لقاء صحفي مع قارئ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
علق السيد (أسامة الشريف) على مقالتي الأخيرة بعنوان (انقلاب حماس العسكري: طعنة غدر لمصر ودورها)، تعليقا من أطرف التعليقات على كافة مقالاتي في السنوات الأخيرة، فقد كان تعليقه عبارة عن ستة أسئلة موجهة لي ويطلب مني الإجابة عنها، ولما كانت أسئلته مهمة قررت الإجابة عنها وكأنني في لقاء صحفي معه، ولم لا طالما نسعى دوما للتفاعل بين الكاتب وقرائه خاصة إذا كانوا من القراء الجادين مثل السيد أسامة الشريف. وسوف أتخيله أمامي الآن يطرح أسئلته وأنا أجيب:
أولا: إلى أي الفصائل النضالية تنتمي؟
أنا يا عزيزي بدأت ما يسمى النضال عام 1968 وأنا أعمل في الكويت منتميا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، برئاسة المناضل الدكتور جورج حبش (الحكيم)، وفي صيف ذلك العام كنت مع مجموعة من الشباب طلب منهم الالتحاق بقواعد الجبهة في غابات مدينة جرش الأردنية، وهناك تلقيت الصدمة النضالية الأولى من خلال الممارسات غير النضالية خاصة التجاوزات ضد الجيش والأمن الأردني، وبدايات التحول الماركسي الذي كان يعد له الرفيق نايف حواتمة (أبو النوف)، وقد تجلى في تلك الشعارات التي غطت شوارع المدن الأردنية مثل (السلطة كل السلطة للمقاومة) و (فلتعلن مجالس السوفييت في كل مدينة وحارة)، وقد فهم الرفاق والرفيقات التحول الماركسي في التدخين لمن لا يدخن وازدراء كل المعتقدات بما فيها الدين، وكان منظرا منفرا للغاية عندما نذهب لجلب الماء من العين المجاورة للقاعدة وحولها الفلاحات من القرى الأردنية المجاورة، فيتبارى الرفاق والرفيقات في الشتم والصراخ للتدليل على بداية تحولهم الماركسي، وفي يوم من أيام التدريب شكوت الرفاق والرفيقات للملازم (سمير) المسؤول عن القاعدة، فكان جوابه لي: أنت لا تعجبك هذه التصرفات لأنك بورجوازي حقير، أنصحك بالعودة لوظيفتك في الكويت فالثورة لا تحتاج لبورجوازيين مثلك. حاولت أن أوضح له أنني لست بورجوازيا فأنا ممن نشأوا في مخيم رفح، وما زالت أسرتي في المخيم وبالكاد راتبي في الكويت يكفيني ويكفي أسرتي في المخيم، إلا أنه اصرّ على أنني بورجوازي حقير والأفضل لي أن أعود للكويت. وهذا ما كان ورغم ذلك استمرت عضويتي في الجبهة مع رفاق ما زلت أتذكرهم وأحترمهم مثل المرحوم الدكتور محمود أبو حشيش وأبو علاء محمد الكرد و أبو حاتم وغيرهم. وربما لا يصدق القراء حجم التبرعات المادية التي كان يتبرع بها الشعب الكويتي لكل التنظيمات الفلسطينية دون السؤال عن فكر التنظيم وخلفيته، وقد كانت الكويت فعلا وكأنها الحديقة الخلفية لكل التنظيمات الفلسطينية، خاصة فتح التي كانت غالبية قيادتها تعمل في الكويت، وكان مسرح مدرسة الشويخ الثانوية شبه محجوز لخطابات ولقاءات ياسر عرفات.
وفي عام 1973 قررت الجبهة الشعبية وقف العمليات الخارجية، وتمرد على القرار وديع حداد مسؤول هذه العمليات (المجال الخارجي) فقرر المكتب السياسي للجبهة طرده، واستمر وديع في تلك العمليات باسم (الجبهة الشعبية - المجال الخارجي)، وعرفته عن قرب في بغداد،ودارت بيني وبينه حوارات حادة عن جدوى هذه العمليات وحكمة المكتب السياسي للجبهة في وقفها بعد أن أصبحت تسىء للنضال الفلسطيني، وأصبحت في العديد منها عمليات ابتزاز للحصول على الملايين من الدولارات كما في عملية خطف طائرة لوفتهانزا إلى بيروت،والإفراج عنها وعن ركابها بعد الحصول على خمسة ملايين من الدولارات، والخوات التي كانت تفرض على بعض الدول العربية كي لا يتم التعرض لخطوطها الجوية، والمساعدة بشكل وآخر في عمليات المخابرات العراقية ضد المعارضين من الشيوعيين تحديدا في زمن صدام ورئيس مخابراته سعدون شاكر. كل ذلك وترّ العلاقة بيني وبين وديع حداد، فتركت النضال بالإسلوب المتعارف عليه نهائيا، وذهبت لمدينة الإسكندرية في جمهورية مصر العربية، حيث تفرغت للعمل في أطروحتي لدرجة الدكتوراة عن (الرواية في الأدب الفلسطيني) بإشراف أستاذي المرحوم الدكتور محمد زكي العشماوي، وحصلت على درجة الدكتوراة في نهاية عام 1979، وبعدها تشردت في المنافي العربية حيث عملت في جامعة الفاتح بطرابلس عاصمة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الديمقراطية العظمى الخضراء الوحيدة، وتركتها هربا من اللجان الشعبية كي لا أستخدم مع غيري في الزحف على مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية تمشيا مع إرادة العقيد الأخضر جدا، ومنها إلى بغداد مرة ثانية حيث عملت مدرسا في جامعة البصرة، فبدأت الحرب الصدامية الإيرانية وصمدت في الجامعة أول عامين من الحرب، ثم كان لزاما عليّ أن أشارك في جوقة المنشدين والمطبلين لقادسية صدام حسين، فرفضت هذه المهنة وهربت من البصرة إلى بيروت، وعملت باحثا في معهد الإنماء العربي والإعلام الفلسطيني الموحد إلى أن وصل شارون بجيشه محاصرا بيروت وعشت الحصار كاملا ثمانية وثمانين يوما، وعنه أصدرت كتابي (بيروت..وعي الذات)، وتمّ شحننا على البواخر وكانت وجهتي دمشق قلعة الصمود والتصدي حيث عشت فيها حتى عام 1990، إلى أن طردت منها بسبب كتاباتي ضد حربي المخيمات عامي 1985 و 1987 و افتعالها من قبل عملاء سورية في جماعتي أحمد جبريل وأبو موسى وأبو خالد العملة، وأيضا بسبب عمالتي لياسر عرفات كما أخبرني العميد عبد الرحمن قاسمو مسؤول ما يسمى الضابطة الفدائية في المخابرات السورية. وخرجت من قلعة الصمود والتصدي هائما على وجهي أطرق أبواب العديد من العواصم العربية وكلها ترفض إقامتي فيها، ولم يستقبلني سوى مدينة أوسلو عاصمة المملكة النرويجية حماها الله ونصرها على أعدائها حتى لو كانوا عربا مسلمين، وبفضل جنسيتي النرويجية وجوازي النرويجي الأحمر جدا، أدخل كل العواصم العربية التي كانت ترفض دخولي وإقامتي ما عدا دمشق الرباط والصمود ف (الداخل لسجونها مفقود والخارج منها مولود).
ثانيا: إن كنت تحرض مصر على حماس وتحذرها من خطرها القادم، ألا تعتبر أن هذه الخطوة (واسعة شوية)، أم أن هذا تخويل لك من السلطة الفلسطينية؟ حتى نطمئن لصدق تحريضكم؟
يا عزيزي هذه الخطوة التحريضية مني (ليست واسعة شوية ولا ضيقة كتير)، هي مبنية على قراءتي لما حدث، فحماس التي لم تحترم كل الاتفاقيات الموقعة مع فتح في القاهرة، ولم تحترم كل الجهود المصرية منذ خمسة سنوات من التوسط بينها وبين فتح، وغدرت كل هذا الغدر المسلح المجرم رغم وجود الوفد الأمني المصري برئاسة اللواء برهان حماد، لن تكون حريصة على أمن مصر وحدودها ولن تحترم الاتفاقيات التي وقعتها مصر. أما عن تخويلي بذلك من السلطة الفلسطينية فأؤكد لك يا سيد أسامة الشريف أنه غير موجود لأنه أساسا لا علاقة لي بالسلطة الفلسطينية لا من قريب ولا من بعيد، وليتك تتوسط لي لأكون مفوضا من السلطة عندئذ سيكون موقعي على الأقل (مدير عام فئة ألف) أي أن راتبي سيكون ألفين وأربعمائة دولار...كما كان يدعو جدي في مخيم رفح (من تمك لباب السما) يا سيد أسامة الشريف، وأعدك بشرف مناضلي حماس و فتح أن أكون شريفا معك ولن أنساك إن تحققت تلك الأمنية التخويلية من السلطة الفلسطينية.
ثالثا : أنت تؤكد العلاقة الدموية واللا إنسانية بين حماس وإخوان مصر، ما الدليل الذي تستند إليه؟
الدليل يا عزيزي هو أن حماس المولود التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين في غزة الذين هم الولد الشرعي لإخوان مصر منذ أن كان قطاع غزة تابعا للإدارة العسكرية المصرية منذ عام 1948 وحتى عام 1967، بدليل أن أي قيادي من حركة حماس فور وصوله للقاهرة لا بد أن يجتمع مع قيادة إخوان مصر خاصة الملا محمد مهدي عاكف، وجرائم حماس اللا إنسانية خلال انقلابها العسكري في غزة مؤشر واضح على ما سيفعله إخوان مصر إن تمكنوا من السيطرة على النظام في مصر (لا قدّر الله والنظام المصري ذلك)، لأن المارشات العسكرية لطلاب الإخوان في جامعة الأزهر وتهديدات الملا محمد مهدي عاكف بضرب خصومه بالأحذية، بالأحذية وهو في صف المعارضة ومراقب من الأمن، فماذا سيستعمل غير كلاشينكوفات حماس إن وصل للحكم؟!.
رابعا: ما الذي أدى إلى خرق اتفاقيات فتح وحماس؟ وما دواعي الاقتتال من وجهة نظرك؟
الذي أدى إلى ذلك وإلى الاقتتال هو الصراع على الكراسي والحكم، وكما أقول دائما (ليس كل فتح لصوصا وبالمقابل ليس كل حماس شرفاءا)، فتح لم تصدق خسارتها للحكم وحماس لم تصدق وصولها للحكم، فالقتال ليس من أجل دحر الاحتلال بدليل أن حماس منذ عام ونصف لم تطلق رصاصة على جيش الاحتلال، وليل نهار تعرض الهدنة مع الاحتلال، مرة لعشر سنوات ومرة لستين عاما حسب التنزيلات في السوق السياسية. في مواقف كثيرة كانت فتح والسلطة الفلسطينية أكثر عقلانية من حماس، ألم يكن باستطاعة محمود عباس تزوير الانتخابات قبل عام ونصف ليمنع حماس من تسلم الحكومة؟ في ذلك الوقت كان محمود عباس حسب قادة حماس أشرف ديمقراطي عرفته الساحة الفلسطينية والعربية، وفجأة يصبح عندهم أعرق خائن!!. لو استعملت فتح وأجهزتها الأمنية كل ما لديها من سلاح ضد حماس في انقلابها العسكري الأخير، لسقط من الفلسطينيين ألاف القتلى. عدم استعمال الفتحاويين لسلاحهم جعل قتلى الفلسطينيين في حرب الأشقاء الأعداء فقط مائة وسبعين قتيلا (إلا إذا أعطاهم الملا خالد مشعل شهادة الاستشهاد للترويح عن عذاباتهم في أحضان الحوريات العين)، هذا سواء كان عدم استعمال الفتحاويين لسلاحهم جبنا أم توفيرا للخسائر، وفي كل الأحوال نشكر شياطين فتح على عدم استعمالهم ذلك السلاح ليقللوا من قتلى الشعب الفلسطيني وجرحاه و المسحولين جثثهم.
خامسا: كلامك يؤكد أن أمريكا وإسرائيل ليس لهما علاقة بما يحدث في فلسطين، وإنما الذي يحدث هو شأن داخلي مسؤولة عنه حركة حماس أليس كذلك؟
أنا كمحلل سياسي وشاهد عيان لما حدث ويحدث، وكونني لست عضوا في حماس أو فتح ولست مناصرا لأي منها، لا أزج أمريكا و إسرائيل في هذا القتال الدموي حسب النيات، فلتكن نيات أمريكا وإسرائيل أسؤا من السيء، من الذي قتل الشعب الفلسطيني؟ من الذي حمل السلاح في وجه أخيه الفلسطيني؟ من الذي نهب وحرق منزلي ياسر عرفات ومحمود عباس: من الذي قتل ومثّل في جثة سميح المدهون وجمال الشلايلة؟ من الذي بدأ التحريض والانقلاب العسكري؟ إنها حركة حماس وقادتها الذين بشرّنا واحد منهم هو فضيلة الشيخ العلامة المهدي الملا سامي أبو زهري بأن هذه الجرائم البشعة هي التحرير الثاني لقطاع غزة! لماذا واصلت فتح الاجتماعات مع الوفد المصري بينما حماس فقط هي التي استعملت السلاح بهذا الشكل الخائن الغادر؟ هل هذا تجنيا على حماس والوقائع شاهدة على زحفها العسكري الانقلابي. أين شجاعة عناصر حماس عندما كان جنود الاحتلال يتجولون في شوارع غزة وحاراتها؟ لماذا لم نشاهد نسبة بسيطة من هذه الشجاعة وهذا السلاح في مواجهة جيش الاحتلال؟. نعم إن حماس وقادتها من الملا إسماعيل هنية في الداخل إلى الإمام الأكبر رهين المحبسين السوري والإيراني خالد مشعل مسؤولين عن هذه الجرائم، وعندما يشيع الفلسطينيون قتلاهم ويلملمون جراحهم، ويجدون المفقودين منهم، ويرممون منازلهم، عندما تذهب سكرة الموت وتأتي فكرة الحياة، سيلعن الشعب الفلسطيني هولاء القتلة أيا كانت هوياتهم وإن تمسحوا زورا بإسلام هو بريء منهم. مقاومة إسلامية! أي إسلام يسمح لهم بأن يشهروا سلاحهم في وجوه إخوانهم؟ هل هم مسلمون حقا؟ ألم يقرأوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار). إذن كيف يفهمون الإسلام خاصة فضيلة الشيخ إسماعيل هنية و هو من يؤم المصلين ويخطب خطبة الجمعة بانتظام منذ سنتين في مساجد غزة؟ هل يريدون مني أن أؤمن بتطبيقاتهم للإسلام؟ لا.. وألف لا... لهم إسلامهم ولي إسلامي إسلام المحبة والتسامح، إسلام (وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، أما هم فقد دفعوا بالكلاشينكوف والمسدسات والأحذية!.
سادسا: لو أن منظمة حماس تسلمت مقاليد الحكم بالشكل الديمقراطي، ودون تدخل وتحريض من القوى الامبريالية وتعويق مسيرتها وإذلالها الشعب الفلسطيني الذي أنتجها؟ هل كان الوضع الحالي سيحدث، ومن يتحمل أسباب ما وصل إليه الوضع الحالي؟
أعتقد أنني أجبت على هذا السؤال بشكل غير مباشر في إجاباتي السابقة، وأضيف أن حماس تسلمت الحكومة بشكل ديمقراطي بعد فوزها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وقامت بتشكيل الحكومة الفلسطينية منذ عام ونصف، ولكن الصراع من أجل الاستيلاء الكامل على السلطة وعدم الإيمان بمشاركة باقي القوى في السلطة والحكم هو ما أدى للوضع الحالي. الجميع مسؤولون بنسبة من النسب، لكن جريمة حماس أنها أوقفت الحوار ولجأت للسلاح للسيطرة الكاملة ونفي معارضيها كما حدث بعد ما اعتبرته حماس تحريرا ونصرا إلهيا. لماذا لم يستمروا في الحوار مهما طال زمانه وتعددت أماكنه؟ هنا تكمن جريمة ومسؤولية حماس في لجوئها للسلاح أي أنها تؤسس لأساليب الانقلابات العسكرية في دولة لم تظهر حتى على الورق، وهي أساليب النظامين السوري والإيراني اللذان يحرضان حماس، و إلا ما دخل وزير الخارجية الإيراني بالشأن الفلسطيني عندما صرّح قبل أيام قليلة بأن (حكومة الطوارىء الفلسطينية غير شرعية وغير ديمقراطية). تخيلوا من يتحدث عن الديمقراطية؟ نظام الملالي في إيران الذي يقمع المعارضين له بالسحل والجلد، ويحتل الأحواز العربية والجزر الإماراتية الثلاث ويهدد ليلا ونهارا دول الخليج العربي.
آمل أن أكون قد أجبت بوضوح وصراحة على أسئلة السيد أسامة الشريف، ومن خلال ذلك وضحت مواقفي في الشأن الفلسطيني، حيث الشعب الفلسطيني لا يفكر في حماس أو عباس بل في المأكل والحرية واللباس، وهم بأفعالهم هذه جعلوه (يترحم على أيام الاحتلال)، فهل هناك خدمة للاحتلال أكثر من أفعالهم هذه التي جعلت وزير الخارجية الروسي يصرح قائلا: (أحداث غزة قضت على إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل القريب)؟
ahmad64@hotmail.com