كتَّاب إيلاف

فاضل رسول المفكر الكُردي المَََََََََنسي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

... في ذكرى اغتياله بنمسا

بهمٍّ ثقيل، وحزن بليغ للأحداث والقضايا المختلفة في الشرق، تحوّل فاضل رسول الى داعية فريد في الشرق الى الحوار كحلٍّ أمثل لقضايانا وصراعاتنا المتنوعة.
اندفاع الشهيد فاضل نحو الحوار كان نابعاً من قراءة عميقة جداً لتاريخ المنطقة، والعلاقات المتعددة الأبعاد بين تكوينات الشرق في ما بينها من جهة، وكذلك مع الغرب صراعاً وهيمنةً من جهة أخرى.
على هذا الأساس سمّى فاضل دوريته، التي أسسها عام 1986 بفيينا والتي كانت تصدر في بيروت، الحوار ولاحقاً منبر الحوار.
في منبر الحوار حاول فاضل خلق بيئة هادئة ورحبة للاتجاهات المختلفة في الشرق من اسلاميين وعَلمانيين وقوميين وآخرين. ارتكزت استراتيجيات التفكير لدى فاضل على مسألتين هامتين كقطبي المعادلة للوجود الشرقي: الأولى ان التنوع الديني والاثني متجذر في شرقنا منذ القدم، وعليه فإن الاسلام صاغ المنطقة صياغة حضارية لم يلغ الهويات المتعددة فيها. والثانية ان الشرق يواجه صراعاً وهيمنة متعددَي الجوانب من قبل القوى الخارجية واشتقاقاً من ذلك تستغل القوى الخارجية الصراعات الداخلية للتدخل في الشرق، لاسيما عن طريق القضايا القومية.
بدأ فاضل رحلته الفكرية والسياسية وهو فتىً يافع. فإبن الاربعة عشر ربيعاً أقتيد مكبّلاً الى قاعة الامتحانات في المرحلة الثالثة من المتوسطة لتأدية الامتحانات!، مُتهماً لدى السلطة آنئذ، بالانتماء الى الحزب الشيوعي.
ولد فاضل رسول عام (1949) بالسليمانية في كُردستان. يعتقد البروفيسور عزالدين مصطفى رسول، ابن عم فاضل، انه ولد عام 1947. دخل فاضل في مقتبل عمره في الحزب الشيوعي العراقي ومن ثم ترك صفوفه مؤسساً مع زملاء آخرين له (وحدة القاعدة) التي كان من بينها الدكتور عادل عبدالمهدي نائب الرئيس العراقي حالياً. في تلك الأثناء كان فاضل متأثراً بالفكر (الماوي، نسبة الى ماوتسي تونغ). كشاب مثقف ودارس جدّي كان فاضل ملتصقاً بطبقة الفقراء والمساكين ونقد دوماً القيادات السياسية وعوائلها على ثرائها الفاحش على حساب الطبقات الدنيا. خدم فاضل في الحركة الوطنية الكُردية ضمن صفوف الحزب الديموقراطي الكُردستاني. شارك فاضل رسول في تأسيس البدايات الأولى للاتحاد الوطني الكُردستاني اواسط السبعينيات من القرن الماضي، في أعقاب اكماله للدراسة الجامعية في بغداد. في تلك الأثناء حدث انقلاب فكري في مسار فكر فاضل رسول حيث طلّق فاضل التجربة الحزبية ولم يعد اليها ابداً كما يقول ذلك المفكر اللبناني رضوان السيد. في هذه الاثناء انهمك فاضل في النشاط الثقافي والتأليف. فألّف كتباً وترجم أخرى مثل:تاريخ الحركة الثورية في ايران، النفط والثورة، ايران غربة السياسة والثورة، الحد الفاصل بين السياسة والدين، ولاحقاً كتابه الشهير هكذا تكلّم علي شريعتي. في منتصف السبعينيات لجأ الى اوروبا الغربية، واقام في نمسا واكمل دراساته العليا هناك، فحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية بـ (برلين)، ثمّ اصبح استاذا في معهد فكري ــ سياسي باحدى الجامعات في فيينا العاصمة النمساوية.
عاد فاضل يقرأ تاريخ الاكراد والمنطقة عموماً من زاوية اوسع، اي من حيث البنية التكوينية للصياغة التاريخية لمنطقتنا في خلال اربعة عشر قرناً. يقول رضوان السيد: ان رؤية فاضل للتعدد الاثني كانت قائمة على انها كانت موجودة منذ القدم وصاغها الاسلام برحابة ويسر، لكنها تتأزم اثناء التدخل الخارجي.
الاسلام ــ كما يرى ــ فاضل، لم يلغ الهويات المتعددة الاثنية والدينية والمذهبية. ومن هذا الباب طرح فاضل في (منبر الحوار) جملة محاور اساسية لقضايا الشرق تمثلت في ضرورة تكوين الحوار بين الاتجاهات، حل القضية القومية (كالقضية الكُردية) سلمياً، وانهاء الصراعات الداخلية التي تبلط الطريق امام التدخلات الخارجية الخطيرة. وفي بلورة فكرية ومحاولة عملية جدّية قام فاضل عام 1989 بجمع المفكرين البارزين في الساحة العربية، على مائدة الحوار بالقاهرة، يعتبرها المفكر اللبناني وجيه كوثراني المحاولة التأسيسية للحوار بين الاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة في الشرق. يُشير كوثراني (رئيس تحرير منبر الحوار بعد استشهاد فاضل رسول) ان الحوار الذي كان امنية قريبة من الخيال في الثمانينيات استطاع فاضل ان يجسده في الواقع رغم صعوبات قاهرة. محمد عمارة، طارق البشري، فهمي هويدي، عصمت سيف الدولة، محمد سليم العوا، علي الدين هلال، سعدالدين ابراهيم وآخرون من المفكرين شاركوا في تلك الجلسة الفريدة لبناء الحوار.
كان فاضل يرى ان الصراعات الداخلية تؤخر المنطقة في دائرة مميتة، وهي بالتالي تجلب الاحتلال الخارجي الذي يسبب الكوارث الكبرى للاجيال.
ومن هذه الزاوية كان يحلل تقسيم كُردستان كمؤامرة خارجية لاستنزاف المنطقة، عبر الادامة بالصراع. في مقال له بمنبر الحوار عام 1986 بعنوان (الاسلام والقومية) يؤكد فاضل ان الاكراد، كما القوميات الاخرى حافظت على شخصيتها في ظل الاسلام بالرغم من وجود بعض الصراعات احيانا. لكن لو تعرض الاكراد الى عُشر الظلم الذي تعرضوا له بيد الدول الاقليمية العلمانية، في خلال ثلاثة عشر قرناً، لربما انتهى الاكراد من الوجود ـــ كما ذهب فاضل ـــ في تحليله للوجود الكُردي في ظل الاسلام.
ولذلك فانه جاهد من اجل حل القضية الكُردية في الدول التي تقتسمهم سلمياً، ضمن التوجه العام لوحدة المنطقة حضارياً في وضع شبيه بالاتحاد الاوروبي اليوم.
وعلى الرغم من انه لم يكن يؤمن بالحكم الذاتي كحل نهائي للقضية القومية، لكن فاضلاً اعتبره خطوة جيدة لانتعاش الثقافات المضطَهَدة، والتي رأى فاضل انها روافد غنية تصبّ في الثقافة المشتركة لشعوبنا. لكن فاضل رسول كان قلقاً جداً من قلّة الوعي العام لابناء المنطقة ـــ بمختلف انتماءاتهم ـــ ازاء مخاطر الهيمنة الخارجية، السياسية والثقافية. يعلل فاضل قلّة الوعي هذه بالاستغراق في الصراعات الداخلية الاستنزافية التي تعيش على العصبيات والعنصريات. الصراعات التي رأى فاضل اطرافها بذات الأفق الضيق.
أدرك فاضل مخاطر هذه الهيمنة التي تواجهها حالياً منطقتنا، في وقت مبكر. ففي مقال له بمنبر الحوار، بعنوان: حول دور المؤثر الخارجي في تطورالمسألة القومية والطائفية، عدد 11 خريف 1988، يشير فاضل الى مخطط اسرائيلي ــ امريكي لتفتيت المنطقة الى كيانات صغيرة ومتناحرة، ويضرب المثال بالعراق أن المخطط الخارجي يهدف الى تفكيكه الى ثلاثة كيانات متنازعة: شيعي وسني وآخر كُردي. الامر كذلك بالنسبة الى لبنان وسوريا وتركيا ودول أخرى. ومن هنا فان طرح فاضل بالنسبة الى كُردستان كان نابعاً من قراءة استراتيجية للمنطقة بشكل عام. وعلى هذا الاساس كان يرى استقلال كُردستان وتوحيد الشعب الكُردي، المجزأ ضرورة حتمية ضمن توحيد المنطقة حضارياً في تنوع منسجم ومتآزر. واعتبر بقاء الوضع الكُردي عالقاً دون حلّ، كبوّابة مفتوحة امام القوى العظمى الطامعة في التدخل في المنطقة، واستغلال الصراعات فيها وبالتالي نشوء عوائق كبيرة امامنا للنهوض.
في ما يخص مسألة الدين وقف فاضل ضد التعصب والتطرف الديني، وكان يرى ان الدين بطبعه يرفض التطرف لأنه يخالف فطرة الانسان السليمة، والتي جاء الدين اليها لتربّيها بلطف ويسر. ولعلّ تأليفه كتابا عن علي شريعتي، المفكر الايراني المشهور، جاء لتأصيل مفهوم الحوار والتسامح والانفتاح بين ابناء المنطقة على اختلاف الاديان والمذاهب والقوميات. وفي الاسلام، مؤمناً برسالته العالمية للحياة، وجد فاضل نفسه على هدى الوسطية فيه، جامعاً بين الدنيا والآخرة. فالدين ليس مجالاً أخروياً بحتاً يترك امور الدنيا على نحو انفصال حاسم، كما تجلّت في دعوة علمانية مغتربة غربة ازدواج، طيلة القرن الماضي. ومن هنا كان يرى فاضل ضرورة وجود الحوار بين التيارات الفكرية العلمانية والدينية والقومية في دائرة سمحة وحضارية. ومن هذا الباب يعود فاضل للتذكير بالتدخل الخارجي المخرِّب في منطقتنا بذرائع كثيرة اهمها الصراعات الداخلية. ففي تأليف له باللغة الألمانية عن القوى العظمى وتدخلاتها في الشرق، ضمن الصراع الذي كان قائماً بين الاتحاد السوفيتي السابق والغرب الرأسمالي بقيادة امريكا، يشرح فاضل بالتفصيل مواقع الضعف الشرقي وعوائق النهوض الحضاري. هذه الآلام الفكرية دفعت بفاضل الى الاندفاع الكلّي نحو حوار جدّي وليس الفضفاض الذي يملأ الصحف والشاشات هوّامات وفراغات. وهكذا فقد رتب فاضل حواراً هاماً وجديّاً بين العلمانيين والاسلاميين والقوميين في مطلع عام 1989 بالقاهرة. استمر فاضل في مسيرة الحوار وأصبح في أواسط عام 1989 وسيطاً للحوار بين الحزب الديموقراطي الكُردستاني الإيراني (حدكا) ووفد الجمهورية الاسلامية الإيرانية. هناك حيث كان فاضل منشغلاً بحرقة وألم للمصالحة بين الجانبين الكُردي والايراني وحيث كان يدير الحوار بين الطرفين، دخل الوفد الايراني مسلحاً وتحاوَرَ مع فاضل رسول، والوفد الكُردي بالرصاص فكانت خمس رصاصات خرقت صدر فاضل وحنجرته، فأردوه قتيلاً مع زملائه الآخرين وأخمدوا صوته للأبد. في 13/7/1989 لم يقدر فاضل ان يُكمل الحوار فاُغتيل في مساء ذلك اليوم بفيينا مع الدكتور عبدالرحمن قاسملو زعيم (حدكا) وعبدالله قادري آزر. كانت آخر كلمات فاضل في تلك الجلسة(مسجّلة على شريط كاسيت سلمها البوليس النمساوي الى حدكا عام 1997) هي أنه لابدّ من التوصل الى الاتفاق في خلال هذا الحوار، قبل انقلاب الموازين الدولية والاقليمية!
اثناء اقامتي في لبنان كنت ابحث عن المصادر والاشخاص لجمع المعلومات عن فاضل رسول. كنت استغرب دوماً واتساءل في نفسي لِمَ لا نعرف هذا المفكر الكبير المُحتفى به لدى المفكرين والنخبة الأكثر رقيّاً في الشرق؟
قررت ان عمل شيئاً للتعريف بهذا الشخص السمح وافكاره الانسانية المباركة، في كُردستان. قصدت المفكر رضوان السيد، صديق الشهيد فاضل، وقد كتب عنه عقب اغتياله في 13/7/1989 والذي يصادف اليوم الأول لعيد الأضحى في ذلك العام. ثم قمت بزيارة عالم الاجتماع وجيه كوثراني، احد الأصدقاء المقربين من فاضل. وقد حصلت منه على أعداد معينة من دورية (منبر الحوار).
في أستراليا صادف ان التقي أحد المغنين الكُرد، له نشاطات سياسية، وسألته عما إذا كان يعرف فاضل رسول، فأجابني: نعم الذي ذهب سدى! كان الرجل يعبر بحزن عن الخسارة غير المتوقعة حول فقدان فاضل.
اخبرني المغني الكُردي أن فاضلاً في عاميه الأخيرين من حياته، خيّمه حزن عميق. يؤكد ذلك رضوان السيد في مقاله عن فاضل، أن السنتين الأخيرتين من حياته وشّحتاه بوشاح حزن هادئ. ومرد الحزن كان عائداً الى الأحداث الثقيلة في كردستان نهاية الثمانينيات، حيث حوّل النظام البعثي مناطق كُردستان الى ساحة اللهو لنيرانه وهوله، فكان اختناق حلبجة والأنفال والخراب. هذا ما دفع الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بللا، صديق فاضل الذي رثاه في منبر الحوار في افتتاحية العدد الشهيد، ان يكتب مقالاً في جريدة السفير اللبنانية عام 1988، بعنوان: صرخة استغاثة، دعا فيه العرب والمسلمين الى الوقوف مع الكُرد ضد ما يتعرضون له من ابادة على يد النظام العراقي.
وقبل ان يغادر فاضل صبيحة يوم الخميس الى طاولة المفاوضات عبّر لمقربيه عن مشاعره: سيكون أكبر شرف احظى به اذا استطعنا الحصول على حقوق الشعب الكُردي في إيران عبر هذا الحوار.
في العام الماضي فضلاً عن مقالات عديدة نشرتُها في الجرائد والمواقع الكُردية، في ذكرى الشهيد فاضل، قدمت مشروعاً بهذه المناسبة الى وزارة الثقافة في اقليم كُردستان. تضمن المشروع احياء ذكرى فاضل رسول ودعوة اصدقائه المفكرين الى كُردستان، واعادة طبع ميراثه الفكري وترجمته، واعادة اصدار دورية منبر الحوار، وتأسيس مركز فكري للدراسات والبحوث باسمه تكريماً للشهيد. طلب مني وزير الثقافة الاتصال بهؤلاء المفترض دعوتهم من الخارج. قمنا بالاتصال برضوان السيد ووجيه كوثراني، اللذان ابديا استعدادهما للمشاركة في مراسيم الذكرى. قدمت المشروع وترددت على الوزارة وفروعها لعشرات المرات، حتى مضت ثلاثة اشهر واُهمِلت المسألة. فسّر الوزير الاهمال لاحقاً في مقابلة له مع اسبوعية (ميديا العدد 281 في 13/7/2007) بقلّة الامكانيات المادية وعدم موافقة الحكومة الكُردية على المشروع!!
قدمت المشروع الى (منتدى الفكر الاسلامي) الذي تأسس جديداً. رحّب اعضائه بذلك، لكن رئيسه وهو نائب في البرلمان العراقي ويطرح نفسه كمفكر، استخف بالمشروع وقال: (عندنا من هو أهمّ من فاضل لكي نحيي ذكراه، عبدالله النقشبندي يساوي الفاً من امثال فاضل رسول!!!). وحين سألته عما اذا كان يعرف فاضلاً ام لا، اجابني: لا اعرفه ولم اسمع به!
جريدة (كوردستاني نوى العدد 4026 في 21/7/2006) اجرت مقابلة معنا بمناسبة الذكرى. على اثر ذلك التقيت بالمسئول العام للاعلام في الاتحاد الوطني الكُردستاني، الذي تحفّظ من وصفنا لفاضل رسول بالمفكر اثناء اللقاء مع جريدته! ومرد تحفظه ان فاضلاً لم يؤلف كتاباً حسب علم مسئول الاعلام!
قرأت عليه عناوين الكتب التي الّفها فاضل، فضلاً عن دورية منبر الحوار التي لم يكن مسئولنا (الاعلامي) قد سمع بها على الاطلاق!
قدمت المشروع لرئاسة اقليم كُردستان ورئاسة الوزراء، والى يومنا هذا لم نتلق خبراً. لكن مؤسسة اعلامية تابعة لاحد الحزبين المُقسِمَين للسلطة، اخبرتني انه ليس لفاضل رسول مكان هنا! واحد مسئولي الاتحاد الوطني في اربيل اكّد لي انه بسبب العلاقة الودية مع ايران يتعذر الحديث عن هذا الموضوع على القناة الفضائية كُردسات. الأمر نفسه بالنسبة للحزب الديموقراطي وعلاقته مع ايران.
كنت قرأت لنوشيروان مصطفى بضعة كتب نشرها في الماضي. التقيت به في آذار العام الحالي وسالته عن تجاهله لذكر فاضل ــ ( في كتبه لا سيما كتابه الهام من على ضفاف دانوب الى خرَيناوزَنك) ــ الذي كان يلعب دوراً مهماً في الساحة الثقافية والسياسية. وضح نوشيروان ان فاضلاً لم يكن في فيينا بعدُ، اثناء اقامته هو فيها، مطلع السبعينيات، وهو يروي ذكرياته فيها. لكن نوشيروان، وقد كان اهم منظّرٍ للاتحاد الوطني واثقف قياداته،اقرّ ان فاضل رسول كان بارعاً جداً في الفكر والثقافة، لكنه والكلام لنوشيروان، حوّل فاضل مساره الفكري من اقصى اليسار باتجاه الاسلام طمعاً في السلطة لدى الجمهورية الاسلامية الايرانية.
في الواقع لم تكن علاقة فاضل بايران علاقة ود. فبالرغم من توجه فاضل الاسلامي (المنفتح جداً) الا ان جملة اسباب توضح عدم تودد ايران الى فاضل. فعلي شريعتي الذي كتب عنه فاضل كان ضد التعصب الشيعي وكان معارضاً للصفوية كفكر وكنمط. كذلك فقد كان فاضل ضد استمرار الحرب مع العراق وكان يدعو الى حقوق القوميات والطوائف داخل ايران. بالاضافة الى عامل مهم في مسار فكر فاضل انه عاد الى الدائرة الاسلامية كفكر وتاريخ قبل الثورة الايرانية باعوام. فضلاً عن هذا كله لم يحصل فاضل على شئ من قبل الجمهورية الاسلامية، على الرغم من مرور عشرة اعوام، لغاية 1989، على قيامها. الشئ الوحيد الذي تلقّاه رسول من ايران هو الرصاصات التي انهت حياته.
