تركيا: هل يتحالف اردوغان مع الكرد اخيراً؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ليلى زانا، القيادية في حزب المجتمع الديمقراطي والمناضلة الكردية التي قضت عشرة اعوام في سجون تركيا لقرأتها "قسم الولاء" في البرلمان التركي باللغة الكردية واعلانها انها "ستسعى لتوطيد اخوة الشعبين الكردي والتركي"، صعدّت من لهجة تصريحاتها الميدانية في الآونة الأخيرة. زانا، والتي جابت معظم مدن وولايات اقليم كردستان الشمالية لحشد التأييد والدعم للمرشحين الكرد المستقلين في الإنتخابات التشريعية التركية، تجاسرت كثيراً، بل وربما اكثر من المرة السابقة عند ادائها القسم الشهير تحت قبة البرلمان التركي عام 1991، حين تكلمت عن ضرورة " تأسيس ولاية كردستان" وضمان "اعتراف الدولة التركية بها". وقالت زانا في الجموع المحتشدة في مدينة باتمان " انني لست دياربكرية بل انا كردستانية من كردستان التي يسميها الأتراك جنوب شرق الأناضول"، مشيرة الى "استقبال الأكراد للأتراك عندما قدموا من آسيا الوسطى قبل اكثر من الف عام"، وكيف ان هؤلاء "انقلبوا على الكرد وصاروا ينفون وجودهم ويقمعونهم بكل الأشكال والوسائل"...
مئات الآلاف من المواطنين الكرد كانوا في اسقبال زانا في جولاتها الدعائية في مناطق كردستان الشمالية، بينما سارعت النيابة العامة التركية (وبتحريض من اردوغان نفسه) لفتح دعاوي جديدة ضد زانا بسبب تصريحاتها الأخيرة، مركزةً على اشادة زانا "بزعيمنا وممثل ارادتنا الحرة المعتقل في سجن جزيرة ايمرالي"، في اشارة للزعيم الكردي عبدالله اوجلان.
تبدو حظوظ المرشحين الكرد في الإنتخابات التركية القادمة(22/7/2007) افضل من اي وقت مضى. فمن بين 60 مرشحاً قدمهم حزب المجتمع الديمقراطي(الحزب الذي اراده اوجلان ان يكون طليعة التغيير الديمقراطي في البلاد) تقول استطلاعات الرأي ان مابين 20ـ35 مرشحاً سيتصدرون الى مجلس النواب التركي. ويبدو هنا تكتيك الدخول بصفة مستقلة الى المعركة الإنتخابية خطوة كردية ذكية للالتفاف على حاجز ال10% الرجيم ذاك، والذي وضعه المشرّع التركي لإعاقة دخول الحركة السياسية الكردية المرخص لها الى البرلمان التركي. مع ان هذا الحاجز اطاح في الدورات السابقة بالعديد من الأحزاب التركية العريقة ايضاً، من تلك التي لم تستطع اجتياز بند ال10% فذهبت اصواتها للأحزاب الفائزة.
اما عن بقية الأحزاب فتقول احدث استطلاعات الرأي بان حزب العدالة والتنمية الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي رجب طيب اردوغان سيفوز ب42,6 % وسيتمكن من تشكيل الحكومة لوحده. بينما سيحصل حزب الشعب الجمهوري(المقرب من الجيش والذي يقوده دنيز بايكال) على حوالي 17,3% وحزب الحركة القومية المتطرف(بقيادة دولت باغجلي) على 12,5، هذا غير الناخبين الذين لم يحددوا بعد الجهة التي سيصوتون لها. وهؤلاء قدرّتهم الإستطلاعات بحوالي 11%، وهناك اعتقاد ان اغلبية اصوات هذه الفئة ستذهب لحزب العدالة والتنمية. لكن مع ذلك فإن الحزب لن يستطيع الإستحواذ على الأغلبية البرلمانية لتمرير اجندته واحداث الإصلاحات وتغيير بنود الدستور. وذلك نظراً لأن بعض مقاعده ستذهب لنواب الحركة القومية والمستقلين الكرد...
وتقول بعض الأوساط ان حزب العدالة والتنمية سيحتاج لأصوات الكتلة الكردية في مجلس النواب للحصول على الأغلبية المريحة في تمرير القوانين، مقابل محاربة كل من حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية له ومحاولتهما وضع العراقيل في طريقه. وكان اردوغان قد صرح قبل حوالي الشهر بانه لايجد ضيراً في اقامة تحالف مع الكتلة الكردية داخل قبة البرلمان، متحججاً "بتحالفات كثيرة جرت في الماضي بين كتل تتباين اهدافها وايديولوجياتها". بينما اعلن احمد ترك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي واحد المرشحين الكرد عن مدينة ماردين انه بالامكان التفاوض مع العدالة والتنمية لتشكيل حكومة مشتركة يٌمنح فيها الحزب الكردي "بعضاً من الحقائب الوزارية يتفق عليها في حينه، وضمانات بمناقشة القضية الكردية والبحث عن حلول ومخارج سياسية لها"...
بينما بنى كل من حزب الحركة القومية المتطرف وحزب الشعب الشعب الجمهوري حملتيهما الإنتخابية على معاداة الكرد، فالأول قال انه سيعيد العمل بعقوبة الإعدام بغية اعدام الزعيم الكردي عبدالله اوجلان، بينما ذهب الثاني الى وضع امر القيام "بعملية عسكرية كبيرة في اقليم كردستان الجنوبية( كردستان العراق) لضرب معاقل حزب العمال الكردستاني" على جدول اعماله. واتهم هذان الحزبان اردوغان والعدالة والتنمية بالضعف وقلة الحيلة امام "تزايد قوة وهجمات حزب العمال الكردستاني"، محملين اياه " المسؤولية عن مقتل العشرات من الجنود الأتراك على ايدي مقاتلي العمال الكردستاني كل شهر".
ومن جانبه يخشى اردوغان من ان اي تورط عسكري في اراضي اقليم كردستان العراق سيدخل البلاد في دوامة كبيرة ومواجهات عنيفة مع المقاتلين الكرد. كما ان التدخل العسكري الذي ترفضه واشنطن وبغداد وبروكسل واغلب دول العالم سيدخل تركيا في عزلة حقيقية وسيزيد من سطوة الجيش على مقاليد الحكم وتعطيل "الإصلاحات" و"العملية الديمقراطية" في البلاد. لكن رغم ذلك، لم ينس الرجل ان يطلق تهديداً قوياً بالتدخل في "شمال العراق حتى دون موافقة اميركا والحكومة العراقية" لضرب معاقل العمال الكردستاني. تصريح اردوغان هذا جاء رداً على منتقديه ومن اجل كسب بعض الأصوات المترددة. لكن الثابت ان شيئاً من هذا لن يقع، على الأقل لحين حدوث الزيارة التي من المتوقع ان يقوم بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لأنقرة.
حزب العمال الكردستاني بدوره طالب "كل ابناء الشعب الكردي بالتصويت للمرشحين المستقلين، والعمل على تصديرهم للمجلس النيابي في انقرة باكبر قدر ممكن من الأصوات". وقال الحزب على لسان مراد قره يلان احد كبار مسؤوليه، بان " النواب الكرد المستقلون سيكونون ضمانة السلام ومحرك احداث التحول الديمقراطي في البلاد، وسيقفون في وجه القوى الشوفينية التي تعمل على توسيع الحرب وادامة الصراع في البلاد". وكان اوجلان قد تحدث مراراً عن التحالف الكردي ـ التركي واستشهد من التاريخ بعلاقات السلطات سليم الأول مع الكرد، مبيناً بان علاقة تركيا مع الكرد طرديّة، تتقوى بقوتهم وتضعف حينما تبتعد عنهم وتقمعهم. كما اشار اوجلان الى ان خيار الإنفصال لايزال مفتوحاً في حال اصرار الدولة التركية على قمع الكرد وانكار هويتهم القومية ورفض اعتبارهم "المكون الرئيسي الشريك" في الدولة الحالية.
والحال، ان البرلمان التركي سيشهد بروز تشكيلة متباينة وعجيبة وسيكون حقاً برلمان الأزمات والصدامات المستمرة. سيحاول نواب الشعب الجمهوري والحركة القومية المتطرف وضع العراقيل في طريق كل خطوة تغييرية يقوم بها حزب العدالة والتنمية. ولن يجد هذا الأخير غير مستقلي حزب المجتمع الديمقراطي بجانبه، كما ان ذخيرة العدالة والتنمية من النواب لن تكفي لكي تضمن له الأغلبية المطلقة اللازمة لتمرير القوانين دون الحاجة لأصوات الكتل الأخيرة. ورأينا ما فعله حزب الشعب الجمهوري في قضية ترشيح نائب رئيس الحزب الحالي عبدالله غول لكرسي الرئاسة وكيف انه عرقل عملية ترشيح الرجل وافشلها بالطعن امام المحكمة الدستورية العليا بحجة عدم اكتمال النصاب القانوني في البرلمان...
وفي سبيل تكلمة مابدأه اردوغان وجماعته من "اصلاحات" والمضي قدماً في عملية ابعاد الجيش عن الحكم وتطبيق الوعود بحل القضية الكردية والتي اطلقها في ديار بكر في آب 2005 لامناص من التعاون مع نواب حزب المجتمع الديمقراطي. هؤلاء هم "بيضة القبان" التي ستنقذ اردوغان من مكائد ومزايدات دنيز بايكال ودولت باغجلي، وكذلك من شر مستطير ينتظر تركيا في حال اقدامها على حماقة التوغل في اراضي كردستان الجنوبية.
بكلام اوضح: لن يجد اردوغان ومن اجل اخراج رأسه(الذي اينع منذ زمن بعيد حقاً) من تحت مقصلة العسكر وانهاء تسليمه المخزي لهم، سوى التحالف مع حزب المجتمع الديمقراطي ونوابه، او مع اسير سجن جزيرة ايمرالي، عبد الله اوجلان، تالياً!.