نظريّة القرد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
العقل العربي يحبّ الرّكود، ويعشق الثّبات، ولا يحبذّ التّغيير أو التّجديد أو الاستبدال، هذا في مجال الأفكار والتّصوّرات والرّؤى والمرئيّات، أما في سبيل المادّيات والمواد والآلات فهو عقل استهلاكي شَرِه، يستخدم ما يقع تحت يده استخدام مودِّع، بمعنى أنّه يتعاطى مع الآلة بشكل عنيف وشرس، وما حوادث السيارات التي تحتلّ فيها البلدان العربيّة المركز الأوّل إلا دليل على هذا التّوحش والغلاظة في استخدام الآلة.
إنّ المقال هنا ليس بصدد المواد والآلات، بل بصدد الرّؤى والأفكار والتّصوّرات التي يسعى العربي- بكلّ جهده وأقواله وأمثاله- على ابقائها في ذهنه، بحيث لا يغادرها حتّى يتوفّاه الله برحمته!
ونظريّة "القرد" خير دليل ومثال ونموذج على هذه الفكرة، فحين التّفكيك يبرز القرد "المعروف" خير وأفضل من القرد "المجهول".
كم مرّة تسمع مثلاً يقول: (قرد تعرفه، خير من القرد الذي تجهله)، وكم مرّة تسمع: (ارْضَ بقردك حتّى لا يأتيك من هو أقرد منه).
والقرد هنا المراد به الإنسان، والعربي دائماً يمارس الشّتائم في كلامه، وفي أمثاله، ولك أن تتخيّل أنّ أوضح عبارة على هذا الشّتم أنّ أحدهم عندما يُسأل عن آخر وعن أحواله يقول عنه: "إنّه يزقح" (والزقح حالة من حالات الانبساط والانشراح عند "القرد")!
عودة إلى القرد.. إنّ منطوق ومفهوم هذه الأمثال يشير إلى الرغبة في ابقاء الوضع على ما هو عليه، ولكنّ القوم صم بكم عمي عن قوله جلّ وعزّ: {إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِم}.
إنّ سنن الحياة تقول: (حياتك إذا لم تعجبك غيّرها)، وفق هذا المفهوم يجب تجريب "القرد المجهول" فمن يدري لعله أفضل وأجمل وأتقى وأنقى وأبقى من "القرد المعروف"!
إنّ القرد المعروف- عُرف بكلّ تفاصيله، في حين أنّ القرد الجديد "اللامعروف" يحمل وفق المنطق والعقل 50% من النّجاح، و50% من الفشل، والتّجربة هي من يحدّد النّتيجة النّهائية!!!
لنفترض أنّ القرد المعروف يحمل من النّجاح 20%، إذن لماذا لا يُجرّب القرد المجهول!؟ لعلّه يحمل من قيم النّجاح أكثر ممّا يتوقّع ويحسب الحاسبون!
أيها القوم تدبّروا مقولة: (عصفور باليد خير من عشرة على الشّجرة) إنها مقولة يحفل بها الكثيرون، ولكن شيخنا الأديب اللّبناني جبران خليل جبران قال: (إنّ عصفورًا واحدًا على الشّجرة خير من عشرة في اليد)!! لماذا؟ إنّه يبعث على الطّموح، ويجدّد الحياة، ويحفّز على الحركة! وهذه الأشياء لا يحبذها العربي.
وحتّى لا يفرح من يتهمون هذا الحبر بأنّه ضد العقل العربي، ليطمئنوا فإنّ الإنجليز ليسوا ببعيد عن ذات الفهم بشكل أو آخر، فهم يقولون: (A Bird in the hand is worth two in the bush) ومن الواضح أنّ العرب لم يفعلوا أكثر من ترجمة المثل وإضافته إلى بقيّة صناديقها اللّفظيّة التي تمتدح الرُّكود وتنزح إلى القعود، وتحثّ على النّوم الكهفي الطّويل!