كتَّاب إيلاف

نحو تطوير لمركز البحوث برئاسة تركي الفيصل

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خصص الكثير من الحديث حول السر في استقالة الأمير "تركي الفيصل" من منصبه كسفير في أمريكا، بينما كرر هو أن المسالة "شخصية" وأنه يريد التفرغ بعد عمل دام أكثر من 30 عاماً، ومن قبيل الفضول طالعت العديد من التقارير العربية والأجنبية التي تتحدث عن أسباب استقالته فوجدتها مجرد "قراءات سياسية". وفي لقاء سابق نشر في "الشرق الأوسط" 17-2-2007 قال الأمير:(أنا عائد إلى الرياض لأن عندي عملاً أعتزّ وأفتخر به. وهو مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) وبما أنه سينشّط المركز فإن تمنيات كثيرة تداعب كل "باحث" وربما كان أبرزها مايمكن تلخيصه عبر الحروف التالية.
صحيح أن لـ"مسألة الإرهاب" جوانبها السياسية الواضحة حالياً، ولكن لها أيضاً منشطات ثقافية ضاربة في عمق تأويلات تدعمها تيارات كبيرة في العالم العربي، وذلك نظير ضمور في آداء المراكز العلمية وتهاونها في تناول القضايا الحساسة على سبيل البحث والاستقصاء، فحينما نتحدث عن الإرهاب لا يكفي أن نبرهن على أننا لسنا منه وأنه ليس منا، فالظاهر الواضح للعالم أن "حركات الإسلام السياسي" استعملت بعض أجزاء ثقافتنا لتمرير أجندتها الشخصية ورغباتها السياسية. ومنذ تشظي حوادث "الإرهاب" والناس تتاهفت على تحليل المواقف بأدوات سياسية بينما كان الأجدى بنا أن نلتفت إلى حوافز ومسببات الإرهاب من الجهات الثقافية، وبكل أسف فإننا نواجه ثقافة الإرهاب بتأويلات سياسية واقتصادية من دون اجتراح لمنشطات الإرهاب الأبرز وهي المنشطات الثقافية.

باختصار: أن نركز بحوثنا على التأمل والبحث في العنصر الثقافي الذي سيّر مجموعة أغلبها من "السعوديين" نحو تنفيذ حادث الارتطام. لقد بالغنا في قراءة الكثير من الأحداث التي تصيبنا وكأنها نتاج عفاريت تأتينا من الأرض أو مخططات تأتينا بالدسّ والخفاء. في وقت نجد أنفسنا أمام سوءات ثقافية علنية تبدو لكل ناقد ومراقب أصيب بمرض الفحص والمراقبة. حتى بعض السذج من العاطلين عن العمل يكتبون عن الإرهاب ويحاربونه مستخدمين ترسانة من الأرقام وترسانة من المقولات البسيطة وينطنطون في وسائل الإعلام ويدعون أنهم يحاربون الإرهاب بينما استخدموا بعض مشاريع "منافحة الإرهاب" لأهدافهم الشخصية. في وقت تشيّد فيه المراكز الضخمة في دول العالم لدراسة أي ظاهرة غريبة سواء كانت بيئية أو فكرية. ومن هنا أتوجه للأمير أن يخصص هذه "الظاهرة" التي يدعي كل ناعق أنه خبير بها أن يهيء نخبة مستقلة عن التيارات وتأثيراتها وعن الأيديولوجيات بأنواعها لتكشف عن "البؤرة الفكرية للإرهاب" وأن توفر لهم المصادر بكافة أنواعها وأشكالها، وأن يمنح الباحث حرية الاستنتاج بعيداً عن أي تدخل من أحد أو طائفة أو تيار. بدلاً من المراكز التي تُعرف نتائج بحوثها قبل أن تعلن هذا إن التفت أحد إلى وجودها كمراكز أصلاً.

كما تغيب عن مراكز البحوث العربية القراءات المقارنة بيننا نحن "العرب" وبين "الغرب" فيما تنشط القراءات المقارنة النرجسية، وكم هو جهد جيد الذي تقوم به "رابطة العقلانيين العرب" في بحوثها التي تخصّ بعضها في تلك القراءات المقارنة، ومن هنا أتمنى أن يتوسع مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية ليشمل الدراسات الفكرية عامة مهما كان اتجاه أصحابها الفكري، خاصةً ونحن في المملكة نشهد طفرة "نقدية" من الممكن الحفاظ عليها وتمتينها عبر تهيئة المصادر والمراجع واحتكار الأسماء والبحاثة في المركز وتهيئة أجواء "بحثهم وعملهم".

لقد غلبت الدراسات العربية منذ النكسة وإلى اليوم "مسألة النقد الذاتي" بعيداً عن (الدراسات المقارنة) التي من الممكن أن تقارب للباحث العربي أسلوب فكّ العقدة نحو التقدم التي خيّمت على أجوائنا فترة طويلة.أتمنى أن يتوسع عمل المركز ليصبح خلية تزخر بالباحثين المتفرغين الذين ينتجون بحوثاً نافعة بدل الإغراق المريع الذي تمارسه الجامعات برسائل أكاديمية تستحلب الترقيات ولا تمتّ إلى الواقع ولا المشكلات والأزمات بصلة. أتمنى أن يسدّ هذا المركز "فراغاً" كبيراً في عالمنا العربي المشبع بالدراسات "المسلوقة" و "الورقات" غير المخلّقة التي لا تجهد نفسها بالبحث والاستقصاء. ومركز الملك فيصل هو الصرح الجدير بهذا الأمل الذي يراود كل باحثٍ مستقل لديه أسئلة تحيره حول قضايا جذرية تنتجها مسائل ثقافية كل يوم.

إن التوجه من العمل الدبلوماسي إلى العمل الثقافي - وفق قراءتي- لدليل على قناعة تنمو الآن بأن مأزقنا الأول في الثقافة التي تحتاج إلى كثير من البحث والجهد، وإن للمشروعات التي نشطت فترة الثمانينات والتسعينات ولاتزال والتي تتجه نحو "نقد التراث" الأثر الملموس على مستوى المتابع والقارئ. إلا أنها تعتبر -على جدتها وعمقها-بداية بسيطة جداً نحو المشوار الكبير، إن مراكز البحوث في العالم تؤمّن للباحث الجوّ الحر الذي يتيح له البحث في أجواء آمنة وتمنحه القدرة على الوصول إلى النتيجة "العلمية" مهما كانت مختلفة عن القناعات السابقة. وتصنع مختبرات بحث ضخمة تمكنه من العثور على المعلومة الحديثة والقديمة. ومن أبرز أسباب التخلف في البحوث المعرفية علاوة على ما سبق، تهميش"فئة الشباب" ودورهم في البحث والقدرة عليه، في ظل احتلال المسنين اليائسين ثقافياً على كافة الواجهات الثقافية وهو لعمري من أكبر أسباب التحنط التي نعاني منها. وكأن على الشاب أن يشيخ حتى يتمكن من فرصة الإدلاء برأيه والاشتراك في توجيه المؤسسات الثقافية وتنمية مؤسساتها. وأشعر دائماً أننا بالغنا في منح "المسن" هالة (الحكمة).إن جيلاً من الشباب الآن انكبّ على مطالعة الفلسفة والرواية والأدب العالمي من الممكن تبنيه وتعليمه اللغات ليساهم في الترجمة والبحث.

حينما يكون في ثقافة ما بعض العطب، تتجه مراكز البحث نحو تصويبها بالاشتراك مع مؤسسات العلوم الأخرى كالجامعات مثلاً، هذه هي الحالة الطبيعية، بينما نشاهد بعض مراكز البحوث لا تؤدي دورها أو تحوّر وتجبر الباحث على نتيجة محددة، أما بعض الأساتذة في الجامعات فنجد دورهم أقصر مما يجب، وذلك يعود في نظري إلى "عطب" في آلية اختيار المعيد منذ أن تخرّج من كلّيته، لأن أغلبية الأساتذة مجرد "حفّاظ". إن مفهوم "البحث" بحاجة إلى تصويب لدى البعض، لقد طغى الشق النظري على مهنة البحث. كما أن "مفهوم مركز البحث" -أيضاً- يحتاج إلى تصويب. وما تغفل عنه بعض المراكز البحثية خلطها في مفهوم "البحث ، حيث أن مهمة المراكز الثقافية النقد" وليس "التبشير وطرح النتائج المسلوقة على أنها حقائق كبرى" وهذا مانتمناه من مركز الفيصل الذي نستبشر به خيراً.

في الإعلام الآن أطنان من "الكلمات" التي تسوّق يومياً وكلها تحليلات تسمى "سياسية" بينما هي ثرثرة عادية، في وقت تغيب فيه القنوات المتخصصة بالبحوث العربية وبالثقافة عامةً، إن الثقافة هي "العصب" الخفي الذي يسبب كل الأزمات وهو الذي يوجه كافة الإنتاجات من تأويل النص إلى طريقة تصميم اللوحة. يدركني الآن أمل -أرجو أن لايخيب -بأن مركز الملك فيصل سيستعيد دوره وسيتخذ منهجاً نشطاً. وبأن تجربة العمل في "أوربا" و"أمريكا" التي اختزنها رئيسه الأمير تركي الفيصل ستكون هي الروح التي ستمنح المركز قدرته على التجديد والتحديث وعلى إقامة مجموعة من التصويبات في عمل المركز وطريقة سيره. إن "اختيار الباحث المناسب" لـ"الترجمة" و"الدراسات المقارنة" وتهيئة "مصادر البحث" ومنح الباحث حرية" استنتاجه أهم ما يمكن توفيره له. وهذا ما يتطلع إليه كل باحث وقارئ. ولن يكون هذا مستحيلاً ونحن نقرأ تصريح الأمير وهو يقول: (اخترت رئيسا لمجلس إدارته- مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية- وأريد بعون من الله أن أطوره ليزيد من نشاطاته الدينية والفكرية والثقافية) وهو نص يوحي بإرادة التنوع في مناشطه ومجالاته عبر توسيعه وفتح آفاقه واستحداث مجالات بحثية جديدة وتوسيع نطاق اهتمامه.

كاتب سعـودي
shoqiran@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف