كتَّاب إيلاف

الغرب.. حيث تحصيل الإرهاب!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

المخابرات البريطانية وبتدبير وحٌسن توفيق من القدر، احبطت هذه المرة ايضا هجوماً دموياً كان يعد له إرهابيون من" بضاعة" الشرق الإسلامي لإشعال النيران في "بلاد الكفار" وقتل اكبر عدد من المدنيين الأبرياء. وبيّنت التحقيقات الأولية ان هناك "اشخاصاً من اصول آسيوية" يقفون وراء التخطيط لمثل هذا العمل الإجرامي الرهيب. كما نشرت وسائل الإعلام البريطانية اسماء اثنين من الأطباء العرب، احدهم عراقي والآخر أردني من اصل فلسطيني، قالت انهما خططا للهجوم. ونقلت صحيفة الحياة اللندنية " ان مصادر بريطانية اكدت اعتقال سبعة أشخاص، بينهم طبيبان عربيان هما العراقي بلال عبدالله والأردني من أصل فلسطيني محمد عشا، للإشتباه بعلاقتهم بمؤامرة التفجيرات الأخيرة الفاشلة في لندن وغلاسكو. وكشفت أيضاً أن التفجيرين الذين كانا سيستهدفان لندن في الساعات الأولى من فجر الجمعة لم يكونا "انتحاريين" بل باستخدام هاتف جوال(... ). وكانت مصادر اجمعت على أن طبيباً عراقياً يدعى بلال عبدالله كان أحد الرجلين اللذين هاجما السبت مطار غلاسكو الاسكتلندي بسيارة جيب ذات دفع رباعي محشوة مواد حارقة (قارورات غاز وبنزين). واعتقلت الشرطة الاسكتلندية العراقي في حين أصيب رفيقه الآخر الذي لم تُكشف هويته بحروق بالغة". نعم... لحسن حظ البريطانيين، والكثير من المسلمين ايضاً، ان الهجوم احبط في الوقت المناسب، وبذلك حقنت دماء الف وسبعمائة شخص، قالت الشرطة انهم كانوا سيتحولون لبقايا متفحمة في حال لو قيض لهؤلاء استكمال كامل مراحل خطتهم الدنيئة تلك.
وهذه الحادثة تذكرنا بحادثة اخرى وقعت في المانيا العام الماضي، كنا كتبنا عنها في هذا المنبر المحترم، وكان بطلاها ايضا من العرب المسلمين، وبالتحديد طالبين لبنانيين قصدا المانيا لدراسة الهندسة فانتهى بهما الأمر إلى الوقوع في براثن شبكة إرهابية من تلك التي تعمل بكل حرية و"راحة بال" هنا في الغرب. وكان ان امرهما احد الشيوخ الوعاظ عن طريق فتوى مهلكة بضرورة تنفيذ "صولة جهادية" لقتل اكبر عدد من "الكفار، اولاد القردة والخنازير" وحجز المقعد الوثير في جنة الخلد، حيث "الحواري والغلمان المخلدين"!. وكان ان جهز الرجلان اسطوانتي غاز وقصدا احدى محطات القطارات في غرب المانيا لتفجيرهما هناك عن بعد. لكن القدر تدخل مرة اخرى، حيث حالّ ظهور عطل في الصاعق دون وقوع كارثة كبرى كانت ستودي بحياة المئات من الأبرياء.
والحال، ان ماتحصده دول الغرب الآن من هؤلاء الإرهابيين هي مازرعته حينما فتحت ابوابها على مصراعيها لكل من هدب ودب من الاصوليين الحاقدين، وفشلت في وضع آلية لسياسة الهجرة وضبطها بشكل مناسب. ولن نتحدث هنا عن فشل سياسة "ادماج هؤلاء في المجتمع الغربي" و"محاولة اذابتهم في القيم الغربية"، كونها كذب في كذب ولااساس لها من الصحة، نظرياً وواقعاً تطبيقياً. وعليه، فإن الأريحية الغربية في ترك منظات الإسلام السياسي تتغلل في اوساط المجتمعات الإسلامية وتتمدد بين شباباها لتجند هؤلاء بغية تنفيذ اهدافها واجندتها كان الخطأ والمقدمة الكبرى التي ادت لظهور هذه النتائج الكارثية الآن. ومن يزرع الريح يحصد العاصفة كما هو معلوم.
قوى الإسلام السياسي المٌطاردة في الشرق، والتي تشكل سبباً رئيساً لحال التخلف والإنحطاط في البلدان الشرقية، إلى جانب فساد وتسلط النخب الحاكمة، تسيطر على قطاع واسع من المجتمعات الإسلامية في أوروبا. ما هو ممنوع وخط احمر في البلاد العربية، ويودي بقائله أو حامله إلى ما وراء الشمس، مسموح هنا في الغرب: ابتداءاً من الخطب النارية والمطبوعات التكفيرية، ومروراً بالإجتماعات التي تجاهر بقلب الحكومات وتعليق الحكام، وشروط إقامة الحد على المرتد، وإنتهاءاً بفرض الجزيّة على "أهل الذمة" وغير المسلمين... الخ.
ومن الملفت في الأمر ان اغلب الذين يقصدون تنظيمات الإسلام السياسي التي تسيطر على معظم مساجد وتكايا المسلمين في الغرب، هم من المتعلمين واصحاب الشهادات. وما الحديث الآن عن تورط طبيبين عربيين في التخطيط لهذه الهجمات في لندن وغلاسكو الا دليل على ذلك. وكانت "الفئة المجاهدة" التي ارتكبت الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر كلها من الطلبة والمتعلمين، الذين قصدوا هذه البلاد بغية تحصيل العلم فيها، فتحولوا لكائنات تتغذى على الكره الطافح في فتاوي شيوخ التكفير، وتحاول تطبيق ما تلفظه نصوص تراث "السلف الصالح" من مهالك. وبدل ان يرتقي هؤلاء في مدارج العلم ويقدموا شيئاً نافعاً لقومهم وللبشرية جمعاء تراهم يجنحون للإرهاب ويتصدرون "فرق الموت" التي ينشرها تنظيم القاعدة في كل مكان لزرع الدمار والخراب والموت...
والملفت في الأمر ان هذه الأعمال كلها ترتكب باسم الإسلام واستناداً إلى نصوص من القرآن واحاديث النبي محمد، لكننا ومع ذلك، لانرى اي مظاهرات تقودها الجاليات المسلمة ومنظماتها الكثيرة لإدانة هذه الأعمال واعلان البراءة منها...
هناك مشكلة حقيقية بين النص الديني في الإسلام والواقع الحالي. ثمة اشكالية في عملية تطويع واقلمة هذا النص مع الحياة وايقاعات الحضارة والتطور، مثلما حصل في اليهودية والمسيحية. المطلوب من المؤسسات الدينية في العالمين العربي والإسلامي والنخب الليبرالية التنويرية ان يقوموا الآن بمهمة فصل النص عن الواقع وابقاءه في سياقه التاريخي الذي جاء فيه. يجب اصلاح بنية المؤسسة التعليمية في البلدان العربية كذلك وتقديم كل ما من شأنه ان يساهم في بناء انسان سوي يقبل الآخر ويستعد للعيش معه: دون ان يكفرّه مواربةً أو يسعى لفرض فكره عليه، ان استطاع لذلك سبيلاً...
الإصلاح وتقويم الأحوال مهمة كبرى وخطيرة، والعرب والمسلمون وحدهم لن يستطيعوا التصدي لها. ينبغي تقديم المساعدة لكل القوى الإصلاحية الليبرالية في العالمين العربي والإسلامي لكي يكتب لهذه العملية النجاح.
وهنا على دول الغرب الا تقدم اي تنازل لقوى الإسلام السياسي في هذا الصدد. ولايجب ان تستمر في ايواء الإصوليين وفرق المطاردين والفارين من وجه العدالة بحجة حقوق الإنسان والخوف من تنكيل الأنظمة العربية بهم في حال تسليمهم لها. هؤلاء مكانهم الحقيقي وراء القضبان، حيث لاينفع التحريض الذي يطلقونه في ايذاء اي انسان. هناك حيث يؤمن شرهم، وربما ينصلحون ويكفون عن ممارسة هواياتهم المفضلة في فرز الناس بين "فسطاط الكفر" و"فسطاط الايمان"، ويكون لهم، بالتالي، متسع من الوقت ليعتكفوا على كتابة مراجعاتهم الكبرى ونشر اخطاءهم ايام "الجهاد" من اجل تطبيق مشروع "دولة الخلافة الإسلامية" العتيدة تلك. ..


tariqhemo@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف