عقدُ اجتماعي قبل وثيقة عهد دولي؟؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عقدُ اجتماعي قبل وثيقة عهد دولي؟؟
تساؤلات اوجهها الى المسؤولين العراقيين
من يلتزم تجاه الآخر؟
قرأت قبل قليل التصريحات التي تفّضل بها الاخ الدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي عندما اجمل ما اسماه بانجازات الحكومة باكثر من 400 منجز سياسي وامني واقتصادي حققته خلال الاشهر الثلاثة الماضية في ضوء التزاماتها في مؤتمر العهد الدولي الذي عقد في شرم الشيخ بمصر العربية.. مؤكدا ان العراق اجتاز نحو 75 % من التزاماته في ذلك المؤتمر.. ولا ادري كيف انقضت الاشهر الثلاثة والوثيقة صدرت في 4-5 مايو / ايار الماضي؟؟ ولا نعرف ما الذي تحقّق من منجزات بهذه الضخامة خلال الاشهر الثلاثة المنصرمة؟ وكيف غدت 75% من الشروط الاصلاحية التي طالب بها المجتمع الدولي؟ انني متابع دائم ومراقب جيد لأداء الحكومة العراقية الحالية، ولكنني لا اعتقد ابدا انها قد اوفت بتعهداتها الدولية والتي فرضها المجتمع الدولي عليها لمساعدة الشعب العراقي وانتشاله من واقعه الصعب.. ابدا.وقبل ان اعالج هذا " الموضوع " برؤية نقدية، أتمنى ان لا يتهمني البعض باتهامات ساذجة لا اساس لها من الصحة.. فأنا لست ضد هذا او مع ذاك.. وما خطابي هذا الا صوتا مستقلا لا يعمل الا لمصلحة العراق وخير مستقبل للعراقيين.
المجتمع العراقي قبل المجتمع الدولي
انني مؤمن بأن الحكومة العراقية كانت ولم تزل من الضعف والهشاشة بمكان بحيث انحنت لمطاليب المجتمع الدولي من دون ان تكون لها القدرة على ان تحّمل المجتمع الدولي مسؤولياته التاريخية في ما حصل للعراق.. انها اضعف من ان تلعب باوراق سياسية وتاريخية واقليمية وتقلب الطاولة بذكاء منقطع النظير من اجل المصلحة العامة قبل المحافظة على ورقة الجلوس على الكراسي.. انها لم تستطع ان تطالب المجتمع الدولي باستحقاقات الحرب التي سحقت العراق وقادت نتائجها المجنونة الى خراب الدولة ودمار المجتمع؟ انها اضعف من ان تطالب بتعويضات للشعب العراقي من هذا المجتمع الدولي الذي اشترك جميعه بسحق البنية التحتية والفوقية ومؤسسات العراق الحيوية بلا مبرر ابدا..
ان العراقيين ان كانوا قد اختاروا (حكومة) تمثلهم ضمن مسار خدعوا بوصفه بـ "ديمقراطي حقيقي"، هم الذين ينبغي ان يفرضوا شروطهم على حكومتهم لتنفيذ مطالبهم المتنوعة كشعب مسحوق مقهور قبل مجتمع دولي ليس فيه الا الضباع والنمور.. ان المجتمع العراقي اهم بكثير جدا من المجتمع الدولي في ان تكون "الحكومة" في خدمته وتحقيق متطلباته قبل ان ترتجف من الاخرين.. بل وكان عليها ان تسعى لأن تطالب المجتمع الدولي كله بضرورة تحقيق ما يطالب به المجتمع العراقي من ضرورات الحياة.. لا ان ترضخ لمن يساومها على مساعدتها للشعب العراقي!!
ان كل الحكومات الجديدة التي تستلم الامور والمسؤوليات في عهودها السياسية تحاول عمل المستحيل لتحقيق شروط ما تفرضه عليها شعوبها اولا واخيرا.. ان التاريخ يعلمنا بأن كل الحكومات الجديدة في عهود تاريخية جديدة لا يمكنها ان ترّسخ مشروعيتها السياسية الا بتأسيس عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع.. لتكون في خدمة مجتمعها من دون ان تنتظر اية اجندة خارجية يفرضها المجتمع الدولي كي تقول نعم لمساعدة الشعب.. اننا عندما نقرأ تواريخنا العراقية سنجد كل حكومة عهد جديد تحاول المستحيل من اجل كسب الارادة الشعبية.. حتى عند الغلاة الذين كانوا يرتبطون ببريطانيا ارتباطا تاريخيا، بل يعلمنا تاريخ العراق ان هناك من المسؤولين العراقيين الاقوياء من جعل المجتمع الدولي والاقليمي يستمع له ولشروطه من اجل مصلحة العراق من دون ان يخضع هو نفسه لارادة الاخرين!!
العراقيون قبل الاخرين
ان الشعب العراقي ممثلا بنشطائه المتحررين وقواه السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية المدنية.. لا يريد ان يسمع الى تقرير حكومي يتضمن مجرد انشائيات لا اساس لها من الصحة.. ولا يريد ان يسمع شيئا مباركا ومفذلكا ومفبركا وهو يرى واقعا منسحقا وممزقا على الارض.. لا يريد من الحكومة ان تسّبح بحمد اصلاحاتها السياسية والاقتصادية والامنية.. وانها حققت الجزء الاكبر من الالتزامات التي تعهدت بها امام الدول المشاركة في شرم الشيخ. .ولا تريد من السيد اشرف قاضي مبعوث الامين العام للامم المتحدة ان يصفق لما يسمعه من المسؤولين الحكوميين العراقيين.. وليسمحوا لي بالقول انهم اضعف من صنع قرارات استراتيجية ومصيرية من اجل الاصلاح والتغيير والبناء والضبط والربط في حين ان الواقع لا يترجم كل هذه الاقوال الى حقائق على الارض!!
ان الشعب العراقي يطالب حكومته ان تكون صريحة معه، وان ترضيه وتأمن عليه وتوفي التزاماتها معه مذ ذهب الى صناديق الاقتراع واختارها.. ولا يطالبها ابدا ان تكسب ود السيد اشرف قاضي او غيره! اننا ندرك ادراكا حقيقيا حجم التحديات الملقاة على كل المسؤولين العراقيين، ولكن من يتحّمل المسؤولية، عليه ان يكون جريئا وامينا وصادقا وصريحا ونزيها وصاحب كلمة واحدة وضاحب موقف واحد وصاحب قرار واحد.. عليه ان يعمل ليل نهار من اجل ان يكون مخلصا حقيقيا للعراق لا لغيره ابدا.. ان منجزا واحدا مهّما يجني منه كل العراقيين افضل ما باستطاعتهم الحصول عليه افضل بكثير من 400 منجزا لا نعرف ما هي بالضبط؟ ولا يمكنني ان اتخيل حصول 75 % من الالتزامات ونحن نرى اهتراء السلطة التشريعية ومشكلاتها في البرلمان مع طبيعة القوانين التي اصدرتها، وبرئاسة برلمانية كاريكاتيرية.. كما لا يمكنني ان اتصور ان 400 منجزا قد تحقق على يد حكومة او سلطة تنفيذية كارتونية انسحب منها العديد من (الوزراء)..!! وحتى ان التأم جمع هؤلاء الوزراء، فهل باستطاعتهم تحقيق هكذا منجزات في غضون شهرين ونصف الشهر؟؟ وأسأل: هل هناك ثمة وزيرا في اي حكومة يتهم بجرائم القتل من دون ان يتم تحقيق سياسي وقضائي حتى الان؟
تعالوا معي نفحص اشتراطات المجتمع الدولي
اننا ان جئنا نفحص اشتراطات وثيقة العهد الدولي.. سنجد ان الحكومة العراقية لم تطبق اي التزام من التزاماتها، الا اذا كانت تتخّيل انها قد انجزت شيئا! او انها تتخيل ان مجرد قراراتها وتصريحاتها وسفرات المسؤولين وتوزيع الاسلحة هنا واجراء لقاءات مع زعامات دينية او اوليغارية.. والموافقة على قانون النفط.. وغير ذلك هي منجزات حقيقية!! ان مجرد موافقة الحكومة العراقية على تنفيذ التزامات تعجيزية كان خيبة امل للكثير من المراقبين والمحللين السياسيين سواء العراقيين او غير العراقيين في العالم.. ذلك ان بعض الالتزامات عمومية ومرنة ويتطلب تنفيذها سنوات طوال. فما معنى ان تتضمن الوثيقة جعل العراق دولة ديمقراطية فيدرالية موحدة تتمتع بالامن والاستقرار؟ وما معنى انشاء اقتصاد قوي بناء على قواعد السوق الحرة؟ وما معنى دمج العراق بفاعلية في المحيطين الاقليمي والدولي؟ وما معنى عدم اعتراف وثيقة العهد الدولي بوجود ارادة امريكية مهيمنة على العراق؟
لقد طالبكم المجتمع الدولي ايها المسؤولون العراقيون باولويات تحقيق التنمية في: المصالحة الوطنية اولا وتحسين الاوضاع الامنية ثانيا والحكم الرشيد ثالثا والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية رابعا.. الخ فأين انتم من هذا كله. ؟ لقد حدد القسم السياسي من الوثيقة مجموعة متطلبات هي: نبذ العنف ضد الدولة والعراقيين اولا، واحترام حقوق الانسان ثانيا، والحريات ثالثا، واقامة دولة موحدة وفيدرالية وديمقراطية رابعا، والمصالحة بين الجماعات المختلفة بالعراق خامسا، وتقاسم عادل ومتساو للموارد سادسا ، والتعاون مع دول الجوار سابعا.. الخ فاين انتم من هذا كله؟. لقد طالبكم المجتمع الدولي بمعالجة مسألة المليشيات والتركيز على المسائل السياسية والاقتصادية اللازمة لذلك.. مع السعي لحل سلمي وعادل لما اسمته بقضية كركوك .. فهل انجزتم ما طالبكم به؟
بقية تساؤلات أخرى
طالبكم بمراجعة الدستور وتعديل بنوده طبقا لما اسمته الوثيقة بتوافق عراقي واطار زمني محدد.. وطالبكم المجتمع الدولي بضمان التنسيق والتفاهم مع دول الجوار وان "يلتزم العراق بعدم السماح باستخدام ارضه او موارده للتأثير على مصالحهم كما لن يسمح بالتدخل في شؤونه الداخلية" ـ كما جاء بالنص ـ من دون ان تسألوا انفسكم: كيف الموافقة اذن على عقد كل من الولايات المتحدة وايران اجتماعهما على ارض عراقية وبمباركتكتم.. فأي التزام هذا؟ ان دول المحيط العراقي كلها مناوئة لكم.. بل وتهمشكم ولا تستقبلكم ولا تسمح لكم بالتحليق فوق اراضيها.. وانتم ليس لكم الا التصريحات من دون ان تفاوضوا من غل ايديكم؟ طالبكم المجتمع الدولي ببناء مؤسسات الدولة على اساس الاحترافية والشفافية والمسؤولية.. فهل حققتم ذلك ونحن نرى حجم "الاحترافية "لدى المسؤولين وكفاءة المستشارين وجيش التابعين؟؟ طالبكم المجتمع الدولي بـ "الاستمرار في برامج بناء قوات أمن بعيدة عن الولاءات السياسية والحزبية"، ـ كما جاء في نص الوثيقة ـ، فهل حققتم ذلك؟
وماذا أيضا؟
طالبكم المجتمع الدولي بطلبه "في إطار مبادرة المصالحة تسعى الحكومة إلى ضمان تأييد كافة الأطراف لبرنامج حل ونزع سلاح وإدماج الميليشيات من خلال توفير ظروف اقتصادية وسياسية ملائمة وتوفير فرص عمل لعناصر الميليشيات وباقي الجماعات المسلحة وبرنامج عفو متوافق مع معايير العدالة بدعم دولي وأممي بناء على خبرات سابقة". فهل تحقق ذلك كله على ايديكم؟
وماذا بعد؟
اذا لم يكن كل هذا وذاك لم يتحقق على ايديكم.. فكيف يجازف بعض الاخوة المسؤولين العراقيين ليقولوا ان حكومتهم قد انجزت 75% من الالتزامات امام المجتمع الدولي؟ اما اذا كان المجتمع الدولي سيقبل بمنجزاتكم الـ 400 التي لا نعرفها.. ويحقق ما وعدكم به، فان كلامي عن وئيقة العهد الدولي في محلها.. وانها مجرد اكذوبة وعملية مخادعة.. وكلها تصّب لتمرير مصالح دولية واقليمية على اجساد العراقيين ودمائهم الزكية وكل تعاساتهم وآلامهم منذ خمسين سنة.. انني لا انتقد المجتمع الدولي بقدر ما انتقدكم انتم.. ولم ولن انتقدكم على تصريحاتكم وتبريراتكم، اذ انني ادرك ان كلها للتسويق المحلي والدولي، بل وانها متضاربة ومتناقضة ولا حساب ولا كتاب عليها، ولكن اقف منكم مسائلا عن مسؤوليتكم، وهل لكم دوركم القيادي في حكم العراق؟؟ وعن مسؤوليتكم جميعا امام الله والشعب والتاريخ في حكم العراق.. ولم استطرد اكثر لاحلل التزامات المجتمع الدولي ازاء العراق، فهي ليست كما تتوقعون ايها القراء الكرام..
وأخيرا وليس آخرا
ان ثمة مصالح دولية اكبر بكثير من مصالح العراق فيها.. فهل ستتبلور صيغة عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع من اجل المستقبل؟ ان ذلك كله لا يقوم ولا يتبلور الا من خلال مشروع وطني ومستقبلي مدني غير محاصصي لا جهوي ولا طائفي يديره الاكفاء والاذكياء.. الشيئ الوحيد الذي تمنيت على العراقيين عدم الكف عنه انما يتضّمن المطالبة بتحرير العراق من كل ديونه والتزاماته الدولية والاقليمية السابقة باطفائها جميعا، والمطالبة بتعويض دولي لكل العراق ولكل العراقيين عمّا اصابهم من الخسائر والانسحاق.. ولندع العراق يهدأ ويستقر ونطالب من قام بسحق مؤسساته ان يعيد بناءها وتجهيزها كلها قبل ان يطالبنا المجتمع الدولي بربط العراق مع الشركاء الدوليين وبصندوق النقد الدولي وتحقيق مصالح الاخرين. فهل سيأتي على حكم العراق هكذا " قادة " يناضلون بكل ما اتوا به من قوة من اجل العراق الحقيقي والعراقي الحقيقي؟ انني اشك في ذلك وهو في وضعه الحالي.