الحزب الديموقراطي الكُردستاني والديموقراطية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
(ياقومي انّي ادعوكم الى النجاة ـ فستذكرون ما اقول لكم)
لا يمكن فصل البنية الاجتماعية، والتاريخية والتراكم الحياتي عن تناول البنية التركيبية للحزب الديموقراطي الكُردستاني.
إن النزعات الانقسامية داخل المجتمع الكُردي، العائدة الى التركيبة العشائرية المتكونة من الطبقية (الآغا والرعية، راجع إن شئت مقالينا بعنوان: (أسرار الأحقاد في بلاد الاكراد، وهل الأكراد أمة على الايلاف) تقف حائلاً أمام اي تغير جذري نحو التمدن المنشود.
إن هذا الامر على هذا النحو حزين جداً. فالمجتمعات العالمية ــ حتى المتأخرة ــ ما عدا تلك التي تدور خارج حركة التاريخ، وتغزل الحروب وتحصد الجوع والخراب، أصبحت على مرمىً من تمدن ما، إن لم نقل نحو الازدهار. ان وجود العشائرية كتركيبة سوسيولوجية، وهوية انسانية في منطقة ما ليس عيبا ولا عارا. المعضلة الكبرى في هذا المضمار، هي تحول التركيبة العشائرية الاقطاعية الى نمط اجتماعي متداخل مع السياسة والاقتصاد والانتماء الوطني. ان المتعصبين الكُرد لا يروق لهم أن يروا الامور على حقائقها، فيتعامون أو يتجاهلون في معرفة السرّ الحقيقي لتأخر الكُرد على المستوى الحياتي العام. هذه الحال هي بمثابة شق عظيم في البنية الفكرية الجماعية لقوم أو جماعة ما. ومن هذا الشق تخرج أفكار غير واقعية وغير جدية همها الوحيد التستر والتبرير.
يؤكد الاكراد باستمرار ان التخلف الاجتماعي والسياسي الكُردي متصل بالاحتلال الاقليمي لدول الجوار الكُردي لكُردستان، وكذلك ممارسة سياسات تعسفية وهمجية ضدهم من قبل العراق، ايران، سوريا وتركيا.
الكلام حول سياسات اجرامية لهذه الدول بحق الكُرد لا يمكن انكاره على الاطلاق. فما زلنا ــ جميعاً ــ نحن الشرقيين ندفع فواتير الظلم الذي عانيناه بيد الدول الاقليمية/القومية في عدْوٍ مستمر نحو الانكسار والتراجع الحضاريين.
ولكن طرح الاشكالية الاجتماعية والسياسية الكُردية، واقترانه بالاحتلال يفتقر الى دلائل واثباتات. إلا ان استمرار الصراع الداخلي بين الاثنيات والقوميات في الشرق، ومن بينها الكُرد كجماعة قومية كبيرة، هو الذي أدّى الى تأخر رؤية دقيقة وشاملة تتناول البنية الكُردية على حقيقتها.
في نظرنا يُعد الاقتران المذكور تخلفا مركباً لمعضلة مزدوجة. فتخلف الكُرد الاجتماعي من حيث البنية لا علاقة له باحتلال كُردستان الرباعي، اي الدول الاربعة التي تقتسم كُردستان.
بالطبع لانقدر ان ننكر التأثير الشديد للصراع والاحتلال في تأخر الكُرد ولكن الواقع على هذا المآل، يكاد يكون نتيجة لمعادلات مسبقة، اكثر من كونه السبب المباشر للتخلف البائن. وهذه المسألة بحد ذاتها مجال واسع جداً لبحث مستفيض نتناوله في المستقبل.
قلنا في مقالات سابقة ان الاحزاب الكُردية تحكم كُردستان منذ عام 1991. هذه المدة ليست بقصيرة، وهي تشكل اربع ولايات قانونية للسلطات الديموقراطية في دول العالم. جنوب كُردستان منذ ذلك اليوم يتمتع بالتحرير القومي الكُردي. إذن لنسأل هل السلطة القومية الكُردية في كُردستان المحررة، قدّمت وطوّرت البنية الاجتماعية للقومية الكُردية، ام انها خلقت كوارث وازمات حادّة ستدوم لآماد طويلة؟ اننا من موقع الانتماء لهذا الشعب ولهذا الوطن نطرح الموضوع من جهة قلقنا الكبير على مستقبلهما.
منذ ذلك التاريخ يحكم كُردستان حزبان مسلحان هما الحزب الديموقراطي الكُردستاني بزعامة السيد مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكُردستاني بزعامة السيد جلال طالباني. ولكن كيف تعامل وتصرف الحزب الديموقراطي الكُردستاني مع الديموقراطية، كيف مارس السلطة والسياسة، وماذا أنجز؟
هذه الاسئلة حق شرعي لأي مواطن خُلق في كُردستان، وينتمي الى هذه البقعة. والبحث عن الاجوبة حق شرعي أيضا. نحن نطرح هنا، هذا المقال في قراءة واقعية كاجابة لهذه الأسئلة، ومقالات أخرى ننشرها في المستقبل في نفس الموضوع. على أن نضع الاتحاد الوطني الكُردستاني تحت المجهر في سلسلة ننشرها في المُقبلِ من الأيام. ثم نعرج على الاسلاميين الكُرد تكملة للحصة وتأدية للموضوعية في توحيدها واكتمالها. قرائتنا للاحزاب الكُردية نابعة من ضرورة موضوعية وتاريخية. ولا تخلو القراءات من النقد الحساس، لكنها في النهاية تدخل في منفعة الاحزاب نفسها أولاً. فالقصد في ذلك التقويم والهدي الى صراط مستقيم عبر البيان الصادق والكلمة الهادية الى الحق. والصراط المستقيم في بساطته واضح، يرشدنا اليه الاحساس العام في تمييز الخير من الشر بيسرٍ وصدق.
من حيث البنية الثقافية يعاني الاخوة في الحزب الديموقراطي الكُردستاني فقراً شديداً، يُغطّى بمظاهر كثيرة توحي للمرء للوهلة الأولى، نشاطاً ثقافياً معيناً. لكن سرعان ما يتبدد الوهم ويُكشف المستور، فيدرك المرء ان كل ما يجري في نطاق الثقافة والاعلام ليس سوى خواء كبير مثير للشفقة (سيكون لنا كرّة على اعلام الحزب وخصوصاً محطتيه التلفزيونيتين كُردستان تي في و زاكروس في مقال آخر).
الخواء على باطنه وظاهره حالة مرضية لا تقدر على حمل الثقل الاجتماعي الكُردي وبلورته، حملاً على ضرورات حيوية على الأصعدة الكثيرة في حياة الشعب.
ما يعوِّض في هذا الواقع الذي يعاني الركود والجفاف الشديدين، هو ربط الجمهور بالحزب عن طريقين: المال والقوة/السلطة (سنفصل القول قليلاً حول ذلك لاحقاً من هذا المقال). لكن الضرورات الحيوية في الحياة الاجتماعية مقبلة دون توقف على تحقيق مطالب لا مندوحة من قيامتها اليوم أو غداً.
البلورة الاجتماعية التي تحمل في أحشائها حتمية الصيرورة في البنى المختلفة، كالسياسة والاقتصاد والثقافة وأخرى غيرها، تتجه باستمرار على مسارات تبحث عن أجوبة ملموسة لتلك المطالب الشعبية التي ما إن تملصت منها ايّ سلطة في العالم، حتى وصلت الى نفق مسدود يتحول بالضرورة الى محطة نهائية حزينة لها.
السلطة التي تصل هكذا محطة هي التي تهـــشّ على الشعب بعصا القهر والظلم من علٍ. أي ان السلطة هنا غير منبثقة من الضرورات الحيوية للمجتمع لتنخرط في عالم السياسة على أساسها، وتختلط بالشعب اشتقاقاً من الانخراط نفسه، في علاقة متبادلة ومتينة ترفد بطاقات السلطة والشعب جيلاً بعد جيل نحو آفاق مزدهرة.
للأسف البليغ والعميق، فان الحزب الديموقراطي الكُردستاني نأى بنفسه نحو الانعزال من المجتمع، إنعزالاً يُحسب عليه مستقبلاً في قراءة ماضيه وتقويمه. وبذلك ينسف الحزب المذكور الجسور التي تمتّن علاقته بالشعب على أسس متزنة وموازين عادلة.
في قعر الانهيارات الكُردية نهاية الثمانينيات، اثناء حملات الكيمياوي والأنفال ضد كُردستان، اصاب الحزب الديموقراطي الكُردستاني، كما الاحزاب الكُردية الأخرى، انكماش عظيم حصرها في زوايا ميتة. لكن الحزب الديموقراطي الكُردستاني لم يمت، كان يحظى بثقة وودّ الشعب الكُردي.
اليوم رغم امكانيات هذا الحزب الهائلة وسلطته التي تبدو في الظاهر قوية، يعاني الحزب الديموقراطي آلاماً عظيمة تنذر بمستقبل قاتم و وخيم. وهنا المفارقة ان الحزب يريد التمكين في الأرض بوسائل وآليات تبدد وتنسف تمكينه المحجوج. فمن تاريخ الاحزاب والسلطات نتعلم ان القوة والمال لا يقدران قلب المعادلة المنطقية في علاقة السلطة بالشعب. فالثقة والحب هما بمثابة الركائز التي تقف عليها السلطة، وكذلك بمثابة الجدران الفولاذية التي تحمي الحزب/السياسة من الانهيار والسقوط.
الحزب الديموقراطي خبر كلتا الحالين. ففي الثمانينيات وهو يعاني الضعف والانهيار، بقي حيّاً وصامداً. كان حزب البعث في القمة، لكنه كان متمكناً في الأرض بالقوة والمال. انمحى حزب البعث على وجه البسيطة، وظل الحزب الديموقراطي قائماً.
لكن انقلب المسار، فالحزب الديموقراطي الذي كان يتمرن في النضال القومي والوطني تقمص لاحقا البعث بمحتواه القلق والمخيف، وأمسى يضع قدمه في المكان الذي انزلقت فيه قدم البعث. وكلما كان السقوط من علياء، كان الانكسار اكثر شدة في الأسفل. هذا ما حدث مع البعث وجماعات اخرى كثيرة في عالمنا المترامي الاطراف.
ولكن لماذا هذا الانقلاب؟ نحاول الاجابة في ثنايا مقالنا هذا، وفي المقالات التي تنتظر الخروج الى النور في غدٍ قريب.
المحتوى بين الجوهر والممارسة
ليس بالضرورة ان يعكس العنوان جوهر المعنون خصوصاً في عالم السياسة، وفي شرقنا على الخصوص. فالسياسة التي توصف انها رمادية اللون، تغدو اكثر غموضاً حتى في وضوحها البائن بين دفتي التعاريف والمصطلحات. ولكن حتى الغموض الرمادي له حساباته الدقيقة في موازين الاحتكام الموضوعي لتقويم البنيان السياسي في كينونته. فالامر ليس اطلاق عنان الخيال ازاء تقويم اي كينونة او محتوى لواجهة سياسية او كتلة بشرية تمارس السياسة في درجاتها المتفاوتة. فالغموض مهما اشتدت كثافته، فان الوضوح يشمخ قائما، يعرض في وجود محايد، الكينونات بعناوينها وينشر كل شئ كما هو صالحاً كان ام فاسداً. إذن لا يجدي نفعاً انكار الوضوح، فهو لا يكترث بعبث لاجدوى الاعتراض، فليس من مهام الوضوح، البائن بينونة اليقين والجزم، خوض المعارك مع من يرفض تقاريره. فهو يمضي امضاء الزمان، يلازمه مسجلاً الكائنات بمحتوياتها.
الديموقراطية بتعريف بني آدم تعني حكم الشعب. اي ان الشعب يحكم نفسه حراً عبرالممثلين الذين يختارهم لتدبير امور الأفراد والمجتمع. السلطة في عُرف الديموقراطية ليست حكراً على الاشخاص والعوائل والقبائل، فهي ليست ميراثاً يمكن اقتسامه على فئة ما. بل الامر حاجة بشرية وحياتية يفضي الى آداء يُسهّل حياة الناس ويطورها.
والديموقراطية بهذا الاعتبار كينونة عقلية في غاية السمو والرفعة التي وجدت في مسيرة الانسان السياسية في دوائر العبودية والقبيلة والاقطاع عاراً وشناراً لايليق بالانسان الذي يتميز عن الكائنات الاخرى بجوهر تقوم قوائمه على العقل، الكرامة، العدل والتطور. شكراً للتلاقح الحضاري بين البشر،فقد وصلنا مفهوم الديموقراطية بكل مفرداته وتفاصيله.
نشأ الحزب الديموقراطي الكُردستاني عام 1945 في (مهاباد) التي رفعت علم جمهورية كُردية فتية لم يُكتب لها عيش كثير بعد ولادتها. الحديث عن ظروف ونشأة الحزب الديموقراطي ومؤسسيه يحتمل البحث والنقاش. فالموضوع مصكوك بالغموض والجدال. ومرد ذلك الى الصراع على الأسبقية والأولوية بين اتجاهات كثيرة داخل الدائرة السياسية الكُردية. هذا ليس من عملنا في هذا المقال. ولكننا نهمّ بان نضع هذا الحزب بغثه وسمينه تحت الشمس، حتى نتمكن من رؤية الأشياء كما هي. أو لنقل اننا بصدد تحويل المقال الى شبّاك نقي وصاف لرؤية الحزب الديموقراطي الكُردستاني كما هو دون زيادة أو نقصان.
يرتكز الحزب الديموقراطي الكُردستاني على قوائم العشيرة/العائلة في رفد طاقات الحزب وتوسيع دوائره، ليس على صعيد الرئاسة فحسب وانّما في شتى مستويات مراتب السلطة والحكم داخل الحزب المذكور. فالزعيم الراحل (ملا مصطفى بارزاني ـ توفي عام 1979، رحمه الله) كان رئيساً للحزب، وانتقلت الزعامة بموته الى ابنه مسعود الذي يترأس حالياً الحزب. ولكن الآخرون من ابناء عشيرة بارزان ليسوا محرومين من الزعامة والسلطة. فاخوان السيد مسعود بارزاني وأبنائه وأبنائهم وأعمامه وأولاد اعمامه وحيث دنت القرابة بمراتبها المتفرعة، يمارسون السلطة على نحو حساب مفتوح في السياسة. وأحياناً تبلغ سلطة الواحد من أبناء العائلة فوقانيةً تدنو منها السلطات الرسمية الأخرى في أعلى مستوياتها. إن شكاوى المواطنين من الغالبية العظمى للشعب الكُردي حول السلطة المطلقة التي يمارسها أفراد القيادة، تبين ذلك بوضوح (بُعيد سقوط نظام صدام أنشأت امريكا مكتباً لتلقي شكاوي المواطنين الكُرد من السلطة الكُردية. استلمت امريكا الألوف من شكاوى المواطنين الكُرد ـ بعضها خطير جداً ـ في وثائق محتفظة بها الى حين!).
إن سلطات قيادة الحزب وهي التي تنحصر في عمق امتدادها في يد أفراد عائلة السيد مسعود بارزاني، وفق الحساب المفتوح، هي التي تدير دفة الحكم والحياة في المناطق التي تمتد اليها يد الحزب/العشيرة.
إنّ استغراق السياسة والسلطة في دائرة كهذه، يطرح اشكاليات كبيرة. فالسلطات القائمة لا تخضع لموازين الاستيقاف والمسائلة القانونية، فضلاً أنها لا تنحصر في الحدود القانونية التي تُشــرعن من قِبل دستور الدولة/الاقليم. وفي طرف آخر تقوض هذه السلطة المطلقة سلطة القضاء وصلاحياته.
إلى تعاظم الفوضى والتخلف في ظل هكذا سلطة فوق قانونية، فإنّ السلطة نفسها تتحول من جسرٍ مفروض بين الشعب وآفاق السعادة إلى هراوة تسحق رؤوس الأفراد بلا هوادة. وحيثما ترسخت السلطة الاستبدادية في أجواء يتراكم فيها الخراب ـــ كما هي الحال في كُردستان ـــ فإن فرصة استشـــفاف الآفاق البديلة، عن طريق سلمي، تصبح أكثر قتامة إلى حد الانكفاء نحو حلك الانعدام.
المعضلة الكبرى على هذا المستوى وجود تعقيدات جيوسياسية مع عوامل داخلية متشابكة. فالكُرد حالهم حال التكوينات الأخرى في المنطقة عاشوا الاضطهاد والظلم لفترات طويلة. لكن لا يمكن انكار ان الظلم الذي تعرض له شعب كُردستان كان مركّباً وأكثر محنة احياناً كثيرة مما تعرض له الآخرون من التكوينات القومية والطائفية والحزبية. معاناة الاضطهاد الطويل خلق لدى ابناء شعبنا نفسية منكفئة ومترددة تدور في دائرة الخوف والوجل القاتل.
ومن هنا حدثت فجوة عميقة وعريضة في البنيان السياسي للشعب، تسربت منها شهوة السلطة والاستيلاء الحزبي والفردي الذي بلغت ذروته في دكتاتورية مجرمة تنفث الرعب والموت في قنوات الخراب والدمار، والتي تطل فوهات مخارجها على الوطن والشعب معاً. والأزمة الحقيقية في هذه التعقيدات الجيوسياسية، متلازمة مع العوامل الداخلية التي أشرنا اليها آنفاً، والتي أدت الى انعدام شعور الانتماء لدى فرد السلطة الى القومية/الوطن بشكل عضوي. حتى لا يلتبس الأمر على الفهم نوضح ذلك بقليل من البيان.
المعادلة السياسية الدولية في القرن الماضي قسمت كُردستان الى اربعة اجزاء مقموعة بتفاوت بينها.
استمر الاكراد في العيش تحت وطأة الاستبداد والاضطهاد القومي، بموازاة انكسار ثوراتهم وانتفاضاتهم لآماد طويلة جداً. هذا الانكسار في مسيرة الثورات القومية والوطنية الكُردية، خلق انكساراً آخر في بنية التكوين النفسي للانسان الكُردي انعكس في الأدب الغنائي ــ على الخصوص ــ وكذلك في المستويات الأخرى. الانكسار النفسي هذا جلس القرفصاء في زاوية المستحيل، وانكفأ الى الوهم القائل: إن الفشل والانكسار الكُرديين في مضمار السياسة ونتائجها، شيئان أزليان.
إذن فالكُردي في العمق ــ وللأسف ــ يائس في رؤية أفق بهيج على المستوى القومي/الوطني المنشود. والآمال الكُردية (شأن الآخرين من العرب والاتراك والفرس) معلّقة دوماً على العامل الخارجي (نتطرق الى ذلك في مقال آخر مستقبلاً إن شاء الله). وهذا في اغلب الاحوال بمثابة الرهان على الحصان الأضعف مسبقاً. ربما يعترض البعض على ذلك. ولكن الاداء السياسي على مستويات مختلفة تؤكد وتثبت ذلك. نضرب مثالا في ذلك بعد قليل. لنعد الى موضوعنا ديموقراطية الحزب الديموقراطي الكُردستاني.
قلنا ان الحزب منذ عام 1991 يحكم كُردستان مناصفة مع الاتحاد الوطني الكُردستاني. في عام 1992 جرت انتخابات فاز فيها الحزبان وتقاسما السلطة مثل كعكة. ومنذ ذلك اليوم لم تجر في كُردستان انتخابات أخرى. وبناء على ذلك فان ولاية السلطة القانونية أصبحت في عداد الاساطير والملاحم. لكن الحظ حالف (الديموقراطي) جغرافياً واستمر في جمع الأموال بغير حدود من رسومات الجمارك في نقطة (ابراهيم الخليل) من عائدات النفط مع تركيا.
في الأثناء دخل الحزب في صراع محتدم مع الاتحاد الوطني، وصل مبالغ من حروب وويلات كبيرة، وواسعة في الوزن والحجم. بالطبع ارتكبت جرائم بشعة، تنتظر غالبية الكُرد فرصة مرجوة لفتح الملفات ضد مجرمي الحرب، على غرار قادة البعث في العراق، اللهم إلا إذا قامت اصلاحات جذرية وكبيرة.
ازدادت ثروة الحزب بعد سقوط نظام صدام عام 2003، حيث دفعت أمريكا ميزانية كُردستان الى كل من الحزبين الديموقراطي والوطني، ربما للابقاء على موقعيهما كندّين متخاصمين وكحفاظ على توازن القوى (السيد مسعود بارزاني اشار مرة متسائلا بشك حول نية امريكا في الاصلاح بين الحزبين الرئيسيين في كُردستان اثناء الصراع بينهما). معظم هذه الأموال صُرفت لحسابات شخصية، وشركات تجارية تابعة لأفراد الحزب، فضلاً عن الرواتب الحكومية لعمال وموظفي الحكومة في كُردستان. أي أن مشروعاً قوميا/وطنياًً لكُردستان لم تقم له قائمة حتى الآن. هذا ما قاله لي أغلب المثقفين في كُردستان ومن بينهم من يعمل في مراكز ومؤسسات تابعة للحزب الديموقراطي الكُردستاني.
المال والسيطرة
بما أن المال أصبح في يد الحزب فإن طوابير الشعب (على غرار الدول الشمولية في أوروبا الشرقية ابان الاشتراكية المزعومة) بدأت تغني للخبز أمام باب الحزب. وفي هذه الحال لم يتردد الحزب في تحويل أفراد الشعب الى جواسيس وعملاء ومخابرات لديه لترسيخ دعائم السلطة ضد أي خطر داخلي قد يقلّب الطاولة رأساً على عقب. وفضلاً على ان الحزب الديموقراطي سيطر تماماً على قنوات الاقتصاد والتجارة، فانه أفلج قدرات الشعب الكُردي على النهوض والعطاء، بموازاة عدم وجود رؤية وتخطيط قومي/وطني.
رؤية وتخطيط الحزب كان ولايزال البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة. فالصناعة والزراعة والنمو والتطوير البنيوي لأركان الحياة، امر يدخل في باب الخيال المضحك بالنسبة الى كُردستان.
ومن هذا المنطلق وبما ان الحزب/العشيرة يتحكمان بالامور فقد جرى اضطهاد كثير وتسفيه وقح بحق الكُرد أنفسهم. وقد بلغ حد الاسفاف درجة نظر المسؤولون الاكراد الى الكُرد نظرتهم الى العجماوات والبهائم. كنا ضربنا مثالاً في مقال سابق عن مسؤول كُردي بعنوان (كُردستان من الداخل كما هي، نُشرت في الايلاف بتاريخ 21/3/2007). هذا المسؤول لم يتردد في الحط من شأن الكُرد الى حدٍ وجدهم غير جديرين ببعض الخدمات البسيطة التي تُقدم للبشر في الدول التي تحترم ذوي الاثنين. لا بأس أن نورد مثالاً آخر. قبل مدة حدثت في كُردستان حادثة مثيرة. أحد مسؤولي الحزب الديموقراطي صرح علانية أنه لو كان الكاتب التركي الشهير عزيز نسين موجوداً في هذه الأيام لنعت الاكراد كما نعت الاتراك سابقاً، بان طبائعهم أصبحت مثل طبائع الكلاب. وأضاف أن اهالي القرى عديموا الشهامة.
ربما كان الشخص القائل ينطلق في أوصافه من همّ اجتماعي مدركاً خطورة ما آلت اليه الأوضاع التي هي من صنيع الحزب الديموقراطي وأسلافه من الأحزاب السلطوية،فضلاً عن الاحزاب الكُردية الاخرى. إلا أن الناطق الحقيقي في خضم هذه الأحداث ليس هذا المسؤول أو ذاك. فهذان المسؤولان ـــ على سبيل المثال ـــ معذوران لأنهما ليسا الناطقان الحقيقيان، بل إن الناطق الحقيقي هو هذا الجو الدكتاتوري الارهابي الذي خلقته السلطة في كُردستان، والذي أدّى الى التعامل مع الشعب بمرتبة العجماوات. وعلى هذه السبيل أصبح هناك فلتان في الأمور والأوضاع يُصعب التحكم بهما. فالفجوة تعاظمت بين طبقات الشعب. وأمست العلاقة بين الشعب والحزب/السلطة علاقة خوف ونفاق، تماماً كما كانت العلاقة بين الشعب العراقي وحزب البعث أيام سلطته وسطوته.
والحال إن الكُرد الذين كانوا توّاقين لمعانقة الحزب الديموقراطي معانقة حب،
أصبحوا يلعنونه صباح مساء. وفي الأثناء فإن الماكنة التي تدير شؤون السلطة ليست تلك التي تعمل ببرامج الديموقراطية وارشاداتها، وإنما الاستبداد القسري عبر سلطة ظالمة تقسمت بين أفراد تجمعهم المصلحة المشتركة في دائرة صغيرة، تحاول دوما اختزال مصطلحات: الأمة، القومية، الوطن في كينونة الجماعة الصغيرة، الأعلى هرماً ومكانة: الحزب/العشيرة في تفويض كامل لهما عبر مسارين القوة والثروة.
وعبر توتر مريب ومشوب بالقلق غدا هذا الحزب أخوف تكوين سياسي في كُردستان من عملية الانتخابات، لأنه بات مدركاً أن شعبيته وصلت الى الحضيض.
ومن هذه الزاوية فإن استراتيجية الحزب الآن تعتمد الارهاب والجبروت، والتحكم بأرزاق الخلائق، فضلاً عن تخويف الشعب الكُردي باعداء خارجيين كالاتراك والعرب العنصريين في العراق وكذلك إيران!
المفارقة، ان أجندة القوى الاقليمية المحيطة، تجاه كُردستان، تتم عادة عبر الاحزاب الكُردية نفسها!
إنّ الاستثناء الوحيد داخل الحزب الديموقراطي هو السيد نيتشيروان بارزاني رئيس الوزراء في اقليم كُردستان. فهذا الشاب يتطلع نحو أجواء مدنية حديثة، إلا ان وقوعه في دائرة مكبّلة بقيم اقطاعية وعشائرية ثقيلة، تسدّ بوجهه بوابة الأمل بحدّة. وكذلك فان الحاشية الفاسدة التي تحيط بهذا الرجل الشاب الطموح، فرّطت من القوى والجهود فرط سلسلة متقطعة خرزاتها وعقدها. فقبل فترة قام أبناء أحد المسؤولين في حكومة الاقليم بملاحقة امرأة كُردية شابة متزوجة، طمعاً فيها.
وأثناء قيادتها للسيارة في أحد الأصباح نحو مكان عملها، لاحقها ابن المسؤول. في ذروة الخوف والهلع خرجت قيادة السيارة من يد المرأة الشابة وارتطمت باجسام صلبة على الطريق وفارقت الحياة. الصحافة الكُردية تحدثت عن الجريمة، لكن ابن المسؤول لم يُحوّل الى المحاكم كدأب ديموقراطي، ولم يقم الحزب الديموقراطي بتطبيق الديموقراطية والقانون نظراً لأن معظم المسؤولين يتمتعون بسلطات تشبه سلطات زعماء العصابات.
ومن هنا فلنعد الى ما قلناه في الحديث عن نفسية الكائن الحزبي في تعقيدات الجيوسياسية وعوامل البيت الداخلية. إن اغلب المسؤولين الاكراد لا أمل لديهم
يستحق الذكر في ما يخص كُردستان ومستقبلها. والحال انهم في كدٍّ ودأب مستمرين لتضمين مصالحهم ومصالح عوائلهم ومقربيهم للمستقبل المنكسر على أبعاد غامضة ومجهولة. فالتراكم السيئ في فشل وانكسار المحاولات الكُردية عبر
التاريخ ــ قلنا ــ جعل من الانسان الكُردي هائماً في يأس قنوط. وهذه هي العلة أن
المسؤول الكُردي لا يأبه بوطنه، وعوضاً عن ذلك فهو يؤمِّن مستقبله ومستقبل أولاده في بلاد الغرب، ويودع الأموال هناك في البنوك تحسباً لتغير الأحوال الى أهوال. والشعب في عين المسئول، ليس سوى اكوام نفايات متراكمة ومنتشرة في الأرض، فلا ضير إذاً لو جرفته كوارث وفتن.
ان ملاحظة المستوى المعيشي في كُردستان أمر مدهش جداً، يجعل من المرء طرح اسئلة كثيرة عن عمل السلطة ووزرائها الاثنين والاربعون، والامكانيات المادية الهائلة. لكننا نكتشف بسرعة الحبل السري للانهيارالاقتصادي والبؤس الشعبي اذا شاهدنا رفاهية السلطة والمليونيرية الجدد (اغلبهم من المسؤولين).
أخبرني صديق مقرب من السلطة حول احد المسؤولين كمقياس تقريبي لمستوى الثروة الشخصية للمسؤولين الاكراد. هذا المسؤول باع قبل بضعة أشهر قصراً له في احدى مدن كُردستان بمبلغ ثلاثة ملايين وخمسمائة الف دولار امريكي. بحسب صديقنا فان المسؤول المذكور يُعد الأقل ثروة بين مسؤولي كُردستان في حين يملك ما يقارب خمسين الى خمسة وسبعين مليون دولار حسب التخمين.
حين قيل للمسؤول هذا ان قصره يساوي مبلغاً اكبر مما باع به لو انتظر قليلاً، ردّ قائلاً: عقلي يقول لي ان هذه الظروف ستنقلب ولذا فالمال في اليد اليوم خيرٌ من الربح غداً حيث لا نعلم ماذا يخبئ لنا الغيب!
المستقبل والعواقب
من المعروف عن السيد مسعود بارزاني الهدوء والاتزان. فالرجل أمضى زمناً طويلاً في السياسة، وولد في خضم التحولات السياسية الهامة في كُردستان، اثناء ولادة جمهورية كُردية في ( مهاباد). وقرين هذه الصفات الاستماع والحذر، والهدي بالرشد، فعلاً ممزوجاَ بمرتبة فرض عين على ايّ حاكم.
حظيت عائلة بارزاني بمكانة هامة في قلوب الاكراد عموماً داخل وخارج كُردستان، نظراً لتاريخها الطويل في مقاومة محتلي كُردستان منذ ايام العثمانيين.
في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي كتب أحد رموز حزب البعث (فاضل برّاك) كتاباً عن الزعيم (ملا مصطفى بارزاني) بعنوان: البارزاني بين الأسطورة والحقيقة. ما إن دخل الكتاب الأسواق في مدن كُردستان حتى هرع الاكراد مسرعين لاقتناء نسخ من الكتاب. لم يبال الاكراد ماذا يقول الكاتب عن بارزاني الراحل، لكنهم كانوا توّاقين للتمتع بالصور الفوتوغرافية لزعيمهم ملا مصطفى بارزاني، التي كانت موضوعة كملحق داخل الكتاب. البارزاني الراحل كان بحق زعيماً تاريخياً جمع الأكراد تحت امرته وناضل لعقود طويلة في هذه السبيل.
هذه المحبة اصابها ليس الفتور فحسب، بل والانقلاب الى الضد، بعد عودة العائلة الى كُردستان وبناء السلطة القائمة على قدم وساق منذ ستة عشر عاماً. اليوم لم يعد الكُرد يبادلون الحزب الديموقراطي مشاعر الود التي كانوا يملكونها بالامس. هذا انقلابٌ، وتحولْ الحزب الديموقراطي من حزب جماهيري الى حزب سلطوي انقلابٌ ايضاً. ولكن ليس بالضرورة ان تجعل السلطة اي حزب او جماعة الى محتوىً مكروه او وجه غير مرغوب فيه. هناك سلطات واحزاب سياسية في عالمنا تحظى باحترام ومحبة جماهيرها، علاوة على ما تُقدِّم من خدمات لِمِلَلِها ونِحَلِها. الفرصة كانت قائمة للحزب الديموقراطي كي يديم بمحبة جماهيره ومؤازرتهم له، خصوصاً وان الحزب استحوذ على امكانيات مادية هائلة، لكنها ذهبت هباءً منثورا. صدام حسين أعتبِِِِِــِرعدواً لدوداً للاكراد، لكن ما لا يمكن انكاره ان هذا الرجل رغم قيامه بجرائم كبيرة ضد كُردستان، قدّم خدمات يعترف بها اليوم معظم الكُرد. من ضمن هذه الخدمات بناء سد (بيخمه) الشهير في عمق مناطق كُردستان.
في عام 1991 بدل ان يقوم الحزب الديموقراطي بالحفاظ على السد وتطويره من اجل كُردستان، باعه باربعين مليون دينار عراقي لمقاول كُردي من العشائر،والذي باع السد بدوره الى شركات تركية بثمانين مليون دينار. اليوم يملك الاكراد سويعات قليلة من التيار الكهربائي. في عين الوقت دخل المسؤولون في كُردستان، في منافسة قوية لبيع المكائن، الصناعات، اجهزة الكهرباء، ادوات البناء، المعادن الى ايران بثمن بخس لأملاك وطنية تُقتنى باكلاف باهظة. لكن الثمن البخس كان كبيراً لتحويل أفراد قلائل الى طبقة غنية جداً. هذه الطبقة بعد استحواذها على الثروة وطدت من اركانها وثبتت وجودها في السلطة. ولاحقاً بدأت تتمتع بعلاقات مريضة
مع دول الجوار الكُردي ونشأت مصالح مشتركة بينهما لم تأبه بالمصالح العليا للشعب الكُردي، خصوصاً وان عداء دول الجوار كان معروفاً لكُردستان. لكن علاقات هذه الطبقة الكُردية ظلت قوية وودية مع مراكز القرار في العواصم المجاورة التي جرّبت كل سبيل لتخريب شؤون كُردستان والعراق معاً. ولاحقاً ظهرت الى الوجود مسألة الرسومات الجمركية التي أشرنا اليها في السابق، والتي زادت من الثروة الشخصية لافراد قيادة الحزب الديموقراطي.
بموازاة ذلك انشغل المسؤولون بتضخيم ثرواتهم عبر استثمارات تجارية في دول الجوار وفي الغرب. وكذلك وفي اجواء من الثراء الفاحش تاه المسؤولون في اللهو والملذات، ونُسي الشعب والوطن معاً. واصبح الوطن ذلك السوق الذي يجلب الدولارات الى الحساب الشخصي لا اكثر. تطوير الاقتصاد، تقديم الخدمات للشعب الكُردي الذي قدّم المئات من الألوف من الضحايا من اجل حريته وكرامته، تطوير مجال التربية والتعليم، اعمار كُردستان وضروريات ملحة أخرى لم تعُد من مهام السلطة الكُردية.
لكن الثروة الوطنية امست تصرف لقنوات شخصية دون مساءلة أو رقيب للمتعاونين مع السلطة، للمغنيات، للفنادق التي استقطبت الجميلات من دول الجوار ومن دول أخرى بعيدة، فضلاً عن تحويل أراضي كُردستان الى أملاك شخصية لأهل السلطة.
هنا بدأ فتور عظيم ويأس قاتم، ينتشر بين الكُرد على مستوى الشعور الوطني والقومي، كالنار في الهشيم. واندلعت حروب داخلية اضافت الى معاناة الكُرد اثقالأ أخرى ودهراً ثقيلا. الذين كانوا يديرون دفة الحروب والجرائم، معظمهم خرجوا سالمين غانمين. أما الاكراد فبدأوا يحصون ضحايا أخرى وكوارث أخرى، ومن ثمّ شدوا الرحال من الوطن الذي افتدوا من اجله بالدماء، في رحلة بحث عن الجنة والمأوىبعيداً في شمال الأرض، في اوروبا وأصقاع أخرى بعيدة كاستراليا وامريكا. هؤلاء المسؤولون استمروا في قيادة الحزب الديموقراطي في مرحلة حرجة من الصراع الداخلي ومواجهة مخاطر كثيرة على الصعيد الداخلي والحزبي. وتحول هؤلاء الى البطانة التي يعتمد عليها الحزب والقيادة العليا. وبدأت أولويات الحزب تقفز على مسألة بناء مجتمع مدني وديموقراطي الى تكبير حجم ووزن الحزب، بأولئك الذين لم يكن ولن يكون لهم ولاء له ابدا. وهؤلاء تحولوا الى أعباء وكميات مريضة، وسداً منيعاً امام الحزب وتحوله الى حزب جماهيري ديموقراطي، يبحث عن التخطيط والاستراتيجية لواقع ومستقبل كُردستان وشعبه.
وفي ظل هكذا أوضاع بدأ الفساد ينتشر بشكل خطير جداً (الخطر مازال قائماً بقوة شديدة) حتى أصبح هناك سدّ كبير وعريض بين قيادة الحزب والشعب. وفي هذه الحال تحول الفاسدون والمسؤولون الأثرياء، الوسطاء المتملقين بين قيادة الحزب العليا والجماهير: يرشدون القيادة الى الفساد والثراء والظلم، وينهرون الشعب ويرهبونه، غير مبالين ما إذا كانت شعبية الحزب وتراثه يتعرضان الى الهلاك والى غضب الجماهير واستيائه وارتداده. وكحال نفسية ثابتة منذ القديم تسترخي شهوة السلطة امام الحاشية المتملقة. هنا انزلقت قدم قيادة الحزب الديموقراطي نحو تهميش الشعب وتقوية مراكزه/مسؤوليه بالقوة والثراء الفاسد.
عندما انحدرت الامبراطورية الرومانية الى انحطاط أخلاقي في زمن (نيرون) كانت البطانة الملتفة حول نيرون تقوم بكل ما هو فاحش وبذئ. والبطانة نفسها كانت تزيّن لنيرون الظلم والفساد وكانت النتيجة ان (روما) احترقت ولم ينجز نيرون ما كان يبتغيه من فخر وعظمة وانتحر لاحقاً.
نحن نكتب من موقع المهموم بمستقبل وطن وشعب عزيزين.
الحزب الديموقراطي اليوم أمام امتحان كبير جداً، ربما الأخير، بين رخ الحبل للمسؤولين الفاسدين الذين يشدون حبل الحزب والوطن نحو الانحدار دون ادنى ضمير، وبين اعادة حب وثقة الجماهير لتاريخه ونضاله. اي ان تكوين الحزب الديموقراطي اصبح على مفترق الطريق، بين اختيارين: الانتصار للقضية التي يحسبون انفسهم من مناضليها وبين الفوز بما كسبوه من مُتع الحياة ولكن بخسارة كبيرة شعبياً وسياسياً. لكن مُتع الحياة قليلة الأمد بطبيعتها، والعاقبة للعدالة التي لا مناص من انتصارها. والمهم في اي كتاب يسجل قادة الحزب انفسم: كتاب العادلين الشرفاء او كتاب المجرمين المنبوذين.
اذا كان السيد مسعود بارزاني كرئيس للحزب ولاقليم كُردستان يهمه أمر الحفاظ على تاريخه وتاريخ عائلته، فما عليه إلا أن يكون شجاعاً وحازماً لإزالة كثرةٍ غثاء من حزبه، فيحارب الفساد بدءاً بعائلته. ان قام لذلك، سيتحول في عين الشعب الى قائد راشدٍ ومحبوب، وسيحافظ على تاريخ العائلة الذي يواجه خطر التشويه والانحراف.
وإلّا فانّ التاريخ لا يرحم. والشعوب اذا انقلبت ليس يصدها هرقلٌ أو رصاص!
ابريل 2007