ويحدثونك عن العدالة السويدية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إكتملت إذاً حلقة العدالة السويدية، الحقة؛ الحلقة، المتعيّن شدّها بإحكام على رقبة هذا المهاجر، ليكون عبرة لمن يجرؤ، من أهل المشرق، على المغامرة بالقدوم إلى بلدنا الغربيّ وتعكير حياتنا ورخائنا. فلطالما كان ثمة علامة إستفهام كبيرة، فاقعة، عن السبب الكامن خلف رفض السلطات السويدية، غالباً، لحق اللجوء السياسيّ، أو الإنسانيّ، لمن يستحقه فعلاً؛ في الوقت نفسه، الذي تمنحه لعديد الأشخاص من سقط متاع المشرق، البائس: إنها سياسة محبوكة بعناية، غاية في الخبث، وهدفها على الأرجح، ذو غايتيْن؛ الأولى، إرسال إشارة للخارج، عن صعوبة الحصول على اللجوء في بلد الفايكنغ، الأرقى؛ والثانية، هي إشارة للداخل، بأنّ اللاجئين السياسيين ـ كذا، همُ على هذه الشاكلة من السلوك والخلق. ما سلفَ من حقيقة، يجعلني أهجسُ بأنّ مقالاتي المتسلسلة، بخصوص معاناتنا الشخصية ـ كمغتربين من أصول مشرقية؛ هكذا مقالات، يُمكن أن تجدَ ترحاباً وتهليلاً من لدن أساطين السياسة السويدية، المهتمة بما يُسمى " دمج المهاجرين في المجتمع ": فليطنب هذا الرجل في مديح مآثرنا؛ وليتبسّط في حديثه عنا ما شاءت له الأوجاع؛ وليحذوَ على مثاله هنا، كلُّ أخي أخته.. فهذا كله، يوافق هوانا ويخدم سياستنا!
الخيبة تأتي بأختها. من شركة السكن إلى الشرطة، ومن التحقيق إلى المحكمة. جميعهم، على العدائية نفسها؛ وكأنما ثأرٌ قديم، سلاليّ، يتحكم بسلوكهم معكَ. أما أنّ المحامي، أيضاً، سيشاركهم السلوك نفسه؛ فهذا لعمري عجيبة، كان يجب ترشيحها كيما تأخذ مكانها، المناسب، بين عجائب العالم السبع، الجديدة! ففي مقالي الأخير، توقفت القضية عند جلسة المحاكمة، الأولى؛ إنها جلسة وحيدة، في الواقع، ولم يتبق بعدئذٍ سوى النطق بالحكم. من جهتها فالقاضي، وهي كما سلف القول إمرأة وفي ربيع عمرها. فمن النافل، إذاً، تشبيهها بالمقبور عواد البندر، قاضي الشيطان في محكمة الثورة، الصدّامية: ولكن الشيء بالشيء، يُذكر. فقاضيتنا، رغم ما كان يبدو عليها من مرح وبشاشة، إلا أنها ما وجدت حرجاً في أن تختصرجلسة محاكمتي تلك، إلى أقل من ساعة ونصف. نعم. ولقد تمّ خلال هذه المهلة الوقتية، المبتسرة، الإستماع برهافة وصبر لأسئلة المدّعي العام ومداخلاته، والإستمتاع بالمقابل بصمت محاميّ، المؤدب، ونظراته الوادعة، الحالمة. هذا الأخير، بقيَ على جموده حتى النهاية السعيدة، ولم يُخرجه منه حتى سؤالي له، ما إذا كان من المفترض به مناقشة الشاهد، المتطوّع ضدي؟ شارداً، تأملني الرجل ملياً، ولم يُجب! كذلك بلغ من إستهتار محاميّ هذا، أنه لم يقدّم للمحكمة أوراقا رسمية، كنت قد زودته بها، تثبت أن الشاهد نفسه ـ وهو أحد مسؤولي شركة السكن ـ متحيّز ضدي بدواع عنصرية بحتة. بعد إسبوعيْن تقريباً من جلسة المحاكمة تلك، العشوائية، وصلني عن طريق البريد مظروفاً سميكاً، فيه أوراق الحكم الصادر بحقي، فضلاً عن تعليمات محددة بخصوص الإستئناف: ثلاثون يوماً حبس، مع وقف التنفيذ بكفالة تقدّر بما يعادل مائتي يورو، إضافة لدفع تعويض للمدعية وقدره ما يعادل الخمسمائة يورو. وفي متن الحكم ما يفيد، بأنني سأمكث سنتين تحت المراقبة، لضمان حسن سلوكي. وقد غفلوا، في الواقع، تضمين الحكم تعهداً خطياً مني؛ بأنه يتوجب عليّ خلال السنتين، التأديبيتين، تحمّل المزيد من الأذى النفسيّ، على مدار الساعة السويدية، والإمتناع بالمقابل عن الشكاوى المزعجة للجيران وشركة السكن والشرطة والآلهة..
قلنا، أنه حان الآن وقت إسنئناف الحكم. بعثت الرسالة المطلوبة، وفيها ما يفيد بأنّ المحامي " فلاناً بن فلانسون "، صار غير مرغوب به، وطالبت المحكمة بتغييره بسبب ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. ألا تقول أن دنيا العدالة، السويدية، ستقوم عليّ. إلى الأخير، جاءني قرار المحكمة العليا، وفيه رفض طلبي بتغيير المحامي؛ فالرجل شاب ووسيم ولا يُعيبه أبداً صمته، الدهريّ، خلال الجلسات. نعم، إذا كان السكوت من ذهب، فلتذهب قضيتكَ إلى جحيم الآبدين! ولكن صمت محاميّ طال وإستطال، إلى درجة أنه لم يعد الآن يأبه بالرد على مهاتفاتي؛وإلى درجة أن سكرتيرته، التي تتلقى تلك المكالمات، صارت تشعر بالحرج ما أن تسمع صوتي. هذا معناه، لا يحتمل التأويل؛ وهو أنّ قضية الإستئناف محسومة سلفاُ وستؤيّد الحكم الصادر بحقي، وربما ستشدده أيضاً! وكان المحامي، حينما بعث لي ورقة الحكم بريدياً، بحسب الأصول المعمولة، قد نصحني بعدم الإستئناف! ربّ متسائل، من قراءنا الأكارم، سيهتف بيَ بدوره، محنقا؛ أن ماذا فعلتَ، يا مقصوفَ الشكيمة، كيما تجدَ حتى المحامي في صف خصوم قضيتك؟ يا سيدي، صدقا لم أفعل به، ولا بغيره، شيئاً:
هذا جناه أبي عليّ / وما جنيتُ على السويدِ! ( مع الإستئذان من المعرّي، شاعرنا العظيم )
نعم، جناه أبي عليّ، بولادةٍ مشرقية لا غربية؛ بهوية وثقافة، مختلفة؛ فلا بعثيو سورية، المستبدون، يقبلوننا في عرين عروبتهم، ولا فايكنغ السويد، الديمقراطيون، يتحملوننا في كنف عنصريتهم..
فاتورة القضية، الخاسرة، المتوجّب عليّ دفعها، كانت أكبر بكثير مما قدّرته المحكمة. فما أن علمت شركة السكن، المتكافلة ضدي، أنّ الحكم المبدئيّ قد صدر لصالح قديستهم، السويدية، حتى جاء دورهم للإجهاز على سليل الشياطين. وصلتني رسالة منهم، أحسَبُ أنها لو كانت موجهة لسويديّ، أصيل، لقاضاهمُ وجرجرهم إلى المحاكم. ولكنني من تلك السلالة، الشيطانية، إياها. علاوة ً على كوني قادماً للتو من المحاكم، مجرجراً أذيال الخيبة. وعلى هذا لبيت نداء الرسالة، وتوجهت في اليوم المحدد للإجتماع بالمسؤوليْن المهيبيْن: كان أحدهما رئيس الشركة، بنفسه وعظمته!؛أما الآخر، فما كان سوى صاحبنا الموظف، المسؤول عن منطقتنا، والذي شهدَ في المحكمة ضدي. الرسالة، المعنية، كانت بتوقيع هذا الأخير؛ وفيها ما يفيد بأنني مدعوٌ لهذا الإجتماع، تحديداً، لبحث آلية طردي من الشقة وإنهاء عقدي، أبداً، مع الشركة ـ وهيَ للمناسبة، شركة السكن الحكومية، الوحيدة، في مدينة اوبسالا! كنتُ ثائراً، محبطاً، ومستعداً في الحقيقة لأيّ فعل متهوّر، طائش. رميتُ رسالة اللاغفران على الطاولة، ورحتُ أعدد أمام رئيس الشركة، المحترم، مآثر مرؤوسه وأفعاله معي طوال سنوات ست، تقريباً. المرؤوس، أضحى عندئذٍ في وضع لا يُحسد عليه؛ وبجملة مختصرة، فقد صار يتململ مرعوباً. أما معلمه، الذي بدا هادئاً إلى حدّ ما، فقد حاول بالمقابل تهدئتي. وفي الأخير، جيءَ بموظفيْن آخرَيْن، وطلِبَ منهما مساعدتي في الإنتقال إلى شقة أكثر هدوءاً. هكذا إطمأنيتُ نوعاً إلى أنني لن أرمى في الشارع، صحبة أمتعتي، وأنهم بصدد تسوية الموضوع. هذه النقلة، المفاجئة، في مزاجَيْ الموظفين، المحترمين، ما كانت رأفة بحالي ومعاناتي مع أطفالي، طيلة تلك السنوات، الموسومة. لا، أبداً، بل كانت خشية مما تهددتهما به، من نقل للقضية إلى مراجع اخرى؛ أنا الممسك برسالة الإستدعاء تلك، التي تتهددني بكذا وكذا، بغير وجه حق، طالما أنّ قضيتي لم تحسم بعد في محكمة الإستئناف. إلا أنّ إطمأناني، للحقيقة، سرعان ما تبخر. إذ كان في ذهن آلهة الشركة، أولئك، تدبيرٌ آخر للإنتقام من سليل الشياطين.
للقضية خاتمة..