كتَّاب إيلاف

عندما يٌراد لتركيا ان تكون عراقاً آخر!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

نقلت صحيفة(Azadiya Welat) الكردية التي تصدر في دياربكر، عاصمة اقليم كردستان الشمالية، معلومات مذهلة عن خطة تركية رهيبة، كانت ستشغل النار في دولة "اتاتورك" لو قيض لها ان تنجح. وتقول الصحيفة نقلاً عن معلومات من اقليم كردستان الجنوبية( كردستان العراق) ان خطة اعدت بحذاقة، كانت تستهدف اختطاف كل من مراد قره يلان رئيس اللجنة القيادية في حزب العمال الكردستاني ومساعده جميل باييك( وهما من القادة التاريخيين للحزب) ونقلهما في طائرة حوامة عسكرية إلى مطار السليمانية، ومن ثم إلى داخل الأراضي التركية. بمعنى آخر، خطة شبيهة بتلك التي تعاون فيها الأتراك مع الإسرائيليين والأميركان، لإختطاف الزعيم الكردي عبدالله اوجلان ونقله إلى أنقرة قبل اكثر من ثمانية اعوام.

وقامت فصول الخطة تلك من عدة مشاهد: أولاً: يتم دعوة قره يلان وباييك للاجتماع باحد المسؤولين في حزب الإتحاد الوطني الكردستاني، بحجة ان هناك عرضاً تركياً حول حل القضية الكردية في تركيا بالحوار ويجب مناقشته. ثانياً: تقتحم قوة من المخابرات التركية(MIT) مكان الإجتماع وتعمد لإعتقال قر ه يلان وباييك على الفور( او قتلهما فيما حاولا المقاومة)، ومن ثم تقوم حوامة تركية بنقل الرجلين إلى مطار السليمانية، ومن هناك الى داخل الأراضي التركية. وكشفت الصحيفة عن ان المخابرات التركية كانت قد نقلت قطع الحوامة إلى داخل اقليم كردستان في اوقات سابقة، وان الأخبار التي تواترت عن القاء قوات "الأسايش" الكردية القبض على بعض الجنود الأتراك وبحوزتهم "قطع غيار لمروحية عسكرية" في الثاني من حزيران الجاري، فضحت جزءاً من الخطة السرية تلك.


واضافت الصحيفة أن الشق الخطير الآخر من السيناريو القذر هذا، كان يقول باغتيال الرئيسة السابقة للمحكمة الدستورية العليا في تركيا، وتفجير سيارة مفخخة في جادة الإستقلال وسط مدينة اسطنبول لقتل اكثر من خمسين شخصاً، واتهام العمال الكردستاني بتدبير كلا الحادثتين، لإجبار الحكومة على منح الضوء الأخضر لخمسين الف جندي تركي بالتوغل في كردستان العراق. وبينت الصحيفة ان الجيش راجع حساباته في اللحظة الأخيرة، ووجد بان عملية اختطاف قياديين كبيرين في العمال الكردستاني سوف تمنح فرصة ذهبية لحزب العدالة والتنمية ليكتسح الإنتخابات القادمة وينال حصة الأسد من اصوات الناخبين الأتراك. حيث ان هؤلاء سيزدادون انتشاءً وشراسة حينما يلوح لهم نصر بهذا الشكل على المقاتلين الكرد، وسيصبون اوراقهم الخضراء بالجملة في صندوق اردوغان وجماعته.

وكانت مصادر قد اشارت لإجتماع عقده بعض المسؤولين في الجيش التركي في معهد "هادسون" في واشنطن الاسبوع الماضي، وحضره قوباد الطالباني، نجل الرئيس العراقي جلال الطالباني. وقالت المصادر ان هذا الإجتماع تمخض عن "حبك بعض خيوط هذه المؤامرة" لضرب العمال الكردستاني في مقتل، وتحقيق حلم تركيا بالتوغل "المشروع دفاعاً عن النفس" في عمق اراضي اقليم كردستان.الخطة/ الكارثة، والتي قالت الصحيفة الكردية ان اردوغان يقف وراءها( والذيّ، وللتذكير هنا، لم يستبعد تدخلاً عسكرياً في خارج الحدود بعد خروجه من الإجتماع الطارئ لمجلس الأمن القوي التركي) توضح مرة اخرى افلاس الدولة التركية وتخبطها في امر التعامل مع القضية الكردية. فتركيا تشبه الآن افعى صغيرة اقدمت على ابتلاع خروف كبير، لاهي بقادرة على هضمه ولاهي بقادرة على لفظه والتخلص منه.وكون هذا السيناريو يأتي من اردوغان نفسه، فهو الأمر الذي يشكل الدليل على مدى ضعف الرجل وقلة حيلته امام جبروت المؤسسة العسكرية وصلافة وبطش رئيسها جنرال الحرب يشار بويوكانبت. كما يوضح الأمر لنا عقلية الغدر المتأصلة في العقل الجمعي لرجال البلاط الأتراك. وهي عقلية مؤامراتية قديمة موروثة من زمن سلاطين بني عثمان، الذين قتل بعضهم أشقاء لهم طمعاً بكرسي الحكم.

ولنا ان نتخيل تداعيات تلك الفعلة الحمقاء فيما لو كتب للخطة النجاح: كانت ستؤدي إلى إندلاع حرب شعواء بين الكرد في اقليم كردستان العراق والجيش التركي. عشرات الآلاف من بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني كانوا سيكمنون للجنود الأتراك وهم في طريقهم الى معاقل العمال الكردستاني في جبال قنديل الشاهقة. مواجهات كبيرة ومئات القتلى من الجنود الأتراك. والأمر كان سيتحول لكارثة حقيقية فيما لو واصل الجيش التركي طريقه نحو كركوك. اما في داخل تركيا فكان مقاتلو قوات حماية الشعب (الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) والذين قدرّ اردوغان تعدادهم ب5000 مقاتل( وهم قطعاً اكثر بكثير) سيشنون هجمات دموية تطال معظم مصالح الدولة التركية، ابتدءاً من شمزينان وانتهاءاً باسطنبول. في ذلك الوقت كانت تركيا ستدخل مأزقاً كبيراً، وحالة حرب اهلية شعواء، اين منها تلك التي تجري فصولها في العراق الآن. نقول ذلك سيما وان هناك الآن بوادر صدام داخلي، وارضية مهيئة لحرب داخلية وشعبية شاملة، وعلى مختلف الصعد، بين الأكراد والأتراك. والإحتقان على اشده والبركة في الإعلام التركي العنصري وحملات التحريض اليومية التي يبثها بالزحف على "شمال العراق لتأديب البارزاني وضرب قواعد الإرهابيين وضم كركوك وتخليص التركمان"!.

تركيا ستكون ساذجة جداً فيما لو ظنت ان بامكانها التخلص من حزب العمال الكردستاني بهذا الشكل، او بأي شكل آخر. فهذا الحزب ومنذ اكثر من ثلاثين عاماً ضرب جذوره عميقة في ارض كردستان الكبرى، وهو يحظى بشعبية طاغية وسط الملايين من المقهورين في اقاليم كردستان الشمالية، وفي الحواري الهامشية التي يسكنها مئات الآلاف من المعدمين الكرد في اسطنبول وانقرة وازمير.

لاتوجد اية فرصة لحل القضية عسكرياً. ليس هناك من امكانية سوى ان تجنح الحكومة التركية للسلم وتبدأ في المفاوضات والحوار مع الحزب الكردستاني وقائده اوجلان. واي متابعة للخط البياني لتطور الحركة الكردية المسلحة في كردستان الشمالية سيجد انها الآن في اقوى مراحلها. ويتزامن ذلك، ولسوء حظ الجنرالات، مع نهوض شعبي كبير والتفاف كردي ضخم حول حزب المجتمع الديمقراطي( الذي تقول انقرة انه واجهة العمال الكردستاني السياسية). وهو الحزب الذي من المزمع ان يصدر في الإنتخابات التشريعية المبكرة في تركيا في 22 تموز القادم، مابين 30ـ40 نائب إلى البرلمان التركي.القضية تحتاج لحل سلمي، لا إلى الحرب وسفك المزيد من دماء الأكراد والأتراك...

لكن ماذا يقول المرء في التطرف التركي الذي يتبدى الآن في اجلى وافضح صوره. والتطرف، كما تقول الحكمة القديمة، هو بداية السقوط...
tariqhemo@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف