مسيحيو العراق في ذمة الله والوطن المفقود
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ماذا لو قتل هيرودس المسيح وهو طفل..؟
قبل أكثر من ألفي عام أمر الملك اليهودي (هيرودس) بذبح جميع الاطفال ما دون السنتين في (بيت لحم) بفلسطين، التي كانت تحت الحكم الروماني، على أمل أن يتخلص من الطفل المعجزة الإلهية (المسيح)، ابن مريم، الذي أذيع صيته في فلسطين والعالم أجمع، وقيل لهيرودس بأن هذا الطفل جاء ليقضي على (مملكة داوود). نفذت عصابات هيرودس المجزرة بحق اطفال بيت لحم الأبرياء،لكن من غير أن يقتلوا المسيح وهو طفلاً، حيث هربته اسرته الى الناصرة. وتابع المسيح الذي أجمعت الآلهة على ارساله الى الأرض لتحرير الله من النزعة القومية اليهودية ليصبح إلها أممياً،كذلك للتبشير بالتسامح والمحبة ونبذ العنف ورفض قتل الإنسان لأخيه الانسان. لكن في النهاية تمكن الإرهاب اليهودي من القبض على المسيح و صلبه حتى الموت.
إن ما يتعرض له المسيحيون العراقيون اليوم،من خطف وقتل جماعي وتهجير قسري من منازلهم، على أيدي مجموعات ارهابية اسلامية،بغطاء عربي واسلامي غير معلن، لا يقل فظاعة عن ما مارسته المجموعات الإرهابية اليهودية،قتل الأطفال الصغار في بيت لحم، من أجل التخلص من المسيح. الإرهاب الإسلامي اليوم ،كما الإرهاب اليهودي في الماضي،يمارس بمسوغات عقائدية دينية، قائمة على رفض الآخر والغائه. انه (الإرهاب المقدس)، الذي يمارس باسم الآلهة والدين،وهو أخطر أنواع الإرهاب الذي عرفته البشرية عبر التاريخ. في اطار ممارسة هذا النوع من الإرهاب استباحت التنظيمات الإسلامية دم المسيحيين في العراق وأموالهم، ما لم يتركوا دينهم ويعتنيقوا الإسلام. طالت جرائمهم رجال الدين ومراكز العبادة. فحتى الآن قتلوا أكثر من خمسمائة مسيحي بريء ومن غير سبب وهجروا أكثر من نصف المسيحيين العراقيين من مناطقهم واحتلوا منازلهم،في بغداد ونينوى والبصرة ، وفجروا عشرات الكنائس في انحاء متفرقة من العراق. ويوم الثلاثاء الماضي قامت مجموعة إرهابية مسلحة باختطاف ثمانية طلاب وأساتذة جامعيين آشوريين مسيحيين في طريق عودتهم من جامعة نينوى الى بلدتهم بغديدا. مما يؤكد على أن الهدف الأساسي للمجموعات الإرهابية هو ابادة المسيحيين وإخلاء العراق الذي أعلنوه (إمارة إسلامية) من كل من هو غير مسلم. إذ أن عمليات القتل والخطف والتهجير لا تقتصر على المسيحيين وإنما هي تطال جميع الأقليات الغير المسلمة في العراق،من الصابئة المعمدانيين والإزيديين والشبك.
قد يقول البعض: أن ما يحصل للمسيحيين العراقيين لا يقارن بما يحصل للمسلمين العرب من سنة وشيعة في هذا البلد الجريح الواقع تحت الاحتلال. هذا صحيح. لكن العالم كله يدرك أن ما يجري بين السنة والشيعة هو صراع تناحري على السلطة والثروة في العراق، بمعنى آخر انه صراع على من (يحكم العراق)،لكن ليتفضل هؤلاء ليقولوا لنا لماذا يقتل المسيحيون على أيدي مجموعات إرهابية تضم من الشيعة والسن معاً؟هل لهم أطماع في السلطة؟ بكل تأكيد لا. هل قتل مسيحي مسلماً واحداً بسبب دينه؟بالطبع لا. هل المسيحيون سبب قدوم الأمريكان وغيرهم للعراق وبالتالي هم سبب تفكك دولة العراق؟قطعاً لا . وهنا أتمنى،كما يتمنى ذلك كل آشوري ومسيحي عراقي ومشرقي واقعي صريح مع نفسه، لو تمكن الآشوريون والمسيحيون العراقيون- الذين يبحثون عن ملاذ آمن مفقود في وطن الآباء والأجداد- من اقتطاع جزء من ارض العراق،بعد ان وصلت الأوضاع فيه الى ما هي عليه من تفتت وانهيار واستحالة عودته دولة واحدة موحدة كما كان. فالآشوريون هم أحق من غيرهم في وطنهم التاريخي لإقامة كياناً آمناً خاصاً بهم يمارسون فيه عقائدهم ويعيشون بحرية بدون خوف أو قلق. لا أنكر بأن الكنيسة مارست الإرهاب المقدس في بعض الأماكن والمراحل، وربما بابشع صوره، حقبة القرون الوسطى وإبان محاكم التفتيش، في ظل حكم الباباوات والأباطرة الذين زعم بانهم أنهم وكلاء الله على الأرض ويحكمون باسمه ونيابة عنه ، لكن المسيحيون وبفضل تنامي الوعي الوطني والثقافة المدنية والأخلاق الإنسانية، تمكنوا من أن يتخلصوا من حكم الكنيسة والباباوات وإقامة الدولة المدنية، دولة المواطنة، ويتحرروا من ثقافة العنف والحقد، باعتبارها ثقافة دخيلة على العقيدة المسيحية. فالمسيح وهو على الصليب يجلد والمسامير تدق في جسده، طلب من الآلهة أن تسامح جلاديه. لكن اللافت والمخيف في العالم الإسلامي انه يزداد عنفاً يوم بعد يوم وتتنامى فيه بشكل سرطاني مرعب الخلايا الإرهابية والاتجاهات الإسلامية السلفية والتكفيرية المتشددة. بالطبع هذا يعود بالدرجة الأولى الى ان العنف واستخدام القوة هما جزء اساسي وأصيل من الثقافة والعقيدة الإسلامية. ألم يغزوا العرب والمسلمين العالم شرقاً وغرباً وخاضوا حروباً ضروسة باسم الإسلام لنشر الدعوة المحمدية وإقامة حكم الإسلام. ألم يُقتل غالبية الخلفاء المسلمين على أيدي مسلمين بفتاوى الفقهاء ؟. أليس القتل مشرع ومحلل في الإسلام تحت ذرائع ومسميات متعددة ومختلفة، كالجهاد وقتل المرتد والكافر والمشركين؟. بماذا يمكن تفسير انتشار ظاهرة (الإرهاب الإسلامي) في العالم اجمع،يتداول الإعلام اليوم اسم أكثر من ثلاثين تنظيماً اسلامياً متشدداً يمارس العنف والإرهاب الإلهي المقدس باسم الإسلام؟. لا شك، ليس كل المسلمون ارهابيون، إذ هناك مسلمون متحضرون ينبذون العنف والإرهاب ويدينون قتل غير المسلم بسبب دينه،ويؤمنون بحرية الاعتقاد والعيش مع الآخر، وينشدون دولة مدنية عصرية على النموذج الأوربي. لكن هؤلاء المسلمون المتحضرون، هم قلة جداً، ثم أنهم بنظر التنظيمات الإسلامية المتشددة والإسلام السياسي عامة ليسوا بمسلمين حقيقيين وإنما هم ضالون خارجون عن الإسلام،وبالتالي مثلهم مثل غير المسلم يجب تكفيرهم و قتلهم. وقد قتل الكثير من المتنورين المسلمين على ايدي الإسلاميين التكفيريين. نعم هذه هي الحقيقة، على المسلمين الاعتراف بها،وإلا عليهم أن يقدموا البديل وليثبتوا العكس.
لقد ايقظت حوادث القتل والذبح والخطف والتهجير القسري للمسيحيين العراقيين الذاكرة التاريخية الحزينة والأليمة جداً لـ(مسيحيي) الشرق الأوسط عامة، الذين اضحوا جزر صغيرة ومعزولة في بحر اسلامي هائج، و أعادت طرح قضيتهم من جديد، لكن من غير أن يقوم المعنيين أو المجتمع الدولي بوضع حد وحلول معقولة لمحنتهم. لذلك فهم سيبقون تحت رحمة المجموعات الإرهابية. وهناك خشية حقيقة من أن يكون مصير مسيحيي الشرق، تحت ذريعة التواطؤ والتعاطف مع الغرب، كمصير اليهود، الذين تهموا بالتواطؤ مع الحركة الصهيونية، حيث كان يترجم غضب الجماهير الإسلامية اثناء الحروب العربية الإسرائيلية الى احتجاجات شعبية معادية لليهود، وقد تسبب، النزاع العربي الإسرائيلي، في اخلاء المنطقة كلياً من اليهود. وقد بدأ الصراع الإسلامي الغربي يلقي بظلاله السلبية ومضاعفاته الخطيرة على المسيحيين في الشرق و العالم الإسلامي وبدأ المسيحيون المشرقييون يدفعون ثمن هذا الصراع وباتوا امام خيارات صعبة ومرة ، إما الرحيل أو اعتناق الإسلام أو القتل، إذ لا مكان لهم في الإمارات المسلمة التي ستقام في المنطقة. فالمشهد العراقي يمكن له أن يتكرر في أكثر من دولة في المنطقة، لأنها دول مأزومة،وهي تحمل في بنية نظامها السياسي وتركيبتها الاجتماعية عوامل انهيارها وتفككها،والقابلية لاندلاع حروب اهلية فيها.
هناك من يُنظر بأن الآشوريين سيعودون يوماً الى وطنهم التاريخي(بلاد ما بين النهرين) حتى ولو لم يبق آشورياً واحداً في العراق. هذه العودة ستكون بمساعدة الأمريكان والأوربيون،مثلما أعادوا اليهود من أوربا الى فلسطين بعد قرون من تهجيرهم وتركهم لها، مستفيدين من ظروف الحرب العالمية الأولى. مثل هذه التنظيرات هي ليست أكثر من أوهام ونوع من العزاء للنفس،كالبائس على الأرض الذي يحلم بحياة كريمة في السماء. إذا لو أراد الأمريكان والأوربيون فعل شيء للآشوريين والمسيحيين العراقيين(منطقة آمنة) أو كيان قومي خاص بهم، لكانوا فعلوها اليوم ولا شيء يمنعهم إذا ما ارادوا ذلك، فهم يحكمون العراق مباشرة، عسكرياً وسياسياً، كما يهيمنون على المنطقة, مثلما فعلوا للأكراد وأقاموا لهم (دولة كردية آمنة) في الشمال عام 1991. جدير بالذكر في هذا السياق أن الرئيس الأمريكي جورج بوش، عقب لقاءه البابا بنديكتيوس في روما مؤخراً ،اعرب البابا له عن قلقه الشديد ازاء وضع المسيحيين العراقيين، اكتفى(بوش) بالقول: اننا نعمل جاهدين لكي يحترم الناس الدستور العراقي. وفي لقاء نظمه مكتب الصدر والكنيسة الكلدانية، تساءلت جيهان لويس منصور المسيحية المهجرة من منطقة الدورة في جنوب بغداد بحدة : من يحمينا انتم كعراقيين ام بوش؟ وقالت بمرارة واضحة ردا على سؤال عما اذا كان الرئيس الاميركي جورج بوش قادر على حماية المسيحيين في العراق: من يجب ان يحمينا انتم ام بوش؟ عليكم انتم حمايتنا كعراقيين. واضافت السيدة جيهان منصور:لماذا تخلى الجميع عنا؟ لقد شوهوا الدين فالى متى تتركنا الحكومة؟ هناك منشورات تطالبنا بالتهجير. يقولون لنا: لا نريدكم هنا نحن (امارة اسلامية( اما تعتنقون الاسلام او تدفعون جزية او تخرجون من هنا. أن عدم اهتمام الأمريكان والغرب الأوربي بمحنة المسيحيين العراقيين يعري ويدحض مزاعم الإسلاميين وكل من يتهم المسيحيين المشرقيين باللاوطنية وبالولاء لأمريكا و للغرب المسيحي. نعم الجميع تخلى عن الآشوريين والمسيحيين العراقيين هذا جزائهم على منجزاتهم الحضارية في كل المجالات التي قدموها للبشرية، ليبقوا تحت رحمة الإرهاب الإسلامي المقدس!ونحن أمام هذا المشهد التراجيدي والمأساوي في العراق،يجول في خاطرنا سؤالاً - عذراً من كل المسيحيين وشهداء المسيحية الذين قضوا نحبهم دفاعاً عن عقيدتهم- ألم يكن لخير الآشوريين تحديداً ولمعظم شعوب المنطقة التي تعتنق المسيحية كالأقباط ، لو أن عصابات هيرودس اليهودي تمكنت من قتل المسيحي وهو طفلاً . . . . ؟.