كتَّاب إيلاف

انتخابات مصر.. ونحل الحكومة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لو كنت مسؤول التحرير بصحيفة مستقلة أو معارضة في مصر لأقدمت على خطوة أحسبها الأفضل في تغطية انتخابات مجلس الشورى، هذه الخطوة هي باختصار تجاهل هذا الحدث برمته، حتى لا ألعب دوراً في تجميل وجه النظام القبيح، الذي يفرغ الانتخابات من مضمونها، ويحولها إلى مجرد مسرحية هزلية محسومة النتائج مقدماً، ويحدد قواعد اللعبة واللاعبين حتى قبل أن تبدأ، ويجعل انتخاب مرشحيه خياراً وحيداً أمام الناس فهم أو طوفان الإخوان، الذين طالما لعبوا أدوار محمود المليجي أو توفيق الدقن، في الأفلام العربية القديمة، وقدموا المبرر تلو الآخر لاستمرار أنظمة الاستبداد والفساد جاثمة على صدر البلاد والعباد، على الرغم مما يظهر به الإسلاميون من شتى المشارب كمعارضين لتلك الأنظمة، لكن الحاصل على أرض الواقع أنهم "عدو أفضل من صديق"، لأنهم ظلوا ومازالوا يقدمون لأنظمة العسكريتاريا الشرق أوسطية مبررات استمرارها، كبديل أقل شراً، وأهون من كارثة "دولة طالبان" التي يبشر بها الإسلاميون.
ما علينا، نعود إلى الانتخابات، التي كنت سأتجاهلها تماماً، لو كنت أملك قرار النشر، وبدلاً عنها كنت سأنشر تقارير وتحقيقات عن أي شئ وكل شئ، من قصة المرأة التي أكلت ذراع زوجها، إلى حكاية الرجل الذي عض الكلب، لكن لن أقترب من هذه الانتخابات الشكلية، مكتفياً بإشارة إلى أن هذا التجاهل مقصود لعدة أسباب، أهمها أن القارئ لا يهتم كثيراً بهذه الانتخابات، لأنه يعرف سلفاً كيف تدار العملية، ولديه خبرات تكفي لإدراك حقيقة هذا السخف، وبالتالي فإن تقريراً عن أحوال الطقس قد يكون موضع اهتمام الناس، أكثر من الخوض في متابعة هكذا حدث مصطنع نستكمل به صورة المشهد الديمقراطي الزائف، الذي سيتولى الحزب وأزلامه أدوار البطولة فيه، وتكفينا هنا حملات "البروباجندا" التي يشنها التلفزيون الحكومي سواء بأغنيات سخيفة للمطرب الهارب من التجنيد، الذي أوكلت له مهمة تعليمنا كيف نحب مصر، أو ببرامج "قعدات الشلت" التي يستضيف فيها المواطن البريطاني (إياه) وصحبه الغر الميامين "شلل" أصدقائهم الحاليين والمحتملين، بمنطق "شيلني وأشيلك، دا انا برضو فرحتلك، ولمعني وألمعك، دا انا برضو هانفعك"، فضلاً عن مهزلة "البيت بيتهم"، التي يستضيف فيها المذيع والده، والمذيعة زوجها، ناهيكم عن البرنامج الذي يلقن خلاله الكابتن عمرو ضيوفه دروس العمر في أصول الحوار الوطني، كما يتعامل فيه مع "كل برغوث على قد دمه"، فالوزير وزير، والغفير غفير، و"المقامات محفوظة"، ولا مانع أيضاً من السخرية، ليس فقط ممن يتجرأ ويحاول الاختلاف، بل ممن يفكر في اختطاف الكاميرا منه، متناسياً في غمرة السعادة بالظهور عبر تلفزيون الريادة، أن "صاحبنا" هو النجم الأوحد صانع المطر.
إذن فلا جديد تحت الشمس يوم انتخابات الشورى، فكل شئ سيكون في موضعه تماماً، الفلاحون في الحقول، والعمال في المصانع، والموظفون في دواوين الحكومة، وشوارع القاهرة كعادتها تغص بملايين السيارات، ورجال الأمن في كل شبر يديرون دولاب الدولة البوليسية، والإخوان ـ كلجان القذافي ـ في كل مكان، والانتهازيون يتصدرون المشهد يمارسون هواية التسلق على أعناق البشر، والمعارضون ينسقون جداول الفضائيات للحديث الممل عن تزوير إرادة الأمة، وحتمية انتصار الشعوب، بينما سيهب رؤساء تحرير الصحف الحكومية إلى الرد عليهم، وحتى تكتمل ملامح الصورة فلا مانع من ظهور بعض رؤساء "أحزاب الأنابيب"، ليستهلوا أحاديثهم بموضوع إنشائي سمج عن المشاركة وفوائدها وأصولها، ثم لا مانع بعد ذلك من توجيه اتهامات من الطراز "السوفت" ـ أي الناعم ـ لبعض "التجاوزات" التي وقعت هنا وهناك، وبعد أن يظهر رئيس اللجنة ليعلن النتائج، يبدأ موسم توزيع الغنائم، التي تبدأ بمقاعد "العشرة المبشرين بالحصانة"، تليها غنائم أخرى من مناصب وتسهيلات وامتيازات وتفاصيل لا حصر لها، إن تبد لكم تسوؤكم.
وبالطبع فإن هذا ليس انفراداً صحافياً، بل مجرد استشراف متواضع، بوسع أي مصري متواضع الذكاء أن يتخيل حدوثه، وإذا كان الأمر هكذا، وكانت نتيجة المباراة معروفة سلفاً، فهل نغطيها مثلاً من باب التسلية، أو تسويد أوراق الصحف، أو الاستمتاع باللعبة الحلوة، بغض النظر عن المرمى الذي سددت فيه ؟
شخصياً ـ وهذا قد لا يهم الكثيرين ـ وأنا القادم من دهاليز السلطة بعد أن أفنيت فيها زهرة شبابي، لا أنصح مصرياً بالاهتمام كثيراً بشأن الحكومات، أي حكومات يهيمن عليها العسكر أو الكهنة، بل غاية ما أنشده صادقاً لمن أحبهم، أن يبتعدوا عن الحكومة قدر الإمكان، لأن في الاقتراب منها مشكلة وفي مخاصمتها مشكلة أخرى، وبالتالي فإن "البعد عنها غنيمة"، ولنهتم أكثر بأشغالنا، وتعليم أبنائنا، والانكفاء على جراحاتنا لتضميدها، وأن يربت بعضنا على أكتاف البعض، ولننغمس في أي هواية من أي نوع، سواء تربية "حمام الغية"، أو صيد السمك، أو جمع العملات الطوابع، أو حتى المسلسلات
المكسيكية، ولنذوب تماماً في محاولة صنع فردوسنا الأرضي، بعيداً عن الحكومة ونحل الحكومة، الذي نرفع أمامه الشعار الشعبي الشهير : "يا نحلة لا تقرصيني، ولا عايز منك عسل"، أو كما تغنى يوماً خالد الذكر سيد درويش "حد الله ما بيني وبينك، غير حب الوطن يا حكومة"، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
لكن ، بافتراض أن المرء استطاع أن ينسحب تماماً، فهل يمكن أن تتركنا حكومات السوء وأذنابها في حال سبيلنا ؟
والله المستعان
Nabil@elaph.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف