كتَّاب إيلاف

الجيش التركي في كردستان: جولة فشل جديدة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يشار بويوكانيت رئيس هيئة أركان الجيش التركي، طالب الشعب التركي في بيان اصدره ب"اظهار موقفه ضد الإرهاب"، و"التعبير عن مساندته" لحملات الجيش التركي ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني(PKK) المتحصنين في رؤوس الجبال. بويوكانيت، وهو يعلن النفير العام ضد الكرد، كتهيئة أولية تسبق الزحف باتجاه جنوب كردستان( كردستان العراق)، لم ينس ان يغمز مجدداً من قناة القوى الديمقراطية الليبرالية في البلاد، حيث وصفها في البيان المقتضب الذي نشره على موقع هيئة اركان الجيش على الانترنت، ب"القوى التي توهن عزيمة الأمة بطروحاتها" و"تنظر لنشاطات الإرهابيين" العلانية في البلاد!.

وبعد نشر التصريح العسكري هذا بساعات، تحركت القوى القومية المتطرفة من مجاميع حزب الحركة الوطنية (MHP ) وحزب الشعب الجمهوري(CHP) وحزب شباب تركيا(GENCcedil; Partısı) اضافة لطلاب المدارس والموظفين، للشارع رافعة الإعلام التركية ومهددة "الأكراد في جنوب شرق تركيا وشمال العراق" بالموت والزحف وخراب الديار...

وتقول بعض المصادر الموثوق بها في كردستان الشمالية( كردستان تركيا) ان الجيش التركي باشر على الفور بحشد وتعبئة عوائل افراد (ميليشيات حماة القرى) العميلة للدولة لكي يخرحوا في "مظاهرات عفوية" ينددون فيها ب"إرهاب" حزب العمال الكردستاني، والضربات الأخيرة التي وجهها مقاتلوه للجيش، والتي افقدته عشرات الجنود والضباط.

هي اذن الحرب التي يسعى الجيش التركي بقيادة الجنرال يشار بويوكانيت لفرضها على البلاد والعباد لتحقيق عدة أهداف داخلية واقليمية، تصب أولاً وأخيراً في خدمة المؤسسة العسكرية وتزيد من تشديدها لقبضتها على الحياة السياسية في تركيا.

واهدف الجيش من هكذا زحف وهكذا تحرك هي:

أولاً: تحجيم حزب العدالة والتنمية والتضييق عليه ووضع فيتو على "خططه الإصلاحية" المقبلة وتجميد تلك التي دخلت حيز التنفيذ فعلاً. هذا فضلاً عن الابقاء على منصب رئاسة الجمهورية شاغراً، وترك الرئيس الحالي أحمد نجدت سيزر في منصبه، وهو الموالي للجيش والذي لايخفي عدائه للعدالة والتنمية الحاكم.

ثانياً: شحن وتعبئة الشعب التركي واثارة النزوع القومي المتأجج اصلاً لديه ضد القومية الكردية. وبذلك يضمن الجيش فرصة افضل وحظوظاً اكبر للأحزاب القومية المتطرفة، من تلك التي ترفع شعارات عدوانية مثل "الحرب على الكرد" و"احتلال كركوك وولاية الموصل وضمهما لتركيا"، والتخلي عن فكرة الأنضمام للأتحاد الأوروبي. ونجاح هذه الأحزاب في الإنتخابات القادمة يضعف الحكومة ويودي بها ويقوي من موقف الجيش.

ثالثاً: ضرب قوات حزب العمال الكردستاني والذي اعاد ترتيب صفوفه وعاد قوياً اكثر مما كان، مستقطباً المزيد من المقاتلين الشباب من اجزاء كردستان الأربعة. الجيش يريد ضرب قواعد الحزب ومراكز تأهيله لسحق النزعة القومية الكردية الناهضة في كردستان الشمالية. فضلاً عن إرهابه لحزب المجتمع الديمقراطي( الواجهة السياسية للعمال الكردستاني، والذي يسيطر على 56 بلدية كبيرة في اقليم كردستان الشمالية) وخلق العراقيل أمامه بغية افشال حملته الإنتخابية للمشاركة في الإنتخابات التركية المقبلة ( المزمع اجراؤها في 22 تموز القادم)، حيث ان التقديرات تتحدث عن امكانية نجاح الحزب في تصدير 30ـ40 نائب الى البرلمان التركي.

رابعاً: التوغل في اقليم كردستان العراق وضرب الحكومة الكردية هناك( والتي يعدها مجلس الأمن القومي التركي الخطر رقم واحد على تركيا)، والسيطرة على مدينة كركوك النفطية اذا امكن، أو ضمان عدم ضمها لأقليم كردستان.

الجيش يتابع حشد المزيد من قواته على الحدود مع اقليم كردستان العراق. وماتزال ارتال الدبابات وناقلات الجند تتقاطر على المناطق الحدودية. هذا في الحين الذي بدأت فيه المدفعية التركية بقصف العديد من القرى الكردية العراقية، فيما كثفت الطائرات الحربية التركية من طلعاتها منتهكة المجال الجوي العراقي وملقية ببعض صواريخها على رؤوس القرويين ومواشيهم. وفي الجبهة الداخلية اشتدت المواجهات بين مقاتلي قوات حماية الشعب (الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) وجنود الجيش التركي. الأيام القليلة الماضية شهدت مواجهات عنيفة بين الطرفين سقط خلالها العشرات من الجنود الأتراك بين قتيل وجريح في تفجير عبوات ناسفة او هجمات خاطفة طالت نقاطاً عسكرية تركية في المنطقة. فيما اعلن الجيش التركي كل من ولايات سيرت وشرناخ وجولمرك "مناطقاً أمنية مغلقة" لإشعار آخر. والهدف من هذا الإجراء كما يبدو، هو عزل المجموعات الكردية المقاتلة في الولايات الثلاثة عن قواعد المقاتلين في اقليم كردستان العراق.

المقاتلون الكرد سددوا ضربات مؤثرة ونوعية للجيش التركي في الأسابيع القليلة الماضية. فعلاوة عن سقوط العديد من القتلى في صفوف الجيش التركي، فقد شن إنتحاري كردي هجوماً صاعقاً طال نقطة عسكرية تركية في ولاية ديرسم اسفر عن مقتل تسعة عشر جندياً تركيا. وتمكنت مجموعة كردية مقاتلة من اسقاط حوامتين تركيتين في جولمرك، احداهما تحطمت بشكل كامل وقتل جميع من كانوا فيها.

حزب العمال الكردستاني يقول انه في وضع افضل بكثير مما كان عليه في منتصف التسعينيات عندما كان الجيش التركي يشن الحملات العسكرية الضخمة على معاقله ويتوغل لمسافات بعيدة داخل العمق العراقي( مستفيداً من اريحية النظام الصدامي في السماح للأتراك بالدخول في الأراضي العراقية متى يشاؤون)، فوقتها لم تكن الولايات المتحدة موجودة في المنطقة ولم يكن الكرد العراقيون شركاءاً اقوياء في حكومة بغداد، بل على العكس هم ساعدوا الأتراك كثيراً ضد مقاتلي العمال الكردستاني. الآن ثمة واقع آخر، الكرد في العراق يرفضون المشاركة في ضرب العمال الكردستاني، وهم يقولون انهم سيتصدون للقوات التركية الغازية بشراسة. ومعلوم هنا ان كردستان العراق تمتلك جيشاً مدرباً قالت الحكومة الكردية ان تعداده بلغ 190 الف مقاتل. واي معركة شاملة قد يشنها الجيش بهدف "استئصال" المقاتلين الكرد، سوف يستدعي تصعيداً كبيراً من قبل هؤلاء وعمليات عسكرية كبيرة تطال معظم المدن الداخلية التركية، كما يصرح القادة الميدانيون في العمال الكردستاني دائماً.

الزعيمان الكرديان جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق ومسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان رفضا بشكل قاطع فكرة توغل الجيش في اراضي الأقليم، وزادا على ذلك حينما رفضا عرضاً تركياً "وسطاً" بقتال العمال الكردستاني نيابة عن أنقرة. الطالباني والبارزاني قالا ان الكرد لايمكن لهم ان يتقاتلوا بعد الآن ابداً.

الولايات المتحدة الأميركية بدورها رفضت التهديدات التركية ودعت أنقرة للعمل على ايجاد حل آخر غير الحل العسكري ل"قضية" العمال الكردستاني. لكن انقرة ترفض ذلك وهي تشكك في نوايا الأميركان منذ البداية وتقول ان واشنطن تغض الطرف عن نشاط العمال الكردستاني، وان اللجنة المشتركة التي اسٌست بهدف التنسيق ضد الحزب فشلت، ولم يعد لها اي وجود فعلي.

الاتحاد الأوروبي وعلى لسان البرلماني جوست لاجنديك الرئيس المناوب للجنة البرلمانية التركية الأوروبية حذر انقرة من مغبة القيام بعملية عسكرية في كردستان العراق. وقال لاجنديك ان اي توغل تركي في العراق يعني ان مفاوضات عضوية تركيا مع اوروبا توقفت تماماً.

ثمة تخوف حقيقي في ان يعمد الجيش التركي للقيام بعملية عسكرية محدودة ضمن اراضي اقليم كردستان، لكن الثابت انه وفي الظروف الحالية لن يستطيع القيام بعمل عسكري كبير يضرب فيه العمال الكردستاني وقواعده ويقوض السلطة الكردية الجنوبية ويحتل كركوك دفعة واحدة..!.

المهم الآن هو التنسيق بين القوى الكردية الكبرى: الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني لمجابهة خطط الجيش التركي والتصدي لنواياه العدوانية هذه. والموقف الأخير لكل من الرئيسين الطالباني والبارزاني يصبان في هذا الاتجاه ويعبران عن المصلحة القومية الكردية العليا حقاً. فالدولة الكردية الفيدرالية ظهر لكل الأمة الكردية، مثلما ان ثورة العمال الكردستاني الناهضة في كردستان الشمالية هي قوة للسلطة الكردية الجنوبية. ومادمنا نتحدث عن التنسيق والتقارب، فلماذا لاتقوم حكومة كردستان بعقد مؤتمر قومي كردي كبير يكون مكانه مدينة اربيل، وذلك للبحث في مستقبل الأمة الكردية، تدعو اليه كل القوى الكردية وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني؟.

والحكمة تقول هنا،انه اذا كان شخص مثل رجب طيب اردوغان الذي سلم امره ومستقبل حزبه للجيش يرفض لقاء البارزاني والطالباني ويصفهما ب"رؤساء عشائر شمال العراق"، فانه الأحرى بالقادة الكرد ان يتخذوا موقفاً قوياً وصلباً، يدعون فيه علانية تركيا لإنهاء احتلالها البغيض لكردستان الشمالية، ووضع حد لحربها الطويلة ضد الكرد هناك...
tariqhemo@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف