الضغوط العصرية على القرار السياسى: نموذج ملف الزبالين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كيف يمكن أن تتحول المصالح الخاصة لأقباط المقطم إلى ملف طائفى؟
فى مثل هذه الأسابيع شبه الهادئة، وحين يكون توالى الأحداث أقل وتيرة، وأهدأ إيقاعا، فإن هذا يعطينى فرصة لكى أتناقش مع بعض الشخصيات العامة فى غير الأحداث الجارية وفى أن نرفع أنظارنا بعيدا عما هو تحت أقدامنا. وفى الأسبوع الماضى، وحين تراجع لهاثى وراء الأخبار، استطعت أن أقتنص عدة ساعات فى لقاءات مع بعض مشاهير السياسة والعمل التنفيذى ولاحظت أن الأغلبية مشغولة بالواقع الاجتماعى وكيف أن ثمار النجاح الاقتصادى لم تحقق نوعا من الرضا لدى عموم الناس رغم أن حياة الجميع بلا استثناء تغيرت ولم تعد كما كانت. وقد كنت أنوى هنا أن أحلل ما تحصلته من خلال هذه النقاشات، فى ضوء أن القضية الاجتماعية هى أحد أهم شواغلى الأساسية، وهى أحد أسباب انتقاداتى الرئيسية للحكومة، بل أستطيع أن أقول عن ثقة أن لدى أركان الحكومة ورئيسها وعيا كاملا بذلك ويساورهم شعور بالقلق لأن البرامج الاجتماعية التى يقومون بها لم تحقق المرجو منها.
غير أنى أجلت ذلك، بعد لقاء أجريته يوم الخميس مع أحد الوزراء، وبعد أن اطلعت على معلومات بخصوص فيلم تليفزيونى أمريكى عن الزبالين فى مصر فى ذات اليوم، وبعد أن تفاعلت على الساحة تصريحات الرئيس الأمريكى جورج بوش بخصوص أيمن نور وبعد أن استعدت من الذاكرة تقريرا مطولا كتبته جريدة أمريكية حول الفقر فى مصر وخلصت إلى رابط أساسى حول كل ذلك وبينه، يتعلق بما يمكن أن يعانيه أى قرار سياسى مصرى، من ضغوط، خارجية وداخلية، حتى لو كان الأمر يتعلق بمشكلة ليست كبيرة، وهو ما سوف أشرحه بالتفصيل.
ولنبدأ بالوزير، الذى اعتاد أن يتجول كثيرا فيما بين المحافظات، وبين مختلف الطبقات الاجتماعية، قال لى. فى العام الماضى كنت ألحظ أن أهم شواغل الناس من خلال حواراتى المباشرة معهم هى البطالة كل من تقابله يواجهك بمشكلة أنه يريد أن يوظف ابنه أو ابنته أخاه أو أخته فى العام الحالى، الأمر اختلف، وعلى الرغم من أن مشكلة البطالة لم تزل ضاغطة إلا أن الاهتمام بها ليس بنفس الدرجة الناس الآن تتحدث فى أمرين. الأول عبارة عن مجموعة اهتمامات تشمل مشكلة مياه الشرب، مشكلة الصرف الصحى، مشكلة الدروس الخصوصية، والخوف من المرض وأما المحور الثانى الذى يشغل اهتماما يوازى كل ذلك فهو مشكلة الزبالة.
معاناة المتحضرين
ولم تدهشنى ملاحظة الوزير، المواطن المصرى بفطرته يريد حياة نظيفة والزبالة أزمة حقيقية تعبر عن فشل المحليات وتؤدى إلى تضخم المشكلات الموازية التى يعانى منها وهى مياه الشرب النقية، والصرف الصحى، والأمراض فضلا عن أن تلك المشكلة . الزبالة . تناقض شعوره الممتد بأنه "حضارى" و"متحضر".والأهم أن "الزبالة" خلال الأعوام الأربعة الماضية صارت مشكلة إدارية ومالية، بعد أن تم تكليف شركات محلية وأجنبية بجمع القمامة فى عدد من المحافظات وحدث جدل وتفاعلات بشأن الفواتير وأساليب وقيمة دفعها وهناك عشرات من القضايا المطروحة على القضاء الإدارى بشأن هذا وفوق كل ذلك عدم قدرة النظام الجديد على حل المشكلة إلى الدرجة التى دفعت الناس للتساؤل. ولماذا لا نعود إلى النظام القديم العشوائى حين كان الزبالون يجمعون الزبالة بسيارات متهالكة وعربات جر كريهة تقوم على التعامل مع المشكلة يوميا بأسلوب بدا مجديا على تخلفه بالمقارنة بالوضع الحالى.
إن هذا ينقلنا إلى ما جرى فى نيويورك قبل أيام وتحديدا يوم . يونيو، حيث نظمت جمعية رجال الأعمال المصريين . الأمريكيين برئاسة ماجد رياض عرضا لبعض مشاهد فيلم وثائقى جديد باسم "أحلام الزبالين" فى "هارفارد كلوب" حيث تواجد عدد من رموز الجالية المصرية البارزين وأعضاء الجمعية وبعض الدبلوماسيين وأصحاب المواقع الرسمية المصرية فى نيويورك.والفيلم مشروع تقوم عليه مخرجة ومنتجة الفيلم مى إسكندر، بالتعاون مع د. ليلى إسكندر مساعد المنتج، وهايدى راينبرج مستشارة المنتج، ومارى لامبسون رئيس التحرير، وقد قامت مى اسكندر بتصوير حوالى 250ساعة عن حياة الزبالين بمنطقة المقطم بالقاهرة على مدى ثلاث سنوات سوف تكون نواة لإنتاج الفيلم، والذى ستكون مدته 75 دقيقة.ويسعى الفيلم إلى إبراز نجاح الزبالين بمنطقة المقطم، الذين يبلغ عددهم60 ألف شخص، فى تجميع حوالى ثلث القمامة "ألف طن" يوميا لسكان القاهرة الكبرى الذى يبلغ عددهم .. مليون نسمة، وأنهم استطاعوا إعادة استخدام حوالى ... من مخلفات القمامة، وهو ما يعتبر نسبة كبيرة جدا بالمقارنة بأعمال إعادة التدوير فى الدول الغربية التى لا تتعدى نسبتها أكثر من ...، وهو ما أدى إلى قيام العديد من المدن الكبرى مثل مانيلا، وبومباى، ونيروبى بمحاكاة نموذج الزبالين بمنطقة المقطم وفق ما يرى منتجو الفيلم. كذلك أشار الفيلم إلى أنه بالرغم من نجاح تجربة الزبالين فى هذا المجال، فقد قامت الحكومة بالتعاقد مع ثلاث شركات أجنبية لجمع القمامة، مما يهدد حياة حوالى .. ألف نسمة من مجموعة الزبالين بالمقطم.
ليلى وولداها
ويركز "أحلام الزبالين" على حياة ليلى المدرسة، والطفلين "أدهم وأسامة" اللذين يدرسان بمدرسة إعادة تصنيع القمامة لإنتاج البلاستيك بالمقطم، وهى مدرسة تقوم بالإضافة إلى تطوير أساليب إعادة تصنيع القمامة، بإعطاء دروس للأطفال فى القراءة والرياضيات، ويشير الفيلم إلى حياة ليلى اليومية فى المنزل والحى الذى تعيش فيه والذى يكتظ بالقمامة، كذلك المدرسة التى تدرس بها، وعملها التطوعى كتمرجية تعطى تطعيمات ضد مرض التيتانوس للزبالين الذين يتعرضون لإصابات أثناء عملهم. كما يشير الفيلم إلى أنه وقع الاختيار على أسامة للسفر لمدة أسبوعين إلى بريطانيا للاطلاع على أساليب إعادة تصنيع القمامة فى إطار برنامج لتبادل الطلبة، ليستفيد من التجربة الغربية فى هذا المجال. أما بالنسبة لأسامة، فيشير الفيلم إلى أنه بعد مجىء شركات القمامة الأجنبية، قام بالعمل لديهم بالرغم من أن الراتب الشهرى أقل مما كان يجنيه عندما كان يعمل كزبال مستقل، ولا يخلو الأمر من مشهد من الفيلم عن الكنيسة التى يقوم بزيارتها أسامة بالمقطم، حيث يعرب عن ارتياحه النفسى بالزيارة الأسبوعية التى يقوم بها.
فى هذا العرض، فى نيويورك وبعد انتهاء المشاهد، أوضحت مخرجة الفيلم أن الميزانية المحددة للفيلم هى 295 ألف دولار، وأنها تأمل فى الحصول على مائة ألف دولار تبرعات من المشاركين فى الاحتفال، لتغطية نفقات ما بعد إنتاج الفيلم، مشيرة إلى أن كل التبرعات ستخصم من الضرائب المستحقة على المتبرعين، وقالت أنها تسعى للترويج للفيلم وإجراء تعاقدات مع قنوات التليفزيون الخاصة ومنها دب وسذ، حيث تأمل فى أن يشاهد الفيلم الوثائقى ملايين من المشاهدين، الذين سيتعاطفون مع قضية الزبالين، ويقومون بتوجيه تبرعاتهم للمنظمات غير الحكومية التى تعمل لصالح تحسين مستوى معيشة هذه الفئة من المجتمع من خلال الموقع الإلكترونى الذى سيعلن خلال مشاهدة الفيلم الوثائقى.
مستوطنة المقطم
ولم يكن هذا هو أول فيلم يتم إنتاجه عن الزبالين فى المقطم، وهناك عديد من التقارير التليفزيونية والصحفية حول ذلك، وبخلاف الأغراض النبيلة فإن هذه المشكلة ينظر إليها، أو تقدم إعلاميا، على أنها "موضوع قبطى"، وأن هؤلاء الناس الذين ابتعدوا عن العاصمة فيما يشبه "مستوطنة" خاصة بهم إنما يواجهون نوعا من الاضطهاد على الرغم من الفائدة التى يقدمونها للمجتمع.على سبيل المثال، وفى إطار صناعة تلك الأسطورة، وتمجيد العمل الذى يقوم به الزبالون فى المقطم كتبت "سيلفيا سميث" فى تقرير قرأته على موقع الـ "بى. بى. سى" ما يلى.:فى حى المقطم بالعاصمة المصرية القاهرة، توجد أكبر مستوطنة لجامعى القمامة "الزبالون" يعيش نحو .. ألفا فى هضبة المقطم، ومخلفات مدينة القاهرة التى يعيش بها .. مليون شخص تنتهى إلى هناك، فكل صحيفة أو سروال ممزق أو شريحة خبز تنقل إلى المستوطنة لتبدأ رحلة التدوير التى تتسم بحرفية كبيرة.
و"الزبالون" من "المجموعات المستقلة بذاتها"، وهى تحافظ على القاهرة نظيفة، وفى نفس الوقت تكسب عيشها.
ويربح الزبالون من إطعام ماشيتهم المخلفات العضوية وتدوير بقية المخلفات الأخرى.
وتقوم النساء بفرز المخلفات ووضع كل منها فى تصنيف خاص، فهناك البلاستيك والزجاج والمعادن والأوراق والنسيج.
إنه عمل مرهق، لكنه غير ملوث للبيئة أكثر من الأسلوب الأوروبى الذى يعتمد على شاحنات القمامة التى تقوم بكبس ويجعل من غير الممكن إعادة تدويرها .
خلاصة المعنى هنا، كما نقرأ، ما يلى:
- هذه مستوطنة
- من فيها مستقلون بذاتهم
-هم سبب نظافة القاهرة
- يقومون بعمل غير ملوث للبيئة
- يريدون العمل فى هدوء
قصة دميانة
لكن الأمر ليس على هذا القدر من الهدوء، وهو يتخذ أبعادا أوضح لدى د. جاك عطالله، وهو مصرى قبطى مهاجر فى أستراليا، ولديه صحيفة اسمها المصرى، وقد كتب فيها حول مشكلة أقباط المقطم، لاحظ "أقباط المقطم"، وقال:دميانة جرجس، شابة مصرية من عائلة فقيرة تقطن عزبة الزبالين فى جبل المقطم، وهى منطقة يسكنها حوالى ستين ألف أسرة مسيحية .لاحظ هنا الرقم لم يكن .. ألف فرد، ولكن .. ألف أسرة. هربوا من اضطهاد الدولة بعد تنفيذ الدولة مشروع أسلمة الأقباط والضغط الاقتصادى والحكومى على الكتلة القبطية المتمركزة بالصعيد لخلخلة كثافتهم هناك ولتفريغ الصعيد من الأغلبية القبطية. توجهت بعض هذه الأسر الفقيرة لمنطقة المقطم وأقاموا مزارع لتربية الحيوانات على الزبالة التى كانوا يجمعونها من منطقة القاهرة الكبرى قاموا بأنشطة أخرى واستقروا منذ السبعينيات وقد أنشئت لهم كنيسة القديس سمعان الخراز لتخدمهم دينيا واجتماعيا، وللعلم قد تابعت الدولة اضطهاد هؤلاء الأقباط حتى إلى هذه المنطقة التى كانت مهجورة، وقاموا بتعميرها فقامت بالتعاقد مع شركات أجنبية لتجمع زبالة القاهرة لكى تفلس هؤلاء المساكين وتضربهم فى مصدر رزقهم لتسهيل أسلمتهم.
نعود إلى قصة دميانة جرجس "كما يقول جاك عطا الله" ويضيف: شابة قبطية تعيش بالمقطم . اختطفت من أهلها منذ شهور وأخفى أثرها أمن الدولة الإسلامية المصرية كالمعتاد، ورفض البحث عنها وهدد أهلها بالسكوت أو القبض عليهم كالمعتاد فى كل حالات الأسلمة والاغتصاب القسرى.
وهكذا مضى جاك فى رواية قصة ليست موثقة حول فتاة قبطية حيث كان يكتب ذلك المقال منذ سنوات وبقية القصة معروفة اضطهاد واختطاف ومثل ما يقال فى هذه الأحوال.
قصة ليلى
نعود إلى قصة الفيلم الجديد، الذى يتم جمع التبرعات لأجل إتمامه، ومن ثم أتوقف أمام نموذج إحدى القائمات عليه، وهى ليلى إسكندر، وفى سيرتها أستند إلى تقرير نشرته جريدة الشرق الأوسط فى يونيو الماضى، حيث وصفت بأنها نقلت نظام التعليم من كاليفورنيا إلى حى الزبالين فى المقطم.
ويقول التقرير الذى كتبته هبة القدسى:
لم يكن اسم ليلى إسكندر من الأسماء المعروفة فى دوائر عالم المال والأعمال والاقتصاد، مثلما كان معروفاً بين سكان أحد أفقر الأحياء المصرية وهو حى "الزبالين" بالمقطم، الذى أمضت فيه خمسة عشر عاماً تطبق فيه خبرتها ودراستها الأمريكية فى التعليم على أبناء الزبالين وقد ذاع صيتها حين اختارها منتدى الاقتصاد الدولى فى "دافوس" ليمنحها جائزة شواب للإبداع الاجتماعى نظير أعمالها "التطوعية" فى مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك خلال انعقاد المنتدى فى شرم الشيخ مايو 2006
وبهذه الجائزة دخلت ليلى إسكندر دائرة الضوء فى عالم الأعمال، كما دخلت قائمة المبدعين الاجتماعيين الذين يصل عددهم لدى منتدى دافوس إلى .. مبدعاً فى .. دولة فى العالم، كانت بدايتها عادية، فهى بدأت طالبة مصرية تتلقى تعليمها فى مدرسة الإرسالية البريطانية ثم حصلت على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة، وتزوجت وهاجرت مع زوجها إلى الولايات المتحدة عام ....، واستقرت بولاية كاليفورنيا وعملت فى إحدى الإدارات التعليمية الأمريكية وحصلت على شهادة من جامعة كاليفورنيا فى التربية أهلتها للتدريس لطلبة الثانوى فى منطقة وادى السيليكون الشهيرة بصناعة الحاسبات وأجهزة الكومبيوتر وتكنولوجيا المعلومات.
وتقول ليلى إسكندر. كنت أقوم بتدريس الاقتصاد لطلبة من أذكى الطلاب مما كان يشكل حافزاً للإبداع والتطوير فى طرق التدريس، كما قمت بتدريس اللغة الدارجة القاهرية فى الجامعة لفترة، وبعد عشر سنوات من النجاح فى عملى والحياة المرفهة فى الولايات المتحدة، انتبانى الحنين إلى مصر وقررت العودة إليها.
ولم أجد وظيفة تناسبنى، وبعد فترة وجدت إعلاناً يطلب متطوعين للتدريس فى حى الزبالين بالمقطم، وتحمست للفكرة، وفى أول يوم رأيت مدى الفقر وصعوبات الحياة التى يعيشها الزبالون فى هذا الحى، حيث يسكنون أكشاكا من الصفيح والكرتون حول أكوام من الزبالة والحيوانات النافقة.
وتضيف ليلى إسكندر. هناك قررت أن أنقل خبرتى من جامعة كاليفورنيا إلى حى الزبالين وقوامها التعليم الفردى، حيث ينطلق كل طالب فى دراسته وفقاً لقدراته دون انتظار للآخرين، وطبقت النظام بأدوات بسيطة وتمويل وهبات من أهل الخير وتبرعاتهم وأسسنا نظاماً يعتمد على محو الأمية والتعليم التنموى من خلال القصص والحرف البسيطة، وتزايد عدد الأطفال حتى وصلوا خلال ست سنوات إلى ... طفل بعد أن بدأنا بعشرة، وبالتوازى مع هذا العمل التطوعى فى حى الزبالين، طبقت نفس الأفكار فى بلدى بمحافظة المنيا مع الفلاحين، وحاولت نقل النظريات فى التنمية وطرق التعليم إلى خارج المدرسة من خلال مشروعات يتم الربط بينها وبين التعليم خارج الإطار الرسمى، فأى مشروع مثل مشروعات إقراض المرأة أو الحرف اليدوية نضع له برنامجاً ومنهج عمل يتمركز حوله التعليم.
ولكن كيف تحول الأمر من عمل تطوعى إلى بيزنس أسست من خلاله شركة خاصة، وهل تحقق الشركة أرباحاً من خلال عملها فى التنمية؟ تجيب ليلى إسكندر. هناك عدد كبير من الجمعيات الأهلية بها رجال ونساء يقومون بأعمال تطوعية، وبدأت أتعرف على بعضها، ومع صعود تيار المشروعات الممولة من الجهات المانحة للتنمية، بدأت أقارن بين مشروعات تأخذ ملايين الدولارات ولا تحقق النتائج المرجوة منها ومشروعات أخرى تتم بتمويل ذاتى بسيط وتؤدى نتائج أكثر من المتوقع، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء الشركة عام .... مع مجموعة من أصدقائى من القطاع الخاص وأسسنا الشركة برأسمال .. ألف جنيه على أساس أن تقدم خدمات تقليدية فى البداية مثل الاستشارات والتدريب والدراسات والأبحاث حتى نصل إلى القيام بمشروعات شراكة لتحقيق التنمية دون اللجوء إلى جهات مانحة، وهذا لا يعنى ألا نحقق ربحاً لكن أن نعمل على أساس كيف نختار المشروعات التى تؤدى إلى تقوية وبناء المؤسسات، وقمنا بالعمل مع ثلاثة قطاعات هى الحكومة والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية.
وتقول ليلى إسكندر. كان من المهم فى الشركة أن نقوم بتنظيم برامج تربط ما بين البيزنس والتنمية، وعلى سبيل المثال ساعدنا إحدى شركات الشامبو التى كانت تعانى من مشكلة الغش التجارى للعبوات الفارغة التى تحمل اسمها، ويتم إعادة استخدامها، فأسسنا جمعية أهلية فى حى الزبالين، وعلمنا الأولاد أن يشتروا العبوات الفارغة .بأموال الشركة الأهلية. ويقوموا بتكسير العبوات وإعادة تدوير البلاستيك والزجاج المكسور وبيعه للشركات وتحقيق عائد يعود جزء منه لبناء فصول ومشروعات جديدة للحى.
وتشير ليلى إسكندر إلى أن شركتها قامت بتصميم خرائط رقمية لكل ورشة فى حى الزبالين بالمقطم وعدد العمالة بها وحجم استثماراتها، موضحة أنه يوجد ... مشروع صغير ومتوسط فى مجال إعادة تدوير المخلفات فى حى الزبالين، تورد المخلفات التى يتم تصنيفها إلى خمسين أو ستين مصنعاً على مستوى الجمهورية تعيد استخدام هذه المخلفات.
وتحلم ليلى إسكندر بأن ترفع الوعى بأهمية إعادة تدوير المخلفات، موضحة أن إحدى الدراسات التى قامت بها أكدت أنه فى حال فصل المخلفات من المنبع أى فى المنازل والمنشآت سيخلق كل طن من المخلفات . فرص عمل.
*بيت القصيد
*ما هو هدفى من ذكر كل تلك التفاصيل ؟.
الهدف واضح، وهو أننا نوع من الحالات التى اختلط فيها الاقتصادى بالدينى، الداخلى بالخارجى، الإدارى بالإعلامى، التى تمثل بشكل أو آخر بتطور عملية للضغط على قرار داخلى يبدو بسيطا ويتعلق بجمع القمامة ولكنه سوف يصبح مع عرض الفيلم المشار إليه قصة دولية كبرى وفى ذلك أريد أن أســــجل عددا من الملاحظات.
.. يذكر الجميع أن فيلم قناة "سى. إن. إن" الذى تم تصويره حول عملية ختان إحدى الفتيات، إبان انعقاد مؤتمر السكان فى مصر، تحول إلى قصة كبيرة تتعلق بسمعة البلد والقيم التى تحكمه والصورة المتكونة عنه فى الخارج وقد كانت مدة هذا الفيلم عدة دقائق فما بالله بفيلم وثائقى كامل عنوانه "أحلام الزبالين" سوف يعرض فى عدة محطات ويتم العمل عليه منذ . سنوات.
.. هناك اتجاه متنامٍ فى وسائل الإعلام الغربية، والأمريكية تحديدا، لتناول مسائل الفقر فى مصر وبصورة مؤلمة وفى ذلك أشير على سبيل المثال إلى تقرير كتبه فى مارس الماضى مراسل نيويورك تايمز "مايكل سلاكمان" تحت عنوان "الفقراء يستسلمون لقدرهم" حيث رصد مظاهر العشوائية والفقر فى العاصمة المصرية والمعاناة التى يتعرض لها ملايين الفقراء من صياد يبيت فى قاربه بالنيل إلى بائع أغنام فى زحام القاهرة ولم تكتف النيويورك تايمز بالتقرير الصحفى، وإنما وضعت على موقعها الإلكترونى فيلم فيديو لهذه المشاهد المصرية.
.. الفقر ليس عيبا، والحكومة فى مصر على الرغم من ارتفاع معدلات النمو تعترف به وتقوم بجهد من أجل معالجة أبعاده والفقر ليس صفة مصرية خاصة وفى الولايات المتحدة هناك . حيث أغنى دول العالم . يهدد الجوع .. مليون فرد، منهم .. مليون طفل، ويعانى من ذلك الأمريكيون من أصل إفريقى أو اسبانى وقد لا يعرف الكثيرون أن فى الولايات المتحدة نظاما للبطاقات التموينية، قائما منذ عام ....، يقدم مساعدات غذائية للفقراء وفى ذلك تفاصيل كثيرة تعنى أننا لسنا وحدنا فى هذا العالم الذين نعانى من الفقر ولكن فقرنا يستخدم ضدنا لأهداف سياسية.
.. لكننا لسنا الولايات المتحدة، التى لا تهزها هذه التقارير الإعلامية، ولا تؤثر على قراراتها الداخلية تغطيات إعلامية غير محايدة، بل إن أغلب ملفاتنا الخاصة، والتى تتعلق بأمور يومية مصرية تخضع للاهتمام من الخارج بتكثيف بالغ أحيانا لأسباب مفهومة وغالبا لأسباب غير عادلة، وعلى سبيل المثال، ووفقا لما جاء فى العدد رقم ... . مايو الماضى. من تقرير واشنطن، فإن الولايات المتحدة أبدت قلقا متزايدا من ازدياد معدلات الإصابة البشرية بأنفلونزا الطيور فى مصر، وقال التقرير أن واشنطن تقدم دعما فنيا وماديا لمصر فى هذا السياق، تجنبا لاتخاذ الخارجية الأمريكية قرارا بحظر السفر إلى ومن مصر فى حالة تفشى الوباء كما قالت مصادر دبلوماسية للتقرير.
.. فيما يخص الفقر، وفيما له علاقة مباشرة بالسياسة، فإن التقارير الإعلامية والتحليلات السياسية الأمريكية فى كثير من الأحيان تدعى أن منظومة الإخوان كجماعة محظورة تحقق نجاحات بين الفقراء بسبب الخدمات التى تقدمها للفقراء من خلال جمعيات أهلية ومراكز دينية وهو ما يطعن فى البرامج الاجتماعية الحكومية بصورة مباشرة، على الرغم من أن ما يقدمه الإخوان لا يقارن على الإطلاق بما تقدمه الدولة لكنها الدعاية غير المحايدة.
.. فيما يخص مشكلة الزبالة، من المؤكد أن هناك قصوراً، وأن تجربة الاستعانة بالشركات تحتاج الآن إلى إعادة تقييم ليس بهدف الاستغناء عنها ولكن من أجل أن يحقق الفائدة وبما يؤدى إلى شعور الناس عموما بالجدوى.
.. فيما يخص الزبالين فى المقطم، أو من يطلقون عليهم أقباط المقطم نحن أمام تفصيلات عديدة.
. التهديد بتقديم تشويه إعلامى ضد مصر، من خلال هذا الفيلم المشار إليه.
. من الواضح جدا، وإذا ما راجعنا سيرة ليلى إسكندر . أحد منتجى الفيلم . أن هناك نوعاً من تحالف المصالح الاقتصادية، والذى يضم منظمات غير حكومية تعمل فى نفس السياق، يعانى من ضرر ما من وجود الشركات . وهو يحاول . من طرف خفى أحيانا، وعلنى أحيانا . أن يحول الموضوع إلى موضوع دينى لكى يدافع عن تلك المصالح.
. لا يمكن تحويل موضوع الزبالة إلى مسألة دينية، ولا ينبغى التعامل مع هذا التجمع فى المقطم على أنه مستوطنة، محورها كنيسة، ومن الواجب على الدولة أن تضع تصورا واضحا لعلاج الأمر، بحيث تحقق الصالح الاقتصادى للقائمين بالمهنة، وبدون هذا التركز السكانى.
. . ذكر الأستاذ ماجد رياض، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين فى الولايات المتحدة، أننا استضفناه هو وزملاءه فى روزاليوسف، قبل أشهر، حيث تناقشنا فى أمور كثيرة، وحيث وعدوا بتقديم الكثير لبلدهم فى مجال الخدمات والرعاية الصحية، ولا أظن أن البداية المفترضة هى تضخيم أزمة عن "أقباط المقطم".
.. تظهر هذه المعلومات أن القرار السياسى، مهما بدا عاديا، وحتى لو كان إداريا وبسيطا، يمكن أن يتعرض لعشرات من الضغوط، الإعلامية والدينية والاقتصادية والداخلية والخارجية، وبالتالى فإن معاناة صانع القرار أياً ما كان موقعه لا يمكن الوقوف على حجمها.
... لدينا مشكلة آنية، تحتاج علاجا عاجلا، وهى ليست فقط الزبالة وجمعها من الشوارع، وإنما الأوضاع الاجتماعية برمتها.؟
abdullah@rosaonline.net
alsiasy@gmail.com