كتَّاب إيلاف

أشاوس المقاومة العراقية يبيدون الجبناء

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"... وعند قدومها إلى المكمن أنقض عليها الأخوة الأشاوس وقاموا بإمطارها بوابل من نيران أسلحتهم الرشاشة فأردوها على الفور".

التي وقعت في "المكمن" هي، ليست كتيبة عسكرية، ولا دبابة أميركية، ولا دورية عراقية راجلة، حتى ولا مجندة أميركية، وإنما هي سيدة عراقية، عزلاء تماما، تدعى سحر الحيدري وتعمل لوكالة "أصوات العراق" المستقلة، في الموصل، حتى تعيل بناتها الثلاث. و" الأخوة الأشاوس" الذين " قاموا بإمطارها بوابل من أسلحتهم الرشاشة" هم، رجال المقاومة العراقية، جماعة "أنصار السنة".
أشاوس المقاومة العراقية على حق عندما انقضوا على هذه الصحافية، لأنها دأبت على "تشويه سمعة المجاهدين"، كما قالوا في بيانهم. وكل ما يقوله أشاوس المقاومة العراقية صحيح من ألفه إلى بائه.
مجاهدو المقاومة العراقية لا يطلقون الكلام على عواهنه، ولا يبخسون الناس أشيائهم. فقد أبرزوا على الملأ، بعد أن نفذوا بنجاح هذه الغزوة المباركة، كل الحيثيات والوثائق والمستندات التي تدين هذه العراقية الخائنة.
تسألون عن المستندات ؟ يقول بيان أنصار السنة: "قام الأخوة بأخذ هاتف الصحافية النقال وتبين أنه يحتوي على أرقام تابعة للشرطة وصور لعناصر الشرطة مما أكد لنا عمالتها لصالح الشرطة المرتدة وحكومة المرتد المالكي".
هل هناك أبلغ من هذا الدليل لإدانة من يعمل في مهنة البحث عن المتاعب، خصوصا إذا كان من يعمل، أنثى ؟ هاتفها الشخصي النقال يحتوي على أرقام هواتف تابعة للشرطة العراقية. يا لهول الجريمة.
بم، إذن، يجب، أن يمتلأ هاتف أي صحافي في العالم ؟ أليس بأرقام صناع القرار، بدءا من رئيس الدولة، وانتهاء بالفراش أو الحاجب الذي يقف أمام باب أصغر موظف في جهاز الدولة. وقد يكون الصحافي كارها لكل هولاء الذين يحتفظ بأسمائهم، وقد يكون صديقهم كلهم، وقد يكون بين بين. المهم، إن هذه العنواين أمر لا بد منه لكل صحافي في العالم. إذ، كيف يؤدي صحافي ما عمله، خصوصا إذا كان يعمل في وكالة متخصصة بنقل الأنباء ؟ أليس عن طريق الوصول إلى الخبر من مصادره الحقيقية ؟ والمعروف في عالم الصحافة،منذ أن ظهرت هذه المهنة إلى الوجود هو، كل ما امتلأت مفكرة الصحافي بالأسماء والعناوين، كلما توفرت أمام الصحافي إمكانية أداء عمله بشكل سريع ودقيق وموثق. فالصحافي الناجح هو ذاك الذي يستقي الأخبار، مباشرة من مصادرها، وبسبق يميزه عن زملاءه الآخرين. وكلما تنوعت وتعددت هذه المصادر، كلما أكتسب الخبر مصداقية أكثر. وهذا من بديهيات العمل الصحفي، وهو أمر يعرفه ويدركه ويقدره حتى المعتوهين.
إما عن "تشويه سمعة المجاهدين"، وهي التهمة الثانية التي بسببها أمطر أشاوس المقاومة العراقية مواطنتهم سحر الحيدري بوابل من الرصاص، فنحن، شخصيا، لا نعرف عن أي تشويه يتحدث الأشاوس، لأننا، أصلا، لا نعرف أي شئ عن الصحافية سحر الحيدري، لا عن انتماءها الطائفي، ولا عن هويتها السياسية، ولا عن مواقفها اليومية. ولكننا نفترض أن الحيدري، لأنها من سكنة الموصل، سنية. أي أنها تنتمي إلى العراقيين "السنة" الذين يفترض أن جماعة أنصار السنة تدافع عنهم. أيضا، نفترض أن الصحافية سحر لا بد أن تكون قد غطت أنباء عن غزوة سابقة نفذها أشاوس المقاومة، وربما ذكرت سحر الحيدري في تقريرها إن أشاوس المقاومة ذبحوا من الوريد إلى الوريد، تسعة من عمال الأفران، أو تسعة من عمال رفع النفايات، أو تسعة من الأطفال الرضع، أو تسع عجائز، بينما الرقم الحقيقي هو ثمانية، ليس إلا، وهذا أمر يعتبره أشاوس المقاومة تشهيرا بسمعتهم.
سحر الحيدري ليست الأولى التي يمطرها بالرصاص الأخوة الأشاوس في المقاومة العراقية، ولن تكون الأخيرة، إذا سارت الأمور في العراق، كما تسير الآن.
قبل أيام أمطروا أشاوس، لكن هذه المرة في مدينة العمارة جنوب العراق، صحافيا عراقيا، يعمل، أيضا، في نفس الوكالة التي تعمل فيها الحيدري، بوابل من رصاص وأردوه مضرجا بدمه. أشاوس الجنوب لم يعلنوا، مثلما فعل أشاوس الشمال، عن الجهة التي ينتمون إليها. وقد يكون أشاوس العمارة وأشاوس الموصل أعداء أشداء، وقد يكفر بعضهم البعض الأخر، وقد تكون جرت بينهم دماء غزيرة. لكن هذه الدماء تتحول إلى أنهر من لبن وعسل، والعداوة تصبح حلاوة، كلما تعلق الأمر " بأمطار صحافية أو صحافي بوابل من نيران".
قبل سنتين، وربما أقل، أمطر أشاوس قرب مدينة سامراء، الصحافية العراقية أطوار بهجت، بوابل من نيرانهم. وأفاد شهود عيان، في حينها، بأن أولاءك الأشاوس كانوا لا يبحثون إلا عن تلك الصحافية، وكانوا يزأرون كالأسود ( أو ليس هم أشاوس ؟): أين هي الصحافية ؟ نحن نريد الصحافية. أعطونا الصحافية. وعندما تسنى لهم ما يريدون، ذبحوها.
وهكذا نرى، أن لا فرق بين أشاوس وسط العراق وجنوبه وشماله، في المقاومة والجهاد، إلا بتقوى الله، والاختلاف في ذبح الصحافيين. بعض من الأشاوس يبسمل ويحوقل، بعد ذبح الصحافي، بينما أشاوس آخرون يهللون ويكبرون ويسجدون ركعات قربة إلى الله تعالى، وبعض ثالث يرفعون بنادقهم إلى الأعلى، بعد أن يجهزوا على ضحيتهم، ويظلون يهزجون ويرددون، على الطريقة العراقية" "أصبع خايس كصيناه "قصصناه"، أسمع يا الخائن".
وهولاء "الخونة" الذين يتم إمطارهم برصاص الأشاوس يكونون، دائما وأبدا، عزلا من السلاح: صحافيون لا يحملون معهم سوى مجموعة أقلام وآلتي تسجيل وتصوير ; أساتذة جامعات لا يحملون سوى حقائب مملوءة بالورق ; فنانون لا يحملون أي شيء، إلا "جنونهم" ; تكنوقراط لا يحملون إلا عقولهم وخبراتهم المعرفية ; شعراء وقصاصون ومسرحيون ومتبضعو ثقافة في سوق المتنبي، لا يحملون سوى أكياس نايلون رخيصة يعبأونها بالكتب.
وفي مقابل هذه "الأسلحة" الورقية التي تمتشقها هذه النمور "الورقية"، يمتشق أسود وأشاوس المقاومة أسلحة فتاكة: راجمات صواريخ، قذائف مختلفة، خناجر، مسدسات، سيوف، مفخخات، أموال طائلة وأرصدة في المصارف، وسيارات شبح لا يخترقها الرصاص.

لماذا، إذن، يخشى أشاوس السيوف، "جبناء" القلم، فينحرونهم الواحد إثر الآخر ؟

هذا السؤال يلخص جانبا واسعا مما ما يدور في العراق من أحداث دامية.
ما يدور في العراق هو، في كثير من جوانبه، معركة بين السيف وبين القلم ; بين القوة العضلية الغرائزية وبين العقل ; بين ثقافة "نفذ ولا تناقش" وبين ثقافة " أناقش قبل أن أنفذ" ; بين ثقافة الكونة "تعني المعركة، وكانت من المفردات الأثيرة على لسان صدام حسين"، وبين ثقافة الحوار.

وكانت ثقافة السيف، طوال فترة حكم صدام حسين، هي التي سادت، بالسيف. وطوال تلك الحقبة، كان الشعار السائد هو "المجد للسيف، ليس المجد للقلم" : صدام كان مولعا بهز السيف ولم نشاهده مرة واحدة يلوح بقلم ; نجله الأكبر عدي كان يطلق النار حتى في جلسة سمر وهو محاط بالجنس اللطيف ولم يشاهده العراقيون يخرج قلما ; حسين كامل وزير الدفاع كان، أصلا، بدون قلم ; وزير الدفاع الأخر حسن علي المجيد كان يستخدم بصطاله العسكري في قتل العراقيين ولم نسمعه مرة واحدة يلفظ كلمة قلم ; عزة الدوري كان يقود الحصان الأشهب الذي يمتطيه صدام، ويتعوذ بالشيطان من لفظ مفردة قلم.
وعلى صعيد السياسة العامة لدولة صدام، فقد كان الشعار هو: "السيف أصدق أنباء من الكتب". وهذا الشعار ترجمته ثقافة البعث، إلى لغة الشارع المحكية، بهذه الأهزوجة: "يا حوم أتبع لو سجينا"، أي، عليك أيها الصقر الجارح أن تتعقبنا، نحن العراقيين، أينما حللنا، لأنك ستشبع من جثث أعدائنا الذين سنقتلهم.
وقد أصبح معروفا أن الصقور نهشت من جثث القتلى العراقيين أكثر مما نهشت من جثث أعدائهم.
بعد سقوط نظام صدام، ظهرت بوادر لإشاعة ثقافة القلم، ووجدت تلك الثقافة انعكاسا لها في المنابر الإعلامية المتنوعة والمتعددة. لكن، الأشاوس من أنصار ثقافة السيف، على اختلاف مللهم ونحلهم، والذين راعهم هذا التحول، سرعان ما تنادوا بينهم، بعد أن تعافوا من هول المفاجأة، ودخلوا ميدان المعركة لانتزاع زمام المبادرة. فكان لهم ما أرادوا. وحتى يكون السيف، هذه المرة، أكثر مضاء وأكثر فتكا، وأكثر قدسية، فأنهم غلفوه بغلاف الدين أو الطائفة أو مناهضة الاحتلال الأجنبي.
لكن واقع الأمور يقول إن الدين والطائفة والاحتلال الأجنبي، ليست لها علاقة بما يفعله الأشاوس في كل أنحاء العراق. كل ما يجترحه الأشاوس من بطولات خارقة حارقة، أو على الأقل الكثير منها، له علاقة بالصراع الدائم بين ثقافة السيف وثقافة القلم. ولسوء حظ العراق وأهله، فأنه ما من حل قريب لهذا الصراع.
أي من الثقافتين ستنتصر ؟ هذا سؤال لا جواب له في المدى القريب. مع ذلك، فأن هناك مؤشرات ترجح أفول ثقافة السيف واندحارها. فرغم قرقعة سيوف الأشاوس وضجيج أناشيدهم القتالية، ولغة بياناتهم الرنانة، إلا أنهم لا يملكون شجاعة حقيقية. هم رجال جوف، هلعون وخراتيت. وإذا لم تصدقوا أقرأوا من جديد السطر الأول الذي بدأنا به : " عند قدومها إلى المكمن انقض عليها الأخوة الأشاوس وقاموا بإمطارها بوابل من نيران أسلحتهم الرشاشة".
مرة ثانية نقول : إن التي أمطروها بوابل نيرانهم هي أمراة عزلاء، سلاحها الوحيد هو، القلم. وهذه العزلاء ظلت تواصل مهنتها، رغم أنها كانت تعرف جيدا أن أسمها كان " مدرجا في قائمة الموت DEATH LIST التي أصدرها قائد محلي لجماعة العراق الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة".
ألا تمنحنا هذه الشجاعة بصيصا من أمل انتصار ثقافة القلم ؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف