كتَّاب إيلاف

... نتيجة الحلف غير المعلن بين أسرائيل و حماس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بغض النظر عمّا حققته قمة شرم الشيخ، التي ضمّت الرئيس حسني مبارك والملك عبدالله الثاني ورئيس السلطة الوطنية السيّد محمود عباس ورئيس الوزراء الأسرائيلي أيهود أولمرت، يظل الشعب الفلسطيني الضحية. أنه ضحية الممارسات الفلسطينية أوّلاً وعدم الرغبة في الأستفادة من تجارب الماضي ومآسيه في آن. مسكين الشعب الفلسطيني. في أستطاعة العرب مساعدته، لكنهم لا يستطيعون شيئاً أذا لم يساعد نفسه أوّلاً بوجود حكومة أسرائيلية أستفاقت متأخرة على أن همّها يجب ألاّ ينصب على محاربة السلطة الوطنية الفلسطينية وتدمير مؤسساتها بما يخدم "حماس"...
يختصر المأساة الفلسطينية الجديدة التي نجمت عن الحلف غير المعلن بين أسرائيل و "حماس" أنه لو فتحت أبواب قطاع غزّة الآن لخرج منها نصف سكانها ألى حيث في أستطاعتهم أن يرحلوا، أي ألى مصر والضفة الغربية... وحتى أسرائيل، بعدما تبيّن أن لا وجود لأي أفاق سياسية أمام "حماس" نتيجة أقدامها على خطوة السيطرة عسكرياً على القطاع وطرد "فتح" منه. ما يدلّ على أن لا وجود لمثل هذا الافق السياسي كلام السيّد احمد يوسف المستشار السياسي للسيّد أسماعيل هنية الذي لا تزال "حماس" تعتبره رئيساً للوزراء الفلسطيني، على الرغم من تشكيل رئيس السلطة الوطنية السيّد محمود عبّاس حكومة طوارئ برئاسة الدكتور سلام فيّاض. يدعو أحمد يوسف في مقال نشرته أخيراً صحيفة "نيويورك تايمز" العالم، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة، ألى الأنفتاح على "حماس" في مقابل تثبيت ما يسمّيه "هدنة طويلة". لا يدري المستشار السياسي لهنية أن ليس هناك أي أهتمام دولي بمثل هذه الهدنة التي تستطيع أسرائيل فرضها بالقوة متى شاءت ذلك ومتى أعتبرت أنها تصبّ في مصلحتها.
ألى الآن، تبدو أسرائيل التي عينها على الضفة الغربية وليس على غزة، مرتاحة ألى كلّ ما تقوم به "حماس". كلّ التطورات التي شهدتها وتشهدها غزّة تصبّ في مصلحتها بما في ذلك أنتشار فوضى السلاح في القطاع وأستمرار أطلاق الصواريخ منه. لعلّ الوضع الذي يريح دولة الأحتلال أكثر من غيره هو الوضع السائد في غزّة حالياً. تستطيع أسرائيل القول للعالم أنها أنسحبت من كلّ القطاع في صيف العام 2005، لكن شيئاً لم يتغير فيه نحو الأفضل. على العكس من ذلك، لم يتوقف الفلسطينيون عن اطلاق الصواريخ وهم خطفوا جندياً قبل سنة وحاولوا خطف غيره لاحقاً. والأهم من ذلك، أن الفلسطينيين لم يجدوا صيغة للتفاهم في ما بينهم، صيغة تحفظ الأمن في القطاع. وما لبثوا أن دخلوا في حرب أهلية أنتهت بانتصار "حماس" وفرار عناصر الأجهزة الأمنية ومقاتلي "فتح" في أتجاه الأراضي الأسرائيلية كي لا يسحلهم مقاتلو "حماس" أو يفتكوا بهم. يا لها من مفارقة حين يضطر فلسطيني ألى الأحتماء بالأسرائيلي خوفاً من فلسطيني آخر. ولكن ما العمل عندما تتتغيّر موازين القوى في مكان ضيق مثل غزة تحول ألى غابة سلاح... بفضل التسهيلات التي حصلت عليها "حماس" بقدرة قادر فأمتلكت السلاح والمال بما مكّنها في النهاية من السيطرة على القطاع وطرد السلطة الوطنية ومعها "فتح" منه؟
لا تصلح الهدنة الطويلة شعاراً لمرحلة ما بعد أنتصار "حماس" في غزة وهو أنتصار أعاد القضية الفلسطينية ألى ما دون نقطة البداية، أي ألى مرحلة لم يكن فيها أي أعتراف عالمي سوى بلاجئين وليس بوجود شعب فلسطيني يمتلك حقوقاً مشروعة "غير قابلة للتصرف". حتى لو كان شعار "الهدنة الطويلة" خضع في الماضي لتفسير من أحمد يوسف في مقال مشابه تحدث عن المفهوم الأسلامي للهدنة بصفة كونها مرحلة تسبق السلام، فأن البضاعة التي تسعى "حماس" ألى الترويج لها غير قابلة للتسويق. الخيار الوحيد ل"حماس" هو الأعتراف بأن أنتصارها العسكري في غزّة كان هزيمة شنيعة لها ولكلّ ما تمثله. لم تفهم "حماس" أن أنتصارها في الأنتخابات الفلسطينية قبل ثمانية عشر شهراً عائد ألى حال قرف لدى المواطن الفلسطيني من "فتح" ومن ممارسات عناصر "فتح" وقيادييها في شكل عام لا أكثر ولا أقل.
يفترض في "حماس" أن تستوعب أن المخرج الوحيد من أزمتها يتمثل في الأعتراف أيضاً بانّ المشروع السياسي الوحيد القابل للحياة هو ذلك الذي تطرحه السلطة الوطنية الفلسطينية عبر رئيسها "أبو مازن" الذي أتخذ أخيراً موقفاً جريئاً برفض الحوار معها بعدما لجأت ألى حسم الخلاف السياسي عن طريق السلاح. عليها أن تستوعب في الوقت ذاته أنّ ليس كافياً مهاجمة العقيد محمد دحلان كي تحصل على صكّ براءة من الجرائم التي أرتكبتها. ربما كان خطأ دحلان أنه مكث في القاهرة بعد الجراحة التي خضع لها في ركبتيه ولم يعتقد لحظة، خصوصاً بعد أتفاق مكّة، أن "حماس" يمكن ان تلجأ ألى السلاح مجدداً لتنفيذ أنقلاب من النوع الذي نفّذته أرضاء للمحور الأيراني - السوري. لم يكن أحد في "فتح" وحتى خارج "فتح" يعتقد أن "حماس" لا تشبه سوى عصابة "فتح - الأسلام" التي حاولت تنفيذ أنقلاب في شمال لبنان أنطلاقاً من مخيّم نهر البارد ومن أوكار لها في مدينة طرابلس.
ما حصل في غزّة يريح السلطة الوطنية الفلسطينية ويعفيها من عبء القطاع ويريح "فتح"، او على الأصح ما بقي منها، في حال كانت هناك نية لأعادة الحياة ألى الحركة الفلسطينية الأم. من لن يكون مرتاحاً هو مصر، نظراً ألى أن الأكيد أن السلطة فيها ستعتبر الأنقلاب الذي شهدته غزة موجهاً ضدها في الأساس، هي التي أبقت على وفد أمني في القطاع وسعت ألى تهدئة الأمور فيه مع التأكيد المستمر أنها معنية مباشرة بالوضع الغزاوي. لم تكن مصر راضية عن غزوة غزة وكانت لديها قبل ذلك تحفظاتها عن أتفاق مكة الذي كان بمثابة تجاهل لدورها في منطقة تعتبر نفسها معنية بها مباشرة سياسياً وأمنياً. في النهاية، أن "حماس"، على الرغم من تحولها الى أداة للمحور الأيراني -السوري، تظل جزءاً لا يتجزأ من حركة الأخوان المسلمين التي هي في صراع مباشر مع الحكم في مصر. هل وضعت "حماس" في حساباتها العامل المصري والشعور السائد في بعض الأوساط المصرية بأن النفوذ الأيراني توسّع ألى غزة وبات على الحدود المصرية القائمة مع القطاع؟
بعد سنة ونصف سنة على فوز "حماس" في أنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وبعد تشكيلها حكومة خاصة بها رفض العالم التعاطي معها، وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي ما لبثت أن أنهارت نتيجة أحداث غزة، يؤمل بأن تفكر الحركة بالشعب الفلسطيني. يؤمل بأن تفكر في أن قطاع غزة سيظل معزولاً عن العالم وأن ليس أمامها سوى الأعتراف بهزيمتها. لم تنهزم "حماس" لأنها تحولت مجرد أداة في لعبة ذات طابع أقليمي يستخدم الشعب الفلسطيني وقوداً فيها فحسب، وأنما هُزمت أيضاً لأنّ ليس لديها ما تقدمه للشعب الفلسطيني سوى الشعارات. الشعارات لا تطعم شعباً ولا تفك العزلة عن أهل غزة. الشعارات التي ترفعها "حماس" تمثل أكبر خدمة تقدم للأحتلال الأسرائيلي. لا تشبه شعاراتها سوى شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" الذي نقل العرب من هزيمة ألى أخرى والفلسطينيين من كارثة ألى أخرى أكبر وأشدّ هولاً. لا تشبه شعاراتها سوى تلك التي يطلقها الرئيس الأيراني محمود أحمدي نجاد الذي يدعو ألى التخلص من أسرائيل، فأذا بالدولة اليهودية أول من يتلقف ما يرد في خطبه ويتولى توزيعها على العالم!
لماذا لا تعترف "حماس" بهزيمتها؟ منذ متى كان الأنتصار على الفلسطيني الآخر أنتصارا؟ متى أعترفت "حماس" بهزيمتها يصبح الحوار ممكناً... مع "فتح" وغير "فتح" ومع السلطة الوطنية ممثلة برئيسها. متى فعلت ذلك، يصبح في الأمكان البحث في حكومة جديدة، ذلك أن ما هو أهم من الحكومة العودة عن الخطأ عبر الأقرار بأن لا افق سياسياً لأنقلاب غزة. كلّ ما في الأمر أن عذابات الشعب الفلسطيني في القطاع ستزداد وسيصبح الخروج من غزّة هدفاً في حد ذاته حتى لو كان ذلك في أتجاه العدو الأسرائيلي...
ثمة من سيرد على هذا الكلام بأن "حماس" أنتصرت، لا لشيء سوى لأنّ هدفها السلطة. السلطة من أجل السلطة. أما فلسطين وطموحات شعب فلسطين، فأنها ليست سوى عذر يستخدم من أجل الأستيلاء على السلطة. فلسطين وطموحات شعب فلسطين آخر هموم "حماس" ما دامت السلطة في غزة في يدها ويد الذين يسيرونها من خارج! هل أقامة أمارة أسلامية في منطقة بائسة معزولة عن محيطها منتهى طموحات الشعب الفلسطيني؟
لم تكن أسرائيل تحلم بمثل هذا الوضع المثالي بالنسبة أليها. أنّه وضع مثالي في المدى القصير فقط، وهو وضع لن تعيد النظر به ألآّ عندما تبدأ الصواريخ الأيرانية المصدر تتساقط على التجمعات السكانية فيها. ستستفيق عندئذ على أن أستثمارها في "حماس" لم يكن في محله وأن عليها الأستماع جيداً ألى كلّ كلمة صدرت عن الملك عبدالله الثاني الذي لم يتوقف عن تكرار أن التسوية في مصلحة الجميع وأن ألرهان الأسرائيلي على أستمرار الأحتلال ليس في مصلحة أحد، لا الأسرائيليين ولا الفلسطينيين ولا العرب ولا الأستقرار في المنطقة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف