كتَّاب إيلاف

صكوك التعليم في هونج كونج

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ورد في مجلة " ذي-ايكونوميست" ( عدد يونيو 16-22) الماضي أن عددا من المقيمين في هونج كونج قد تظاهروا وسط المدينة, بداية يونيو الماضي, مطالبين بدعم مناهج تدريس اللغة الإنجليزية, التي تدهورت بعد عودة المقاطعة إلى الحكم الصيني سنة 1997. وهم يدركون بطبيعة الحال إن مثل هذا التدهور سوف يحد من قدرة خريجي المعاهد و الجامعات في تلبية حاجة سوق العمل, في مدينة يعتمد اقتصادها على الصناعات المتقدمة و الخدمات (السياحة, المال, التجارة الخارجية, و النقل و الخدمات اللوجيستية ). و كل هذا يتطلب معرفة تامة باللغة الإنجليزية و ريادة في العلوم.
يبلغ حجم اقتصاد المدينة التي لا يتجاوز سكانها السبعة ملايين ما يزيد عن مائتي مليار دولار, أي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي في مصر. و ما كان ليحدث ذلك لولا النظام التعليمي القوي الذي اعتمدته المستعمرة البريطانية السابقة, بالإضافة للتشريعات و المؤسسات التي تسهل الأعمال, إذ تأتى هونج كونج في المرتبة 11 عالميا في مؤشر التنافسية, الذي يصدره منتدى دافوس الاقتصادي العالمي, من مجموعة 125 دولة ( الموقع:www.weforum.org ).
وعلى هذا الأساس, ما فتئ طلبة المدارس في هونج كونج, مثل باقي النمور الآسيوية, يحققون السبق في مجال التعليم, إذ جاءوا في المرتبة الثالثة عالميا في آخر دورة للأولمبياد الدولي في مادة الرياضيات ( المصدر: http://timss.bc.edu).
والمقيمون في هذه المدينة الأعجوبة يدركون أهمية اللغة الإنجليزية و استعمالها كوسيلة لتدريس العلوم, تماما كما أدركت ذلك حكومة ماليزيا عندما أصدرت بيانها الشهير في 2002 الذي أعلنت فيه: "ابتداء من 2003 ستصبح الإنجليزية لغة تدريس الرياضيات و العلوم كي لا تبقى ماليزيا خارج الاقتصاد المعولم".
لعل الأهم أن سكان هونج كونج لم يكتفوا بالتظاهر للمطالبة بتعليم راق, بل اعتمدوا آلية لتمويل المدارس تسمى " صكوك التعليم " ( School Debentures ), هي أشبه بسندات تصدرها المدارس مما يمكنها من جمع الموارد المالية التي تحتاجها. و بالرغم من أن شراء هذه الصكوك لا يمكن بالضرورة الأولياء من تسجيل أبنائهم في المدارس التي تصدرها, إلا أن امتلاكها يلعب دورا مساعدا. لهذا, ارتفعت أسعار هذه الصكوك من 77 ألف دولار أمريكي سنة 2004 إلى 128 ألف دولار في الوقت الحاضر، حسبما جاء في تقرير "ذي ايكونوميست" المذكور أعلاه. و يعني هذا أن الأولياء الذين يشترون هذه الصكوك, لا فقط يساهمون في تمويل بناء المدارس الريادية في الدولة و يوفرون حظوظا افضل لقبول أبنائهم بها, بل يقومون بعملية استثمار قد تدر عليهم أرباحا إذا ما ارتفع سعر هذه الصكوك في السوق الثانوية.
سوف يؤدي الإقبال الجماهيري على شراء صكوك التعليم في هونج كونج إلى زيادة كبرى في المدارس الخاصة قد تؤدي في نهاية الأمر إلى تهميش القطاع العام إذا ما فشل في المنافسة, و يمكن البلاد من المحافظة على الريادة في مجال التعليم و التقدم الاقتصادي. و مثل هذا النجاح قد يزيد من الضغط على الحكومة لاعطاء الفرصة لتلاميذ المدارس الحكومية من الالتحاق بدورهم بالمدارس الخاصة التي يختارونها, بتوفيرها لهم " رقاع التعليم " ( School Vouchers ), التي لا تكلف الحكومة اكثر من تكلفة المدارس الحكومية, لكنها تعطي حرية للتلاميذ و أوليائهم لاختيار المدرسة التي يريدونها, و تزيد من المنافسة في هذا القطاع الحيوي.
و الدرس الأهم للدول العربية, التي تشكو مدارسها ضعفا كبيرا في تدريس اللغات الحية و يأتي طلبتها في ذيل القائمة لنتائج المسابقات الدولية للمواد العلمية, ضرورة اعتماد نظام شبيه بنظام " صكوك التعليم " بهونج كونج, الذي يوفر مصدرا ماليا هاما يساعد على بناء مدارس ريادية, بعد أن فشلت مدارس القطاع العام و حتى مدارس القطاع الخاص في صيغته الحالية من تحقيق ذلك.

كاتب المقال محلل ايلاف الاقتصادي, باحث أكاديمي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
Abuk1010@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف