كتَّاب إيلاف

مرة أخرى عن الإرهاب الإسلامي: كلاسكو ولندن

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إن محاولات تفجير السيارات المفخفخة منذ أيام في لندن ومطار كلاسكو تؤكد للمرة المائة أو الألف على حقيقة كون الإرهاب الإسلامي هو الخطر الرئيسي اليوم على البشرية وحضارتها وأمنها. وقطعا لكل محاولة تبرير سياسية للمؤامرة فإن تفجيرا حقيقيا وقع بعد يومين في اليمن العربية المسلمة.
إنها شبكات القاعدة، حاملة أكثر الأيديولوجيات الدينية السياسية وحشية واحتقارا للبشر وكراهية لجميع من لا يحملون عقلية التطرف ذاتها. لقد قرأنا، ولاسيما منذ 11 سبتمبر، عشرات المقالات والتقارير، إن لم يكن المئات، عن مخاطر التطرف الديني والإرهاب الإسلامي المتفرع منه. إلا أن الموضوع يجدد نفسه في كل يوم وفي كل مكان.
إن الإرهاب الإسلامي بدأ خاصة في الثمانينات، ثم راح يتفاقم حتى بلغ الذروة في تفجيرات 11 سبتمبر ومدريد ولندن. في الثمانينات نفذ ضباط المخابرات الإيرانية عمليات تفجير بعض الصحف العربية، وقد تم اعتقال الرأس المدبر ولكن ميتران أمر بإطلاق سراحه فيما بعد ضمن صفقة سياسية مع إيران؛ والمقاومون للغزو السوفيتي لأفغانستان، كانوا يتلقون السلاح وكل أشكال الدعم من الولايات المتحدة، والمال من الخليج. أولئك المقاومون تحول معظمهم بعد الانسحاب السوفيتي إلى طالبان والقاعدة.
في التسعينيات، نشر الإرهابيون الإسلاميون الموت في الجزائر، ووقع عشرات الآلاف من الضحايا، بينهم نساء حوامل بقرت بطونهن؛ ولم يكتف الإرهابيون الجزائريون بذلك، بل نقلوا عملياتهم الإجرامية لباريس، فكان تفجير القطار الأرضي، وهو حادث معروف وذهب ضحاياه العشرات بين قتلى وجرحى من فرنسيين وغير فرنسيين، ومن أديان مختلفة، ومنهم مسلمون. هذه الجماعة الإرهابية نفذت مؤخرا عمليات جديدة في الجزائر، وأعلنت اندماجها بالقاعدة. وملوم أنه في أواخر التسعينيات انتشرت خلايا القاعدة في فرنسا وألمانيا، وخططت لمعليات شرشرة كتفجير الكنيسة المركزية في ستراسبورغ ومحاولات صنع السلاح الكيميائي. هذه حقائق سبق لنا تناولها في سلسلة مقالات عن مخاطر التطرف والإرهاب الإسلاميين في فرنسا والغرب. كان ذلك قبل حرب أفغانستان ثم العراق. هذا لمجرد التذكير! وقد تفاقم الخطر ونفذت عمليات أكبر في 11 سبتمبر ومدريد ولندن من دون أن تنجو البلدان الأخرى، ومنها مصر والمغرب وتونس والسعودية واليمن من هذه الجرائم الوحشية، التي تريد فرض إرادة الإسلاميين المتشددين على العالم وإعلان الخلافة الإسلامية العالمية الكبرى.
لا يتسع المجال هنا لتعداد الدول والشعوب المعرضة يوميا لخطر الإرهاب الإسلامي عدا الدول الغربية، ولاسيما العراق ولبنان والأراضي التابعة للسلطة الشرعية الفلسطينية وأفغانستان وغيرها. في العراق خاصة وقع آلاف الضحايا من قتلى وجرحى في عمليات التفخيخ القاعدية ومعظمهم من الشيعة. هذه الشبكات الإجرامية تلتقي مؤقتا مع عصابات أعوان صدام وجيش المهدي في سفح دماء العراقيات والعراقيين.

هنا نقطتان هامتان نريد التوقف عندهما في هذا المقال.
أما الأولى، فإنها التقاء الإرهابين الإسلاميين السني المتطرف والشيعي في طبيعتهما برغم اختلاف الأهداف والغايات.
إن مما له دلالاته الدامغة في هذا المجال دعم نظام ولاية الفقيه لشبكات القاعدة في العراق، في الوقت نفسه الذي تمول فيه وتسلح المليشيات الشيعية الحزبية؛ وفي اليمن تقوم إيران بدور تدينه اليمن في دعم الإرهابيين الشيعية، في حين تواصل القاعدة جرائمها هناك. في لبنان يلتقي إرهابيو ما يدعى "بفتح الإسلام"، الذين تدعمهم سوريا، بتدمير لبنان، جنبا لجنب مع حزب الله المدعوم إيرانيا وسوريا. وفي الأراضي الفلسطينية تتلقى حماس الإخوانية المال والسلاح من إيران، وهو أمر مكشوف.

أما النقطة الثانية، فهي عن مواقف ملايين المسلمين في الغرب، وبينهم الآلاف من المثقفين والجامعيين.
إن الذين خططوا لجرائم لندن المعروفة عام 2006 هم مهندسون باكستانيون مسلمون، ممن كانت لهم وظائفهم ومراكزهم في بريطانيا. في المحاولات الإرهابية الأخيرة في لندن ومطار غلاسكو نجد بين المعتقلين جراحا فلسطينيا أردنيا وطبيبا عراقيا. إن بين المثقفين والجامعيين المسلمين في الغرب فئات تحمل أيديولوجيا التطرف الديني المسيس، وهو ما يدفع العديد منهم للإرهاب أو دعمه بمختلف الأشكال الممكنة. أما عشرات الملايين الأخرى من مسلمي الغرب، فهم ما بين صامتين عن تقية والخوف من القضاء رغم أن كثرة منهم مرتاحون للجرائم الإرهابية لكونها تنزل ب"الكفار"، وذلك رغم عدم جرأتهم على إعلان تأييدهم. هذا ما وجدناه خاصة على أثر تفجيرات 11 تموز، وكيفية ردود الفعل الشعبية في الشوارع العربية.
قبل يومين وصلت محطة الترام فإذا بها مكتظة. ومن حسن الحظ كان هناك ثلاثة من العاملين في الخطوط، فسألت أحدهم عن السبب في تأخر الترام، فأو
ضح أن في الطريق حافلة مشكوكا في أمرها والبوليس يحقق في الأمر، والترام سوف يتأخر حتى انجلاء الموقف. هنا اقترب مني عربي مسن من الشمال الأفريقي، يسكن قريا منا ولم يسبق الحديث معه، وتوجه وهو يقول بانفعال:" انظر: كل يوم لهم حجة، فمرة الإضراب وأخرى حادث وقع لسائق الحافلة العامة، أو المترو، واليوم حجة جديدة بالنسبة للترام." قلت: "يا أخي، هذه المرة يشكون في سيارة محملة بالمتفجرات، وهذا خطر علينا جميعا." كان وقع كلامي انفعالا أشد وراح يصيح" أي إرهاب! بوش هو الإرهابي. هنا كلهم إرهابيون." فقدت صبري فصرخت فيه:" لو كنت بين إرهابيين فلماذا لا تغادر هذا البلد؟؟!!" ولماذا لا ترفض معوناتهم الاجتماعية والصحية!." ظل الرجل يصرخ شاتما بوش مرة بعد مرة، فتركته وابتعدت عنه. ليس هذا بالمثل الوحيد في تجربتي اليومية هنا، فقد مرت علي حالات كثيرة كهذه وإن الشارعين العربي والمسلم تنتشران فيهما هذه العقلية التي تصمت عن الإرهاب الإسلامي أو تبرره.
إن المؤلم جدا أن النخب المسلمة العلمانية في الغرب، والتي تعرف طبيعة هذا الإرهاب وأغراضه الشريرة، لا تقوم بكل ما يترتب عليها من مسؤوليات في حدود الممكن، باستثناء فريق ممن يدعو ويكتب وينشط في فضح وإدانة هذه الجرائم.نذكر هنا نذكر أن هذه المهمة صعبة للغاية بسبب عدم نشر الصحف الغربية، وإلا نادرا جدا لمثقفين علمانيين مسلمين، ومحطات التلفزيون غالبا ما تستضيف أحد أعوان صدام أو صاحب عمامة! وهذا موضوع لا يمكن تناوله هنا.
إن المفترض أن لا يتم الاكتفاء بالكتابة عربيا، بل وكذلك التوجه للرأي العام الغربي برغم سلبية الكثير من الصحف الغربية كما بينا، وتعريف الرأي العام على مواقف المثقفين المسلمين الديمقراطيين والعلمانيين، والقيام ببعض الفعاليات الممكنة في هذا الصدد. كما نعتقد أن هذه الشرائح من المثقفين المسلمين في الغرب يجب أن تقوم بجهود حثيثة في مخاطبة جمهرة المسلمين في كل دولة غربية لفضح أفكار التطرف الديني ومخاطره ومخاطر كراهية الآخر والتقوقع على عاداتهم وأفكارهم بدل قبل الاندماج، الذي يتيح لهم حرية أكبر لممارسة طقوسهم الدينية، ويقربهم من الفرنسيين. كما يجب أن يكشف لهم كيف يولد التطرف والإرهاب باسم الدين، وكيف يغذي، العنصرية وردود الفعل السلبية تجاه العرب والمسلمين في الدول الغربية.
ملاحظة: لم نتطرق لواقف اليسار والمنظمات "الإنسانية الغربية، لاسيما في فرنسا، من العنف والإرهاب الإسلامي، وهذا ما سبق لنا تناوله في سلسلة مقالات.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف