البابا شنوده والانقلاب على الذات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لاشك أن من يراقب دعوات الإصلاح والتغيير بالكنيسة المصرية الأرثوذكسية، والتي تصاعدت حدتها في هذه الأيام، وفي مقدمتها تيار العلمانيين الأقباط، الذي يسعى لتحديث وتطوير إدارة الكنيسة، لتصير مؤسسة قادرة على إنتاج مواطن مصري صالح، ونقول صالح ليس بالمعنى التقوي فقط، لكنه صالح ليكون فاعلاً في المجتمع الديموقراطي الحداثي الذي ننشده جميعاً كمصريين بغض النظر عن انتماءاتنا الدينية، كما يسعى تيار العلمانيين لاعتماد قوانين ولوائح كنسية، كفيلة إذا ما سارت الكنيسة بموجبها أن تتلافى الكم الهائل من السلبيات، والذي تراكم بصورة غير مسبوقة في الثلاثة عقود ونصف المنصرمة، التي هي فترة جلوس البابا شنوده على كرسي مار مرقص الرسول، من يراقب فكر العلمانيين الأقباط وغيرهم من دعاة الإصلاح، يتصور أن هؤلاء يأتون بأفكار جديدة على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بل وقد يصدق ما يدعيه بعض المتطوعين للدفاع عن الوضع القائم، بأن تلك الأفكار الجديدة لا تتناسب مع مؤسسة كنسية لها خصوصياتها، التي لابد وأن تختلف عن أي مؤسسة أخرى.
وقد يصدق البعض ما تدعيه قيادات الكنيسة وعلى رأسهم قداسة البابا، أن دعاة الإصلاح لا يعرفون بالتحديد ماذا يريدون، وأنهم مجرد طلاب شهرة، وحين وصلني من الصديق الأستاذ/ كمال زاخر (الذي لا يتحمل مسئولية هذا المقال) مقتطفات من مجلة مدارس الأحد (المنتمية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية) في الفترة من عام 1950- 1954، والتي كان المدير المسئول فيها الأستاذ/ نظير جيد (البابا شنوده حالياً)، فوجئت أن ما نقوله حالياً وأكثر منه، قد سبق نظير جيد بالمناداة به، بهجومية وجسارة أعترف بأنه ليس فينا الآن من يمتلكها، وحرصاً على ألا أثقل على القارئ، سأكتفي بعرض بعض فقرات من الكثير الذي وصلني:
- مجلة مدارس الأحد: يونيو 50 من مقال بعنوان البطريرك الذي نرجوه (أ. د. وليم الخلي):
لقد صارت البتولية إذاً شرطاً للأسقفية والبطريركية، لذلك قد ينتخب الراهب ـ ساكن الأديرة ـ لبتوليته ومؤهلاته إذا كان مستوفياً لجميع شروط هذه المرتبة الأسقفية، وإننا لنقدر المزايا الفريدة والنعم السامية التي يستفيدها الراهب الحقيقي من وجوده في الدير، ولكن مع ذلك ليست الرهبنة شرطاً للأسقفية. فقد انتخبت الكنيسة بطاركتها وأساقفتها من البتوليين رهباناً وغير رهبان، بل لقد سجل التاريخ الكنسي أسماء أربعة وثمانين بطريركاً فضلاً عن عدد لا حصر له من أساقفة ومطارنة كانوا جميعاً علمانيين، ولم يقع هذا الاختيار على أمثال هؤلاء قبل عهد الرهبنة فقط بل إبان ازدهارها، فلم تنتخب الكنيسة القديسين أنطونيوس أو بولا أو مكاريوس أو باخوميوس أو شنوده للبطريركية، بل فضلت عليهم غيرهم من غير سكان الأديرة.
- مجلة مدارس الأحد: أغسطس 53 ( الافتتاحية ) ـ تحت عنوان "كلمة تفاهم":
علينا أن نفكر في وضع سليم للكنيسة، وإن كان يأتي بالنجاح المقصود ولو بعد حين، وهذا يجعلنا نبحث موضوعاً أخطر وهو ( البطريرك الذي نرجوه ).. لهذا يظهر تماماً أن تعديل لائحة انتخاب البطريرك أمر جوهري جداً يجب أن يتم بأقصى سرعة من أجل سلامة الكنيسة، على أن يتم هذا التعديل في نطاق القوانين الكنسية... نقول هذا لأن هناك اتجاهاً غير خاف من الآباء المطارنة والأساقفة الحاليين يهدفون به إلى ضمان الكرسي البطريركي لواحد منهم، إن مدارس الأحد ستهاجم هذا الاتجاه منهم حتى لا نلقى الكنيسة إلى سبى جديد لا نعرف مداه.
- مجلة مدارس الأحد: سبتمبر 53 ( الإفتتاحية ) ـ تحت عنوان "تغيير لائحة انتخاب البطريرك":
المرشح للبطريركية: يجب أن تتعدل المادة الأولى من اللائحة المعمول بها الآن بحيث ينص فيها صراحة على عدم جواز ترشيح المطارنة والأساقفة للكرسي البطريركي، ونحن مستعدون لتزويد المجلس الملي بالإثباتات القانونية لهذه النقطة، وبشهادة التاريخ على ذلك، وبالحكمة التي على أساسها لم تختر الكنيسة القبطية طوال تاريخها الماضي مطراناً للكرسي البطريركي إلا في هذا القرن العشرين.
وإن كان الآباء المطارنة والأساقفة في مجمعهم الذي عقدوه في العام الماضي قد قرروا جواز انتخاب واحد منهم للكرسي البطريركي، فإننا نقول علانية أن قرارهم باطل شرعاً، بل أن هناك في القوانين الكنسية نصوصاً تقطع الأساقفة الذين يقررون أمراً يختلف مع روح أو نص القوانين الكنسية السابقة.
ونحن نقول أكثر من هذا أن قوانين الكنيسة لا تمانع في اختيار علماني لمنصب البطريركية في الوقت الذي تمنع فيه اختيار المطارنة لهذا المنصب. وإن تاريخ الكنيسة القبطية يحمل أمثلة أختير فيها أستاذ في الكلية الإكليريكية أو شماس أو موظف حكومي أو تاجر أو أحد الأعيان لمنصب البطريركية بينما لا نجد مثالاً واحداً لمطران أختير بطريركاً للكرسي المرقسي... والذي يقرأ طقس سيامة البطاركة يلمح فيه صراحة إمكان إختيار علمانى للكرسى البطريركى وعدم إمكان اختيار المطران.
من هم الناخبون: لائحة انتخاب البطريرك التي يعمل بها الآن هي القانون 37 لسنة 1942 وفى المادة التاسعة منها ( والتي بقيت كما هي في لائحة 1957 ) عليها ملاحظات:
1 ـ الشعب وصفوة الشعب المختارة لا يسمح لها بالانتخاب إلا بقيد السن!!
2 ـ ومعنى هذا أيضاً أن الشباب المثقف الذي يفهم أوضاع الكنيسة السليمة على حقيقتها. الشباب المثقف من أطباء ومحامين ومهندسين ومدرسين... الخ لا يسمح لهم أن ينتخبوا بطريركهم إلا إذا شاخوا. إن هذا الشباب المثقف يجب أن يسمح له بالمساهمة في انتخاب البطريرك، وقد سمحت له الدولة أن يساهم في النهوض بالمجتمع كله وليس المجتمع القبطي فحسب... لذلك نطالب بإلغاء شرط السن، يكفى أن يكون الناخب بالغاً لسن الرشد وكفى..
شيطان السرعة: الذي يدرس اللائحة الحالية لانتخاب البطريرك ( والكلام ينطبق على لائحة 57 أيضاً ) يلمح ميلاً عجيباً للإسراع في إجلاس إنسان على الكرسي البطريركي كأنما يخاف المشرع أن يطير الكرسي فلا يعثر عليه أحد !! لماذا الإسراع والأمر خطير؟!
لقد قلنا من قبل ونقول مرة أخرى وثالثة، وسنقول طالما نحن أحياء:
بقاء الكرسي خالياً خير من أن يجلس عليه شخص غير مستحق.
بقاء الرعية بلا راع خير من أن يؤتى بذئب وينصب راعياً.
انتهى الاقتباس
الآن من حق الجميع أن يتساءلوا: لماذا انقلب البابا شنوده على نظير جيد، وهل يمكن أن ينقلب الإنسان على ذاته إلى هذه الدرجة؟
أين اعتزاز الإنسان بمواقفه وآرائه التي أعلنها بقوة وشجاعة لا نرى الآن نظيرها؟!
وأين حق الناس والمجتمع في أن يجدوا من القائد بعض (إن لم يكن كل) ما كان ينادي به، قبل تربعه على العرش المذهب والوثير؟!
تأملت واحترت كثيراً كما الجميع (فيما أعتقد)، حتى جاءتني صورة لغلاف مجلة مدارس الأحد في تلك الفترة (وبقيت هي صورة الغلاف لمدة)، وتصور السيد المسيح وبيده كرباج ويهم باستخدامه، تأملت الصورة ملياً وتساءلت:
ترى هل تخيل مدير تحرير المجلة (نظير جيد) نفسه وكيلاً عن السيد المسيح، يضرب بسوط كلماته الكنيسة والقطيع، ليسوقهم إلى حيث يريد، أو بالأصح إلى حيث تريد العناية الإلهية، التي فوضته لتنفيذ إرادتها؟!!
هل لهذه الصورة وهذا التصور للذات لدى نظير جيد علاقة بالعبارات الحازمة والقاسية الواردة أعلاه، والتي يجزم فيها ببطلان لائحة انتخاب البطريرك وقرار المجمع المقدس؟!!
لا يقول العلمانيون الأقباط الآن أن اللائحة باطلة شرعاً، كما سبق وقال نظير جيد، كما لم نقل أن ما ترتب على باطل فهو باطل، لكننا نقول أن اللائحة مادامت معتمدة فهي قانونية وشرعية، مهما كان لنا عليها من ملاحظات، وأننا نريد تغييرها لتحقيق الأفضل، ذلك الأفضل الذي سبق وأن نادى به نظير جيد، ثم ما لبث وانقلب عليه، حين دان له الأمر والسلطة.
هل اتضح للقارئ الآن الفرق بين خطاب نظير جيد، وبين خطاب تيار العلمانيين الأقباط؟
كلاهما خطاب إصلاحي راديكالي، لكن الخطاب الأول كان خطاب من يتصور نفسه مفوض العناية الإلهية، وأن بيده سوط يقود به الكنيسة إلى حيث تشاء عنايته المستمدة من الإله، وبالتالي فمن حقه أن يصدر أحكاماً بالبطلان وعدم الشرعية!!
أما خطاب العلمانيين الأقباط فمن أرضية مختلفة تماماً، من أرضية أن نتشارك جميعاً لنتباحث فيما هو أصلح لكنيستنا ووطننا، وأن ما نقدمه من آراء ومقترحات ليست حقيقة مطلقة مقدسة، وإنما مجرد مواد على مائدة بحث لابد وأن تجمع الجميع، علمانيين وكهنة وأساقفة، لنتوصل سوياً إلى التصور الذي يحقق أكبر قدر من الإيجابيات، وأقل قدر من السلبيات، فلا أحد من العلمانيين الأقباط (فيما أعتقد) يتصور نفسه مرسل من العناية الإلهية لإنقاذ الأقباط، ولم نرفق أوراقنا البحثية المقدمة للبابا والمجمع المقدس أي صورة يبدو فيها السيد المسيح وهو يسمك سوطاً يهم أن يستخدمه!!
هل لازال السؤال لماذا انقلب البابا شنوده على نظير جيد معلقاً بلا إجابة؟
لا أعتقد، فالأمر بات واضحاً، فالرجل نظير جيد كان يعتقد أن إرادته تمثل إرادة الله، فكتب ما كتب وهو مازال خارج السلطة، وحين دانت له السلطة ووجدت أن إرادته تقتضي أن يرسم أساقفة ومطارنة دون سن الثلاثين (وهو ما سبق أن ندد به في مجلته الغراء)، ليكونوا طوع بنانه، فعلها دون أن يستشعر بطلانها (كما سبق وأعلن) فكيف تكون باطلة وهي تصدر عن إرادته المقدسة، المستمدة مباشرة من إرادة الإله؟!
وفق هذا التصور (إن صح) هل يكون الرجل قد خالف ما وعدنا به وهو علماني؟
لا أعتقد، فقد قاد الكنيسة طوال الثلاثة عقود ونصف المنصرمة بنفس النهج الذي أوضحته صورة غلاف المجلة، فقد استعمل الرجل السوط، ولكن ليس مثل السيد المسيح في التلويح (مجرد التلويح ولم يضرب به أبداً) للخطاة، وإنما استخدمه في جلد كل رأي معارض، وكل من يفتح فمه بغير ما تشتهي إرادة البابا، السمائية المصدر!!
ملحوظة هامة:
اضطررت في السطور أعلاه أن أتحدث باسم العلمانيين الأقباط، لكن هذا لا يعني أني أتحدث في هذه السطور باسمهم، فأنا المسئول وحدي عما ورد من آراء.
kamghobrial@yahoo.com