كتَّاب إيلاف

العوامل الثقافية للتنمية الاقتصادية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أثبتت تجارب العقود الخمسة الماضية وجود فوارق كبيرة على مستوى التنمية, إذ تمكنت بعض الدول الفقيرة من تحقيق نمو سريع و مستدام, ألحقها بركب الدول المتقدمة. و أدى هذا إلى إعادة النظر في المفاهيم السابقة لتفسير عوامل التنمية, مثل العمالة و راس المال, و السياسات التي تشجع على تطويرها, و إلى الاهتمام بما هو اعمق مثل المؤسسات. لكن هذا التفسير يبقى سطحيا بدوره. إذا حصل اتفاق على أن مؤسسات بعينها تساعد على الزيادة في نسبة التنمية الاقتصادية على المدى الطويل, فما الذي يمنع كافة الدول الفقيرة من اعتمادها؟ لماذا بقيت التنمية المستدامة حكرا على المنطقة الآسيوية: نمور كوريا الجنوبية, تايوان, هونج كونج و سنغافورة, لتلحق بها فيما بعد ماليزيا, الصين, الهند, و فيتنام مؤخرا؟
لتلافي هذا التقصير, بدأت دراسات جديدة تركز على دور الثقافة السائدة في المجتمع و موقف الأفراد من المغامرة و الاختراع و التطوير. و فسر البروفيسور " ايدموند فالبس ", الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد, دور هذه العوامل, في مقابلة أخيرة له مع " نيوزويك", كما يلي:
" إن موقف أفراد المجتمع من المسؤولية الفردية, عمل الفريق, و القبول بالمخاطر, حسب نتائج استطلاعات الرأي المتوفرة, يفسر بطريقة افضل الفارق في التنمية الاقتصادية بين الدول. على سبيل المثال, تبين استطلاعات الرأي, إن نسبة اقل من الفرنسيين و الإيطاليين و الألمان, مقارنة بالأمريكيين و البريطانيين, يبحثون عن فرص عمل تتميز بالتحدي الفكري و المبادرة و المسؤولية. و هم غالبا ما يتحاشون الأنشطة التي تتميز بالمنافسة و التجديد. و بما أن هذه العوامل تؤثر بصفة مباشرة على الحراك الاقتصادي, فان ضعفها في دول أوروبا القارية ينعكس سلبا على قدرة اقتصادياتها على التطوير و المنافسة.
إن المشكلة الأساسية في أوروبا القارية - بما فيها ألمانيا و فرنسا و إيطاليا - ليست نظام التقاعد للمسنين بقدر ما هو ضعف الحراك الاقتصادي في إطار ثقافة مجتمعية تحظ على رفع التحدي و المنافسة و التطوير و الاختراع. و قد أدى هذا إلى ارتفاع البطالة - خصوصا بين الشباب -, مما أدى إلى هجرة واسعة للكفاءات من هذه الدول. "

لاراء البروفيسور " ادموند فالبس " أهمية قصوى للدول النامية التي تحتاج إلى تنمية مستدامة لخروجها من حالة الفقر و البطالة, و في مقدمتها الدول العربية التي فشلت في هذا المجال, مما أدى إلى ازدياد الهوة بينها و بين الدول الآسيوية. و هي هوة مرشحة للارتفاع خلال العقود المقبلة, إذ تحقق النمور الآسيوية حاليا ،بما فيها الصين و الهند و فيتنام, نسبة نمو دخل الفرد تقارب ضعف ما تحققه الدول العربية غير النفطية. و لتلافي هذه الهوة, لا بد للدول العربية من إصلاح النظام التعليمي لنشر قيم التفكير الحر و المبادرة الفردية, كما يتوجب عليها إصلاح المؤسسات و إنشاء المؤسسات الجديدة التي تساعد على تحقيق هذه الأهداف, مثل إنشاء مراكز حاضنات المشاريع ( Incubator Centers ), و شركات راس المال المغامر التي تستثمر في الشركات الجديدة ذات المخاطر العالية ( Venture Capital ), و فتح الاقتصاد للمنافسة الداخلية و الخارجية، بإلغاء الاحتكارات و القيود على التجارة و الاستثمار الأجنبي.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
Abuk1010@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف