عن نعمة الحرب الإستباقية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الفوضى التي وقعت في قطاع غزة الفلسطيني اثناء وثبة "حماس" تلك على "كرسي السلطة" امر طبيعي في واقع حال كالذي نعيشه في منطقة الشرق الأوسط الآن.
ثمة خياران في المنطقة لاثالث لهما، اما الأنظمة الديكتاتورية الحالية بكل ماتعنيه من ظلم وتقتيل وفساد والتأقلم الأبدي معها. واما البديل، وهي هنا حركات الإسلام السياسي التي تمارس نشاطها الدعوي/التعبوي تحت الأرض. ماقامت به "حماس" في غزة لم يكن مستغرباً، فهي بدون الإستحواذ على الحكم وابعاد خصومها ومنافسيها عن الساحة السياسية، لن تستطيع ـ ولايستوي لها كذلك ـ تطبيق "برنامجها الشرعي" الذي وعدت به المؤمنين من جمهورها.
حركة "حماس" هنا وعندما سطت على الحكم وطردت "فتح" ورجالها انما قامت بالأمر الذي كان من المفروض ان تقوم به كحركة اسلام سياسي ترنو إلى الكرسي والدولة لتطبيق اجندتها وابعاد وطرد الآخرين الذين قد يشاركونها في القرار ويفرضون عليها "رأياً آخراً" لاتطيقه. وان كانت "حماس" وفي وقت سابق قد سايست و هادنت هذا "الآخر" ووقعت معه العهود والمواثيق في ظل البيت العتيق. واي حركة اسلام سياسي، وفي اي دولة عربية يتاح لها ما اتيح ل"حماس" سوف تفعل الشيء نفسه.
وحركة "فتح" بدورها مثلت الخيار الثاني هنا. فهي حكمت الجمهور الفلسطيني منذ "العودة" ولم تقدم غير الوعود والكلام. اوضاع الناس المعاشية ساءت من جهة، بينما تكدست الأموال في ارصدة "الرفاق المناضلين" المسجلة في البنوك الغربية. شيّد هؤلاء العمارات واشتروا لأولادهم واحفادهم السيارات الفارهة، وابتعثوهم الى مدارس وجامعات الغرب للعيش والدارسة هناك حيث الأمن والأمان.
حركة "فتح" مثلت الشق الرسمي العربي من السلطة الفاسدة القامعة العاجزة عن انجاز اي شيء. فلا تحرير ولاتنمية رغم اموال المساعدات العربية والدولية الطائلة. لم ترحم "فتح" ولم تدع رحمة الله تنزل، فكان خيار الناس جماعة "حماس" نكاية وتشفياً. وكان هؤلاء يعملون تحت الأرض طيلة فترة الفساد والنهب الفتحاوي. كان هؤلاء يتمددون في اوساط المتعلمين والغوغاء على السواء، ويظهرون لهم "فساد السلطة وفجورها"، وهو الأمر الذي تفعله كل حركات الإسلام السياسي في مواجهة الأنظمة العربية القمعية الفاسدة الآن.
والحال، ان "حماس" سيطرت على قسم كبير من "الأراضي المحررة" ووضعت الكل تحت الأمر الواقع. ولعلها اظهرت "العين الحمراء" منذ بداية الأحداث كدلالة على جديتّها في طرد "فتح" وإلى الأبد من غزة. فكان البطش المرعب وحوادث تقيتل الأبرياء ونهب المنازل والمكاتب التي شاهدناها على شاشات التلفزيون.
لن ترضخ "حماس" لأي صوت ولن تتنازل في اي لقاء جديد. فهي الآن منتصرة وتريد ان تفرض شروطها، ولابديل عن تسعير الصراع ومحاولة تطهير "المناطق المحررة" من "رجس" حركة "فتح" ورجالاتها و..عوائلهم ايضاً. الواضح ان المواجهة ستكون الخيار الوحيد، ويبدو ان الدولة العبرية( وهي التي لها اجندتها التدميرية الخاصة) هي التي ستقوم بهذه المهمة الآن. النتيجة ستكون مزيداً من الدم ومزيداً من الخراب والنهب في الجسد الفلسطيني...
وعندما ننتقل إلى البلد الجار لبنان نرى الفوضى عينها. فهناك حيث آلة القتل التي يشرف عليها النظام السوري مازالت تحصد ارواح المعارضين والمناوئين( كان آخر هؤلاء هو النائب وليد عيدو). وثمة في لبنان ترقب وتحفز قد يفضي في النهاية لمواجهات اسوأ من الحرب الأهلية ذاتها. والحلف المراهن على ذلك يعلم مدى خطورة الوضع وهو الذي حسم خياره منذ زمن في قلب الطاولة على رؤوس الجميع واشعال المنطقة من "البحر الأبيض إلى بحر قزوين" من اجل عدم التسليم للأميركان وللمجتمع الدولي. هذه حقيقة يجب ان يعيها اللبنانيون وقوى 14 آذار الحاكمة. القوى المناهضة للتغيير متكتلة بشكل جيد وهي قادرة على اشعال حرائق هائلة الآن. فايران تمضي في تخصيب اليورانيوم لكي تحقق هدفها وتعلن للعالم صباح ذات يوم انها اصبحت صاحبة "قنبلة نووية اسلامية" تناور بها القوى الكبرى وتبتز "صغار الروبيان" في الخليج العربي. المسألة اصبحت مسألة وقت ليس إلا. واذما لم تحدث ضربة أميركية استباقية تطال البرنامج النووي الإيراني الناهض فان العالم سيضطر لقبول ايران نووية، كما يضطر الآن للتعامل مع تهديدها وتدخلها في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين...
الولايات المتحدة الأميركية تراجعت بشكل مخيف عن خططها في المنطقة بسبب خسائر منيت بها في العراق، كان سببها بالدرجة الأولى هي طهران ودمشق. وهي عندما تسلم المنطقة الآن لأذرع هذين النظامين لتعبث بها، فانها بذلك تؤسس لأزمات جديدة ولبروز قوى اصولية/فاشية ستعمل على "سن" قوانين ومسلمّات جديدة للمنطقة وتجتهد لتطبيق اجندتها واهدافها، والتي سيكون "ضرب اميركا وطردها من المنطقة" على رأسها...
واشنطن تحدثت كثيراً عن "الحرب الإستباقية على الإرهاب"، وهي عندما تتراجع الآن امام بعض الخسائر و"ضيق الحال" فإنما تعمل على تعقيد الأوضاع اكثر، فضلاً عن الإقرار بالخسارة الإستراتيجية الكبيرة امام قوى الفوضى المستهترة بالقانون الدولي. وللمرء ان يتخيل حال العالم الآن واميركا بشكل خاص فيما لو لم تقم القوات الأميركية باسقاط نظام طالبان العفن وضرب معسكرات تنظيم "القاعدة" الإرهابي ونسف مراكز تدريبها. وفي دراسة التدخل في افغانستان والشرق الأوسط عموماً تتضح الحكمة في وجوب التدخل وضرب هؤلاء الإرهابيين استباقياً قبل ان يعمدوا هم لضرب اميركا والغرب في عقر دارهم. ليس ثمة من خيار آخر، فهذه القوى مصرة على تطبيق خططها في الاستحواذ والتمدد. وهذا سيحدث سواء بقيت اميركا في المنطقة او فضلت الرحيل والهروب: والذي يتمنى الكثير من اصدقاء اميركا قبل اعدائها ان يكون مدوياً وكبيراً...
tariqhemo@hotmail.com