كتَّاب إيلاف

الاسلامييون ومراكز القوى في كُردستان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الاسلامييون ومراكز القوى في كُردستان
العشيرة, الحزب, القوة, المال

المجتمع الكُردي منقسم بحدة. الانقسام يولّد التشرذم ويدفعه بعنف نحو انفصال الذات الى ذات أخرى والكينونة الواحدة الى كينونة أخرى. قلنا سابقاً ان جزءً كبيراً من التركمان يعود الى اصل عشائري كُردي. إذن الدائرة الكُردية لم تقدر ان تجمع محتوياتها البنيوية: المجاميع البشرية الموزعة على هويات متعددة كالعشيرة والطائفة والمناطق في دائرة قومية متقدمة, ونظام سياسي متجاذب مع مفهوم ومحتوى الأمة.
التباعد والتشرذم فتحا المجال واسعاً امام الفوضى الاجتماعية, وعدم انصياع اي فئة لمركز كُردي, كجامع لاجزاء كينونة تجيز تسمية الأمة وشــرعنتها.
بداية ولكي اسهل على القارئ تكوين صورة واضحة, اود الاشارة الى نقطة مهمة, وهي ان المستويات التي تغني حركة الاجتماع, وتبلوِر علاقات فئات الشعب تعاني الشح والانعدام. المستويات مثل الاقتصاد, الادارة, التجارة, الصناعة وعوامل منبثقة منها كالمواصلات لا دور لها في رفد المجتمع وحركة فئاته في رسم الصورة العامة للشعب الكُردي وصياغة انماطه.
وبما ان المصدر المعيشي يتوقف على الاعالة الحكومية شأن اغلبية بلداننا في الشرق, ولكون كُردستان باجزائها الأربعة, ساحة معارك وحروب طويلة متنوعة فان القوة الفئوية المنغلقة المُجيّرة لصالح المراكز/الدول تتعاظم وتترسخ في شبكة معقدة ومريضة.
اشرنا اكثر من مرة الى وجود عداوات جذرية بين التكوينات الكُردية العشائرية. هذه العشائر غريبة بشكل عميق عن مفاهيم من قبيل: الثقافة (بمعناها العام), الأمة, العقد الاجتماعي, الوطن, المدينة (كنمط قانوني وثقافي), حرية الأفراد...
وبما انها تعيش هذا الفقر فان اليومي من الحياة يستحكم بامورها كالقوت, القوة, المال, والمضي في الحياة بالعفو والارتجال.
وبما ان المنافسة والعداوة تشكلان المشترك الاجتماعي بين هذه العشائر فان فرصة الحصول على القوة والنفوذ لضمان سلامة تكوين العشيرة, تكمن في التحول الى امتداد لقوة تفوق قوة العشيرة سياسةً واستراتيجيةً ونفوذاً واقتصاداً و...
هذه القوى الفوقانية هي الدول/المراكز المحيطة بالعالم الكُردي. وبما ان العشائر الكُردية, حتى الشكل الحزبي المعاصر, عجزت عن تكوين دائرة شاملة في صياغة حضارية اصبح وجودها ومصالحها مرتبطة بالدول التي اشرنا اليها. هذا النمط الارتجالي والتراكمي في آن يستحكم في غلظة تاريخية بالبرهان الوجودي للسياسة الكُردية, القديمة منها والجديدة: خمسة عشر امارة كردية في العهد العثماني/الصفوي وادارتين منفصلتين في اقليم كُردستان منذ 16 عاماً فضلاً عن تعدد مراكز القوى على الساحة.
في الوقت الراهن وفي جنوب كُردستان هناك حزبان رئيسيان يتقاسمان السلطة والمال. احدهما وهو الاتحاد الوطني الكُردستاني, انبثق من الحزب الديموقراطي الكُردستاني. فبينما تكمن شعبية الحزب الديموقراطي في عمق عشائري مستنداً على تراث طويل في النضال القومي, وجد الاتحاد الوطني شعبيته في التعبئة الايديولوجية الماركسية والقومية ولاحقاً قومية متمركسة الى حيث تشكلت السلطة الكُردية عام 1992, حيث بدأت الايديولوجيا الحزبية تذوب مثل الثلوج.
كان لدى الحزبين علاقات متينة مع ايران وسوريا وتركيا واحياناً العراق في صراع الحياة والموت بينهما. فالاتحاد الوطني الذي بدا على شفا حفرة من موت حقيقي انقذته ايران عام 1996. والحزب الديموقراطي انقذه تدخلٌ عسكريٌ عراقي وتركي مباشر. هذه الأحوال حدثت اكثر من مرة.
في قعر الانهيار الحزبي والفكري لدى الحزبين المذكورين وخصوصاً الاتحاد الوطني, تصاعد المد الاسلامي بقوة ايديولوجية وفكرية في كُردستان. وفي ذروة المد الاسلامي عبر حركة مسلحة اصبح الخطر يهدد الحزبين المذكورين وكان نصيب الاتحاد في الخطورة اعظم من الديموقراطي. والعلّة ان الحزب الديموقراطي يستند على كثرة جماهيرية غير منظمة, توالي الحزب عشائرياً وتراثياً ولا تأبه بالانتماءات الفكرية والصراعات الايديولوجية.
وبما ان الاتحاد الوطني كان يملك الاسناد الاقليمي وقوة عسكرية تفوق قوة الاسلاميين فقد خطط مسبقاً لضربهم وازالتهم من الوجود فكانت معارك طويلة لم يقدر الاتحاد فيها نيل مرامه بعد جهد وهلاك جعلاه لاحقاً الحزب الأضعف ((Underdog امام الحزب الديموقراطي.
الاسلامييون بدورهم لم يقدروا ان يتحولوا الى بديل قوي للحزبين لأسباب عديدة:
1- عدم ارتقاء مستوى علاقاتهم مع دول الجوار كما كان لدى الحزبين الرئيسيين. فالدولة الوحيدة تقريباً والتي كان الاسلامييون يقدرون التماس معها كانت ايران. إلا ان الخلاف السني الشيعي تحول الى عائق كبير منذ البداية. وبقي الحزبان المذكوران الأقرب الى ايران.
2- عدم النضوج الحركي والسياسي لدى الاسلاميين للتصدي للواقع وفق متطلبات المرحلة الضرورية.
3- الفقر المالي الذي عاناه الاسلامييون الى يومنا. فباختلاف تياراتهم واحزابهم لا يملك الاسلامييون قناة فضائية ولا حتى جريدة يومية. وأناس الحركات الاسلامية في كُردستان هم الأفقر مادياً بين الأحزاب والحركات السياسية.
4- الافتراق والخلافات الداخلية وعدم العمل وفق استراتيجية مدروسة وحكيمة.
اما الاتحاد الاسلامي الكُردستاني فقد شكل طفرة نوعية ليس على مستوى الاسلاميين فحسب بل على المستوى السياسي العام, بسبب تكوينه المدني البعيد من التسلح والعنف. وبما ان شعبية الاتحاد الاسلامي تعاظمت يوماً بعد آخر فقد بدا قلق السلطة يتعاظم ايضاً. لذلك فان التضييق على الاتحاد الاسلامي و زج عناصره في السجون والمعتقلات والدعاية المضادة القوية تجاههم اصبحت شغلاً روتينياً لدى الحزبين الحاكمين في كُردستان. وبما ان الاتحاد الاسلامي تصرف منذ البداية بعقدة الذنب والنقص لم يقدر ان يكون حركياً ومدافعاً امام شراسة الاضطهاد السلطوي. ففي ظل نمط عشائري سلطوي تنهار المحاولات السلمية المدنية, في واقع لا يقدر تكوين ما الحفاظ على وجوده إلا بالقوة خصوصاً وان قوى شرسة كهذه يثيرها الاعتداء على الضعيف حتى ولو كان ذلك على سبيل المتعة, ناهيك عن المصالح والمواقع السياسية.
قبل ايام أعلن عن جبهة عراقية جديدة, كان الاتحاد الاسلامي الكُردستاني طرفاً فيها بعلم السلطة الكُردية وموافقتها حسبما صرح به الاتحاد الاسلامي. لكنه وتحت تهديد وتخويف مباشرين من قبل السلطة الكُردية اعلن الاتحاد الاسلامي انسحابه السريع. مشكلة الاتحاد الاسلامي مشكلة عميقة على المستوى النفسي. فهذا التكوين السياسي يريد اثبات براءته امام المجرمين الذين ارتكبوا الف مرة جرائم لا تُعد ولا تحصى. وبما انه خبر الارهاب السلطوي وهوله وفتكه, فان الثابت في سياسة الاتحاد الاسلامي هو التجنب والسلامة مع اهل السلطة.
ان ممارسة الاتحاد الاسلامي للسياسة تحت ظل وتأثير الحزبين الكُرديين تُعيق تطوره ونموه نمواً سليماً. الأجدر بالاتحاد الاسلامي والاحزاب الكُردية الأخرى اسلامية كانت ام علمانية كسر الطوق المحلي, والبحث عن الدفاع الاستراتيجي امام ارهاب السلطة الكُردية المدعوم بارهاب السلطة العراقية. والدفاع الاستراتيجي يكمن في ميثاق مشترك نحو بلورة قانونية ومدنية للحريات العامة وحدود السلطة القانونية. وكذلك عبر شبكة علاقات دبلوماسية مع الدول الغربية والمجاورة للعراق ولكن وفق ثوابت قومية ووطنية على مستوى كُردستان ووفق عمل سلمي مشترك مع القوى العراقية لخلق مناخ من القوة المدنية والقانونية لبناء دولة قوية بالسلم وليس بالارهاب. وأول خطوة على هذه الطريق هو انزال الجماهير الى الشارع دون انقطاع لحسمٍ تاريخي مع من اختلسوا اموال الشعب وحولوا الوطن الى سجن ومقبرة كبيرين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف