أي مصير ينتظر الحركة الآشورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بالرغم من ما عاناه الآشوريون عبر تاريخهم الطويل، ومازالوا يعانون في مختلف دول المنطقة، من شتى أنواع الاضطهاد، الاجتماعي السياسي والديني والحرمان من الحقوق القومية، لم يبد الآشوريون تحمساً للعمل القومي والانخراط في الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات القومية الآشورية. إذ بقي الشعور الديني المسيحي غالباً على وجدان ووعي الإنسان الآشوري.وبقيت الكنيسة المرجعية الأساسية للآشوريين يلجأون اليها، خاصة اثناء المحن و الشدائد. يثقون بها أكثر مما يثقون بـ(أحزاب الحركة الآشورية) على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، التي أخفقت على مدى نصف قرن من العظات القومية وتناول رجال الدين في تفكيك الرابطة التقليدية التاريخية التي نشأت وترسخت بين الإنسان الآشوري المسيحي والكنيسة. كما سقطت( الأحزاب الآشورية) أمام أسوار وقلاع المذهبية التي أقامتها المذاهب بين أبناء الشعب الواحد، حتى أمست كل طائفة تبحث لذاتها عن خصوصيات تاريخية وثقافية الى جانب الخلافات والتمايزات العقائدية واللاهوتية لتبتعد أكثر فأكثر عن بعضها. هذا وقد احتفظت الكنيسة بسلطتها الروحية في المجتمع الآشوري فضلاً عن السلطة الزمنية التي منحتها اياها الأنظمة الاستبدادية مع بعض الحقوق الدينية في دول المشرق العربي و الإسلامي لقطع الطريق أمام الأحزاب القومية وفرض مزيد من الحصار عليها. هذا يفسر تبعية الكنيسة كمؤسسة دينية للسلطات القائمة حتى باتت جزءاً منها تأتمر بأوامرها. وكثيراً ما هددت(الكنيسة) المؤمنين بالأجهزة الأمنية عندما حصل تمرد على سلطتها، (سوريا مثالاً)، حيث تتدخل السلطات السورية بشكل أو بآخر في شؤون المؤسسات الدينية حتى بتعيين رجال الدين. تجدر الإشارة هنا الى أن الكنيسة ممثلة بطبقة الإكليروس لم تتحرك ولم يتحرك الشارع الآشوري بهذا الزخم الذي شاهدناه في دول المهجر للتظاهر احتجاجاً على قتل الآشوريين والمسيحيين في العراق إلا بعد أن طال الخطف والقتل رجال الكنيسة. وهذا يؤكد من جهة على المكانة المتميزة التي تحظى بها الكنيسة لدى مختلف الأوساط الآشورية المسيحية، بما فيها الأوساط الثقافية وتلك التي تدعي القومية، وعلى استخفاف الكنيسة بحياة الإنسان الآشوري المسيحي العادي من جهة أخرى. هذا التشرذم المذهبي والقومي في المجتمع الآشوري، الى جانب أسباب اخرى عديدة- ابرزها: تآمر قوى إقليمية ودولية على الآشوريين،البيئة الاجتماعية الثقافية الاسلامية التي عادتهم وآذتهم كثيراً- حالت دون أن تستفيد حركة التحرر الآشورية،كغيرها من حركات التحرر الأخرى، من الهزات السياسية والتغيرات المهمة التي اصابت المنطقة ابان الحرب العالمية الأولى والثانية وغيرها من احداث القرن العشرين. وربما كان الآشوريون الخاسر الأكبر من بين شعوب المنطقة من تلك الأحداث. واليوم يعيد التاريخ نفسه على الآشوريين العراقيين.
بلا ريب، أن الواقع العراقي هو صعب ومرير جداً، لكن مع هذا كان يمكن للآشوريين أن يحسنوا وضعهم السياسي ويعززوا وجودهم القومي في العراق لو أحسنت المؤسسات القومية والدينية ومختلف الفعاليات الآشورية(سريانية كلدانية) داخل العراق وخارجه،التعاطي في السياسة والتعامل مع الأحداث بنوع من البرغماتية والواقعية، ولو عرفوا كيف يتحركوا على الساحة الدولية اعلامياً ودبلوماسياً ويحركوا معهم الرأي العالم العالمي تجاه محنة الآشوريين والمسيحيين العراقيين. أن الحالة العراقية كانت تتطلب وتستدعي أن تتجه كل الجهود الآشورية، المادية والمعنوية والسياسية، منذ 1991، تاريخ بدء الحصار الدولي على العراق،الى المسالة الآشورية التي برزت كقضية ساخنة على الساحة العراقية. لكن عوضاً عن ما كان يجب القيام به والنظر الى القضية الآشورية في العراق على أنها قضية مصيرية لشعب واحد،اختزلت القضية من قبل معظم التنظيمات (الآشورية السريانية الكلدانية)، داخل العراق وخارجه، الى قضية حزبية، ووظفت من قبل البعض لأغراض ومكاسب حزبية. وهنا لا أستثني الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا)- مع تقديرنا الكبير لتضحياتها- التي تعاطت وتعاملت مع الجميع بعقلية الحزب القائد والوصي على التنظيمات والهيئات الدينية والمدنية (الآشورية السريانية الكلدانية) في العراق كما لو أن العراق باق على حاله دون تغير،والساحة الآشورية بقيت لها وحدها كما كانت أيام النظام البائد. لا تريد (زوعا) أن تصدق الزلزال السياسي الذي أصاب العراق وطال جميع شعوبه في التاسع من نيسان 2003. تؤكد معظم التقارير الواردة من العراق مقتل حتى الآن أكثر من خمسمائة آشوري ومسيحي في مناطق مختلفة من العراق عدا المفقودين والمخطوفين. ضحايا الآشوريين جميعهم من المدنيين الآمنين العزل قتلتهم المجموعات الإرهابية وهم يزاولون اعمالهم وبعضهم في بيوتهم وبعض الآخر اثناء تنقلاتهم. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم تقم التنظيمات الآشورية بتشكيل ميليشيا آشورية(كلدانية/سريانية) حتى مسيحية مسلحة خاصة للدفاع عن الأمن الذاتي أسوة بباقي شعوب العراق؟ بالطبع مهمة دعم وتمويل ومساندة هذه الميليشيا هي مسؤولية جميع آشوريي العالم. ألم يكن من الأفضل أن يموت الإنسان الآشوري المسيحي وهو يدافع عن بيته وشعبه من أن يقتل بشكل رخيص ويصبح هدفاً سهلاً للمجموعات الإرهابية ولكل الطامعين بماله وعرضه؟. لماذا كل هذا الاستسلام السلبي وفقدان الثقة بالنفس لشعب واجه أعداءه بصدور عارية وقدم قوافل من الشهداء على مر التاريخ؟. ما اريد قوله في هذا السياق: خمسمائة شهيد لو استشهدوا في معارك دفاع عن الذات كنا سنرى نتائج سياسية وقومية، وصدى ايجابي على معنويات ونفوس الآشوريين والمسيحيين عوضاً عن مشاعر الإحباط واليأس التي اجتاحت الشارع الآشوري في كل مكان. لكن للأسف لم ير الآشوريون من احزابهم سوى بيانات الاستنكار وبرقيات النعي لقتلاهم والمتاجرة بدمائهم ومادة لملء الفراغ الممل القاتل في اقنيتها الفضائية. كما تحولت مكاتب الأحزاب الى مجالس عزاء، أما الكنائس الى ورش لدفن الموتى. هكذا مرة أخرى،بسبب الانقسامات المذهبية والحزبية، أضاع الشعب الآشوري على نفسه فرصة تاريخية، وهي الأخيرة، في اقامة اقليم آشوري يتمتع بحكم ذاتي ولو على جزء من أرضهم التاريخية(سهل نينوى) العراق الذي بات مقسوماً بين العرب والأكراد. أنه لخطأ تاريخي قاتل أن ينقسم شعب على نفسه على قضايا شكلية صغيرة -كالتسمية أو مكاسب حزبية ومذهبية آنية- وهو في وسط عاصفة تهدد بإغراقه.
من سيتبقى من الآشوريين والمسيحيين العراقيين هم مجبرين اليوم على أن يختاروا: إما أن يعيشوا كمسيحيين ذميين يدفعون الجزية في الإمارات الإسلامية العراقية التي اعلنتها التنظيمات الإسلامية المتطرفة كالقاعدة وتحت رحمة إرهابها. وفي أحسن الأحوال في دولتين اسلاميتين، واحدة شيعية فارسية وأخرى سنية عربية.أو أن ينضموا الى (الإقليم الكردي) القابل للتوسع والامتداد بكل الاتجاهات يجتاح مناطق آشورية وتركمانية وعربية في سهل نينوى وكركوك وغيرها من المناطق، ويقبلوا(الآشوريون والمسيحيون) بكل ما ستفرضه عليهم حكومة البرزاني من شروط وتنازلات سياسية وغير سياسية مقابل توفير الأمن والحماية لهم. جدير بالذكر هنا أن أكثر من نصف من تبقى من الآشوريين والمسيحيين العراقيين هم اليوم يقيمون تحت السلطة الكردية بعد النزوح الكبير لهم من الوسط والجنوب إلى الشمال العراقي. لم يعد يخفى على المهتمين بالشأن الآشوري ما تعانيه التنظيمات الآشورية من ضعف في بنيتها التنظيمية وانحسار قاعدتها الشعبية وهشاشة عقيدتها القومية والوطنية فضلاً عن ترك الكثير من قياداتها لأوطانها(سوريا، العراق، تركيا ) وهجرتها الى اوربا. حتى أضحت(التنظيمات الآشورية) مجرد واجهات شعاراتية من غير سند جماهيري أو تنظيمي تدور في حلقة مفرغة، فضلاً عن انها باتت محاصرة بالعديد من الأطر والتجمعات الاجتماعية والطائفية التي بدأت تبرز في المجتمع الآشوري في السنوات الأخيرة وبشكل أكثر في سوريا حيث تتحرك وتتنشط هذه التشكيلات الطائفية بتغطية ودعم من الكنيسة وبتشجيع من السلطات، لهذا تبدو التنظيمات الآشورية منشغلة كثيراً بكيفية الحفاظ على ذاتها. الى جانب الفقر الفكري و الجماهير الذي تعاني منه الأحزاب الآشورية بدأت تعاني من فقر مادي(اقتصادي)، لابتعاد الطبقة الرأسمالية والبرجوازية عن العمل القومي من جهة وشح التبرعات السخية التي كانت تنهال عليها في السابق بعد أن ترددت في المجتمع الآشوري أخبار تلوث قيادات الأحزاب بالفساد المالي، خاصة القديمة منها، تلك التي عملت طويلاً في ظروف العمل السري (سوريا والعراق).
لا شك، هناك ترابط وعلاقة جدلية وثيقة بين هشاشة المجتمع الآشوري وتردي واقع الحركة القومية الآشورية عموماً الى درجة بات يثير هذا الواقع الكثير من التساؤلات والشكوك حول مستقبل الحركة الآشورية وبمدى قدرتها على البقاء والصمود في وجه التحديات ومواكبة التطورات وبالمصير الذي ينتظرها في المرحلة المقبلة الحبلى بالمستجدات والأحداث الساخنة. تذهب بعض الأوساط الآشورية في شكوكها ابعد من ذلك، فهي ترى أن التنظيمات الآشورية انحرفت عن الأهداف القومية التي وجدت من أجلها،وهي تتخفى اليوم خلف شعارات قومية ووطنية للحصول على بعض المكاسب الحزبية وربما الشخصية في هذه الدولة أو تلك. في سبعينات القرن الماضي طرحت المنظمة الآثورية لبنان وطناً بديلاً للآشوريين(سريان/كلدان)، وأملاً بتحقق أحلامها الرومانسية عندما فتح باب التجنيس تقدمت معظم قيادات المنظمة والكثير من قواعدها وأنصارها في سوريا أوراقهم للحصول على الجنسية اللبنانية. وفي التسعينات أشيع أن نيوزيلندا فتحت باب الهجرة، سارعت الكثير من قيادات وقواعد المنظمة الآثورية لتقديم طلبات الهجرة الى السفارة النيوزلندية في سوريا. مثل هذه المتاهات السياسية ليست بغريبة على منظمة لا وطن لها وبلا هوية وطنية ومن غير انتماء وطني، إذ يخلو دستور المنظمة الآثورية حتى الآن من ذكر سوريا التي نشأت فيها قبل نصف قرن كوطن للآشوريين (سريان/كلدان) السوريين، لهذا بقيت عرضاً للانشقاقات المستمرة على أرضية الخلافات الفكرية والتوجهات السياسية. قبل أشهر انشقت عنها مجموعة مهمة في سوريا ضمت العديد من القياديين عرفت بميولها الديمقراطية الليبرالية واتجاهاتها الوطنية، شكلت فصيلاً آشورياً سورياً واصدرت بيانها التأسيسي باسم( التجمع الديمقراطي الآشوري السوري).
سليمان يوسف يوسف... سوري آشوري
shosin@scs-net. org