تحول الدول الفقيرة إلى دول غنية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نشر الأستاذ "مايكل سبينس" الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد مقالا بــصحيفة " وول ستريت " بتاريخ 23 يناير الماضي، يحمل نفس العنوان أعلاه، جاء فيه :
" استمرار نسبة نمو اقتصادي مرتفعة في الدول النامية ظاهرة جديدة لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. و اعني بنسبة نمو اقتصادي مرتفعة أنها تفوق 7% سنويا، مما يؤدي الى مضاعفة الدخل كل عشر سنوات. أما التنمية المستديمة فمعناها استمرار النمو لما يقل عن 25 سنة متتالية.
بناء على ما سبق، توجد 11 حالة للتنمية الاقتصادية المستديمة، ثمانية منها في آسيا. و هي : بوتسوانا، الصين، هونج كونج، إندونيسيا، كوريا، ماليزيا، ماطا، عمان، سنغافورة، تايوان، و تايلندة... و دخلت الهند بدورها مرحلة النمو الاقتصادي السريع، و لا نعرف هل سيستمر هذا، و ان كانت عوامل النجاح متوفرة.
من الواضح إذا أن تحقيق التنمية المستديمة أمر في متناول اليد، و من المهم اعتماد ذلك كهدف أساسي من طرف صناع القرار في الدول النامية و المتقدمة على حد سواء، بالإضافة للمؤسسات الدولية و المنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال.
للنمو الاقتصادي ثلاثة مصادر : (1) الاستثمار، (2) التكنولوجيا، و (3) زيادة نسبة المواطنين ضمن العمالة المنتجة. المصدر الثالث هو على غاية الأهمية للدول ضعيفة الدخل، إذ أن جلب العمالة من القطاعات التقليدية التي يوجد بها فائض إلى القطاعات الجديدة ذات الإنتاجية العالية هو محرك أساسي للتنمية.
في كل الأحوال، نلاحظ أن النمو الاقتصادي السريع ارتبط بوجود اقتصاد السوق بما يعنيه من حرية الأسعار و توفير الحوافز، و اللامركزية و حماية الملكية الخاصة التي تشجع على الاستثمار. كل المحاولات التي تجاهلت أهمية آليات اقتصاد السوق بالتخطيط المركزي للاقتصاد أدت في النهاية إلى توجيه الموارد إلى الوجهة غير الصحيحة، و انتهى أمرها إلى فشل ذريع.
تطلب تحقيق النمو السريع في الدول المذكورة أعلاه، منذ البداية، نسبا عالية للادخار و الاستثمار، إذ غالبا ما تجاوزت نسبة الادخار من الناتج المحلي الإجمالي 25 %، و تجاوزت هذه النسبة 35 % في الصين. و سمح هذا بتحقيق نسب استثمار عالية بما فيها استثمار القطاع العام في البنية التحتية و التعليم، مما يرفع بدوره من مردود استثمار القطاع الخاص.
و العنصر الثالث للتنمية المستديمة هو تنقل وسائل الإنتاج من قطاع إلى آخر، و هو ما سماه " شومبيتر :" بـ "الهدم الخلاق". تبرز مؤسسات و أنشطة اقتصادية جديدة في الوقت الذي تندثر فيه أنشطة أخرى ... كوريا الجنوبية الآن، على سبيل المثال، لم تعد تعتمد على الصناعات ذات الاستخدام المكثف لليد العاملة، كما كان شانها في الماضي... و حتى الاقتصاديات المتقدمة مثل إسبانيا و أيرلندة و إيطاليا، عرفت في الماضي بوفرة عمالتها التي استعملتها بصفة مكثفة في صناعاتها التصديرية.
في المرحلة الأولى للعملية التنموية، تتوفر العمالة بصفة أساسية في الزراعة، ثم تبدا هذه العمالة بالانتقال إلى المدن حيث توجد الصناعات الجديدة. بهذه العملية لا تخسر الزراعة أي شيء يذكر، بينما ينمو الدخل الإجمالي للدولة بصفة ملحوظة نتيجة نمو الصناعة. إذا ما أخذنا الصين، على سبيل المثال، تؤكد الأرقام أن الفارق بين نسبة نمو دخل الفرد و نمو إنتاجية العمالة هي بحوالي 1 % سنويا، و هي نسبة انخفاض سكان الريف، خلال الفترة 1980-2004. و تعني نسبة 1 % هذه أن 13 مليون صيني يهاجرون من الريف إلى المدن الصينية كل سنة، مما يفرض تحديات كبرى لتوفير البنية التحتية و التعليم و الخدمات الأخرى لهم.
و بما أن إنتاجية العامل في الصناعات الجديدة تفوق إنتاجية نفس العامل في الريف، تزداد الفوارق في الدخل، مما له انعكاسات اجتماعية و سياسية، قد تهدد دعم الرأي العام للسياسات التنموية، مما يتطلب توفير آليات لاعادة توزيع الدخل و توفير الخدمات الأساسية للجميع.
لا بد من التأكيد هنا أن المؤسسات و السياسات التي تعيق تحول عوامل الإنتاج إلى القطاعات الجديدة، سوف تعيق في نفس الوقت العملية التنموية، و إن كان لهذه السياسات ما يبررها لحماية المواطنين من بعض سلبيات قوى السوق. لذلك فلا بد أن تكون هذه السياسات وقتية، و من الأفضل حماية الأفراد و الدخل لا العمالة و المؤسسات الاقتصادية، إذ أن حماية هذه الأخيرة تعرقل تنافسية القطاع الخاص و يكون ثمنها باهضا في الاقتصاد المنفتح على المنافسة العالمية.
لا توجد حالة للتنمية المستديمة منذ الحرب العالمية الثانية لم تعتمد على اندماج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي. و ساعد انخفاض العراقيل على التجارة و الاستثمار و انخفاض تكلفة النقل و الاتصالات خلال نصف القرن الأخير على هذا الاندماج. و هكذا اصبح الاقتصاد المعولم مصدرا متناميا من مصادر التنمية الاقتصادية." انتهى
كما نلاحظ من القائمة أعلاه لا توجد دولة عربية حققت التنمية المستديمة باستثناء عمان. و هذا نتيجة طبيعية لضعف اندماج الاقتصاديات العربية في السوق الدولية نتيجة الحماية المفرطة (بالتعريفة الجمركية و غيرها) من جهة، و نتيجة ضعف السياسات و المؤسسات المعتمدة و العراقيل البيروقراطية، من جهة أخرى. فشل الماضي يزيد من أهمية اعتماد نسبة النمو الاقتصادي بحوالي 7 % سنويا كهدف للاستراتيجية التنموية العربية الجديدة، و هو هدف قابل للتحقيق كما أكد على ذلك نوبل الاقتصاد الأستاذ " مايكل سبينس ".
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
Abuk1010@hotmail.com