عباس يعلن الطلاق البائن مع حماس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ترسخت معالم (إمارة حماس) في قطاع غزة و (دويلة فتح) في رام الله بشكل واضح بعد مرور شهر على انقلاب حماس العسكري الناجح الذي مكنها من تحرير القطاع للمرة الثانية: الأولى من الاحتلال الإسرائيلي والثانية من احتلال حركة فتح، رغم أن التحرير الأول ما زال ناقصا فجيش الاحتلال يقصف ويخرب ويتوغل متى ما يريد، في حين أن التحرير الثاني كان كاملا ومدهشا بكافة المقاييس العسكرية وحروب العصابات وحرب التحرير الشعبية، فقد تمكنت قوات حركة حماس من الاستيلاء على كافة المقرات الأمنية ومكاتب حركة فتح وتخريبها، وهروب المئات من كوادر فتح وسجن العديد منهم، والصلاة شكرا لله تعالى في بعض المقرات الأمنية، مما يعطي هذا التحرير الثاني فعلا صفة (النصر الإلهي)، وهو بذلك يكون النصر الإلهي الثاني في تاريخ العرب المعاصر بعد نصر السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله، الذي انتصر على جيش (شعب الله)، ولا يهم أن النتائج كانت كارثية من تخريب وتدمير والأهم وصول قوات اليونيفيل المسلحة للجنوب اللبناني موقفة كافة عمليات الحزب وإطلاقه الرصاص والصواريخ على جيش الاحتلال، والجميع يلاحظون أنه منذ عام لم يتجرأ الحزب إطلاق رصاصة واحدة على كافة الانتهاكات الإسرائيلية شبه اليومية، ولا يهم ذلك طالما أصبحت لدى الحزب ومنظريه مادة لدغدغة عواطف الجماهير الغفورة من خلالها، فمن يستطيع التشكيك في هذا النصر بعد إعطائه صفة (الإلهي)، وكذلك تحرير حماس لقطاع غزة وانتصارها الإلهي المبين على حركة فتح بعد صلوات الشكر لله تعالى في مقرات الأمن الفتحاوي.
معالم حكومتين بدولة دولة
وباستمرار تطهير قطاع غزة من كافة المظاهر الفتحاوية والعباسية، تبادل ممثلو الحكومتين التشكيك وتبادل الاتهامات، إلى حد أن مجموع هذه الاتهامات تصف غالبية قيادات الحكومتين بالعمالة للاحتلال وإذا الشعب الفلسطيني أمام مسؤولين كلهم جواسيس وعملاء حسب المعلومات وما يسمى الوثائق المنشورة من كل طرف ضد الآخر. والطريف أن كل فريق يدّعي أن الشرعية معه وتبرر كل أفعاله، فقد أقال الرئيس عباس حكومة إسماعيل هنية الذي بدوره لم يعترف بحكومة الطوارىء التي شكلها برئاسة سلام فياض، وقد طالت الاتهامات بالخيانة والعمالة فياض نفسه كما أعلنت كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحماس بسبب تصريحات له انتقد فيها الحركة والعمليات العسكرية،وضمن هذه الشرعية المدعاة من الطرفين وفي ظل عدم انعقاد المجلس التشريعي، عقد الرئيس محمود عباس المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في اليومين الماضيين، وفي خطاب افتتاح اجتماعات المجلس المركزي في رام الله، أعلن الرئيس عباس (الطلاق البائن) أي (طلاق بالثلاثة) مع حركة حماس، وشنّ عليها هجوما هو الأعنف في مسار الاتهامات المتبادلة، فقد سمّى انقلاب حماس العسكري في قطاع غزة (عملية انقلابية سخيفة وحقيرة وأن حماس ما زالت ترتكب الجرائم باسم الدين لخدمة مآربها وتلجأ إلى الكذب لتبرير استيلائها على السلطة في قطاع غزة بطريقة لا تخطر على بال الشيطان)، وهذا يعني أن حماس شيطان أكبر من الشيطان بكل المواصفات المعروفة عنه، و الدليل على ذلك حسب أقوال عباس (كيف يفكر هؤلاء الناس، وكيف يغطون جرائمهم بالدين وأنا أقول إن الدين منهم براء ليس هذا هو الإسلام، ليس هذا هو سلوك المسلمين)، وهذا يعني حسب أقوال عباس أيضا أن حماس بعيدة عن الإسلام وعناصرها وقيادتها لا علاقة لهم بالإسلام، ومن أخطر ما أعلنه عباس أمام المجلس المركزي الفلسطيني هو اتهام حماس بمحاولة اغتياله، وأنهم في حماس (كانوا يحلفون في مكة.. ويحفرون الأنفاق في الطريق وتحت بيتي من أجل التفجير ومن أجل الإعداد لهذه اللحظات التي أرادوها)، ويؤكد عباس أن اثنين من قيادة حماس حذراه من التوجه لغزة وقد أكدوا (إياك أن تأتي إلى غزة لأن الطريق ملغم)، معلنا أنه (يجب معاقبة حماس على أفعالها واتهمها بالتسبب في المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني والتسبب في إغلاق معبر رفح)، و كموقف نهائي لحكومة الطوارىء والسلطة الفلسطينية، أعلن عباس أمام المجلس المركزي الفلسطيني (رفضه للحوار مع حركة حماس إلا إذا تراجعت عما فعلته في غزة وأنهت الانقلاب ونتائجه بالإضافة إلى اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية والتزاماتها وبالسلطة الواحدة وأن لا سلاح خارج الشرعية الفلسطينية). وحسب توقعات عباس (هناك احتمالات أن يوصي المجلس المركزي بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة).
بدورها ردّت حماس كل هذه الاتهامات مشككة في أية شرعية غير حكومتها برئاسة اسماعيل هنية، وأعلن سامي أبو زهري الناطق باسم حماس (أن عباس يستطيع أن يتخذ مراسيم بإجراء انتخابات تشريعية، ولكنه لن يستطيع تنفيذها على ارض الواقع من دون موافقة حركة حماس)، وهذا صحيح بشكل تام وقطعي فأية مراسيم أو قرارات يتخذها عباس لا يمكن تنفيذها في قطاع غزة والقطاع تحت السيطرة الكاملة لحركة حماس، خاصة أن حماس ليست ممثلة في المجلس المركزي ولا في المجلس الوطني الفلسطيني في حالة الدعوة لانعقاد المجلس الوطني الذي يتشكل من فتح وكافة الفصائل والمستقلين، وهذا بدوره سيعمق الانقسام والقطيعة لترسيخ معالم (إمارة حماس) في القطاع و (دويلة فتح) في رام الله، فما حصل هو (طلاق بائن) المتضرر الوحيد منه هو الشعب الفلسطيني وبالذات في قطاع غزة.
البحث عن محلل لإعادة الارتباط
الطرفان يتحدثان عن الشرعية وعن تسلح كل طرف بأن أعمال هذا الطرف تنسجم مع الشرع الإسلامي فيرد الطرف الثاني بأن أعمال مطلقته تتنافى مع الإسلام، وفي ظل هذا الطلاق البائن (طلاق بالثلاثة)، هل يمكن البحث عن (محلل)، يقوم بنفس الدور الذي يقوم به في حالة الطلاق البائن بين الرجل وزوجته؟. أعتقد أن الوضع أعقد من حالة الطلاق البائن فهو انفصام وانفصال لا رجعة فيه، فلن يقبل عباس الحوار الذي تطالب به حماس بعد سيطرتها و تحريرها لقطاع غزة، وحماس لن تقبل شروط عباس بالعودة بالأوضاع كما كانت والاعتراف بالمنظمة والسلطة الفلسطينية والاتفاقيات التي وقعتها، لأنه لو لديها هذا الاستعداد لما فكرت وخططت وقامت بانقلابها.
من المسؤول
ضمن العرض السابق من المهم أن نتذكر أن حركة حماس تسلمت رئاسة الحكومة الفلسطينية بعد حصولها على أغلبية في المجلس التشريعي أهلها لذلك، وفي الوقت ذاته الرئيس محمود عباس تسلم الرئاسة الفلسطينية من خلال انتخابات شعبية، أي أن حكومة حماس ورئاسة عباس منتخبتان من الشعب الفلسطيني مباشرة، فمهما كانت المشاكل والصعوبات من طرف نحو آخر لا تبرر لأي طرف أن ينقلب ضد الآخر بالإسلوب العسكري الذي مارسته حماس ضد السلطة الفلسطينية، رغم كل المبررات التي تسوقها حماس خاصة ما ينظّر له خالد مشعل بأن انقلاب حماس كان استباقا لانقلاب كانت ستمارسه السلطة ضد حماس، وهذا يدخلنا لدراسة ما في السرائر والقلوب وهو مرفوض في عالم السياسة، لأنه لو تم انقلاب من السلطة ضد حماس لكان مرفوضا ومدانا أيضا. والخطير ألآن أن حماس تصرّ على الاستمرار في التفرد بالسلطة وإلغاء الآخر بدليل إصرارها على عدم الاعتذار عما قامت به رغم اعتراف كبار قادتها مثل خالد مشعل بالأخطاء والجرائم التي حصلت مبررا تلك بأنها كانت غير مقصودة ولا تعبر عن توجهات حماس الرسمية.ويكفي للتدليل على فداحة ما قامت به حماس هو تصريحات وزير التربيةوالتعليم الفلسطيني في حكومة حماس المقالة ناصر الشاعر وهو عضو في حركة حماس، إذ أعلن عقب الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية (ضرورة العودة إلى الشرعية الفلسطينية) واستنكر سيطرة حماس بالقوة على القطاع، وقال:(لا يجوز لأحد أن يعتدي على الشرعية الفلسطينية ويجب العودة إلى الشرعية بأسرع وقت ممكن فالشرعية كل لا يتجزأ)، أي أن حكومة حماس شرعية ورئاسة عباس شرعية، ولا يحق لشرعية أن تنقلب على أخرى... ولكن هذا ما فعلته حماس وهو مرشح للاستمرار طويلا، والمعذبون هم فقط سكان قطاع غزة، ويمكن القول (أيتها الشرعية كم من الجرائم والتجاوزات ترتكب باسمك)!.
ahmad64@hotmail.com