في مقابلة خاصة (مسجلة) علّل السيد عزالدين مصطفى رسول، اهمال الاتحاد الوطني الكُردستاني لشخصية فاضل رسول، تحوّل هذا الأخير من المسار الفكري اليساري الذي كان الاتحاد يدين به، الى منظومة فكرية مغايرة تماماً والتي تلاقي الى اليوم رفضاً جذرياً لدى الاتحاد الوطني. فالدكتور عزالدين قالها بصراحة: ان عودة فاضل الى الاسلام هي السبب في دفع شخصيته وتراثه الفكري، الى غياهب المجهول من قبل الاتحاد الوطني بزعامة السيد جلال طالباني.
يقترح عزالدين رسول في المقابلة ان يقوم احد الاحزاب الاسلامية المعتدلة بتبني الميراث الفكري لفاضل رسول واحياء ذكراه. واعتبر الاتحاد الاسلامي الكُردستاني الأكثر تأهيلاً للاهتمام بالتراث الفكري الذي تركه لنا رسول نظراً لاعتدال الاتحاد الاسلامي وتجنبه العنف.
لكن المقولة التي سمعتها عن فاضل انه ذهب سدىً ظلت تراودني على الدوام، ان مفكراً كتب في عظمته مفكرون كبار (احمد بن بللا، محمد سليم العوا، رضوان السيد، وجيه كوثراني...)، كافأه الأكراد الذين ضحّى فاضل بحياته في سبيلهم بالنسيان والاهمال!
اثناء اقامتي في لبنان كنت ابحث عن المصادر والاشخاص لجمع المعلومات عن فاضل رسول. كنت استغرب دوماً واتساءل في نفسي لِمَ لا نعرف هذا المفكر الكبير المُحتفى به لدى المفكرين والنخبة الأكثر رقيّاً في الشرق؟
قررت ان عمل شيئاً للتعريف بهذا الشخص السمح وافكاره الانسانية المباركة، في كُردستان. قصدت المفكر رضوان السيد، صديق الشهيد فاضل، وقد كتب عنه عقب اغتياله في 13/7/1989 والذي يصادف اليوم الأول لعيد الأضحى في ذلك العام. ثم قمت بزيارة عالم الاجتماع وجيه كوثراني، احد الأصدقاء المقربين من فاضل. وقد حصلت منه على أعداد معينة من دورية (منبر الحوار).
في أستراليا صادف ان التقي أحد المغنين الكُرد، له نشاطات سياسية، وسألته عما إذا كان يعرف فاضل رسول، فأجابني: نعم الذي ذهب سدى! كان الرجل يعبر بحزن عن الخسارة غير المتوقعة حول فقدان فاضل.
اخبرني المغني الكُردي أن فاضلاً في عاميه الأخيرين من حياته، خيّمه حزن عميق. يؤكد ذلك رضوان السيد في مقاله عن فاضل، أن السنتين الأخيرتين من حياته وشّحتاه بوشاح حزن هادئ. ومرد الحزن كان عائداً الى الأحداث الثقيلة في كردستان نهاية الثمانينيات، حيث حوّل النظام البعثي مناطق كُردستان الى ساحة اللهو لنيرانه وهوله، فكان اختناق حلبجة والأنفال والخراب. هذا ما دفع الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بللا، صديق فاضل الذي رثاه في منبر الحوار في افتتاحية العدد الشهيد، ان يكتب مقالاً في جريدة السفير اللبنانية عام 1988، بعنوان: صرخة استغاثة، دعا فيه العرب والمسلمين الى الوقوف مع الكُرد ضد ما يتعرضون له من ابادة على يد النظام العراقي.
وقبل ان يغادر فاضل صبيحة يوم الخميس الى طاولة المفاوضات عبّر لمقربيه عن مشاعره: سيكون أكبر شرف احظى به اذا استطعنا الحصول على حقوق الشعب الكُردي في إيران عبر هذا الحوار.
في العام الماضي فضلاً عن مقالات عديدة نشرتُها في الجرائد والمواقع الكُردية، في ذكرى الشهيد فاضل، قدمت مشروعاً بهذه المناسبة الى وزارة الثقافة في اقليم كُردستان. تضمن المشروع احياء ذكرى فاضل رسول ودعوة اصدقائه المفكرين الى كُردستان، واعادة طبع ميراثه الفكري وترجمته، واعادة اصدار دورية منبر الحوار، وتأسيس مركز فكري للدراسات والبحوث باسمه تكريماً للشهيد. طلب مني وزير الثقافة الاتصال بهؤلاء المفترض دعوتهم من الخارج. قمنا بالاتصال برضوان السيد ووجيه كوثراني، اللذان ابديا استعدادهما للمشاركة في مراسيم الذكرى. قدمت المشروع وترددت على الوزارة وفروعها لعشرات المرات، حتى مضت ثلاثة اشهر واُهمِلت المسألة. فسّر الوزير الاهمال لاحقاً في مقابلة له مع اسبوعية (ميديا العدد 281 في 13/7/2007) بقلّة الامكانيات المادية وعدم موافقة الحكومة الكُردية على المشروع!!
في الأثناء قرأت فضائح هذه الوزارة وصرفها مبالغ هائلة للمغنيات والمغنين الأكراد تحدثنا عنها في مقال سابق لنا على الايلاف (كُردستان من الداخل كما هي)، وكذلك تبذير الأموال في الخزعبلات والترهات. عرجت على وزارة الشهداء والأنفال وطرحت اقتراحاً بسيطاً، وهو استضافة ارملة الشهيد فاضل، الدكتورة سوزان رسول (النمساوية) وتكريمها. ردت وزيرة الشهداء على اقتراحي أن وزارتها لا تملك النسرية إلا للأعمال الضرورية جداً لوزارتها. لكنها كانت صريحة، ففي اتصال لنا بها بداية الشهر الماضي، بدت غير سعيدة حول مجرى الأمور في الحكومة وفي وزارتها بسبب قلّة الامكانيات. واتهمت الحكومة بالتقصير والاختلاس لمصلحة اشخاص لا يملكون اي حس بالمسئولية تجاه شعبهم. واضافت ان ميزانية الوزارات لم تحدد، ومعنى ذلك ان الأموال تذهب الى الأنفاق المجهولة!
حاولت كثيرا اقامة برنامج في تلفزيون (زاكَروس) و (كُردستان تي في) بمناسبة 13/7/1989 لكنهما كانا أكثر انشغالاً بمسائل مهمة! فرفضا اعارة فاضل رسول اي اهتمام. في احد ايام تموز انتظرت اكثر من ساعتين في غرفة الانتظار التي تملك جهاز التلفزيون لتسلية الضيوف، لكي التقي بمدير تلفزيون زاكَروس، ولم يحدث ان تبث قناتها سوى الأغاني بتواصل.
قدمت المشروع الى (منتدى الفكر الاسلامي) الذي تأسس جديداً. رحّب اعضائه بذلك، لكن رئيسه وهو نائب في البرلمان العراقي ويطرح نفسه كمفكر، استخف بالمشروع وقال: (عندنا من هو أهمّ من فاضل لكي نحيي ذكراه، عبدالله النقشبندي يساوي الفاً من امثال فاضل رسول!!!). وحين سألته عما اذا كان يعرف فاضلاً ام لا، اجابني: لا اعرفه ولم اسمع به!
جريدة (كوردستاني نوى العدد 4026 في 21/7/2006) اجرت مقابلة معنا بمناسبة الذكرى. على اثر ذلك التقيت بالمسئول العام للاعلام في الاتحاد الوطني الكُردستاني، الذي تحفّظ من وصفنا لفاضل رسول بالمفكر اثناء اللقاء مع جريدته! ومرد تحفظه ان فاضلاً لم يؤلف كتاباً حسب علم مسئول الاعلام!
قرأت عليه عناوين الكتب التي الّفها فاضل، فضلاً عن دورية منبر الحوار التي لم يكن مسئولنا (الاعلامي) قد سمع بها على الاطلاق!
قدمت المشروع لرئاسة اقليم كُردستان ورئاسة الوزراء، والى يومنا هذا لم نتلق خبراً. لكن مؤسسة اعلامية تابعة لاحد الحزبين المُقسِمَين للسلطة، اخبرتني انه ليس لفاضل رسول مكان هنا! واحد مسئولي الاتحاد الوطني في اربيل اكّد لي انه بسبب العلاقة الودية مع ايران يتعذر الحديث عن هذا الموضوع على القناة الفضائية كُردسات. الأمر نفسه بالنسبة للحزب الديموقراطي وعلاقته مع ايران.
كنت قرأت لنوشيروان مصطفى بضعة كتب نشرها في الماضي. التقيت به في آذار العام الحالي وسالته عن تجاهله لذكر فاضل ــ ( في كتبه لا سيما كتابه الهام من على ضفاف دانوب الى خرَيناوزَنك) ــ الذي كان يلعب دوراً مهماً في الساحة الثقافية والسياسية. وضح نوشيروان ان فاضلاً لم يكن في فيينا بعدُ، اثناء اقامته هو فيها، مطلع السبعينيات، وهو يروي ذكرياته فيها. لكن نوشيروان، وقد كان اهم منظّرٍ للاتحاد الوطني واثقف قياداته،اقرّ ان فاضل رسول كان بارعاً جداً في الفكر والثقافة، لكنه والكلام لنوشيروان، حوّل فاضل مساره الفكري من اقصى اليسار باتجاه الاسلام طمعاً في السلطة لدى الجمهورية الاسلامية الايرانية.
في الواقع لم تكن علاقة فاضل بايران علاقة ود. فبالرغم من توجه فاضل الاسلامي (المنفتح جداً) الا ان جملة اسباب توضح عدم تودد ايران الى فاضل. فعلي شريعتي الذي كتب عنه فاضل كان ضد التعصب الشيعي وكان معارضاً للصفوية كفكر وكنمط. كذلك فقد كان فاضل ضد استمرار الحرب مع العراق وكان يدعو الى حقوق القوميات والطوائف داخل ايران. بالاضافة الى عامل مهم في مسار فكر فاضل انه عاد الى الدائرة الاسلامية كفكر وتاريخ قبل الثورة الايرانية باعوام. فضلاً عن هذا كله لم يحصل فاضل على شئ من قبل الجمهورية الاسلامية، على الرغم من مرور عشرة اعوام، لغاية 1989، على قيامها. الشئ الوحيد الذي تلقّاه رسول من ايران هو الرصاصات التي انهت حياته.
في مقابلة خاصة (مسجلة) علّل السيد عزالدين مصطفى رسول، اهمال الاتحاد الوطني الكُردستاني لشخصية فاضل رسول، تحوّل هذا الأخير من المسار الفكري اليساري الذي كان الاتحاد يدين به، الى منظومة فكرية مغايرة تماماً والتي تلاقي الى اليوم رفضاً جذرياً لدى الاتحاد الوطني. فالدكتور عزالدين قالها بصراحة: ان عودة فاضل الى الاسلام هي السبب في دفع شخصيته وتراثه الفكري، الى غياهب المجهول من قبل الاتحاد الوطني بزعامة السيد جلال طالباني.
يقترح عزالدين رسول في المقابلة ان يقوم احد الاحزاب الاسلامية المعتدلة بتبني الميراث الفكري لفاضل رسول واحياء ذكراه. واعتبر الاتحاد الاسلامي الكُردستاني الأكثر تأهيلاً للاهتمام بالتراث الفكري الذي تركه لنا رسول نظراً لاعتدال الاتحاد الاسلامي وتجنبه العنف.
لكن المقولة التي سمعتها عن فاضل انه ذهب سدىً ظلت تراودني على الدوام، ان مفكراً كتب في عظمته مفكرون كبار (احمد بن بللا، محمد سليم العوا، رضوان السيد، وجيه كوثراني...)، كافأه الأكراد الذين ضحّى فاضل بحياته في سبيلهم بالنسيان والاهمال!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف