آخر.

أولا، لقد انهار جدار الخوف في الداخل السوري. في البلد الذي لم تكن فيه سوى منظمة حقوقية واحدة( وقد حكم على كوادرها بالسجن وأقصد لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان)، وكان من الصعب على المراسل الصحفي أن يذكر حتى مصطلح "حقوق الإنسان " في تقاريره الصحفية، صارت فيه أكثر 5 منظمات لحقوق الإنسان تنشط وترصد وتصدر التقارير من داخل البلد. صحيح أنها غير مرخصة، ولكنها تنشط من خلال سماح رسمي لها بالنشاط. وباعتراف بعض النشطاء فقد التقوا بمسؤولين أمنيين في الأماكن العامة والمطاعم.

لابد من الإشارة إلى التأثير الإيديولوجي لأحزاب المعارضة على بعض منظمات حقوق الإنسان، فيمكن مثلا أن نقول إن كوادر إحدى المنظمات قدموا من أحزاب يسارية، وأخرى جاء قادتها من تنظيمات اسلامية أو بعثية عراقية أو ناصرية. فضلا عن "طائفية" بعض النشطاء الذين يرفضون الدفاع عن شخصيات أو مواطنين من خارج طوائفهم!. وهذا أمر يحتاج بحثا أو مقالا آخر.

وأما الصحفي الذي لم يكن بوسعه في الثمانينات والتسعينات أن يذكر مصطلح حقوق الإنسان في تقاريره ، اليوم يجري حوارات مع سجناء سياسيين، ومعارضين ونشطاء ويكتب عن الفساد. كما تم السماح بتقارير صحفية عن سجن تدمر وتصويره أيضا على إحدى الفضائيات، فضلا عن لقاءات أجراها مراسلون مع معتقلين، والسماح بتغطية نشاطات شخصيات معارضة أو جمعيات حقوق الإنسان.
كما بث التلفزيون السوري دراما تنتقد ظاهرة كتابة التقارير الأمنية بحق المواطنين. وتم إغلاق سجني المزة وتدمر.
وانهيار جدار الخوف هذا ليس إلا لأن بشار الأسد أراد له الانهيار، وليست الغاية السياسية هنا محاولة دفن الحقبة السياسية السابقة( الرئيس حافظ الأسد)، بل بناء مرحلة جديدة لها خصائصها وصفاتها المستقلة عن أي مرحلة سابقة، والمرتبطة بطموحات شاب يمسك بزمام الحكم نحو تحديث البلاد.
وفي سياق هذا "الانهيار" لجدار الخوف، كانت النصف الأول من عام 2001 من أكثر الفترات ليبرالية سياسية عندما نشطت المنتديات، وسمح لبعض النشطاء بانتقاد أبرز الشخصيات المحسوبة على الحرس القديم وانتقاد الوضع القائم. حتى أن عامة الناس ظنوا آنذاك أن الرئيس بشار يدعم أحد النشطاء في مواجهته للحرس القديم. إلا أن بعض هؤلاء النشطاء نقل معركته من معركة سياسية إلى معركة شخصية وتناول الرئيس الراحل فكان هذا الخط الأحمر.
هنا، لابد من الإشارة إلى أن أحد المثقفين السوريين، وهو مسجون حاليا، سبق وأن وصف مسؤولا أمنيا سوريا بـ"الجليل"، وكتب رسالة مفتوحة في صحيفة النهار (21/5/2003) إلى هذا المسؤول وخاطبه قائلا " كاتبنا الجليل" بعد أن كتب هذا المسؤول مقالا في صحفية "السفير" تحدث فيها عن "المعارضة الوطنية" ومطالبها.


ثانيا، خرجت شخصيات كانت تصفها وسائل الاعلام بأنها من "الحرس القديم".. خرجت من الحياة السياسية ولم تعد. كانت هناك أسماء لها وقع مخيف في الشارع السوري في الثمانينات والتسعينات وأضحى أصحابها الآن في بيوتهم وحتى بعضهم لا يستطيع أن يصبح مختار حي من الأحياء أو حتى مختار قرية.
وليس المجال هنا لذكر الأسماء، ولكن المهم أن هذا حصل برغبة سياسية عليا لتحديث القيادات بعد أن مل الناس وزهقت البلاد من أسماء على مدار عقود طويلة تم إخراجها عبر إصدار قوانين رسمية تضخ الدماء الجديدة وتطلب بأدب من القدماء أن يذهبوا لبيوتهم.
وفي هذا السياق، سمعت أن مسؤولا سابقا( من الحرس القديم) عاد إلى قريته ليمضي بقية حياته هناك حتى رحمة مختار قريته !
وربما يقول لي أحدهم أن بعض الشخصيات التي عملت في العقود الماضية عادت مجددا إلى مناصب مهمة، فأقول إن عودتها ليس بدافع إعادة الوجوه القديمة، وإنما البلاد بحاجة لخبرتها السياسية والأمنية في ظل تحديات كبيرة تواجهها سوريا.

ثالثا، إن حزب البعث الذي كان يرفض مناقشة قانون الطوارئ أو قانون الأحزاب خلال عقود ماضية، كان من مقرراته في مؤتمره القطري العاشر عام 2005 العمل على إصدار قانون المطبوعات الذي يمنح حرية الصحافة ويلغي عقوبة حبس الصحفيين، وتجميد العمل بقانون الطوارئ ، وسن قانون جديد للأحزاب يسمح بأحزاب سورية سياسية بالنشاط شريطة ألا تقوم على أسس عرقية أو دينية.
لاحقا، تمت مناقشة مسودة قانون الأحزاب، وقانون المطبوعات، ولم يصدرا لكن المرحلة المقبلة تنبئ بأن هذه المقررات ستأخذ طريقها للتنفيذ.

رابعا: شهد ملف الأكراد بسوريا نقاشا محموما خلال السنوات السبع الماضية. وأمرت القيادة السياسية بسوريا بمنح الجنسية للأكراد المحرومين منها. وأخر ما قيل في هذا الملف هو قول الرئيس بشار في اجتماع للقيادة " الأكراد لهم ما لنا وعليهم ما علينا". وينتظر أن تأخذ هذه التوصيات تطبيقا عمليا.

خامسا: حصلت نقلة اجتماعية-سياسية في غاية الجرأة على صعيد حقوق المرأة. لأول مرة في منطقة لا زالت تناقش حقوق المرأة، هناك سيدة سورية غير بعثية صارت نائبة للرئيس وهي الدكتورة نجاح العطار، شقيقة المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين بسوريا عصام العطار المقيم في ألمانيا منذ عقود.

سادسا: تجاوز مرحلة الشعارات. كانت سوريا تعج بالشعارات في عقود مضت، من قبيل " التحية إلى المعسكر الاشتراكي الصديق"، وشعارات أخرى كانت تنقش على جدران المصانع والمدارس.

في حقبة الأسد الإبن اختفت الشعارات رويدا رويدا من حياة السوريين، وكان عليه أن يلغي خطابات جامدة لا تطعم الجائعين وأن يغلق مصانع أفلست من الفساد وسوء الإدارة. ولاحقا كانت هناك شفافية صريحة في الإعلان عن إغلاق الكثير من الشركات والمصانع لأنها كبدت الدولة خسائر فادحة قد تصل لمليارات الليرات ، باعتراف الحكومة رسميا وكل ذلك كان بسبب الفساد. الحكومة أقرت بذلك وعلى صفحات الصحف الرسمية.

كما تغير تغيير لون لباس طلاب المدارس العسكري ، وصار الطلاب يرتدون لباسا ورديا بدلا من اللون الكاكي.

سابعا: بعد رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد، توقع مراقبون غربيون أن تؤثر الظروف الاقليمية والعالمية على الداخل السوري بشكل فعال حتى أنها ستعيد ما كان يحصل في الخمسينات عندما كانت تتدخل قوى غير سورية حتى بتشكيل الحكومات السورية المتتالية.

وبطيبعة الحال من يطالع مذكرات السياسي السوري الراحل أكرم الحوراني بعمق سوف يكتشف كيف كانت تتدخل قوى اقليمية وعالمية بتشكيل حكومات سوريا ما بعد الاستقلال واستمر ذلك حتى جاء حكم الأسد الأب الذي ألغى هذا الأمر ورفض أن تكون بلاده "تابعا" لأي قوى خارجية.

وهذا الشئ استمر في عهد الأسد الابن، ولكن المتغير هو العمل على المزيد من إشراك مستقلين في الحكم والحكومة من إدارة القضايا السياسية حتى الاقتصادية ، دون التغيير في سياسة حافظ الأسد المعروفة وهي رفض "التبعية".

ربما يقول أحدهم أن سوريا تحالفت مع إيران وهي تابع لها كما تدعي بعض التقارير السياسية الغربية، وهنا أشدد على أن هذه رؤية سياسية خاطئة وخير دليل أنه وخلال أوج التحالف السوري الإيراني في الثمانينات لم تتحول دمشق إلى تابع لطهران بدليل أحداث كثيرة سأعرض لها في مقال قادم.

كما سنتحدث في مقال آخر عن السياسة الخارجية خلال سنوات الرئيس بشار السبع.

وأخيرا، يعتقد عدد من المراقبين في سوريا أن مجرد تطبيق مقررات المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث عام 2005 حول حرية الصحافة وقانون أحزاب جديد وتجميد العمل بقانون الطوارئ من شأنه أن يزيد من تحصين وضع البلاد في وجه تحديات تواجهها.

ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تطبيقا لمقررات المؤتمر القطري العاشر، وإذا ما تم ذلك -سيكون كما نقول في سوريا "زيت على زيتون" - بمعنى أنها تقوي الوضع الداخلي لبلد معظم ما يستهلكه هو من إنتاجه.
hnayyouf@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف