إدانة لقتل الشاعر أبو شاور وتضامنا مع الشاعر النبريص
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إدانة لقتل الشاعر نصر أبو شاور
وتضامنا مع الشاعر باسم النبريص
لا أحد يستطيع أن يتنبأ إلى أين سيصل الجنون الفلسطيني الذي كان قد بدأ منذ شهور في حروب حماس فتح، ويستمر بعد التحرير الثاني لقطاع غزة، هذا التحرير من حركة فتح وقواها الأمنية الذي أنجزته حركة حماس حدثت فيه العديد من الجرائم ندينها كلها، ونتوقف عند واحدة منها وهي قتل الشاعر المقاتل (نصر أبو شاور)، وهو فعلا شاعر ومقاتل عرفته شخصيا في بيروت أثناء حصارها عام 1982، وكان مثال الشاب الملتزم المنضبط والفنان في الوقت ذاته. عاد الشاعر المقاتل مع كتيبة المشاة إلى مناطق السلطة الفلسطينية عام 1996، وسكن مع العديد من زملائه المقاتلين في مدينة رفح، وعرفه سكانها ومثقفو القطاع من خلال النشاطات والمنتديات الثقافية التي أسهم في إقامتها، ولم يعرف عنه أحد سوى الخلق الرفيع والهدوء الملتزم كما عرفته في بيروت، ويحدث أنه في حرب التحرير الثاني للقطاع أن هرب غالبية الضباط والمسؤولين الكبار، إلا أن الضابط المقاتل الشاعر (نصر أبو شاور) لم تسمح له أخلاقه والتزامه الوطني أن يهرب معهم، فصمد في موقعه وحسب كل الروايات الميدانية فقد أعطاه المحررون الأمن والأمان ثم قتلوه بدم بارد أو بدون دم، لأن من لديه ذرة دم فلسطيني لا يفعل هذا مع واحد من أبناء شعبه. لم أسمع بمقتله بهذه الطريقة الوحشية إلا من مقالة الرثاء التي كتبها فيه الروائي والكاتب الفلسطيني المعروف الصديق (رشاد أبو شاور)، وقد بلغ بي الانفعال من تلك المقالة حد البكاء، ولم تهدأ نفسي قليلا إلا بعد مهاتفة الزميل (رشاد أبو شاور) معزيا، وبعد أيام قليلة قرأت في إيلاف بتاريخ الثاني عشر من يوليو الحالي مقالة الشاعر والكاتب الفلسطيني باسم النبريص بعنوان (عن الشاعر المقتول بأيد فلسطينية)، حيث قدّم فيها لمحة عن السيرة الطيبة لذلك الشاعر المقاتل الذي بكى عليه كل من عرفوه سواء في بيروت أو الأردن أو قطاع غزة .
لماذا أعود لرثائك يا نصر الآن؟
لأنه جاء في الأخبار يوم العشرين من يوليو الحالي ما يلي :
(في حوالي الساعة الثامنة من مساء أمس، ألقى مجهولون عبوة حارقة على منزل الشاعر والكاتب باسم النبريص، وقد نزلت العبوة - ماء نار وقطع صغيرة من الألمونيوم - على حديقة البيت، واشتعلت مخلفة كتلة من الدخان الأبيض مع روائح كريهة دون أن تقع خسائر في الأرواح إذ نجت والدة الشاعر (75 عاما) وابنته (16 عاما) اللتان كانتا على مبعدة متر واحد الزجاجة. هذا و قام النبريص فور وقوع الحادث بتبليغ القوة التنفيذية المسؤولة عن الأمن في القطاع، وبعد إجراء التحقيق الرسمي معه في مركزهم الكائن قرب شاطىء خان يونس، توجهت عناصر مسلحة من التنفيذية إلى المكان حيث أجرت المعاينة وتمت كتابة التقرير الجنائي مع التحفظ على أدوات الجريمة لحين استكمال التحري والتحقيق ومعرفة الفاعلين).
وفور قراءتي لهذا الخبر استرجعت سيرة الكاتب والشاعر باسم النبريص، وفورا لمعت في ذاكرتي أبيات شعرية له بعينها :
لست من طينة آدم
إنني نار ومن نار أتيت
فلماذا أتحرى مثلكم زوجا وبيت
ولماذا أتفاهم
بل لماذا لا أخاصم
بشرا،
وهم اللعنة في مطلق وقت!
ولأنه ليس من طينة بني آدم المتعارف عليها أنها حريصة على حياتها يصرخ هذا الباسم :
أطفىء النور
لن أطفىء النور
ألا ترعوي؟
إن بي جربا للقراءة
مثلما فيكم الآن مقتلة للهرب
وهذا يمكن أن ينطبق على نصر أبو شاور الشاعر المقتول بأيد فلسطينية، فقد كان يتملكه جرب للفن والإبداع والقراءة، في حين أن غالبية الضباط والمسؤولين معه كان فيهم (مقتلة للهرب) فهربوا فعلا، وصمد المقاتل الشاعر وللعلم فهو لم يكن عضوا في فتح، بل كان عضوا فاعلا في تنظيم اسمه (فلسطين وشعبها).
وفور سماعي لخبر الاعتداء على منزل الكاتب والشاعر باسم النبريص، اتصلت بصديق لي في غزة وهو كاتب معروف، فوعد بأن يزودني بما يستجد من معلومات، وفي اليوم التالي وصلتني منه الرسالة التالية:
(أنا الآن في بيت الشاعر باسم النبريص، وقد تحدثنا بعد أن رأيت على الطبيعة الحدث. كل المؤشرات تشير إلى أن العمل سياسي مدبر قد يكون على خلفية رأي، حتى أن القوة التنفيذية التي جاءت وعاينت المكان وفتحت ملفا بالخصوص أكدت أن العمل مدبر ومبيت، وهذا ينفي أن يكون صبيانيا، لأن تركيبة العبوة ليست كما نتصور عبوة حارقة بسيطة ولكن هناك إضافات لها بحيث يكون أثرها أقوى. الخطير في الأمر أن الحدث تمّ في لحظة اكتظاظ البيت بأطفال النبريص وأطفال الجيران ومتزامنا مع وجود الأم في البيت، علما أن البيت متواضع ومن الاسبست كما تعرف، والعبوة التي ألقيت استطاعت أن تكون في مكان حساس جدا لولا فضل الله لأوقعت خسائر، وفي هذا الوقت عادة ما يكون في مشواره اليومي للسير مع الأصدقاء خارج البيت لحاجته للمشي فهو مريض بالسكر. هناك نقطة تشاء الصدف أن تعيد جريدة الحياة الفلسطينية نشر مقالته بخصوص نصر أبو شاور دون علمه وفي مساء نفس اليوم تلقى عليه العبوة، علما أنه صاحب رأي مقروء....ولطالما راجعوه فيما يكتب).
هذه الرسالة تعيد للذاكرة كتابات الشاعر باسم النبريص في العامين الماضيين منذ أن التحق بقافلة كتاب إيلاف، حيث عرف بالرأي الشجاع، والنقد القاسي للعديد من المحرمات الفلسطينية في السياسة والثقافة، مما ألبّ عليه بعض الخصوم الذين يعتبرون أنفسهم حراسا لتلك المحرمات. أكتب ذلك وأنا لا أعرف باسم النبريص شخصيا، فلم يسبق أن التقيت به إلا من خلال ما وقع تحت يدي من دواوينه: (تأملات الولد الصعلوك، و قصائد العقل الخالص، و الجلوس في عتمة البيت) ومقالاته في العامين الأخيرين .
مؤشرات كارثية لحد الجنون
إن قتل الشاعر المقاتل نصر أبو شاور بتلك الطريقة وتهديد الكاتب والشاعر باسم النبريص بتلك العبوة، مؤشرات على جنون فلسطيني بملامح جديدة علاماته كارثية، فلم يكن ينقص الشعب الفلسطيني سوى القتل على خلفية الرأي، ومصدر التخوف العديد من المؤشرات في الشهور الماضية التي ظهر فيها من أطلقوا على أنفسهم مرة (جيش الهدى) ومرة (جيش الإسلام)، وهددوا مقاهي الانترنت واعتدوا على مؤسسات كنسية مسيحية، ويتصادف مع كتابة هذا المقال نشر أخبار عن قتل ثلاثة سيدات فلسطينيات في ظروف غامضة حيث أعلن مركز الميدان لحقوق الإنسان وصول (جثث ثلاثة من النسوة إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، وتبين أنهن توفين إثر تلقيهن طعنات في الرقبة والصدر وأنحاء متفرقة من الجسم، وأن إحداهن تعرضت لخنق حيث لوحظ وجود آثار غائرة على رقبتها)، وحسب المركز يرتفع عدد السيدات الفلسطينيات اللواتي قتلن في ظروف غامضة منذ بداية العام الحالي إلى 12 سيدة، ومن الواضح أن مقتل السيدات الثلاث عملية منظمة وشبه علنية، فقد أفادت التحقيقات (أنه وعند الساعة 22.00 من مساء السبت الموافق الحادي والعشرين من الشهر الحالي، وصلت إلى مقبرة الشهداء بوادي السقا شرق دير البلح سيارة ماغنوم بيضاء اللون، نزل منها أشخاص وألقوا بالجثث الثلاث في حفرة كانت معدة مسبقا، وأهالوا عليهن التراب وقد شاهدهم سكان المنطقة فأبلغوا القوة التنفيذية التي وصلت برفقة سيارات الإسعاف للمكان وتم نقل الجثامين إلى المستشفى).
لذلك فإن كل هذه المؤشرات لا تبشر بالخير، خاصة إذا انتشر الفكر الظلامي الذي يحل التكفير محل التفكير، وينصّب أصحابه أنفسهم مسؤولين عن الأخلاق العامة في المجتمع، والتخوف أيضا نابع من ممارسات سبقت ما سمّي تحرير قطاع غزة، إذ تمت مصادرة كتب وإلغاء مهرجانات فنية وموسيقية، و قد شهد المجتمع الفلسطيني في سنوات سابقة سكب (ماء النار) على وجوه فتيات غير محجبات. من هنا تأتي أهمية إدانة قتل الشاعر المقاتل نصر أبو شاور ومحاولة الاعتداء على الشاعر الكاتب باسم النبريص وكل الأعمال الوحشية التي ضمن نفس السياق، ولا عزاء لنا يا نصر(المقتول بأيد فلسطينية) إلا أن نصمد في وجه هؤلاء الظلاميين مثل صمودك الشجاع الذي أدّى إلى قتلك، وأنت يا باسم النبريص ياصاحب الكلمة الشجاعة نتضامن معك ومع يدك التي خطّت كلمات التعزية بمقتل الشاعر المقاتل نصر أبو شاور، والعزاء الحار لكل الطيبين من عائلة (أبو شاور) وعميد الكلمة فيهم الصديق المبدع (رشاد أبو شاور)، ومن لا يبكي يا أبو الطيب لقولك في رثاء المقاتل الشاعر الفنان (نصر):
(هذه أمك التسعينية التي ربتنا معا ها هي تنوح. أخفينا عنها أن قاتلك فلسطيني متعصب، ممتلىء الرأس بالأوهام والصدر بروح الانتقام)، هولاء القتلة يا أبو الطيب ينطبق عليهم عنوان مقالة لك (ناس بلا أخلاق).
ahmad64@hotmail.com