هيئة الأمر.. وماذا بعد؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
انفقت السعودية بلايين الدولارات لبناء سمعة تتلائم ومكانتها على مستوى العالم. وهي اليوم تواجه تحدي الدخول الى عوالم اقتصادية جديدة تمكنها من استقطاب رؤوس اموال ضخمة الى الداخل. لكن سمعة السعودية في الخارج تتضرر بشكل كبير. سمعتها على مستوى الافراد والدول. أعلم ان الحكومة السعودية تحارب التطرف بحزم. وهي صادقة في محاولاتها. لكني اتسائل كيف هي تحارب اليوم من يقتلون الناس بالمتفجرات والقنابل، وتصمت على من يقتلون الناس بألسنتهم وتصرفاتهم؟
اتحدث هنا عن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الهيئة التي يزداد نفوذها وتدخلها في حياة الناس يوما بعد يوم. هناك مبالغة ربما، لكن هناك اكثر من حقيقة. لفترة سرى اعتقاد بأن الهيئة قد تم تطويرها الى الافضل. وأن حجمها قد اعيد الى وضعه الصحيح. وأن تطاول افرادها على الناس قد زال الى غير رجعة. لكن الواقع يشير الى عكس ذلك. فالأشهر الأخيرة سجلت تصاعدا في وتيرة الصدام بين الناس وبين رجالات الهيئة. صدام ادى في بعض نتائجة الى الوفاة. بل واكثر من وفاة. في الوقت الذي تواجه فيه السعودية مخاطر وتحديات داخلية وخارجية، يتطاول البعض بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على خلق الله. ليس لأن خلق الله مجرمون او قتلة، بل لأنهم ينغمسون في ملذات لا تستوجب قسوة في العقوبة، كتهمة الغزل، او شبهة الخمر.
وللحقيقة اقول انه اذا اراد كل رجال الهيئة القبض على من يشرب الخمر في السعودية فسنجد نصف الرجال في السجون. ليس لأن هذا النصف يشرب او مدمن على الشراب، بل لأن رجال الهيئة يجرمون ويعذبون من مجرد الشبهة. ولي هنا سؤال ينبغي ان نفكر فيه: هل من حاجة حقيقية لوجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية؟
السعودية بلد يسير حسب الشريعة الاسلامية. طالما انها كذلك اذا، فهل هناك من حاجة الى من يضرب المسلم بمطرقة كي يقول له اين المعروف وأين المنكر؟ ثم أليست نصف مقررات التعليم في السعودية هي كتب دينية، تلازم الطالب من الصف الأول الابتدائي حتى التخرج من الجامعة، فهل سيكون في حاجة بعدها لمن يعلمه اصول دينه؟ ثم وثم وثم.. هل هناك من انسان على وجه الأرض، ايا كان دينه، يبغض المعروف ويعشق المنكر؟ حتى تاريخيا، لم يثبت على مدى الدول الاسلامية المتعاقبة وجود جهاز مشابه. فهل نحن اكثر اسلاما من الذين سبقونا؟ ولمن يقول بأن نظام "الحسبة" كان موجودا في عهد الخلفاء الراشدين، فأكاد اجزم ان الراشدين لن يرضوا بأن يعتدي احد على حرمات المسلمين في بيوتهم، أو ان يعتدى على رجل حتى الموت وهو في عقر داره بسبب شبهة لم يصدر فيها حكم قضائي نهائي.
يقول البعض ان لرجال الهيئة سلبيات كثيرة لكن لهم ايجابيات ايضا، من ذلك دورهم في محاربة المخدرات والجريمة. لكني ارد على ذلك بالقول ان مهمة حفظ الامن والنظام ومطاردة المهربين والقتلة تقع على الشرطة لا رجال هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، بما في ذلك محاسبة شارب الخمر او حتى التغزل بفتاة من على بعد عشرة كيلومترات، وإلا، فما هو دور الشرطة غير ذلك؟
لقد اصبحت كلمة "مطوع" مرادفة على مستوى العالم، واكرر واقول على مستوى العالم، لكلمة "قسوة" او "همجية". السبب ليست فكرة الهيئة نفسها، ولنتفق على ان الفكرة ربما كانت جيدة، لكن هناك مشكلة في التطبيق. والتطبيق أهم من الفكرة احيانا. بل دائما.
حسن، من يدفع ثمن اخطاء التطبيق؟ ليس الناس، ليس العامة بأي حال، حتى ولو اخطأ الواحد منهم. فهناك جهاز امن هو الموكل بهم، لا بعض المتطوعين باسم الله والدين. خطورة اخرى في الموضوع تتمثل في صعوبة الفصل بين تنامي قوة هيئة الامر بالمعروف وتنامي الاصولية المتطرفة في السعودية. اذ ينظر كثيرون الى اداء هيئة الأمر بالمعروف، كمؤشر لقوة او ضعف هذه الاصولية في المجتمع. فالخيط الذي يفصل بين متطرف في السوق ومتطرف وراء المتراس هو خيط رفيع، ان لم يكن في نظرنا ففي نظر الآخرين. ومن يستبيح كرامة الانسان بلسانه ويده اليوم، سيستبيح دمه بالرصاصة والقنبلة غدا. يجب ان يتخذ قرار شجاع تجاه تجاوزات الهيئة. بل وحتى في حتمية وجودها من عدمه. السعوديون كلهم مسلمون، يعرفون ما لهم وعليهم.
غير السعوديين يعرفون انهم في بلد اسلامي، فيحترمون خصوصيته. ما الحاجة اذا الى هيئة تتكرر تجاوزاتها يوما بعد يوم؟
ان كان لا مناص من بقاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيجب تعليم افرادها مبادئ الحب والاحترام اولا وعاشرا. فالله محبة، والانسان اكرم مخلوقات الله. وصدق الله العظيم القائل لنبيه الكريم: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.