شعب يتفنن في إلحاق الأذى بنفسه...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هل مكتوب على الشعب الفلسطيني التفنن في إيجاد الطرق الكفيلة بإيذاء نفسه وقضيته؟ إذا لم يكن الفلسطينيون يريدون أن يرحموا أنفسهم، فليرحموا على الأقل اللبنانيين الذين يستحقون بالفعل الرحمة بعد كل المآسي التي عانوا منها والتي كان السلاح الفلسطيني جزءا لا يتجزأ منها. كان هذا السلاح داخل المخيمات وخارجها من أسباب ما حل بلبنان في غياب ما يكفي من الوعي لدى القيادات الفلسطينية لمدى خطورة هذا السلاح... على الفلسطينيين أولا.
هل يجوز أن يحصل ما حصل في مخيم البداوي شمال لبنان قبل أيام؟ أليس ماحصل جريمة في حق لبنان وفلسطين يرتكبها أشخاص يسعون بتوجيهات سورية، من النظام السوري وأجهزته طبعا، ألى تأكيد أن الشعب الفلسطيني لا يمتلك سوى هم واحد هو هم التخريب على العرب الذين يساعدونه ويدعمونه والأساءة في الوقت ذاته ألى قضيته المقدسة مع وضع نفسه في تصرف الذين يسيئون أليه. وفي طليعة هؤلاء النظام السوري الذي قتل من أبناء الشعب الفلسطيني أكثر بكثير مما قتلت أسرائيل. من يريد أن يتذكر عدد المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون في لبنان في مواجهات مباشرة مع النظام السوري أو عبر أدواته التي تبدلت مع تبدل الأيام منذالسبعينات من القرن الماضي؟
ما كشفه تحرك أولئك الذين تظاهروا في مخيم البداوي ضد الجيش اللبناني أن هناك أصرارا فلسطينيا على أبقاء الشعب وقضيته في مهب الريح وعلى أن يكون هذا الشعب الصابر وقودا في معارك لا علاقة له ولقضيته بها. المطلوب سوريا، أن يبقى الشعب الفلسطيني مجرد وسيلة تصلح للمتاجرة بها لا أكثر تستخدم في أبتزاز الآخرين على رأسهم لبنان واللبنانيين. هل بمهاجمة الجيش يكافأ لبنان وشعبه على التضحيات التي قدماها للقضية الفلسطينية وعلى ما عاناه اللبنانيون من الوجود الفلسطيني المسلح منذ أواخر الستينات من القرن الماضي؟
لا تفسير منطقيا لأقدام فلسطينيين على التظاهر في مخيم البداوي بحجة أنهم يريدون العودة ألى مخيم نهر البارد حيث يخوض الجيش اللبناني معركة ولا اشرس مع عصابة "فتح - الأسلام" السورية. التفسير الوحيد أن الجهة التي تقف وراء "فتح - الأسلام" دفعتهم ألى ذلك دفعا. من تظاهر في البداوي وخرج ألى الشارع ووواجه الجيش اللبناني وأستفزه بالعصي والآلات الحادة والحجارة أنما يسعى ألى تغطية جرائم عصابة "فتح - الأسلام". لا تفسير آخر لتصرفات الذين تظاهروا في البداوي بهدف واضح كل الوضوح هو توفير غطاء لعصابة شاكر العبسي من جهة وأظهار الجيش اللبناني في مظهر من يخوض معركة مع فلسطينيين عزل من جهة أخرى.
الحقيقة مختلفة كليا. هذه الحقيقة تستند ألى وقائع مصدرها تسلسل الأحداث في شمال لبنان منذ ذبح المجرمون الذين ينتمون ألى "فتح - السلام" نحو عشرين عسكريا لبنانيا من دون سبب. كان هؤلاء ينفذون الأوامر الصادرة من دمشق من أجل خلق فتنة بين أهل السنة في شمال لبنان بعدما عجز النظام السوري عن خلق فتنة شيعية - سنية في بيروت.
لا مفر من تسمية الأسماء بأسمائها. فشل "حزب الله" في الذهاب ألى النهاية في تحركه الهادف ألى أفتعال حرب شيعية - سنية في بيروت والمناطق اللبنانية الأخرى بعدما تبين أن النظام في أيران لا يستطيع تجمل مثل هذه الحرب التي يسعى أليها النظام السوري ويعمل جاهدا من أجل أشعالها. وراء فشل "حزب الله" التعليمات التي صدرت أليه من مرجعيته الأيرانية. وكانت النتيجة أن أكتفى الحزب بأحتلال أملاك الناس في وسط بيروت والأعتداء عليها وكأن في الشرائع السماوية، التي يدعي أحترامها، ما يبرر ذلك. كيف يمكن لحزب يقول أنه يحترم الشرائع السماح لنفسه بالأعتداء على الأملاك العامة والخاصة أذا لم يكن مجرد حزب لا هم له سوى أن يكون أداة في لعبة أكبر منه لا هدف لها سوى تعطيل الحياة السياسية والأقتصادية في لبنان؟
كان فشل "حزب الله" في أفتعال الحرب الشيعية - السنية، على طريقة ما يدور في العراق بتنسيق أيراني- سوري، وراء التفجيرات المتنقلة التي تعرضت لها غير منطقة في بيروت وقرب بيروت من الأشرفية ألى فردان ألى ذوق مصبح. ولما لم تؤد التفجيرات غرضها، أغتال النظام السوري النائب وليد عيدو، ثم أفتعل حرب مخيم نهر البارد معتقدا أنه سيكون من السهل عليه خلق "أمارة أسلامية" في شمال لبنان والتوجه بعد ذلك ألى العالم من منطلق أنه الطرف الوحيد القادر على مواجهة مثل هذه "الأمارة" التي تشرف عليها "القاعدة" تحت غطاء "فتح - الأسلام" الفلسطيني وأنهاء وجودها.
مؤسف أن يقبل أي طرف فلسطيني الدخول في هذه اللعبة التي ليس سوى جريمة في حق فلسطين قبل أن تكون جريمة في حق لبنان واللبنانيين. مؤسف ذلك السكوت العربي عما يحصل في شمال لبنان الذي هو جريمة في حق العرب. في أي دولة عربية يمكن القبول بعصابة مثل عصابة "فتح- الأسلام" تذبح عناصر من الجيش اللبناني فيما يتبرع شخص مثل السيد حسن نصرالله الأمين العام ل"حزب الله" لتوفير غطاء للمجرمين عبر أعتباره مخيم نهر البارد "خطا أحمر"؟
من أجل فلسطين، قبل لبنان، يتوجب على القيادات الفلسطينية رفض ما جرى في مخيم البداوي وحوله وما يجري في مخيم نهر البارد. من أجل العرب أنفسهم، وليس من أجل لبنان وحده، من واجب العرب الخروج عن صمتهم.
في ظل الصمت الفلسطيني والصمت العربي حيال الجرائم التي يرتكبها النظام السوري في حق لبنان واللبنانيين، يبدو سهلا فهم لماذا ضاعت فلسطين ولماذا سيضيع ما بقي من فلسطين. من يسكت عن أستشهاد ما يزيد على ثمانين عسكريا لبنانيا في معارك تشن على الجيش اللبناني على الأرض اللبنانية بأسم فلسطين وخدمة للنظام السوري، سيسكت عن أمور كثيرة أخرى. من يسكت متواطئ مع الأحتلال الأسرائيلي. من يسكت يعتبر مخيم نهر البارد أهم من قضية فلسطين. من يسكت على ما يجري في لبنان يعمل لدى أسرائيل. أنه يختزل، بكل بساطة، قضية فلسطين، التي هي قضية شعب لديه حقوقه المشروعة المعترف بها على أرضه التاريخية، بقضية أسمها مخيم نهر البارد حيث مجموعة من المسلحين صدرها النظام السوري ألى لبنان تحاول أفتعال فتنة سنية - سنية في شمال الوطن الصغير من أجل أن ينجو النظام من الجرائم التي سيمثل بسببها أمام المحكمة الدولية...
في النهاية، ليس كافيا صعود صوت فلسطيني من هنا أو هناك أو هنالك لأعلان التضامن مع الجيش اللبناني وأدانة ما يتعرض له الجيش في مخيم نهر البارد. الموضوع أبعد من ذلك بكثير أنه موضوع أستعادة الفلسطينيين لرشدهم ولو متأخرا ولوم أنفسهم أولا على كل الفرص الضائعة وعلى أساءات أرتكبت وما زالت ترتكب في حق غير شعب عربي أكان ذلك في الأردن أو لبنان أو الكويت... هذا ليس وقت محاسبة الشعب الفلسطيني على أنقياده خلف الذين لا يريدون له سوى الخراب. هذا وقت تحذيره، ولو بعد فوات الأوان، من أن الخراب هو الشيء الوحيد المضمون في حال أستمر سائرا في النهج السوري الذي أوصل ألى أحداث نهر البارد والبداوي. غدا لناظره قريب...