جورج برنارد شو الرجل المتهور والتجربة اليابانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
جورج برنارد شو الرجل المتهور والتجربة اليابانية
كتب جورج برنارد شو، "الرجل العاقل يكيف نفسه مع العالم، الرجل المتهور يصر على محاولاته لكي يتكيف العالم معه. لذلك، يعتمد تطور العالم على الرجل المتهور." ويستغل الرجل المتهور الفقر والجهل في المجتمع، ليلهب عواطف الفقراء ويوجههم نحو العنف والارهاب.
والإرهابي يستعمل العنف، الغير قانوني واللاأخلاقي، ليجبر المجتمع على تحقيق أهدافه الايدولوجية. وطبعا يختلف الأرهاب عن النضال. فالنضال له أعرافه وقوانينه وأخلاقياته ,وانسانيته. فقتل الاطفال والنساء والمدنين لا يعتبر نضال, بل عنف فوضوي، وينشأ أجيال انتقامية، ويؤدي لرد فعل مجنون. ونحن نعيش هذا الجنون اليوم. فقد قالها مهاتما غاندي من قبل، العين بالعين خلق عالم أعمى. وهذا هو العالم الأعمى الذي نعيشه اليوم.
الظلم وغياب العدل يشعل الارهاب، والفقر هو الوقود الذي يبعثر الإرهاب في المجتمعات المختلفه. ولمحاربة الارهاب يجب أن نستوعب اسبابه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ونعالجها بحكمة ونعمل للوقاية من تكرارها. "الحرب ضد الأرهاب" بالقضاء على قوانين حقوق الانسان، وغزو الدول، وقتل المدنين بالقنابل، يخلق الفوضى ويزيد الفقر ويعدم الامان ويغذي الإرهاب، ويضعف الاقتصاد العالمي.
لقد عانى العالم العربي من غزو المغول واحتلال الامبراطورية العثمانية والاستعمار المعاصر. وحينما ترك الاستعمار المنطقة، أستعمل جميع وسائل الواقعية السياسية "الريل بوليتيك" ليضمن استمرارية المحافظة على مصالحه المستقلبية. فقد جزاء الوطن العربي لدويلات صغيرة، وبحدود مبهمة ليستمر الخلاف والانشقاق. كما زرع إسرائيل في قلب الامة العربية، لابقاء المنطقة في صراعات دائمة، لتستمر ضعيفة، فتقوي سلطته عليها ويستنفذ خيراتها وبرخص.
كتب فون رون القائد البرويسي يقول، " لا أحد يأكل من شجرة اللاأخلاقيات بحصانة." وهذا ما يواجهه العالم اليوم. فهو يدفع ثمن أخلاقيات دبلوماسية القرن العشرين الواقعية. فالظلم وغياب المساواة والعدالة شعل العالم العربي بما سميناه بالإرهاب. فكيف سنواجه هذه المعضلة ونتعامل معها بحكمة. طبعا لن نحلها بالقاء القنابل على الدول وقتل المدنين فيها. فللقضاء على الإرهاب يجب أن نتفهم تاريخ المنطقة وقيمها ومعتقداتها وثقافتها. فما نسميه حرب على الارهاب، تحول في نظر البعض إلى حرب على مليار وثلث مسلم في العالم. فلو أردنا إنهاء معضلة الإرهاب العالمي يجب وقاية المجتعات من معضلات الظلم وعدم المساواة والفقر والجهل. فالارهاب سيستمر في الازدهار اذا استمر الظلم والفقر. والفقر مترافق مع الجهل، والجهل خير وقود يستعمله الرجل المتهور لإشعال نار عواطف الحقد والعنف والانتقام في المجتمع.
يقدر سكان العالم اليوم بستة مليارات وسبعة مائة مليون، ونصف هولاء تقريبا يعيشون على دولارين فقط في اليوم. فتصور كيف من الممكن ان يعيشوا هولاء بكرامتهم مع عائلاتهم, ويلعبوا دورا في الانتاجية وبناء أقتصاد هذا العالم. ومن المتوقع بأن يرتفع سكان العالم لحوالي اثنى عشر مليار في عام 2100, وسيكون أحدى عشر مليارا منهم يقطنون العالم الثالث. فهل من الممكن أن تتصور عزيزي القارئ، كم سيكون عدد الفقراء في العالم في ذلك الوقت؟
كما أن الفقر مشكلة أمنية خطيرة في العالم المتقدم أيضا. فهناك تسعة وثلاثون مليون فقير في الولايات المتحدة، بالإضافة لوجود ستة وأربعين مواطنا بدون تأمين للرعاية الصحية. كما أن البطالة، بوابة الفقر، مشكلة هامة في بعض الدول الأوروبية وقد تتجاوز 10%.
يحتاج العالم لخطط جادة للقضاء على الفقر، ادا كنا فعلا جادين في القضاء على الارهاب. ويكرر الشعب الياباني المقولة الصينية، أعطني سمكة تشبعني اليوم وتسرق كرامتي، علمني كيف أصطاد السمك ستشبعني مدى الحياة وتحافظ على كرامتي وانتاجيتي. فلو كنا جادين في القضاء على الفقر يجب أن نمكن الفقراء لكي يتعاملوا مع فقرهم. ولتمكين الفقراء، سيحتاجون للتعليم والتدريب، ولتسليفهم قروض بسيطة ليخلقوا تجارتهم الصغيرة. البروفسور محمد يونس، الحائز على جائزة النوبل للسلام، قد مكن الفقراء من معالجة فقرهم من خلال توجيههم وتوفير قروض صغيرة لتطوير تجارتهم الصغيرة. وأستطاع أكثر من مائة وخمسين مليون فقيرا في العالم التخلص من فقرهم من خلال القروض التي طوروا بها تجارتهم الصغيرة. فهل يجب أن يعطى الفقراء فرصة ثانية؟ وهل يجب أن يتجنب الاغنياء وأصحاب النفوذ منافستهم في تجارتهم الصغيرة؟
البعض يكرر بأن سياسة الحماية الاقتصادية غير مقبولة في النظام الرأسمالي وفي اقتصاد سوق العولمة. لنقراء ما كتبه المحلل السياسي الاقتصادي الاوربي وليم بابف، في جريدة اليابان تايمز في اليوم السادس من يونيو عام 2007، تحت عنوان زيادة تباين الدخل، محاكمة العولمة، يقول فيه،" لقد اعترفوا مؤخرا في مؤتمر عالمي بالحقيقة الان، بأن عولمة السوق تسببت في دمار كبير حينما أستمع الرئيس الاسبق بل كلنتون لأصدقائه في الول ستريت وقرر تحرير الاقتصاد الدولي من الانظمة والقوانين."
كما نشرت جريدة الول ستريت في الرابع من شهر مايو عام 2007، بعنوان، نتائج غير متوقعة- زادت العولمة درجة التباين في الدخل، يقول بأنه من المعروف بين الجميع بأن ادم سميث، فيلسوف الرأسمالية، قد أكد أهمية السلطة الاخلاقية للدولة على الاقتصاد. وكل ما يقال عن عولمة السوق بحرية وبدون قيود هي نظرية لا ترتبط بالرأسمالية بل بفلسفة الجشع. فالعالم، حتى الان، فيه الموارد الكافية لإشباع حاجيات سكانه، ولكن لا يستطيع إشباع جشعهم. كما حذر الاقتصادي ديفيد ريكاردو بأن سوق العولمة الحرة للقوى العاملة المتوفرة، سيؤدي لخفض الرواتب لحد كبير مما لن يكفي إلا للبقاء لا أكثر. وسيكون لذلك علاقة مضطردة مع الثورة الاجتماعية وتزايد التطرف والعنف في دول العالم الفقيرة.
وقد أكد الاقتصادي العالمي بول فيتوسي بأن هناك طريقتين لتتعامل الحكومات مع الخلل الناتج من العولمة، وهي الحماية الاقتصادية وتوفر الخدمات الاجتماعية للمواطنين. فحماية المصانع والشركات، والتي هي مصدر الثروة في البلاد، ومن خلال الانظمة والقوانين للوقاية من القلق المترافق بالاستثمار وتزايد القوى العاملة. كما سيحتاج لحماية القوى العاملة من البطالة وانخفاظ الاجور، فبدونها سيقاوم الإصلاح وتقل الانتاجيه. وطبعا كل ذلك مهم جدا للمحافظة على الترابط الاجتماعي. وقد أثبت التاريخ في العالم الثالث، بأن النمو الاقتصادي مرتبط بدرجة الحماية التجارية والمالية. وقد أكد فتوسي بأن تحرر السوق ستكون كارثة لاقتصاديات العالم الثالث.
فهل من واجب العالم أن يحول سياسة الحرب على الارهاب لسياسة الحرب على الفقر؟ وهل سنحتاج "لعولمة" مسئوله اجتماعيا لكي نحقق ذلك؟
سفير مملكة البحرين في اليابان