كتَّاب إيلاف

انتصار الحذاء على ... الصورة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
اعادت صور مقاتلي "حماس" وهم يدوسون باقدامهم صور الرئيسين ياسرعرفات ومحمود عباس استحضار المناسبات العربية الكثيرة التي خرج فيها الحذاء من غمده للدلالة على القوة والانتصار.
اول حضور للحذاء في ذاكرتي كان عام 1967، عندما حصلت مشادة كبيرة استخدمت فيها الاسلحة البيضاء في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، عرفت بعدها ان السبب يعود لوضع فصيل فلسطيني حذاء على صورة الرئيس المصري جمال عبد الناصر والسير بها في موكب شبه مسلح خارج مخيمي صبرا وشاتيلا استنكارا لوقف اطلاق النار بعد الهزيمة التي سميت نكسة. يومها تبرأت حركة "فتح" من عملية "الحذاء" واتهمت قوى الرفض بارتكابها رافعة الغطاء عن عناصر هذه القوى في مواجهة "قبضيات" الشارع الذين اصيب بعضهم بجراح قبل ان تحسم المعركة بانتهاء المسيرة وعودة اصحابها الى المخيم مخلفين الفوضى والعصي و"القنادر" و"الصرامي" في عدد من الاحياء.
كبرنا قليلا وصرنا نخرج من المدرسة وننضم لاول تظاهرة قادمة من اي شارع ونهتف مع الهاتفين :"سحقا سحقا بالصباط (الحذاء) للي فكو الارتباط" من دون اي فكرة مسبقة عن اسباب الخطوة المصرية آنذاك مع اسرائيل والعالم. ثم شاركنا في مهرجان ثوري في سينما بيروت ونحن نهتف: "سحقا سحقا بالاقدام يا دعاة الاستسلام" ، اذ كان منظموه ارقى قليلا من غيرهم فاستبدلوا بالصباط القدم وهددوا فيها بسحق اي توجه لحل سلمي مع اسرائيل. وما زلت اذكر كيف كانت اغنية "خبطة ادمكن (قدمكم) ع الارض هدارة انتو الاحبة والكن الصدارة"، تفصل بين متحدث وآخر لتتماشى مع هتاف السحق بالاقدام.
وعندما كنا نسال استاذنا عن سبب حضور الحذاء في الشعارات والتظاهرات على رغم ان فصائل اخرى كانت تشهر في شعاراتها اسلحة امضى واشد فتكا مثل: "كلاشينكوف بيخللي الدم يشللي والدكتريوف بيحقق آمالنا"، كان ينظر الينا بصمت ثم يجيب ببيت الشعر الشهير:" شعب اذا ضرب الحذاء برأسه صاح الحذاء لاي ذنب اضرب"، للدلالة على رفضه حال الغوغاء التي تسود الشارع، ومع ذلك حضر الحذاء في ادبياته الاستنكارية تماما كما حضر في ادبيات التحريض والتعبئة.
وعندما اندلعت "اشتباكات الاخوة" وما اكثرها على هامش الحرب اللبنانية خرجت تظاهرات مسلحة وهتافات:" جايي الشعبية جايي (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) ورح تربح بالنهايي"، فيرد "الاعداء" من تنظيم "الصاعقة" بهتاف آخر:" والصاعقة ما بتخاف حتردكم بالصرمايي".
كنا نعتقد ان الحذاء عامل تحفيز وتثوير منذ ان قيل لنا ان خروتشوف استخدمه للاعلان عن ذهابه في مواجهة الحرب الباردة حتى النهاية، حين نزعه من غمده في الامم المتحدة عام 1961 وضرب به على الطاولة امام ممثلي العالم. وكم استأنس بعضنا عندما صارت شعارات الثوري تشي غيفارا تتوزع على الرفاق كما يوزع الخبز على الفقراء:" المناضل يعرف من رائحته النتنة وحذائه الوسخ" للدلالة على الصمود في الجبال والوديان اسابيع طويلة... كنا نعتقد ذلك الى ان سمعنا ان للحذاء وظائف اخرى اهم في عالمنا العربي لانه كان الوسيلة البديهية للتعذيب حيث يقول حارس النظام مثلا لكاتب او سياسي او شاعر او معارض:" يا حمار" ثم يترجم حبه للوطن والقائد برفسة على ظهر المعتقل يقودها حذاء ثقيل الوزن تعارف على تسميته "بستار" معدل، اي حذاء عسكري ضخم مع تعديلات جوهرية لحماية النظام مثل تطعيمه بحدوات حديد من اسفل وبقطعة معدنية قاسية من امام بحيث تكفل اي رفسة كسر عظمة.
وعندما "انتصر" صدام حسين في حروبه ضد ايران والكويت وقوات التحالف واباد عشرات الآلاف في الجنوب، كان لا بد ان يترجم "انتصاره" رمزيا لتحطيم النفسية الغربية عموما والعربية خصوصا، فوضع سجادة عند مدخل الفنادق الاساسية التي تستقبل الضيوف الرسميين عليها صورة جورج بوش الاب كي يدوسها بحذائه كل داخل وخارج.
وعندما انهار نظام المهيب ببضعة ايام كانت صورة الوكالات الاولى ذلك الرجل المسن الذي يضرب بحذائه ملصقا عليه صورة صدام وهو يخاطبه:"شسويت فينا، شسويت بالعراق".
وبعد اعتداء اسرائيل على لبنان الصيف الماضي وبدء مسح آثار العدوان سيطر شعار "فدا صرماية (حذاء) السيد" على المشهد السياسي ليثبت انصاره ومحبوه ان الشعب يتحمل الخسائر البشرية والمادية فداء لقيادة من وزن السيد حسن نصر الله، ورغم ان الفداء يمكن التعبير عنه بكلمات اخرى مثل الخط والنهج والمبدأ والكرامة، الا ان اللجوء العفوي الى كلمات بعينها كان مبالغة مقصودة للدلالة على الاستعداد لتحمل اكثر مما حصل... وان لم يختلف هذا اللجوء كثيرا عن السائد والموروث.
امس، وقف مقاتلو "حماس" على صور ابومازن وابو عمار. رفعوا شارات الانتصار. خفضوا اسلحتهم وشهروا احذيتهم لان السلاح لم يعد اساسيا امام المعنى السياسي "الاستراتيجي" للمعارك... معنى انتصار الحذاء على الصورة.
alirooz@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف