المسيحية والنصرانية واليهودية 2/2
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
3-المسيحية واليهودية
يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها.
لا تدينوا لئلا تدانوا، فإنكم بالدينونة التي تدينون بها تُدانون، وبالكيل الذي تكيلون به يكال لكم.
الحلقة الأولىلماذا تلاحظ القشة في عين أخيك، ولا تنتبه إلى الخشبة الكبيرة في عينك؟
من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر.
ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه.
أليست الحياة أكثر من مجرد طعام؟
ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجس الإنسان
قيل لكم من طلق زوجته فليعطها وثيقة طلاق. أما أنا فأقول لكم.. يترك الرجل أباه وأمه ويتحد بزوجته فيصير الاثنان جسدا واحدا. ومن يطلق زوجته لغير علة الزنى ويتزوج بغيرها، فإنه يرتكب الزنى.
وقيل لكم العين بالعين والسن بالسن. أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر. ومن لطمك على خدك الأيمن فأدر له الآخر، ومن سخرك ميلا فسر معه ميلين.
أيُّ فضل لكم إذا أحببتم الذين أحبوكم، ورحبتم بإخوانكم فقط. ألا يفعل ذلك حتى الخاطئون؟
أحبوا أعداءكم، وأحسنوا معاملة الذين يبغضونكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم، فتكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات.
طوبى للرحماء فإنهم سيُرحمون.
طوبى لصانعي السلام، فإنهم "أبناء الله" يُدعون.
طوبى للمضطهَدين من أجل البر فإن لهم ملكوت السموات.
عندما تصومون لا تكونوا عابسي الوجوه كما يفعل المراؤون الذين يقطبون وجوههم لكي يظهروا للناس أنهم صائمون. وعندما تصلون لا تكونوا مثل المرائين الذين يحبون أن يصلوا واقفين في المجامع وزوايا الشوارع ليراهم الناس. ولا تكرروا كلاما فارغا كما يفعل الوثنيون ظنا منهم أنه بالإكثار من الكلام يُستجاب لهم، فلا تكونوا مثلهم، لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه....
السيد المسيح
ما أن لامست هذه الأقوال أسماع زعماء اليهود وكهنتهم وشيوخهم، حتى استشعروا بالخطر المحدق بهم، وبسلطتهم وديانتهم، فاضطربت عقولهم، وطار صوابهم، وعصف الشر بقلوبهم. فتحالفوا ضده، وتآمروا عليه، وقرروا قتله، والتخلص منه. وخططوا لذلك، فاعتقلوه، وجلدوه. وبصقوا في وجهه، وسخروا منه، وأهانوه، وعذبوه ثم سألوه: ألم تقل أنك قادر على هدم الهيكل وإعادة بنائه في ثلاثة أيام.؟ صمت السيد. فهللوا لصمته، وشهدوا زورا ضده، وحرضوا عليه جموع الرعاع، وأدانوه. واختاروا له الصلب. وصلبوه، ليكون ملعونا لدى اليهود، ففي عقيدتهم، كما جاء في كتبهم (ملعون من عُلق على خشبة).
أود أن أؤكد أننا في هذا المقال- والمقالات السابقة واللاحقة- إنما نستعرض مقولات فكرية، وخلافات ثقافية وأحداثا تاريخية. ولا نناقش أو ننتقص بأي شكل وحال، من حق الإنسان في الفكر والدين والثقافة والاعتقاد والاختيار، وحقه في التعبير عن رأيه، وممارسة شعائره وطقوسه الدينية والثقافية والاثنية.
لم يطق اليهود صبرا على المسيح، فلم يسمحوا له بالتبشير سوى أشهر جدا قليلة، وربما لا تتعدى الشهرين أو الثلاثة أشهر. لأنهم كانوا يعرفون عاقبة تبشيره عليهم. بضعة أشهر فقط، هل كل المدة التي بشر بها السيد المسيح- خلافا للشائع لدى الناس- فقد بدأ المسيح بنشر تعاليمه وهو في سن الثلاثين تقريبا، وصلبه اليهود وأسلم الروح وهو في الثلاثين من العمر. أي أن مدة تبشيره، هي المدة الزمنية التي قضاها سيرا على الأقدام، لقطع المسافة الفاصلة بين الجليل وأورشليم القدس، مضافا إليها مدة توقفه هنا وهناك. وقد ورد في إنجيل لوقا (ولما بدأ يسوع "خدمته" كان في الثلاثين من العمر تقريبا- لوقا 3/23). ويقول الدكتور أسد رستم مؤرخ الكرسي الإنطاكي في كتابه- 3 مجلدات- كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى: (وأسلم السيد الروح معلقا على الصليب يوم الجمعة في ما يعادل في حسابنا السابع من نيسان من السنة 30 بعد الميلاد).
لقد أدرك زعماء اليهود وكهنتهم وشيوخهم أن ابن الإنسان يبشر بتعاليم جديدة، تعاليم تدعو إلى المحبة والتسامح بين بني البشر، وتدعو لعدم المراءاة والمباهاة، ويطالب الإنسان أن يبدأ بنفسه أولا، قبل أن يتهم الآخرين ويدينهم.
لقد لاحظوا أن هذا الإنسان يعطي مواصفات جديدة لله، لم يعرفها اليهود في "يهوه"*، فإله المسيح لا يحمل ضغينة لأحد، وليس قاتلا أو مزاجيا. بل هو إله كلي النعمة، إله محبة وسلام وفداء. إله لكل الأمم، لا يقتل شعبه، ولا الشعوب الأخرى، بل يفتدي بني الإنسان ويموت من أجلهم (لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. فإن الله لم يرسل ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص العالم به- إنجيل يوحنا 3/14-17).
لقد أيقنوا أن ابن الإنسان سيقوض بتعاليمه، بنيانهم، ويهدم شريعتهم وهيكلهم، ليقيم على أنقاضه دينا جديدا، ويبني كنيسة جديدة، على أسس جديدة، وتعاليم جديدة، ومفاهيم جديدة، وعلاقات بين البشر جديدة. لا ضغينة ولا حقد فيها، ولا قتل ولا ذبح فيها، ولا سلب ولا نهب ولا اعتداء على الآخرين.
وحدث ما كانوا يخافون ويرفضون. فقد هدم المعلم بوداعته شريعتهم التي سجلها إلههم الخاص"يهوه" وخط حروفها بيده على لوحي الشريعة اللذان صنعهما بنفسه، وأعطاهما لموسى الذي رماهما وحطمهما فيما بعد (سفر الخروج 16/32). لقد هدم المعلم شريعة السبت اليهودية التي تقول: (احفظوا السبت فإنه مقدس لكم، من استباحه يُقتل قتلا - كل من عمل عملا يوم السبت يُقتل قتلا- - سفر الخروج 31/14-15). بينما يقول السيد المسيح: (ليس الإنسان عبدا للسبت بل هو رب السبت - إنجيل مرقس 2/27-28).إضافة إلى أن الكنيسة المسيحية قد جعلت يوم الراحة الأسبوعية يوم الأحد.
كما هدم شريعة اليهود التي تقول برجم الزانية بالحجارة حتى الموت. (وأحضر إليه معلمو الشريعة والفريسيون امرأة ضبطت تزني، وأوقفوها في الوسط، وقالوا له: أوصانا موسى في شريعته بإعدام أمثالها رجما بالحجارة، فما قولك أنت؟ فاعتدل وقال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها أولا بحجر.. فلما سمعوا هذا الكلام انسحبوا جميعا واحدا تلو الآخر، ابتداء من الشيوخ، وبقي يسوع وحده، والمرأة واقفة في مكانها. فاعتدل وقال لها: أين هم أيتها المرأة؟ ألم يحكم عليك أحد منهم؟ أجابت لا أحد يا سيد. فقال لها: وأنا لا أحكم عليك. اذهبي، ولا تعودي تُخطئين- إنجيل يوحنا 8/3-11).
كما هدم السيد شريعة اليهود التي تقول "العين بالعين والسن بالسن" التي كتبها أيضا"يهوه" في لوحي الشريعة. يقول المسيح (وقيل لكم العين بالعين والسن بالسن. أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر. ومن لطمك على خدك الأيمن فأدر له الآخر، ومن سخرك ميلا فسر معه ميلين- إنجيل متى 5/38-42). كما نقض كذلك شريعة النجاسة عند اليهود (ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجس الإنسان- متى 15/11).
كما ألغى شريعة الطلاق المعمول بها لدى اليهود (قيل لكم من طلق زوجته فليعطها وثيقة طلاق. أما أنا فأقول لكم.. يترك الرجل أباه وأمه ويتحد بزوجته فيصير الاثنان جسدا واحدا. ومن يطلق زوجته لغير علة الزنى ويتزوج بغيرها، فإنه يرتكب الزنى- إنجيل متى 5/31 و19/5-9).
كما ألغت المسيحية أيضا شريعة الختان اليهودية (سفر التكوين 17/9-14). التي تعتبر العلامة والعهد الأبدي، بين بني إسرائيل و"يهوه". يقول بولس (ففي المسيح يسوع لا نفع للختان ولا لعدم الختان بل للإيمان العامل عبر المحبة- غلاطية 5/6).
كذلك ألغت المسيحية شريعة اليهود بخصوص لحوم الحيوانات التي حللت وحرّمت التوراة أكلها (سفر الأحبار أو اللاويين 11/1-23). فقد حلل بطرس وبولس أكل لحوم كل دواب الأرض, ما عدا أكل الدم، والدابة المخنوقة، والذبائح المقربة للأصنام (أعمال الرسل 15/29 و11/5-10).
حتى شريعة (لا تصنع لك منحوتا ولا صورة شيء... سفر الخروج 20/3) فقد هدمتها المسيحية أيضا، بالأيقونات. ولا أقصد أن المسيحية تعبد الصور والمنحوتات، وإنما هي، كما تقول- للوثريين رأي آخر- تعبير عن شكل الإله المنظور، وبحث في سر التجسد. (اللوثرية = البروتستانت، الإنجيليون).
كذلك آمنت المسيحية خلافا لعقيدة اليهود بقيامة الأموات والجنة والنار، التي لا يؤمن اليهود بها.
أما موسى الذي أخرج اليهود من مصر، فلم تر فيه المسيحية سوى خادم في بيت المؤمنين المسيحيين، الذي يترأسه المسيح. (الإنجيل- الرسالة إلى العبرانيين 3/5-6).
وأخيرا وليس آخرا ألغت المسيحية شريعة الذبح والمغفرة بالدم، اليهودية. والتي تعتبر ركنا أساسيا من أركان العقيدة والشريعة اليهودية، لا يكتمل دينهم بدونها. ألغيت هذه العقيدة الدموية حين تحول المسيح إلى ذبيحة إلهية كبرى.
فما الذي- بعد هذا- أبقت عليه المسيحية من شريعة اليهود وعقيدتهم وطقوسهم؟
لربما بقيت شرعة أخيرة وهي شرعة معاقبة الأبناء والأحفاد على ذنوب آبائهم وأجدادهم. ولكن بالإضافة إلى أن المسيحية تعلّم أن الله محبة وتسامح، فقد قام مؤخرا قادة المسيحيين الروحيون في الغرب، بإعفاء اليهود من دم المسيح، (ليكن دمه علينا وعلى أولادنا). وهذا الإعفاء يهدم أولا تلك الشريعة. وينسجم ثانيا مع عقيدة التسامح المسيحية. (أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم وصلوا لأجلهم).
لقد أدان المسيحُ اليهودَ، وحمّلهم مسؤولية كل الجرائم التي وقعت على الأرض ضد الإنسان، منذ أن خلق الله الخليقة. فقد قال لهم: (أيها الحيات أولاد الأفاعي: كيف تفلتون من عقاب جهنم؟ لذلك ها أنا أرسل لكم أنبياء وحكماء ومعلمين، فبعضهم تقتلون وتصلبون، وبعضهم تجلدون. وبهذا يقع عليكم كل دم زكي سُفك على الأرض، من دم هابيل البار إلى دم زكريا الذي قتلتموه بين محراب الهيكل والمذبح- إنجيل متى 23/33-35).
كما وصف المسيحُ اليهودَ بأنهم أبناء إبليس، ويعملون بتعاليم إبليس الذي يقتل الناس: (فقالوا له نحن لم نولد من زنى ! لنا أب واحد هو الله. فقال يسوع: لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني، لأني خرجت من الله وجئت. لم آتِ من نفسي، بل هو الذي أرسلني... إنكم أولاد أبيكم إبليس، وشهوات أبيكم ترغبون أن تعملوا، فهو من البدء كان قاتلا للناس، ولم يثبت على الحق لأنه خالٍ من الحق، وعندما ينطق بالكذب فهو ينضح بما فيه، لأنه كذاب وأبو الكذب. أما أنا فلأني أقول الحق لستم تصدقونني. من كان من الله حقا يسمع كلام الله ولكنكم ترفضون كلام الله لأنكم لستم من الله- إنجيل يوحنا 8/41-47). ليس هذا فقط كل ما قاله المسيح في اليهود، بل قال أيضا لهم: (جميع الذين جاءوا قبلي كانوا لصوصا وسرّاقا، ولكن الخراف لم تُصغِ إليهم. أنا الباب. من دخل بي يخلص، فيدخل ويخرج ويجد المرعى. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة فياضة- إنجيل يوحنا 10/8-10). وتابع قائلا: (مثلما يعرفني الآب وأنا أعرفه. وأنا أبذل حياتي فدى خرافي. ولي خراف أخرى لا تنتمي إلى هذه الحظيرة، لا بد أن أجمعها أيضا، فيكون هناك قطيع واحد وراعٍ واحد- إنجيل يوحنا 10/15-16).
عداء اليهودية للمسيحية عداء مستحكم. ولا توجد ديانة تعادي المسيحية كما تعاديها اليهودية. ودولة إسرائيل تمنع منعا مطلقا التبشير بالمسيحية، ولهذه الكراهية أسباب تاريخية وعقائدية وأخلاقية ونفسية.
فمن الناحية الأخلاقية فقد فضلوا- حين سألهم الحاكم بيلاطس- إطلاق سراح مجرم محكوم بالإعدام (باراباس) ليصلب مكانه سيد بار: (فسألهم بيلاطس: أي الاثنين تريدون أن أُطلق لكم؟ أجابوا: باراباس. فعاد يسأل: ماذا أفعل بيسوع الذي يُدعى المسيح؟ أجابوا جميعا: ليصلب ! فسأل الحاكم: وأي شر فعل؟ فازدادوا صراخا: ليصلب.. ليصلب- إنجيل متى 27/21-23). وهذه وصمة عار في تاريخهم الثقافي والأخلاقي من الصعب أن يمحوها الزمن.
ومن الناحية العقائدية فإن المسيحية وُلدت من قلب اليهودية، واستندت إلى نبوءاتها، ثم هدمتها وتجاوزتها واستحوذت على أتباعها. فكل ما رواه الإنجيل عن المسيح وأمه العذراء وولادته وحياته وصلبه وموته وقيامته مطابق لنبوءات أنبياء اليهود وكتبهم المقدسة. فالعذراء تحبل وتلد ابنا يدعى "الله معنا" (عمانوئيل) كما جاء في سفر أشعيا. والمسيح المخلص يُصلب، ويهوذا يسلمه بثلاثين من الفضة، ثم يندم ويعيد الفضة الثلاثين للكهنة الذين يشترون بهم حقل الفخاري، ليكون مقبرة للغرباء، ومازال هذا الحقل يدعى حتى اليوم (حقل الدم) كما تنبأ إرميا (متى 1/22-23و 27/3-8).
ومن الناحية النفسية فإن عقدة الذنب مازالت تلاحقهم. فقد تحمّل الشعب اليهودي وزعمائهم ورؤساء كهنتهم وشيوخهم تحمّلوا جميعا مسؤولية صلب المسيح، ودمه عليهم وعلى أولادهم كما قالوا. خاصة وأن الذي صلبوه ليس نكرة، بل علامة فارقة في تاريخ البشرية والإنسانية. أُقيمت على اسمه دول وعُمّدت شعوب. (فأجاب الشعب بأجمعه: ليكن دمه علينا وعلى أولادنا- إنجيل متى 27/25). في حين أن الحاكم الروماني بيلاطس (أخذ ماء وغسل يديه أمام الجمع وقال: أنا بريء من دم هذا البار- إنجيل متى 27/24). هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الدين المسيحي شمل القارات الخمس، وله دول وممالك، وأتباعه يقدرون بمليار ونصف. في حين أن اليهودية شعبها مشرد لم يكن له لولا وعد بلفور لا أرض ولا دولة، ولا يتجاوز عدد أتباعها في العالم بضعة عشر مليونا.
إن هذه الأسباب تفسر لنا أسباب كراهية اليهودية للمسيحية. وقد تكون هي السبب في محاولاتها المستمرة لاختراق المسيحية والانتقام منها.
لقد ظهرت للوجود منذ أواخر القرن التاسع عشر فرقا وجمعيات وضعت لنفسها أهدافا: أولها العمل على تجميل اليهودية على حساب المسيحية. وثانيها دمج المفاهيم المسيحية بالمفاهيم اليهودية،من خلال دمج العهد القديم بالعهد الجديد، وعدم الاعتراف بوجود عهدين، بقصد إظهار المسيحية وكأنها استمرار لليهودية، أو كأنها فرقة من فرق اليهود.
كما تتخذ هذه الفرق لنفسها مفاهيم ومعتقدات متعددة. فبعضها لا يؤمن بوجود جهنم. وبعضها يقول أن المسيح قد جاء بمهمة محددة، وانتهى بانتهاء مهمته. وبعضها الآخر يرفض عقيدة التجسد المسيحية، من خلال القول أنه لا يوجد في الكتاب المقدس كلمة واحدة عن التجسد. كما تدعي بعض هذه الفرق أن المسيح قد عاد منذ مدة إلى الأرض، ولكن بشكل غير منظور. لكن المطلب الملحّ لبعض هذه الفرق هو عودة جميع اليهود إلى فلسطين كي يتحقق وعد يهوه في التوراة.
لقد استطاعت هذه الفرق أن تستحوذ على عقول وعواطف صبايا وشباب من ذوي النوايا الطيبة والأخلاق الحميدة، فانخرطوا في صفوفها. وصاروا مدافعين عن اليهودية أكثر من اليهود. مثلهم في ذلك- كما قال المسيح- (كمثل الذي ينتزع قطعة من ثوب جديد ليرقع بها ثوبا عتيقا، فيكون قد مزق الثوب الجديد، دون أن تكون الرقعة المأخوذة من الجديد توافق القديم. (لوقا 5/36).
لم يعد مهما إن كان المسيح ابن الله أم ابن الإنسان، فقد غيّر هذا المعلم العالم والتاريخ. وأصبحت تعاليمه ملء أسماع العالم وأبصارهم. ويكفي أنه مات من أجل الإنسان.
لقد انبثقت المسيحية من قلب اليهودية واستندت إلى نبوءاتها، لكنها ما لبثت أن امتدت وانتشرت، فتجاوزتها بمراحل كثيرة، ولا أظنها بعد بحاجة إلى كتبها، فقد أصبحت مرجعية بذاتها. لا بل إن سذاجة تلك القصص، وأوامر القتل والذبح والطرد أصبحت عبئا ثقيلا عليها، وعلى إنسانيتها وتسامحها وتميزها.
* يهوه كما وصفته التوراة
يأمر بقتل الناس كي يستولي شعبه الخاص على أرزاقهم ونسائهم وأراضيهم. (والآن فاقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة ضاجعت رجلا، واستبقوا لأنفسكم العذراوات من النساء والأطفال- سفر العدد 31/17-18). يطرد قوما من أراضيهم ويسلبهم إياها ليعطيها لشعبه الخاص. (فقال يهوه: إني قد رأيت مذلة شعبي.. فنزلت لأنقذه وأصعده إلى أرض طيبة واسعة، إلى أرض تدر لبنا حليبا وعسلا، إلى مكان الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين- سفر الخروج 3/7-9). يثأر وينتقم من الآباء في أبنائهم وأحفادهم (لأني أنا "يهوه" إلهك أعاقب إثم الآباء في البنين إلى الجيل الثالث والرابع- سفر الخروج 20/5). يأمر بقتل حطاب فقير يبحث عن لقمة عيشه، رجما بالحجارة حتى الموت، لأنه كان يحطب في الغابة يوم السبت (سفر العدد 15/32-36). يسلم- مقابل عجل أو كبش- الكنعانيين لبني إسرائيل كي يذبحوهم ويستولوا على أراضيهم (سفر العدد 21/1-3). يأمر أبناء شعبه أن يقتل الأخ أخاه وصاحبه وقريبه. فقُتل منهم ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل (سفر الخروج 32/28-29). يقتل شعبه ويرمي جثثهم في البرية، بها يفنون وبها يموتون (سفر العدد 14/32-35) يقتل دون سبب "14700"رجلا من شعبه (سفر العدد 17/9-14). يحرق شعبه بالنار (سفر العدد 16 /35). تأديبا لهم، لأنهم قاموا بحرق البخور وتعدوا على اختصاص الكهنة (سفر العدد17/5). يقتل شعبه كي يقدس مجامر البخور المصنوعة من الصفيح (سفر العدد16/31-33وعدد 17/1-3). يلدغ شعبه بالأفاعي المجنحة فيقتل منهم خلقا كثيرا (عدد 21/5-7). يأمر بشنقهم زعماء شعبه ويقتل من عامتهم "24000" من الشباب والرجال (سفر العدد25/4-9).