كتَّاب إيلاف

حماس تحولت ألى مدير لسجن... أسمه غزة!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

على الرغم من أن أي شيء يظل أفضل من لا شيء، ليس كافياً أن تطلق أسرائيل نحو مئتين وخمسين أسيراً فلسطينياً في محاولة واضحة منها للتظاهر بدعم السلطة الوطنية الفلسطينية. ما فعلته ذر للرماد في العيون يستهدف الأدعاء أنها وفّرت دعماً فعلياً للسلطة وهي في الواقع لم توفّر شيئا يذكرً. تفعل أسرائيل ذلك متأخرة جداً، أي بعدما عملت كل ما تستطيع من أجل القضاء على مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. بدأت في ذلك بطريقة منهجية منذ ما يزيد على عشر سنوات، أي منذ أصبح بنيامين نتانياهو رئيساً للوزراء في العام 1996 من القرن الماضي بفضل العمليات الأنتحارية في القدس وتل أبيب التي نفذّتها "حماس" ومن لفّ لفها بهدف واضح كلّ الوضوح يتمثل في القضاء على أيّ أمل في أعادة الحياة للعملية السلمية. من يريد أن يتذكر كيف كانت القنابل تنفجر في باصات النقل العام في فترة ما قبل لأنتخابات الأنتخابات الأسرائيلية ربيع العام 1996 لضمان فوز نتانياهو على شمعون بيريس الذي كان يمثل وقتذاك أمتداداً لسياسة أسحق رابين الذي أغتيل في نوفمبر من العام 1995 ؟ لا يعني ذلك أن بيريس كان يعمل من أجل السلام الذي يؤمن للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه على أرضه التاريخية. لكن ما لا يمكن أنكاره أن بيريس ما كان يستطيع الأنقلاب كلياً على عملية السلام كما فعل نتانياهو.
الملفت أن الجهود تضافرت وقتذاك من أجل الأنتهاء من العملية السلمية الهادفة ألى تطوير أتفاق أوسلو وسد الثغرات فيه والأنطلاق من ذلك في أتجاه أقامة دولة فلسطينية مسالمة "قابلة للحياة". كان ذلك هدف اليمين الأسرائيلي الحالم ب"أسرائيل الكبرى"، كما كان هدف "حماس" والذين يقفون خلفها وخلف العمليات الأنتحارية التي لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الويلات!
أتفق المتطرفون من كل الجهات على تدمير العملية السلمية، متطرفو أسرائيل ومتطرفو العرب وغير العرب. كان مطلوباً محو أي آثار لأوسلو الذي يظل أهم ما فيه الأعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة أسرائيل من جهة وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية على أرض فلسطين من جهة أخرى. وبكلام أوضح، أقام المتطرفون الأسرائيليون حلفاً غير معلن مع كل متطرفي المنطقة من المحيط ألى الخليج، ألى أبعد من الخليج، أي ألى أيران من أجل الأنتهاء من أي أسس يمكن أن تبنى عليها تسوية. لم يدرك الأسرائيليون أن محاربة الأرهاب لا تكون بممارسة الأرهاب أي بتكريس الأحتلال بدل السعي ألى الأنتهاء منه.
من الضروري العودة ألى خلف قليلاً للتأكد من أن مايحدث حالياً كان نتيجة ممارسات خاطئة ورهانات أسرائيلية على أن في الأمكان تجاوز عملية السلام التي تفضي ألى أقامة دولة فلسطينية. في الماضي، أيام أسحق رابين، كان الرد على العمليات الأنتحارية بالأصرار على متابعة تنفيذ الأتفاقات التي توصل أليها الطرفان. في أيام نتانياهو، صار مطلوباً التنصل من الأتفاقات. لكن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الفلسطينون، كان في طريقة التعاطي مع التطورات الداخلية والأقليمية في مرحلة ما بعد قمة كامب ديفيد صيف العام 2000 . يدفع الفلسطينيون حالياً ثمن القرار القاضي بعسكرة الأنتفاضة الذي أتخذ بعد فشل قمة كامب دايفيد التي شارك فيها الرئيس كلينتون وياسر عرفات، رحمه الله، وأيهود باراك الذي كان رئيساً للوزراء وقتذاك والذي يشغل موقع وزير الدفاع حالياً.
في حال كانت لدى الفلسطينيين رغبة في معالجة الوضع الراهن، ليس أمامهم سوى أستعادة شريط الأحداث في السنوات الأخيرة. هناك أحتلال أسرائيلي يجب العمل من أجل التخلص منه. وهناك من يشجع على أستمرار الأحتلال. وفوق ذلك كله، هناك يمين أسرائيلي متحجرعلى أستعداد لتوظيف أي عنف يمارسه الفلسطينيون في عملية تكريس الأحتلال. ولذلك، كان قرار عسكرة الأنتفاضة خدمة كبيرة لأرييل شارون الذي تولى السلطة منذ فبراير من العام 2001 والذي أستطاع أغلاق أبواب واشنطن في وجه ياسر عرفات، ثُمّ أستغل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لوضع الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني في الأقامة الجبرية فيما العالم كله، بما في ذلك العالم العربي، يتفرّج.
لم يكتف شارون بذلك، بل أنقض على كل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. كان يرد على كل عملية تنفذها "حماس" بضرب مقرات السلطة الوطنية مع تركيز خاص على المؤسسات الأمنية وبالقاء اللوم، كلّ اللوم، على "أبو عمار"، علما بأن الأخير كان قابعاً في مقره في رام الله تحت الحصار. كان شارون واضحاً. كان يريد الأنتهاء من أي شيء أسمه مفاوضات مع الفلسطينيين. لذلك أقدم على الأنسحاب الأحادي الجانب من غزة وباشر في أقامة "الجدار الأمني" على طول ما يزيد على سبعمئة كيلومتر لأبتلاع أجزاء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. أن الضفة الغربية تظل ألى أشعار آخر الأرض الوحيدة التي تهم أسرائيل. ولذلك هناك سعي دائم لدى المسؤولين في الدولة اليهودية ألى أقناع العالم بأنها ليست أرضا محتلة بمقدار ما أنها "أرض متنازع عليها".
لا شك أن أستيلاء "حماس" على غزة أنتصار كبير لأسرائيل. أين مشكلة الدولة اليهودية حين تكون واجهة الشب الفلسطيني حركة تطالب بفلسطين من البحر ألى النهر ومن النهر ألى البحر، حركة متحالفة مع النظام الأيراني الذي يدعو رئيسه ألى أزالة الدولة اليهودية من الوجود، حركة همها الأول السلطة من أجل السلطة وتغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بدل العمل من أجل أقامة دولة فلسطينية مستقلة؟ من يريح أسرائيل أكثر من "حماس" في حال لم يطرأ تغيير جذري على مواقف الحركة بما في ذلك العودة عن جريمة الأنقلاب الذي نفّذ في غزة... من يريح أسرائيل أكثر من تحول غزة ألى تهديد لمصر والمنظومة الأمنية العربية عموما، في ظل العلاقات المتشعبة التي تقيمها "حماس" مع قوى مختلفة تراوح بين حركة "الأخوان المسلمين" وتنظيمات تابعة بطريقة أو بأخرى ل"القاعدة" فضلاً عن العلاقة الوطيدة بين قادتها والنظام الأيراني.
من هذا المنطلق، لا تبدو الخطوة الأسرائيلية القاضية بأطلاق عدد محدود من المعتقلين الفلسطينيين كافية في أي شكل. صحيح أن ليس في الأمكان سوى الترحيب بأستعادة أي فلسطيني حريته، لكن الصحيح أيضاً أن على أسرائيل التخلي عن سياسة تقوم على مبدأ أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه وأن عليها القضاء على مؤسسات السلطة الوطنية بأي شكل.
ستبين في الأسابيع المقبلة ما أذا كانت هناك نية أسرائيلية في العودة الى العملية السلمية. لقد تخلصت السلطة الوطنية الفلسطينية بعد سقوط غزة في يد "حماس" عن البيانات الغامضة التي يمكن لكل طرف تفسيرها على طريقته والتي لا تصب سوى في مصلحة من يسعى ألى تجميد عملية السلام. وبين هذه البيانات أتفاق مكة السعيد الذكر الذي لم يحل أي مشكلة بين "فتح" و "حماس". قبل ذلك، كان رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (أبو مازن) أنتخب من الشعب مباشرة على أساس برنامج واضح يدعو ألى العودة عن خطأ عسكرة الأنتفاضة. في النهاية ما الذي تريد أسرائيل؟ هل تريد التخلي عن الأحتلال أم أن الهدف تكريس الأحتلال وأن كل الجهود الدولية لن تثنيها عن ذلك؟
لا بدّ من العودة ألى أساس كل المشاكل. أنه الأحتلال. ثمة فرصة للبحث في أزالة الأحتلال تمهيداً لقيام دولة فلسطينية مستقلة. أن غزة مشكلة. ولكن ألى أين يمكن أن تذهب غزة بعد تحول القطاع الى سجن كبير لمليون ونصف مليون فلسطيني تديره "حماس" . تحولت "حماس" بكل بساطة من حركة تدعي أنها تريد تحرير كل فلسطين ألى مدير لسجن ذي سقف مفتوح هو قطاع غزّة. في حال كان العالم ممثلاً باللجنة الرباعية ومبعوثها الجديد توني بلير يريد حلا، في الأمكان التوصل ألى نتائج ملموسة. كل شيء سيتوقف على الخطوة الأسرائيلية المقبلة. هل تتخلى الدولة اليهودية عن التلهي بالقشور وتدخل في صلب الحل، أم أن الأجندة الأسرائيلية المرتكزة على أستغلال الوقت لتكريس الأحتلال أقوى من أي أعتبارات أخرى، بما في ذلك حاجة العالم ألى أستقرار في الشرق الأوسط. هل ينتصر الفكر المتطرف والأرهابي لأرييل شارون الموجود في غيبوبة عميقة على الأرادة الدولية؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف